تعيش ألمانيا منذ أيام موجة من العنف ضد سياسيين من اليسار والوسط، كانت حتى الساعات الماضية محصورة بولاية ساكسونيا الشرقية، وتحديداً مدينة دريسدن التي تعد واحدة من معاقل اليمين المتطرف، والتي شهدت ولادة حركة «بيغيدا» المتطرفة بُعيد موجة اللاجئين السوريين عام 2015.
ولكن موجة العنف هذه يبدو أنها الآن توسعت ووصلت إلى العاصمة برلين، حيث تعرضت عمدة العاصمة السابقة فرنسيسكا غيفاي إلى اعتداء جسدي خلال زيارتها لمكتبة في روداو التي تقع في منطقة نويكولن المعروفة بتنوعها الثقافي، ولكنها مجاورة لمناطق شرق برلين، حيث يحظى اليمين المتطرف بتأييد واسع.
اعتداءات «صادمة»
وغيفاي التي تنتمي للحزب الاشتراكي الحاكم، خسرت منصبها كعمدة لبرلين قبل عام بعد تكرار الانتخابات لأخطاء في الاقتراع، ولكنها ما زالت تخدم في الحكومة المحلية، وهي الآن وزيرة الاقتصاد في حكومة الولاية. ومنذ خسارتها منصبها كعمدة، لم تعد غيفاي تتحرك مع حماية أمنية. وعندما تعرضت للاعتداء، كانت تزور مكتبة في الساعة الرابعة بعد الظهر، ضمن مهامها كوزيرة محلية، وقالت بأنها شعرت بضربة على رأسها وكتفها من الخلف وهي تتحدث إلى القائم على المكتبة.
وتمكن الرجل الذي ضربها بكيس يحوي مواد ثقيلة، بحسب وصفها، من الفرار. وأعلنت الشرطة في اليوم التالي أنه تم التعرف على الرجل، وهو يبلغ من العمر 74 عاماً، ومعروف لدى الشرطة، ولديه سجل يتعلق بكتابة رسائل تهديد لسياسيين. وغالباً الأشخاص الذين يرفضون الاعتراف بالدولة ينتمون لما يعرف بـ«مواطني الرايخ»، وهي مجموعة تضم نحو 20 ألف شخص من اليمينيين المتطرفين، والرافضين للدولة الألمانية بحدودها الحالية. وكان أعضاء الخلية، التي قبض عليها قبل أشهر لتخطيطها لانقلاب ضد الدولة، ينتمون لدوائر «مواطني الرايخ».
وتوجّهت غيفاي إلى المستشفى بعد تعرّضها للضربة التي وصفتها بـ«الصادمة» لمعاناتها من صداع وألم في الكتف. وغادرت المستشفى بعد وقت قصير. ورغم ذلك، أصرّت غيفاي على متابعة مهامها، وظهرت في اليوم التالي في فعالية كان معداً لها مسبقاً، ولكن هذه المرة محاطة بـ3 رجال أمن. وتحدّثت العمدة السابقة للصحافيين وهي في طريقها إلى الفعالية، وعبرت عن صدمتها من تعرضها للضرب داخل مكتبة، وقالت بأن العملية استغرقت «ثواني معدودة»، ولكن الصدمة التي تسببت فيها، والفوضى التي تبعتها سمحت للمعتدي بأن يهرب من دون أن يوقفه أحد. وقالت بأن الرجل همس لها بشيء قبل ضربها، ولكنها رفضت الإفصاح عما قاله بناء على نصيحة الشرطة.
عنف متزايد
وفي بيان أصدرته فجراً، وكشفت فيه عن الحادث، عبرت غيفاي عن قلقها من تزايد استهداف السياسيين من قبل أشخاص لا يشاركونهم آراءهم، مضيفةً «أنه لا تبرير مطلقاً لمثل هذه الاعتداءات».
