دونباس... محور الحرب في أوكرانيا وهدف روسيا بالمفاوضات

جنود أوكرانيون يطلقون نيران مدفعية باتجاه مواقع روسية في مقاطعة بوكروفسك شرقي دونيتسكفي 8 أغسطس الجاري (أ.ف.ب)
جنود أوكرانيون يطلقون نيران مدفعية باتجاه مواقع روسية في مقاطعة بوكروفسك شرقي دونيتسكفي 8 أغسطس الجاري (أ.ف.ب)
TT

دونباس... محور الحرب في أوكرانيا وهدف روسيا بالمفاوضات

جنود أوكرانيون يطلقون نيران مدفعية باتجاه مواقع روسية في مقاطعة بوكروفسك شرقي دونيتسكفي 8 أغسطس الجاري (أ.ف.ب)
جنود أوكرانيون يطلقون نيران مدفعية باتجاه مواقع روسية في مقاطعة بوكروفسك شرقي دونيتسكفي 8 أغسطس الجاري (أ.ف.ب)

مع اشتداد المفاوضات بشأن اتفاق محتمل لإنهاء الحرب في أوكرانيا، تركزت معظم المناقشات حول جزء من شرق البلاد لطالما اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن السيطرة عليه أولوية.

وهذا الجزء يتضمن منطقتي دونيتسك ولوغانسك الأوكرانيتين، والمعروفتين مجتمعتين باسم دونباس. وقد شكلتا قوة صناعية هائلة في الحقبة السوفياتية، حيث كانتا موطناً لمناجم الفحم، ومصانع الصلب.

لكن منطقة دونباس تتميز أيضاً بأراضٍ زراعية خصبة، وأنهار مهمة، وساحل على بحر آزوف.

ووصفت شبكة «سي إن إن» الأميركية منطقة دونباس بأنها الجزء «الأكثر ميلاً لروسيا» في أوكرانيا، مع وجود عدد كبير من الناطقين بالروسية بها.

وقالت الشبكة إنها قامت برحلات متعددة إلى المنطقة قبل عشر سنوات، واتضح لها أن بعض سكانها يعارضون حكومة كييف.

ومن هنا بدأ بوتين جهوده لزعزعة استقرار أوكرانيا عام 2014 بعد أن تعرضت مساحات شاسعة من هذه المنطقة للدمار بشكل كبير حين دعمت موسكو تمرداً للانفصاليين الموالين لروسيا، بعضهم كان مجهزاً تجهيزاً جيداً بالدبابات، وسرعان ما انتزعوا آنذاك مدينتي لوغانسك ودونيتسك من الجيش الأوكراني ضعيف التجهيز.

وعلى مدى 8 سنوات تقريباً، شهدت الجيوب الانفصالية قتالاً، اتسم بالعنف أحياناً، بين الانفصاليين المدعومين من روسيا والقوات الأوكرانية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 14 ألف شخص، وفقاً للأرقام

الأوكرانية.

وغادر ما لا يقل عن مليون ونصف المليون أوكراني إقليم دونباس منذ عام 2014. ويُقدر أن أكثر من 3 ملايين يعيشون تحت الاحتلال الروسي.

ووزّعت موسكو مئات الآلاف من جوازات السفر الروسية على سكان المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون في دونباس.

لكن بوتين أراد المزيد. وعشية الغزو الروسي الشامل في فبراير (شباط) 2022، قال إن «ما يُسمى بالعالم المتحضر يُفضل تجاهل الفظائع والإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان منطقة دونباس البالغ عددهم 4 ملايين نسمة»، واعترف بلوغانسك ودونيتسك دولتين مستقلتين.

وفي وقت لاحق من ذلك العام، ضمت موسكو من جانب واحد -وبشكل غير قانوني- المنطقتين بعد استفتاءين صوريين، إلى جانب منطقتي خيرسون وزابوريجيا الجنوبيتين.

«روسيا الكبرى»

وحالياً تُسيطر القوات الروسية على أكثر من 99 في المائة من منطقة لوغانسك و79 في المائة من منطقة دونيتسك، بالإضافة إلى عاصمتيهما، حيث تعتبر دونباس المكان الذي حققت فيه روسيا أكبر تقدم لها في ساحة المعركة هذا العام، وهي الهدف الرئيس لها في المفاوضات.

وبالنسبة للكرملين، هناك فرق شاسع بين الانسحاب من الأراضي المحتلة (كما فعل الروس عندما انسحبوا من معظم شمال أوكرانيا عام 2022)، والتخلي عن مناطق تم ضمها رسمياً إلى الوطن الأم -خاصة بالنسبة لزعيم مثل بوتين المهووس بـ«روسيا الكبرى».

