أحدث الهجوم الدموي بسلاح أبيض الذي قام به لاجئ سوري في مدينة «آنسي» الواقعة قريبا من الحدود الفرنسية ـ- السويسرية في منطقة سافوا الجبلية صدمة عنيفة لدى الرأي العام الفرنسي بسبب استهدافه أطفالا رضعا كانوا يلعبون في حديقة مشرفة على بحيرة «آنسي» المعروفة، التي تعد من المتنزهات الرئيسية في المدينة. وباستثناء الهجوم الذي قام به الجزائري محمد مراح ضد مدرسة يهودية في مدينة تولوز «جنوب» في مارس (آذار) من عام 2012، فإنها المرة الأولى التي يسقط أطفال ضحايا هجوم شائن لم تعرف بعد دوافع مرتكبه الذي لم يكشف حتى اليوم عن كامل هويته ويعرف بـ«عبد المسيح هاء».
تضامن كامل

بالنظر لفداحة الهجوم، فإن كبار الدولة يتوافدون على المدينة لإظهار تضامنهم مع ضحايا الاعتداء وللتعبير عن عزم الحكومة على اعتماد سياسة أكثر حزما في موضوع الهجرات. وبعد رئيسة الحكومة ووزير الداخلية أمس، فقد زار الرئيس إيمانويل ماكرون وزوجته اليوم الأطفال الثلاثة المصابين بجروح بالغة في مدينة «غرونوبل» القريبة، حيث خضعوا لعمليات جراحية. أما الطفل الرابع فقد نقل إلى مستشفى في مدينة جنيف السويسرية. وبعد «غرونوبل» التي وصل إليها ماكرون وزوجته صباحا، فقد انتقلا بداية بعد الظهر إلى موقع الحادثة في «آنسي» للقاء كل الذين ساهموا في التصدي للمعتدي، ومنهم شاب اسمه «هنري» كان يمارس رياضة الركض في المتنزه ولحق بالجاني وحاول إيقافه إضافة إلى تقديم الشكر لأفراد الشرطة الذين ألقوا القبض على الجاني. وكان الأخير أصيب إصابة طفيفة بعد إطلاق النار عليه، إلا أن أحد ضحاياه أصيب من جانبه برصاص الشرطة التي عمدت إلى فتح تحقيق رسمي في الحادثة وجلاء ظروف إطلاق النار. ووفق إليزابيث بورن، رئيسة الحكومة، فإن حالة الأطفال الأربعة تحسنت، بينما أكد الوزير أوليفيه فيران، الناطق باسم الحكومة، أن اثنين منهم ما زالا في حالة خطرة. وأفاد مصدر في رئاسة الجمهورية بأن ماكرون وعقيلته «حرصا على أن يكونا إلى جانب الضحايا وأسرهم وكل الذين ساهموا في توفير المساعدة لهم».
فحص الجاني نفسياً
وصباح الجمعة، أخضع الجاني لفحص نفسي للتأكد من تمتعه بكامل قواه العقلية وعقب ذلك تم تمديد توقيفه لإخضاعه لاستجواب من قبل رجال الأمن وفق التحقيق القضائي الذي فتح بحقه. وحتى ظهر الجمعة، لم تتمكن الشرطة القضائية من استجواب هذا الرجل البالغ من العمر 31 عاما وكان قد وصل إلى فرنسا قبل أربعة أشهر من السويد التي هاجر إليها قبل عشرة أعوام وحصل فيها على حق اللجوء. وتوافرت معلومات تفيد بأنه تزوج من سويدية وله منها طفلة تبلغ من العمر أربعة أعوام، أي من عمر الأطفال الذين هاجمهم بسكين يبلغ نصلها عشرة سنتيمترات.
وأشار جيرالد دارمانان، وزير الداخلية، إلى أن اللاجئ السوري قام بعمليته الدامية بعد أربعة أيام من تبليغه برفض طلب اللجوء الذي قدمه في فرنسا. وأفادت مصادر من المكتب المتخصص في النظر بطلبات اللجوء بأن الرفض سببه أن الجاني عبد المسيح يتمتع بحق اللجوء في بلد أوروبي آخر وبالتالي فإن طلبه رفض من غير أن يتم درسه. وتفيد مصادر الشرطة بأن وجوده على الأراضي الفرنسية كان قانونيا لأن النصوص الأوروبية المرعية الإجراء تتيح للذين حصلوا على حق اللجوء من أي دولة داخل الاتحاد الأوروبي التنقل الحر في «فضاء شنغن».