وبالفعل صدرت مجموعة من التصريحات من سياسيين عبروا عن صدمتهم من الاعتداء الذي تعرضت له، خاصة أنه جاء بعد أيام قليلة على اعتداء تعرض فيه مرشح من حزبها لضرب مبرح في مدينة دريسدن، أرسله إلى المستشفى بكسور في وجهه. وكان ماتياس إيكه، البالغ من العمر 41 عاماً، يعلق لافتات انتخابية في الشارع في الساعة العاشرة والنصف ليلاً في دريسدن، عندما اقترب منه مجموعة من الشبان، وأبرحوه ضرباً، ومزقوا صوره. وخضع إيكه لعمليات في وجهه الذي تعرض لعدة كسور.
وقبل أيام من الاعتداء عليه، كان مرشح آخر من حزب الخضر قد تعرّض لضرب، وتمزيق لافتات مرتبطة بالانتخابات البرلمانية الأوروبية الشهر المقبل، في المدينة ذاتها، وتبين لاحقاً أنه من قبل المجموعة نفسها التي اعتدت على إيكه. وسلم شاب بالغ من العمر 17 عاماً نفسه للشرطة بعد أيام من الاعتداء على السياسي الاشتراكي، ووصل إلى مركز الشرطة مصحوباً بوالدته. ورغم أن الشاب رفض الكلام، فقد تمكنت الشرطة من العثور على شركائه في العملية من خلال فحصها لهاتفه، واعتقلت 3 آخرين. وبحسب وسائل الإعلام الألمانية، فإن الشبان ينتمون إلى جماعات مرتبطة باليمين المتطرف.
اليمين المتطرف
ورغم القبض على الشبان الأربعة، استمرت الاعتداءات على سياسيين في دريسدن. وفي اليوم نفسه الذي تعرّضت فيه غيفاي لاعتداء في برلين، تعرّضت فيه سياسية أخرى من حزب الخضر لاعتداء جديد في دريسدن. وكانت إيفون موزلر محاطة بفريقها وفريق تصوير، وتُعلق لافتات لها في المدينة، حين اقترب منها رجل وسيدة بصقت عليها، فيما دفعها الرجل وأمطرها بالشتائم. وعثرت الشرطة لاحقاً على المعتدين، وأعلنت أنها ألقت القبض على سيدة ألمانية بالغة من العمر 34 عاماً، وشاب ألماني بالغ من العمر 24 عاماً، وفتحت بحقهما تحقيقاً بالأذى الجسدي.
ووسط تزايد هذه العمليات العنيفة ضد السياسيين، خرجت انتقادات لليونة القانون والعقوبات التي تلحق بالمعتدين. وقال وزير داخلية ولاية براندنبيرغ، مايكل شتوبغن، إن سلامة السياسيين «للأسف غير محمية بشكل جيد من قبل القانون الجنائي»، داعياً وزراء العدل إلى معالجة هذه المسألة.
وانتقد كذلك عمدة مدينة لايبزيغ بوركارد يونغ القانون قائلاً إنه في الأعوام الثلاثة الماضية حوّل شخصياً أكثر من 50 تقريراً عن تهديدات للمدعي العام، وأنه فقط في حالتين تم التوصل إلى إدانة. وأشار إلى أن التعرض للإهانات بات عادياً، وأن القضاء لا يتحرك. وذكّر بمسيرة «بيغيدا»، الحركة اليمينية المتطرفة، وقال إنها رفعت «مشنقة» مع صورة المستشارة آنذاك أنجيلا ميركل، «ولم نتحرك». وأضاف: «كان يجب علينا أن نتحرك آنذاك».
ورغم أن وزيرة الداخلية نانسي فيزر تعهدت قبل يومين، بعد الاعتداء على مرشح الحزب الاشتراكي في دريسدن، بمناقشة عقوبات أقسى على المعتدين، من غير الواضح ما إذا كان الأمر سيحصل فعلاً، ومتى يمكن تطبيقه. وتحدثت فيزر خلال اجتماع لوزراء داخلية الولايات، مؤكدة أنه يجب تقديم حماية أفضل للمرشحين، وتشديد العقوبات للمعتدين.