ويقول المحللون إن فرصة أوكرانيا لاستعادة الكثير مما فقدته بالفعل ضئيلة.

لكن كييف لا تزال تحتفظ بـ«حزام حصين» من المدن الصناعية والسكك الحديدية والطرق في هذه المنطقة، مما يُشكل عائقاً كبيراً أمام قوات بوتين. يتعلق هذا بأماكن مثل سلوفيانسك وكراماتورسك وكوستيانتينيفكا في دونيتسك.

«انتحار سياسي»

وأشار المحللون إلى أن فكرة تخلي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن بقية دونيتسك، وهي الأراضي التي ضحى العديد من الجنود الأوكرانيين بحياتهم للدفاع عنها، ستكون بمثابة «انتحار سياسي».

ووفقاً لمعهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، يعارض نحو ثلاثة أرباع الأوكرانيين التخلي عن أي أرضٍ لروسيا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الانسحاب من بقية دونيتسك سيُعرّض السهول الشاسعة المفتوحة الأقل تحصيناً في وسط أوكرانيا لخطر هجوم روسي، كما أشار زيلينسكي مراراً وتكراراً، فضلاً عن كون التنازل عن الأراضي الأوكراني أمراً غير دستوري.

قوات أوكرانية في إقليم دونباس الجنوبي (أ.ف.ب)

وبالنسبة لحلفاء زيلينسكي الأوروبيين، سيُخالف ذلك أيضاً مبدأً أساسياً: ألا وهو أن العدوان لا يُكافأ بالأرض، وأن السيادة الأوكرانية يجب أن تُحمى.

وكما كان الحال في عام 2014، لا تزال دونباس بوتقة طموحات بوتين في أوكرانيا، والاختبار الأكبر لأوروبا في سعيها للتمسك بنظام دولي قائم على اتباع القوانين والنظم والقواعد الأساسية.

 

 


مقالات ذات صلة

من منفاهما في روسيا.. رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد يخططان لانتفاضتين

المشرق العربي عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر بمقر الفرقة الرابعة بدمشق في يناير الماضي (رويترز)

من منفاهما في روسيا.. رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد يخططان لانتفاضتين

كشف تحقيق أن اثنين كانا ذات يوم من أقرب رجال بشار الأسد وفرا من سوريا بعد سقوطه، ينفقان ملايين الدولارات على عشرات الآلاف من المقاتلين المحتملين لإطلاق انتفاضة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (د.ب.أ)

تحقيق: بوتين أعطى الإذن بتسميم الجاسوس الروسي السابق سكريبال في بريطانيا

خلص تحقيق عام في بريطانيا، اليوم (الخميس)، إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا بد أنه أمر بالهجوم باستخدام غاز الأعصاب «نوفيتشوك» على العميل الروسي المزدوج.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحدثان في برلين بألمانيا يوم 23 يوليو 2025 (إ.ب.أ)

ماكرون وميرتس قلقان من النهج الأميركي للسلام في أوكرانيا

كشفت مجلة «شبيغل» الألمانية أن الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني عبّرا عن تشككهما في الاتجاه الذي تسلكه أميركا للتفاوض على السلام بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد لافتة لشركة «لوك أويل» على منصة النفط فيلانوفسكوغو في بحر قزوين بروسيا (رويترز)

الولايات المتحدة تعلن تعليق بعض عقوباتها على شركة نفط روسية

أعلنت الولايات المتحدة تعليق بعض العقوبات التي فرضتها على شركة النفط الروسية العملاقة «لوك أويل»، للسماح لمحطات الوقود في خارج روسيا بمواصلة العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يسار) والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف (يمين) (أ.ف.ب) play-circle

بوتين يقول جوانب من خطة واشنطن لإنهاء الحرب الأوكرانية غير مقبولة للكرملين

بوتين يؤكد أن جوانب من خطة واشنطن لإنهاء الحرب الأوكرانية غير مقبولة للكرملين وويتكوف وكوشنر يستمران في محادثاتهما حولها مع أوميروف في ميامي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
TT

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)

قال الجيش الأوكراني في ساعة متأخرة من يوم الخميس إن قواته ضربت مصنعا كبيرا للمواد الكيميائية في منطقة ستافروبول بجنوب روسيا، ما أدى إلى اندلاع حريق.

