الجنرال نغيما يقود الغابون بعد «تقاعد» بونغو

اعتقال نجل الرئيس المعزول ومقربين منه بتهمة «الخيانة العظمى»

TT

الجنرال نغيما يقود الغابون بعد «تقاعد» بونغو

العسكريون في النيجر لدى إعلانهم إنهاء «النظام القائم» في بيان على التلفزيون اليوم (أ.ف.ب)
العسكريون في النيجر لدى إعلانهم إنهاء «النظام القائم» في بيان على التلفزيون اليوم (أ.ف.ب)

أعلن المجلس العسكري في الغابون، اليوم (الأربعاء)، تعيين قائد الحرس الجمهوري الجنرال برايس أوليغي نغيما زعيماً للمرحلة الانتقالية.

وقال نغيما الذي شارك في الانقلاب لصحيفة «لوموند» الفرنسية، في وقت سابق اليوم، إن الرئيس المعزول علي بونغو أونديمبا «أحيل إلى التقاعد ولديه كل حقوقه. هو مواطن غابوني عادي مثل أي شخص آخر». وأضاف: «لم يكن لديه الحق في تولي فترة ولاية ثالثة، وانتُهك الدستور (...) لذلك قرر الجيش تولي مسؤولياته».

وأعلن عسكريون، اليوم، عن «إنهاء النظام القائم» في الغابون ووضع الرئيس المنتهية ولايته علي بونغو أونديمبا قيد الإقامة الجبرية بعيد إعلان النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية التي كرّست فوز بونغو بولاية ثالثة.

سياسياً، قال رئيس مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي ويلي نياميتوي، اليوم، إنه عقد اجتماعاً طارئاً مع بوروندي والسنغال والكاميرون لتحليل الوضع في الغابون.

وحتى هذا الانقلاب، بقيت عائلة بونغو تحكم الدولة الغنية بالنفط والواقعة في وسط أفريقيا منذ أكثر من 55 عاماً. وأعلن، اليوم، العسكريون الذين نفّذوا الانقلاب أن بونغو الذي خلف والده في عام 2009 وضع قيد الإقامة الجبرية «وهو محاط بعائلته وأطبائه»، بينما أوقف أحد أبنائه بتهمة «الخيانة العظمى». وأضاف الكولونيل الذي تلا، ليل الثلاثاء الأربعاء، البيان الذي أعلن فيه الجيش «إنهاء النظام القائم»، أنه «تم توقيف» نور الدين بونغو فالنتان ابن الرئيس ومستشاره المقرب، وإيان غيزلان نغولو رئيس مكتب بونغو، ومحمد علي ساليو نائب رئيس مكتبه، وعبد الحسيني وهو مستشار آخر للرئاسة، وجيسيي إيلا إيكوغا وهو مستشار خاص وناطق رسمي باسم الرئاسة، بالإضافة إلى أهم رجلين في الحزب الديمقراطي الغابوني القوي الذي يتزعمه بونغو.

وأوضح أنهم أوقفوا خصوصاً بتهم «الخيانة العظمى لمؤسسات الدولة واختلاس أموال عامة على نطاق واسع واختلاس مالي دولي ضمن عصابة منظمة وتزوير توقيع رئيس الجمهورية والفساد والاتجار بالمخدرات». وفي وقت لاحق، أظهرت صور بثها التلفزيون الحكومي مئات الجنود يحملون قائد الحرس الرئاسي على الأكتاف احتفالاً بالنصر. وأعلن العسكريون الذين أكدوا أنهم يتحدثون باسم «لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة المؤسسات»، أنهم «بسبب حوكمة غير مسؤولة تتمثل بتدهور متواصل للحمة الاجتماعية ما قد يدفع بالبلاد إلى الفوضى (...) قررنا الدفاع عن السلام من خلال إنهاء النظام القائم». وأضافوا في وقت لاحق أن الرئيس علي بونغو أونديمبا بات قيد الإقامة الجبرية.

وأوضح هؤلاء: «لهذه الغاية، ألغيت الانتخابات العامة التي جرت في 26 أغسطس (آب) 2023 فضلاً عن نتائجها».