الدوافع غير معروفة

حتى اليوم، لم تعرف دوافع هذا الرجل الذي تعد حالته استثناء قياسا بما عرفته فرنسا من أعمال إرهابية في السنوات العشر الأخيرة. وتذكر مصادر فرنسية أن الإرهاب كان دوما من فعل متطرفين إسلامويين بينما «عبد المسيح هاء» يدعي أنه مسيحي وكان يحمل في عنقه صليبا، لا، بل إن معلومات تفيد بأنه صرخ «باسم المسيح» قبل الإقدام على فعلته.
اقرأ أيضاً
وفيما أفادت شهادات لمن اعتادوا التنزه في الحديقة، حيث حصلت عملية الاعتداء، بأن الجاني اعتاد الوجود فيها، أشار آخرون إلى أنه تمت ملاحظته مرارا في المراكز التجارية وأن لا شيء كان يدل على اختلال في تصرفاته. وتفيد معلومات الشرطة بأنه لم يكن معروفا من جانبها وأنه لم يكن لديه عنوان سكن ثابت. وسارعت النيابة العامة في مدينة «آنسي» إلى استبعاد العمل الإرهابي. وقالت النائبة العامة في المدينة المذكورة، لين بونيه ماتيس، إن إحدى الفرضيات أن يكون تصرفه «جنونيا».
من هنا، تكمن أهمية الفحص النفسي الذي خضع له والذي بين أنه يتمتع بجميع قواه العقلية. كذلك بينت الفحوص المخبرية أنه لم ـيكن يتصرف بتأثير من الكحول أو المخدرات. وفتح التحقيق القضائي تحت اسم «محاولة القتلـ» التي لم يضف إليها جملة «مع سابق التصور والتصميم». ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن زوجته السويدية قولها إن مطلقها البالغ من العمر 31 عاما الذي وصل إلى السويد لاجئا «لم يحصل على الهوية السويدية لذلك قرر ترك السويد» التي يبدو أنه كان يمضي فيها حياة طبيعية.
جدل بعد الحادثة
فضلا عن التأثر العام الذي عكسته وسائل الإعلام الفرنسية بمختلف مشاربها، فإن اعتداء لاجئ على أطفال صغار أثار جدلا سياسيا وتبادل اتهامات. فقد اتهم ألكسيس كوربيار، النائب عن حزب «فرنسا المتمردة» اليساري المتشدد، رئيسة مجموع نواب «النهضة» أي الحزب الرئاسي، بمحاولة «الاستغلال السياسي» للحادثة.
ودعا وزير الاقتصاد والمال برونو لومير الذي وصف الهجوم بـ«الوحشي» و«الجنوني» إلى «التزام الصمت» وترك السياسة جانبا. أما المرشح الرئاسي السابق واليميني المتطرف أريك زيمور فقد رأى أن تزايد الاعتداءات سببه «تزايد الهجرات» وأنه من صنيعة «أشخاص لديهم قيم وعادات مختلفة عن عادات الشعب الفرنسي». ودعا زيمور إلى حصر تقديم طلبات اللجوء بالقنصليات الفرنسية، بل دعا إلى وقفها تماما مؤكدا أنه يريد «الوقف التام للهجرات الشرعية ولطلبات اللجوء».
ومن جانبها، اعتبرت مارين لوبن أن الهجوم يصنف في خانة «الأكثر همجية» متهمة الحكومة بـ«القصور» في تنفيذ القوانين المعمول بها لأن الجاني «لم يكن له الحق بالوجود على الأراضي الفرنسية». وفي هذا السياق، دعا النائب أريك سيوتي، رئيس حزب «الجمهوريون» اليميني المعتدل الحكومة إلى «اتباع سياسة أكثر حزما» في ملف الهجرات، علما بأن الحكومة بصدد التحضير لمشروع قانون بهذا الخصوص سيتم طرحه في الأسابيع المقبلة.