رغم أن ألمانيا بحاجة إلى مليون ونصف مليون مهاجر سنوياً لكي تبقى عجلة اقتصادها دائرة، فإن أرقاماً صدرت عن «وكالة الإحصاء الفيدرالية» حول ارتفاع عدد المجنسين ستشكل مادة دسمة من دون شك للأحزاب اليمينية قبيل الانتخابات الأوروبية. وأظهرت الإحصاءات أن أكثر من 200 ألف شخص جرى تجنيسهم العام الماضي؛ نحو 40 في المائة منهم من السوريين.
ووفق «وكالة الإحصاء»، فإن هذا سببه عدد اللاجئين السوريين الكبير الذين وصلوا إلى ألمانيا منذ عام 2014، وبات كثير منهم يلبي شروط التجنيس. ومن الشروط الأساسية للحصول على الجنسية عدم أخذ مساعدات مالية من الدولة، وإثبات وجود وظيفة، ودفع الضرائب ومقابل الخدمات الاجتماعية بشكل كامل، إضافة إلى شرط اللغة الألمانية.
وأظهر الاستطلاع أن معدل عمر الحاصلين على الجنسية في العام الماضي كان 29 عاماً؛ وهو أقل بكثير من معدل عمر السكان في ألمانيا.
ويعدّ هؤلاء المجنسون جزءاً أساسياً من محرك الاقتصاد في ألمانيا؛ لأنهم في العمر المناسب، وهم يساهمون في إبقاء عجلة الاقتصاد دائرة من خلال العمل ودفع الضرائب وعدم سحب أموال من الإعانات الاجتماعية.
وتعاني الدولة الأقوى اقتصادياً في أوروبا من ارتفاع معدل عمر سكانها، مما يعني أنها قد تواجه أزمات تتعلق بنقص العمالة في كثير من المجالات خلال السنوات المقبلة. وقد دفع هذا القلق والضغوط من أصحاب الأعمال بالحكومة الحالية إلى اتخاذ خطوات تسهل دخول العمال ذوي المهارات إلى ألمانيا، واعتمد البرلمان قانوناً جديداً للعمالة يسمح لمن هم من خارج الاتحاد الأوروبي بالقدوم والعيش في ألمانيا لمدة عام بحثاً عن عمل. كما اعتمدت الحكومة الحالية قانون تجنيس جديداً يدخل حيز التنفيذ في 27 يونيو (حزيران) المقبل يسهل شروط الحصول على الجنسية ويقلص سنوات الانتظار من 8 سنوات إلى 5 سنوات وأحياناً إلى 3 سنوات في حال إثبات مستوى لغة متقدم، كما يسمح بازدواج الجنسية. ولكن اللاجئين، مثل السوريين الذي دخلوا ألمانيا عام 2015، لا يطبق عليهم جزء التخلي عن الجنسية في القانون الحالي لأنهم لاجئين، كما أن سوريا لا تسمح بالتخلي عن الجنسية.
وعدّت الحكومة الألمانية، التي يقودها الاشتراكيون، أن قانون التجنيس الجديد ضروري لكي تتحول ألمانيا إلى دولة قادرة على المنافسة في السوق العالمية وجذب اليد العاملة التي تحتاج إليها. ومع ذلك؛ فإن القانون واجه معارضة شديدة من «الحزب المسيحي الديمقراطي» الذي رفض؛ طوال 15 عاماً قاد فيها الحكومة بمستشارته السابقة أنجيلا ميركل، إدخال أي تعديل على قانون الجنسية. وهو اليوم يتعهد بقلب القانون في حال عاد إلى السلطة في انتخابات خريف العام المقبل.
كما واجه القانون اعتراضات كبيرة من حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، الذي نجح في جذب أعداد إضافية من المؤيدين بسبب معارضته الهجرة والمهاجرين واعتماده خطاباً شعبوياً. ورغم الفضائح الكثيرة المحيطة بالحزب؛ من بينها اجتماع سري شارك فيه أعضاؤه وناقش ترحيل المهاجرين والألمان من أصول مهاجرة، فإنه ما زال يتمتع بشعبية تتوسع يومياً. وتشير استطلاعات الرأي إلى تقدم الحزب في الولايات الشرقية الست؛ التي كان يحكمها السوفيات قبل الوحدة الألمانية، وهو يحل في المرتبة الأولى في معظمها. كما تشير الاستطلاعات إلى أن «البديل لألمانيا» سيحقق مكاسب كبيرة في الانتخابات الأوروبية في 6 يونيو المقبل رغم طرد تكتل أقصى اليمين في البرلمان الأوروبي للحزب بسبب شدة تطرفه.
والأسبوع الماضي أعلن التكتل الأوروبي أنه طرد الحزب الألماني بعد تصريحات من مرشحه الرئيسي والنائب الحالي في البرلمان الأوروبي، ماكسيمليان كراه، قال فيها إنه لا يمكن عدّ كل مقاتلي «قوات الأمن الخاصة النازية (إس إس)» مجرمين. وإضافة إلى ذلك، اعتقل مساعد كراه قبل بضعة أسابيع بعد اتهامه بالتجسس لمصلحة الصين. ورغم أن كراه نفسه لم توجه إليه اتهامات كهذه، فإن الشبهات تحوم حوله بسبب علاقات مشبوهة له مع الصين وروسيا.
ورغم أن القاعدة الشعبية الأساسية لليمين المتطرف هي في الولايات الألمانية الشرقية، فإنه يبدو أن هذه القاعدة تتوسع. وقد تسبب عدد من الفيديوهات التي انتشرت في الأيام القليلة الماضية على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر شباناً ألماناً من الأثرياء يغنون في حفلات في غرب ألمانيا وهم يرددون عبارات: «ألمانيا للألمان... الأجانب خارجاً»، وشريط من جزيرة «سيلت» القريبة من الحدود مع الدنمارك، في صدمة وإدانات كثيرة حتى من المستشار الألماني أولاف شولتز الذي وصفها بأنها «مقززة».