سكان يرحبون بأفراد قوات الأمن في ليبريفيل في أعقاب إعلان عسكريين الاستيلاء على السلطة (أ.ف.ب)

وأضاف البيان: «حُلت كل المؤسسات؛ الحكومة ومجلس الشيوخ والجمعية الوطنية والمحكمة الدستورية. ندعو المواطنين إلى الهدوء ونجدد تمسكنا باحترام التزامات الغابون حيال الأسرة الدولية»، مؤكداً إغلاق حدود البلاد «حتى إشعار آخر».

ومن بين هؤلاء العسكريين عناصر من الحرس الجمهوري المنوط به حماية الرئاسة، فضلاً عن جنود من الجيش وعناصر من الشرطة. وتُلي البيان عبر تلفزيون الغابون الرسمي أيضاً.

وجاء الإعلان بعيد نشر النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية التي جرت السبت وأظهرت إعادة انتخاب الرئيس بونغو الذي يحكم البلاد منذ 14 عاماً، لولاية ثالثة بحصوله على 64.27 في المائة من الأصوات.

ودعا بونغو، اليوم، «جميع الأصدقاء» إلى «رفع أصواتهم»، وذلك في مقطع فيديو انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقال بونغو، في الفيديو الذي ظهر فيه جالساً على كرسي وتبدو عليه ملامح القلق: «أنا علي بونغو أونديمبا، رئيس الغابون، أوجّه رسالة إلى جميع أصدقائنا في كل أنحاء العالم لأطلب منهم أن يرفعوا أصواتهم بشأن الأشخاص الذين اعتقلوني وعائلتي»، مؤكّداً أنه في «منزله».

رئيس الغابون علي بونغو (أرشيفية - أ.ف.ب)

وتفوق بونغو في انتخابات جرت بدورة واحدة على منافسه الرئيسي ألبير أوندو أوسا الذي حصل على 30,77 في المائة، بينما حصل 12 مرشحاً آخرين على ما تبقى من أصوات، على ما أوضح ستيفان بوندا رئيس المركز الغابوني للانتخابات عبر التلفزيون الرسمي. وبلغت نسبة المشاركة 56,65 في المائة.

وكان أوسا تحدث عن «عمليات تزوير أدارها معسكر بونغو» قبل ساعتين من إغلاق مراكز الاقتراع السبت، وأكد فوزه بالانتخابات. وناشد معسكره بونغو، الاثنين، «لتنظيم تسليم السلطة من دون إراقة دماء»، استناداً إلى فرز للأصوات أجراه مدققوه ومن دون أن ينشر أي وثيقة تثبت ذلك.

وأثار غياب المراقبين الدوليين وتعليق بث بعض وسائل الإعلام الأجنبية وقرار السلطات قطع خدمة الإنترنت وفرض حظر ليلي للتجوال في جميع أنحاء البلاد بعد الانتخابات، مخاوف بشأن شفافية العملية الانتخابية.

وسعى بونغو من خلال هذه الانتخابات إلى تمديد هيمنة عائلته المستمرة منذ 56 عاماً على السلطة، بينما دفعت المعارضة باتجاه التغيير في الدولة الغنية بالنفط في وسط أفريقيا، والفقيرة رغم ذلك.

وبعد ساعات من إعلان العسكريين الاستيلاء على السلطة، نزل المئات من المواطنين إلى شوارع عاصمة الغابون للاحتفال بالإطاحة ببونغو.

ولم يصدر حتى الآن تعليق من حكومة الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).

وإذا نجح هذا الانقلاب فإنه سيكون الثامن في غرب ووسط أفريقيا منذ 2020. وأدت انقلابات في مالي وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر إلى تقويض التقدم الديمقراطي في المنطقة في السنوات القليلة الماضية.

وفي الشهر الماضي، استولى الجيش على السلطة في النيجر، ما أثار موجات من الصدمة في أنحاء منطقة الساحل واجتذب قوى عالمية صارت مصالحها الاستراتيجية على المحك.

وأحبطت الغابون انقلاباً عسكرياً في يناير (كانون الثاني) 2019، بعد أن استولى جنود لفترة وجيزة على محطة إذاعية وبثوا رسالة مفادها أن بونغو الذي عانى من جلطة قبلها بأشهر لم يعد صالحاً للمنصب. لكن تم تدارك الموقف بعد ساعات بعد مقتل اثنين ممن يشتبه في تدبيرهم الانقلاب واعتقال آخرين.

وتولى علي بونغو (64 عاماً) الرئاسة خلفاً لوالده عمر بونغو في 2009. وخاض السباق الرئاسي الأحدث ضد 18 مرشحاً، دعم ستة منهم أوندو أوسا في محاولة لتقليص الفارق.