وكتبت هيئة الأركان العامة للجيش على تطبيق تلغرام أن مصنع نيفينوميسكي أزوت تعرض للقصف يوم الخميس، موضحة أن المنشأة تنتج مكونات للمتفجرات ووصفتها بأنها واحدة من أكبر المنشآت من هذا النوع في روسيا.

ولم يصدر على الفور رد فعل من جانب المسؤولين الروس، ولم تتمكن رويترز من التحقق من صحة ما أعلنه الجيش الأوكراني بشكل مستقل.


أوكرانيا تعبر عن رغبتها في «سلام حقيقي وليس تهدئة» مع روسيا

آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
TT

أوكرانيا تعبر عن رغبتها في «سلام حقيقي وليس تهدئة» مع روسيا

آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)

قال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها، اليوم الخميس، في كلمة أمام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن أوكرانيا تريد «سلاماً حقيقياً وليس تهدئة» مع روسيا.

وتسعى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وهي هيئة معنية بالأمن والحقوق، إلى الاضطلاع بدور في أوكرانيا ما بعد الحرب.

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس الأربعاء، إن الطريق أمام محادثات السلام غير واضح حالياً، في تصريحات بعد محادثات وصفها بأنها «جيدة إلى حد معقول» بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومبعوثين أميركيين.

وأضاف سيبيها أمام المجلس الوزاري السنوي للمنظمة: «ما زلنا نتذكر أسماء أولئك الذين خانوا الأجيال القادمة في ميونيخ. يجب ألا يتكرر ذلك مرة أخرى. يجب عدم المساس بالمبادئ ونحن بحاجة إلى سلام حقيقي وليس إلى تهدئة».

جنود روس يقومون بدورية بمنطقة سودجا بإقليم كورسك (أرشيفية - أ.ب)

وأشار الوزير بهذا على ما يبدو إلى اتفاقية عام 1938 مع ألمانيا النازية، التي وافقت بموجبها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا على أن يضم أدولف هتلر إقليماً فيما كان يُعرف آنذاك بتشيكوسلوفاكيا. وتستخدم هذه الاتفاقية على نطاق واسع باعتبارها إشارة إلى عدم مواجهة قوة مهددة.

ووجه سيبيها الشكر للولايات المتحدة على ما تبذله من جهود في سبيل إرساء السلام، وتعهد بأن أوكرانيا «ستستغل كل الفرص الممكنة لإنهاء هذه الحرب»، وقال: «أبرمت أوروبا الكثير للغاية من اتفاقيات السلام غير العادلة في الماضي. أسفرت جميعها عن كوارث جديدة».

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس إن فريقه يستعد لعقد اجتماعات في الولايات المتحدة وإن الحوار مع ممثلي ترمب سيستمر.

وبرزت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تضم 57 دولة منها الولايات المتحدة وكندا وروسيا ومعظم دول أوروبا وآسيا الوسطى، بوصفها منتدى مهماً للحوار بين الشرق والغرب خلال الحرب الباردة.

وفي السنوات القلائل الماضية، وصلت المنظمة إلى طريق مسدود في كثير من الأحيان، إذ عرقلت روسيا تنفيذ قرارات مهمة، واتهمتها بالخضوع لسيطرة الغرب. واشتكت روسيا في بيانها من «هيمنة أوكرانيا الشاملة على جدول الأعمال» في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.


تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
TT

تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)

ذكرت وسائل إعلام محلية في آيرلندا، الخميس، أن سفينة تابعة للبحرية الآيرلندية رصدت ما يصل إلى 5 طائرات مسيرة تحلق بالقرب من مسار طائرة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لدى وصوله في زيارة دولة إلى آيرلندا، يوم الاثنين.

وذكرت صحيفة «آيريش تايمز» أن عملية الرصد أثارت استنفاراً أمنياً واسعاً وسط مخاوف من أنها محاولة للتدخل في مسار الرحلة. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمّها القول إن الطائرة، التي وصلت قبل موعدها بقليل، لم تكن معرضة للخطر، وفقاً لوكالة «رويترز».

ووصل الوفد الأوكراني في ساعة متأخرة من مساء يوم الاثنين، وغادر في وقت متأخر من اليوم التالي، في إطار رحلة للمساعدة في حشد الدعم الأوروبي لكييف، في الوقت الذي تواصل فيه روسيا حربها على أوكرانيا.

وأدّت توغلات الطائرات المسيرة، التي لم يُكشف عن الجهة المسؤولة عنها حتى الآن، إلى تعطيل حركة الملاحة الجوية في أوروبا في الآونة الأخيرة. ووصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، هذه التوغلات بأنها «حرب متعددة الوسائل».