إردوغان يعكف على تشكيلة حكومته المرتقبة... وكليتشدار أوغلو يواجه ضغوطاً

ملفات داخلية وخارجية تثقل كاهل الرئيس في ولايته الثالثة

مندوب يعرض ورقة تصويت لمصلحة إردوغان في مركز اقتراع بإسطنبول الاثنين (أ.ب)
مندوب يعرض ورقة تصويت لمصلحة إردوغان في مركز اقتراع بإسطنبول الاثنين (أ.ب)
TT

إردوغان يعكف على تشكيلة حكومته المرتقبة... وكليتشدار أوغلو يواجه ضغوطاً

مندوب يعرض ورقة تصويت لمصلحة إردوغان في مركز اقتراع بإسطنبول الاثنين (أ.ب)
مندوب يعرض ورقة تصويت لمصلحة إردوغان في مركز اقتراع بإسطنبول الاثنين (أ.ب)

أسدل الستار على أصعب انتخابات شهدتها تركيا في تاريخها الحديث. فاز الرئيس رجب طيب إردوغان بولاية ثالثة مدتها 5 سنوات، لكنه فوز محفوف بالتحديات الداخلية والخارجية مع معارضة نجحت، رغم عدم قدرتها على التغلب عليه، في صنع طريق جديدة، وأثبتت للمرة الأولى قدرتها على التماسك وضيقت كثيراً هامش فوزه.

في مقدمة التحديات التي تواجه إردوغان داخلياً الوضع الاقتصادي، وقد كشف عن ذلك بنفسه، عندما تعهد في خطابه أمام أنصاره في أنقرة ليل الأحد - الاثنين بحل مشكلات زيادة الأسعار الناجمة عن التضخم، وتحقيق نهضة اقتصادية، وأن تسخر حكومته جميع إمكاناتها في الفترة المقبلة لنهضة الاقتصاد وإعمار وتأهيل المناطق التي ضربها زلزالا 6 فبراير (شباط) الماضي.

تحدي الاقتصاد

ويعكف إردوغان حالياً بعد الانتهاء من ماراثون الانتخابات المرهق على إعداد تصور عن حكومته الجديدة، التي سيعلن تشكيلها بعد انتهاء نظر الطعون الخاصة بالانتخابات البرلمانية والتئام البرلمان في دورته الجديدة الـ28، وهناك 16 وزيراً يمارسون عملهم الآن بشكل مؤقت حتى أداء القسم بالبرلمان.

ويواجه إردوغان مشكلة في الاسم الذي سيسند إليه ملف الاقتصاد، المعني به وزير الخزانة والمالية، والذي سجل إخفاقات حادة منذ عام 2918 حتى الآن، ما دفع إردوغان لمحاولة الاستعانة بنائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية السابق محمد شيمشك، الذي واصل كتابة قصة نجاح الاقتصاد التركي التي أسس لها قبله علي باباجان، الذي أصبح الآن في صفوف المعارضة بعد أن أسس حزبه «الديمقراطية والتقدم».

ولم يبد شيمشك حماساً للعودة إلى حكومة إردوغان، وقال إنه على استعداد لتقديم الدعم والمشورة لكنه لا يرغب في العودة إلى السياسة، حيث يعمل حالياً في لندن في مجال الاستشارات الاقتصادية.

وأكد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، في مقابلة تلفزيونية، الاثنين، أن موقف شيمشك ليس معروفاً حتى الآن وأنه عرض عليه تولي حقيبة الاقتصاد لكنه لا يرغب بالعودة إلى السياسة.

ويعتقد كثير من المحللين في تركيا أن على إردوغان أن يجد حلاً للأوضاع المعيشية، التي تثقل كاهل المواطنين، وألا ينسى أن هناك نحو نصف الناخبين لم يصوتوا له، وأن عليه أن يحتضن الجميع لأن الانتخابات والصراعات مع المعارضة انتهت.

السياسة الخارجية

ولا يعد ملف الاقتصاد هو الملف المؤرق الوحيد لإردوغان، فهناك العديد من الملفات المتعلقة بالسياسة الخارجية تحوي نقاطاً خلافية معقدة، لا سيما مع الاتحاد الأوروبي، أكبر شريك تجاري لتركيا، الذي سيزداد موقفه تصلباً في مواجهة إردوغان في ولايته الجديدة.