الرئيس الغابوني علي بونغو يؤدي اليمين الدستورية بعد انتخابه رئيساً عام 2009 (أ.ف.ب)

وقالت الحكومة من قبل إن قطع خدمة الإنترنت وفرض حظر التجول ضروريان لمنع انتشار الأخبار الزائفة وحماية الأمن العام.

وفي 2016، تم إضرام النيران في مبنى البرلمان عندما نشبت احتجاجات عنيفة في الشوارع على إعادة انتخاب بونغو لولاية ثانية، في خطوة أثارت الجدل والنزاع وقتها أيضاً وقطعت الحكومة حينئذ خدمات الإنترنت لأيام عدة.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأفريقي يعلق عضوية غينيا بيساو رفضاً للانقلاب

أفريقيا الجنرال هورتا نتام يؤدي اليمين خلال مراسم في غينيا بيساو يوم 27 نوفمبر (أ.ف.ب)

الاتحاد الأفريقي يعلق عضوية غينيا بيساو رفضاً للانقلاب

قرر «الاتحاد الأفريقي» تعليق عضوية غينيا بيساو بعد يومين من الانقلاب العسكري الذي يواجه أيضاً معارضة قوية من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا عادت الحياة إلى طبيعتها يوم الجمعة في عاصمة غينيا بيساو المضطربة بعد الانقلاب الخامس الذي شهدته الدولة الواقعة في غرب أفريقيا والذي أعقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية (أ.ف.ب)

مع تراجع الانتشار الأمني بعد الانقلاب... غينيا بيساو تعود إلى حياتها اليومية

استؤنفت حركة المرور والأنشطة في عاصمة غينيا بيساو، اليوم (الجمعة)، مع تراجع الانتشار الأمني.

«الشرق الأوسط» (بيساو)
أفريقيا الجنرال هورتا نتام يؤدي اليمين خلال مراسم في غينيا بيساو يوم 27 نوفمبر (أ.ف.ب)

رغم التنديد الدولي... رجل بيساو «القوي» يثبِّت انقلابه

قال جيش غينيا بيساو في بيان إن الجنرال هورتا نتام أدى اليمين رئيساً انتقالياً للبلاد  (الخميس) وذلك بعد يوم واحد من إعلان ضباط الجيش عزل الرئيس.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا الجنرال عبد الرحمن تياني (الثاني على اليسار) رئيس النظام العسكري في النيجر والذي جاء إلى السلطة بانقلاب يُحيّي حشداً من الناس في نيامي في يوليو 2024 (أ.ف.ب) play-circle

تاريخ حافل بالاضطرابات... ما أبرز الانقلابات العسكرية في أفريقيا خلال العقد الأخير؟

تاريخ أفريقيا حافل بها... فيما يلي الانقلابات العسكرية الناجحة في السنوات العشر الأخيرة في القارة السمراء وآخرها انقلاب غينيا بيساو يوم الأربعاء 26 نوفمبر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أفريقيا العميد دينيس نكانها (وسط الصورة) رئيس المكتب العسكري لرئاسة الجمهورية في غينيا بيساو يعقد مؤتمراً صحافياً في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة 26 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

عسكريون يعلنون «السيطرة الكاملة» على غينيا بيساو

أعلن عسكريون في غينيا بيساو، الأربعاء، «السيطرة الكاملة» على البلاد وتعليق العملية الانتخابية وإغلاق الحدود، في انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

النيجر تتهم «أورانو» الفرنسية بالتسبب في تلوث إشعاعي

منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
TT

النيجر تتهم «أورانو» الفرنسية بالتسبب في تلوث إشعاعي

منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)

اتهمت النيجر شركة «أورانو» الفرنسية للوقود النووي بـ«السلوك الاستغلالي» وارتكاب جرائم بيئية، في تصعيد جديد لنزاع محتدم حول السيطرة على مناجم اليورانيوم في الدولة الواقعة بغرب أفريقيا.

وذكرت الحكومة التي يقودها الجيش أن شركة «أورانو» يمكن أن تواجه إجراءات جنائية بتهمة ارتكاب «جرائم جماعية» بعد أن أفادت السلطات بالعثور على 400 برميل من المواد الأساسية المشعة في منطقة ماداويلة بالقرب من منطقة أرليت.

وقالت شركة «أورانو»، المملوكة بنسبة 90 بالمائة للدولة الفرنسية، إنها لم تتلقَّ أي إشعار رسمي بالإجراءات القانونية، ونفت العمل في منطقة ماداويلة.

وأضافت الشركة، في رد مكتوب على أسئلة وكالة «رويترز»، «(أورانو) لا تملك رخصة تشغيل لموقع ماداويلة، ولم تقم بأي عمليات هناك».

وقال وزير العدل أليو داوودا إن الإشعاع في المنطقة تجاوز المعدلات الطبيعية بشكل كبير؛ إذ بلغ نحو سبعة إلى عشرة ميكروسيفرت في الساعة، مقارنة بالمعدل المعتاد البالغ 0.5 ميكروسيفرت. ووجدت الفحوص مادتين مرتبطتين بمشاكل تنفسية يمكن أن تشكل ضرراً على صحة الناس.

يأتي هذا الخلاف عقب تأميم النيجر منجم «سومير» في يونيو (حزيران)، مما أدى إلى تجريد «أورانو» من حصتها البالغة 63.4 بالمائة.


كيف وسّع تنظيم «القاعدة» نفوذه في غرب أفريقيا؟

عناصر من مجموعة مسلحة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في النيجر (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من مجموعة مسلحة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في النيجر (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

كيف وسّع تنظيم «القاعدة» نفوذه في غرب أفريقيا؟

عناصر من مجموعة مسلحة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في النيجر (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من مجموعة مسلحة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في النيجر (أرشيفية - الشرق الأوسط)

أعلن تنظيم «القاعدة» أنه شنّ خلال الشهر الماضي أكثر من 70 عملية في دول الساحل وغرب أفريقيا، ما أسفر عن سقوط أكثر من 139 قتيلاً، في وقت تعيش فيه هذه المنطقة أسوأ وضع أمني منذ عقدين.

ونشرت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التابعة للتنظيم تقريراً يتضمن حصيلة عملياتها في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وبنين، بالإضافة إلى نيجيريا التي شنت فيها الجماعة أول هجوم على أراضيها خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وزعمت الجماعة أن عملياتها أسفرت عن تدمير قرابة 40 آلية عسكرية، وأكثر من 100 دراجة نارية.

آلية تابعة لجيش مالي قال تنظيم «القاعدة» إنه دمرها قرب مدينة غاو (تواصل اجتماعي)

وحول طبيعة العمليات، قالت الجماعة إنها شنّت أكثر من 62 غارة، و27 هجوماً باستخدام العبوات الناسفة، ونصبت أكثر من ستة كمائن، ونفذت عمليتين بالقصف المدفعي، واستولت على أكثر من 180 قطعة سلاح متوسط. كما زعمت أنها أسرت سبعة جنود، دون تحديد دولهم.

ولا يمكن التحقق بشكل مستقل من هذه الأرقام، في ظل غياب مصادر مستقلة.

توسع النفوذ

وتعليقاً على هذه الحصيلة، قال الباحث في قضايا دول الساحل والصحراء والجماعات المسلحة محمدن أيب إن أغلب الهجمات كانت من تنفيذ «جبهة تحرير ماسينا»، التي وصفها بـ«القوة الضاربة» في جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» لأن أغلب مقاتلي الجماعة في المنطقة هم من هذه الجبهة التي أنشأها أمادو كوفا سنة 2015.

عناصر من الأمن تعزز وجودها في باماكو عاصمة مالي خلال حصار خانق فرضه تنظيم «القاعدة» (أ.ف.ب)

وأشار أيب في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن عدد مقاتلي «القاعدة» في منطقة الساحل وغرب أفريقيا يقدر بأكثر من 18 ألفاً، مستنداً لأرقام أوردها مصدر قال إنه «موثوق» من داخل «نصرة الإسلام والمسلمين». وأضاف أن ذلك أسهم في «زيادة عمليات التنظيم في المنطقة بنسبة 21 في المائة بالمقارنة مع الأشهر الأخيرة».

وأوضح أن ارتفاع عدد العمليات يعود إلى حصار باماكو، عاصمة مالي، وما حدث فيه من استهداف لصهاريج الوقود، بالإضافة إلى دخول مناطق جديدة إلى حيز الهجمات للمرة الأولى، مثل شمال نيجيريا. لكنه أكد أن حصيلة العمليات «ضعيفة جداً» بالمقارنة مع عددها ومع العمليات التي شنها التنظيم خلال أشهر سابقة.

صهاريج وقود أضرم مقاتلو «القاعدة» النار فيها على طريق يربط مالي بالسنغال (إعلام محلي)

من جهة أخرى، أكد الباحث أن توسع تنظيم «القاعدة» يرجع إلى نفوذ «جبهة تحرير ماسينا» والكتائب التابعة لها؛ وضرب مثلاً بـ«كتيبة حنيفة» التي توجد في النيجر، والتي قال إنها كانت في السابق مجرد كتيبة عادية وصغيرة قبل أن تصبح الآن «قوة ضاربة تحكم حدود النيجر مع بوركينا فاسو، وتتبع لها كتيبة أخرى تدعى (كتيبة مسلم) تنشط في شرق بوركينا فاسو وتنفذ عمليات شمال بنين».

وأضاف أن نفوذ كتائب «ماسينا» توسع في بوركينا فاسو ليصل إلى الحدود مع ساحل العاج، كما توسع في مالي ليصل إلى الحدود مع موريتانيا والسنغال.

جنود من جيش مالي خلال إنزال لمطاردة مسلحين من «القاعدة» في إحدى الغابات (إعلام محلي)

لكنه قال: «بالنظر إلى كل هذا التوسع، يمكن القول إن الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم عادية جداً؛ سواء من حيث حصيلة العمليات، أو الحصول على العتاد والسلاح من ثكنات جيوش دول الساحل: النيجر ومالي وبوركينا فاسو».

العمليات «الانغماسية»

وفي رأي أيب، فإن تقرير تنظيم «القاعدة» غابت عنه العمليات «التي تسمى عندهم بالعمليات الانغماسية، وهي عمليات من تنفيذ كوماندوس يستهدف نقطة حساسة دون التخطيط للخروج منها أو العودة، مثل العملية التي استهدف فيها التنظيم مطار باماكو شهر سبتمبر (أيلول) 2024».

بقايا آلية عسكرية قال تنظيم «القاعدة» إنه دمرها في هجوم بولاية غاو شمال مالي في أكتوبر 2025 (تواصل اجتماعي)

وأوضح الباحث أن «العمليات الانغماسية رديفة للعمليات الانتحارية، وتسمى في أدبيات تنظيم (القاعدة) بالسلاح الاضطراري»، مشيراً إلى أن عدم لجوء التنظيم إليها في الفترة الأخيرة «يعني تحكمه في المنطقة، أي أن التنظيم لا يحتاج إلى انغماسيين أو انتحاريين يرسلهم لتنفيذ عمليات، لأنه يتحكم في طرق الإمداد».

وأضاف: «هذا التحكم جعل تنظيم (القاعدة) لا يلجأ إلى العمليات الانغماسية والانتحارية، واكتفى بالمحاصرة والهجوم واستخدام الدراجات النارية».

«فوضى إعلامية»

ولفت الباحث إلى أن جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» تعيش حالياً ما يمكن تسميته «الفوضى الإعلامية»، مشيراً إلى وجود حالة من «عدم التنسيق» بين الأذرع الإعلامية لتنظيم «القاعدة» في المنطقة.

وأوضح أن التنظيم كان يعتمد في السابق اعتماداً تاماً على «مؤسسة الأندلس» لنشر بياناته وتقاريره والدعاية لعملياته، ثم ظهرت بعد ذلك «مؤسسة الزلاقة» لتلعب الدور نفسه في غرب أفريقيا والساحل.

متحدث باسم «القاعدة» خلال مقطع فيديو يعلن فيه حصار باماكو (إعلام محلي)

وفي الوقت ذاته ظهرت قناة جديدة اسمها «الفتح»، تنشر أخبار التنظيم وعملياته، كما أن المقاتلين ينشرون بأنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو من جوالاتهم مباشرة.

وأضاف أن ذلك دفع قاضي التنظيم والمتحدث الرسمي باسمه، محمود باري، إلى أن يتحدث ويطلب من المقاتلين «التخفيف في نشر مقاطع الفيديو»، وهو ما عدّه الباحث دليلاً على «فوضى إعلامية داخل جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين)، وأنها أصبحت خارج نطاق تحكم تنظيم (القاعدة) التقليدي»، أي التنظيم الأم.


نيجيريا تعين وزير دفاع جديداً وتعيد هيكلة منظومتها الأمنية «المتعثرة»

وزير الدفاع الجديد في نيجيريا الفريق كريستوفر موسى (الوكالة الرسمية)
وزير الدفاع الجديد في نيجيريا الفريق كريستوفر موسى (الوكالة الرسمية)
TT

نيجيريا تعين وزير دفاع جديداً وتعيد هيكلة منظومتها الأمنية «المتعثرة»

وزير الدفاع الجديد في نيجيريا الفريق كريستوفر موسى (الوكالة الرسمية)
وزير الدفاع الجديد في نيجيريا الفريق كريستوفر موسى (الوكالة الرسمية)

وسط ازدياد عمليات «الخطف الجماعي» وغيرها من «الجرائم الإرهابية»، اتخذت نيجيريا خطوات لتعزيز منظومتها الأمنية وإعادة هيكلتها، وعينت وزير دفاع جديداً أملاً في التصدي لمثل هذه المخاطر؛ كما اتخذت قرارات تمنع العفو عن المتورطين في جرائم الخطف والإرهاب، وتشدد الرقابة على حيازة الأسلحة وبيعها.

وبعد جلسة فحص «معمَّقة»، أقر مجلسا الشيوخ والنواب، الأربعاء، تعيين رئيس الأركان السابق الفريق كريستوفر موسى وزيراً للدفاع، بعد استجوابه حول خطته لمواجهة انعدام الأمن وتصاعد وتيرة الهجمات الإرهابية وعمليات الخطف الجماعي في البلاد.

واستمرت جلسة مجلس الشيوخ قرابة أربع ساعات، ووصفتها الصحف المحلية بأنها كانت «عاصفة وغلبت عليها الخلافات الحزبية»، كما توقفت عدة مرات بسبب «احتجاجات صاخبة داخل القاعة»؛ وهو ما يعكس مستوى التوتر والضغط الشعبي بسبب سوء الأوضاع الأمنية في بلد يتجاوز تعداد سكانه 200 مليون نسمة، ويُعد أكبر مُصدر للنفط والغاز في أفريقيا.

بدأت الجلسة ساخنة حين اقترح أحد أعضاء المجلس عدم «استجواب» الفريق موسى حين يمثل أمام الجلسة لعرض خطته، مشيراً إلى حساسية القضايا الأمنية التي عادة تناقش «وراء أبواب مغلقة»، على حد وصفه.

ولكن المقترح أثار غضب عدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ؛ ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل رئيس المجلس غودسويل أكبابيو لضبط النظام قائلاً: «هذه ليست ساعة للمرور دون استجواب».

خطة الوزير

خضع موسى لأسئلة دقيقة حول تمويل الدفاع، وإخفاق الاستخبارات، وفجوات التكنولوجيا، وتصاعد عمليات قُطاع الطرق، وتوغّل الإرهابيين، وحوادث الاختطاف المتكررة.

أفراد من قوة مهام مدنية يجوبون مناطق بمدينة مينا النيجيرية لملء الفراغ الأمني 29 نوفمبر 2025 (رويترز)

وقدَّم موسى خطته لتسيير وزارة الدفاع، التي تضمنت تسع نقاط بارزة، على رأسها سحب الجيش من الحواجز الروتينية، وتسليم هذه الحواجز للشرطة والدفاع المدني، وإعادة نشر القوات المسلحة في الغابات لملاحقة الإرهابيين في مخابئهم.

كما تضمنت الخطة ما سماه «تعزيز التنسيق مع الحكّام والوزارات، وإشراك المجتمعات المحلية، ومكافحة التعدين غير المشروع المموّل للإرهاب». وأشار الوزير إلى أهمية تعزيز الأمن البحري، وتوسيع الرقابة الحدودية حتى الكاميرون، وحماية الأراضي الزراعية لضمان الأمن الغذائي.

وتعهد الوزير بالعمل على فرض «فحص صارم للتجنيد مدعوم بأنظمة رقمية»، وأكد أن القوات المسلحة «لن تسمح بضمّ عناصر سابقة في الجماعات المتطرفة»، وذلك وسط اتهامات بوجود ثغرات استخباراتية سببها وجود جنود لديهم سوابق إرهابية.

وقال الوزير الجديد إن الحل الجذري لهذه الشكوك هو «قاعدة بيانات وطنية شاملة تمنع المجرمين من الإفلات عبر تغيير أماكن إقامتهم».

«فجوة التسليح»

خلال مساءلة الفريق موسى، قال نائب رئيس مجلس الشيوخ غودسويل أكبابيو إن «التمرد الإرهابي» كان في تراجع قبل «التصريح الشهير» للرئيس الأميركي دونالد ترمب حول نيته التدخل عسكرياً في نيجيريا لحماية المسيحيين، لكن هذا التصريح أدى إلى «تفاقم التوتر الأمني».

أفراد من قوة مهام مدنية يقفون للحراسة أمام كنيسة بمدينة مينا النيجيرية 30 نوفمبر 2025 (رويترز)

وطالب السيناتور علي ندوم بوضع القوات المسلحة «ضمن بند الصرف المباشر»، وذلك «لضمان حصولها على تمويل فوري من الحساب الاتحادي دون عراقيل بيروقراطية»، وقال: «الأمن أهم من التسويف... لا مبرر لأي تأخير في التمويل»، ودعا إلى تحسين أوضاع الجنود، مشيراً إلى أنّ رواتب الجنود النيجيريين ليست ضمن الأفضل في غرب أفريقيا.

وأثار بعض أعضاء مجلس الشيوخ مسألة «فجوة التسليح»، وأشاروا إلى أن الجماعات الإرهابية والعصابات تمتلك أسلحة أكثر تطوراً من الجيش. وسأل أحدهم: «لماذا نرى قطّاع طرق يحملون أسلحة متقدمة، بينما ما زالت قواتنا تحمل بنادق كلاشنيكوف؟».

وهُنا أجاب الفريق موسى بالقول إن «فجوات كبيرة لا تزال موجودة، خصوصاً في الجانب التقني وتكامل المعلومات الاستخبارية»، وتعهد بالعمل على «إصلاحات عاجلة».

لا فدية

وفي سياق ردوده، قال موسى: «لا تفاوض مع المجرمين والإرهابيين. يجب وقف دفع الفدية. ولا يجوز للولايات عقد صفقات تُقوّض الأمن القومي»، وذلك في إشارة إلى الأموال الكبيرة التي تجنيها شبكات الإرهاب والجريمة في نيجيريا من عمليات الخطف.

فصل دراسي خاوٍ بمدرسة ثانوية للبنات في مدينة مينا النيجيرية بعد قرار الحكومة إغلاق المدارس بشمال البلاد لانعدام الأمن 1 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

وأضاف الوزير الجديد أن الانتصار في الحرب على الإرهاب لا يتوقف على الجيش وحده، وقال: «الأمن يبدأ من الحكم الرشيد والعدالة والإنصاف... 30 في المائة فقط من الحرب عسكرية، والباقي حوكمة».

وانتقد بشدة «التأخر الكبير في محاكمات الإرهاب والاختطاف»، عادّاً أن هذا التأخر «يُضعف معنويات الأجهزة الأمنية».

قوانين صارمة

وبالتزامن مع جلسة الشيوخ، عقد مجلس النواب جلسة أخرى كانت عاصفة، وانتهت بالمصادقة على قوانين جديدة تتضمن تصنيف الاختطاف «جريمة إرهابية» عقوبتها الإعدام دون خيار الغرامة، وحظر دفع الفدية ومنح العفو، وتشديد الرقابة على الأسلحة وإخضاعها لمراجعة وطنية شاملة، وإنشاء نظام جرد موحد مدعوم بتتبع رقمي.

وصادق النواب على قانون إنشاء محكمة خاصة بالإرهاب وقطاع الطرق والمتورطين في الخطف الجماعي، كما أقروا قانوناً ينص على «ملاحقة ممولي الإرهاب علناً».

وفي إطار تعزيز الحرب على الإرهاب، صادق النواب على قانون يعد «ميزانية الأمن ضمن خط الصرف المباشر، وأولوية تلقائية في الصرف المالي المباشر دون تأخير ودون قيود بيروقراطية»، كما وافق المجلس على إعلان الأمن الحدودي «حالة طوارئ»، وعلى إنشاء حرس الحدود الوطني، وتنظيم وتدقيق عمل شركات الأمن الخاصة.

وينص الدستور في نيجيريا على أن القوانين التي صادق عليها مجلس النواب، لا تكون سارية المفعول إلا إذا صادق عليها مجلس الشيوخ، ومن المنتظر أن تُحال للشيوخ خلال أيام، لمناقشتها والمصادقة عليها.