وقد عبر عن ذلك، زعيم كتلة حزب الشعب الأوروبي (يمين الوسط) وهي الكتلة الأكبر داخل البرلمان الأوروبي، الذي طالب بإنهاء التعامل مع عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بعد فوز إردوغان بالرئاسة مجدداً.

وقال السياسي الألماني مانفريد فيبر في تصريحات لصحف مجموعة «فونكه» الألمانية الإعلامية الصادرة اليوم الاثنين: «لقد أظهرت السنوات القليلة الماضية أن الشراكة الوثيقة مهمة، لكن لا أحد يريد أن تصبح تركيا عضواً كاملاً في الاتحاد الأوروبي، لا تركيا ولا الاتحاد الأوروبي... يتعين علينا تأجيل هذه العملية لأنها تعيق تحسين العلاقات أكثر مما تدعمها».

ولفت فيبر إلى أن التوقعات بعد فوز إردوغان في الانتخابات واضحة، خصوصاً فيما يتعلق بهدف السلام بين أوكرانيا وروسيا وسياسة الهجرة والتحديث الاقتصادي وقضية قبرص، قائلاً: «نحن بحاجة إلى التعاون. يجب أن يوافق إردوغان الآن على الفور على انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي (ناتو)».

باستثناء ذلك، فإن حكومة إردوغان الجديدة ستواصل عملها على محاولة حلحلة الملفات العالقة مع الولايات المتحدة، التي تتلخص في الخلاف على دعم المقاتلين الأكراد في سوريا، وموقف الولايات المتحدة من حركة غولن، وملف مقاتلات «إف 16».

ومن الوضح من خلال متابعة خطابات إردوغان خلال حملته الانتخابية أنه سيولي في الفترة المقبلة عناية كبيرة لمزيد من ترسيخ العلاقات مع روسيا، وما يعرف بالجمهوريات التركية أو «العالم التركي»، مع مزيد من الانفتاح على الصين ومواصلة العلاقات الجيدة مع إيران، وزيادة الانفتاح على دول الخليج، واستكمال تطبيع العلاقات مع مصر، واستمرار مسار التطبيع مع سوريا.

مستقبل المعارضة

وإذا كان الوضع بالنسبة لإردوغان حافلاً بالتحديات، فإن المعارضة التركية باتت في خضم تبعات تفرض عليها التفكير في المستقبل. ويسود ترقب لمصير تحالف «الأمة» المعارض المؤلف من «طاولة الستة» وهل سيواصل طريقه موحدة أم ستتفكك، وكذلك مصير مرشح التحالف الخاسر في الانتخابات الرئاسية، كمال كليتشدار أوغلو، وموقف حزبه منه في ظل تصاعد الضغوط عليه للاستقالة، وترك موقعه لقيادة جديدة، يرجح الكثيرون أن المؤهل لها هو رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو.

وأعطى كليتشدار أوغلو رسالة على التمسك بالبقاء في موقعه، في خطابه بعد ظهور نتائج جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة حيث تعهد بمواصلة «النضال»، مشيراً إلى الانتخابات المحلية التي ستجرى في مارس (آذار) 2024.

ودعت رئيسة حزب «الجيد»، ميرال أكشنار، إلى فهم رسالة الناخبين والقيام بما هو ضروري، وقالت إن التطورات ساخنة جداً في الوقت الحالي، ولا يمكنها الحديث عن استمرار تحالف «الأمة» من عدمه.

واجتمع قادة «تحالف الأمة» بعد الكشف عن النتائج في مقر حزب «الشعب الجمهوري» في أنقرة، مساء الأحد، لكن لم يصدر بيان عن الاجتماع.

وعزز من احتمالات تفرق التحالف دعوة رئيس حزب «المستقبل»، أحمد داود أوغلو، أحزاب الديمقراطية والتقدم، والسعادة والديمقراطي، إلى تشكيل مجموعة برلمانية واحدة مع حزبه بعد فوزها جميعاً بـ38 مقعداً في البرلمان.

تركية تمشي بجوار ملصق ضخم لمرشح المعارضة الخاسر كمال كليتشدار أوغلو في إسطنبول الاثنين (أ.ب)

ضغوط على كليتشدار أوغلو

وتحدث رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، في مقطع فيديو عبر «تويتر» قائلاً: «لن نتوقع أبداً نتيجة مختلفة بفعل الشيء نفسه»، مشيراً إلى ضرورة «إجراء تغيير»، في عبارة قرأها صحافيون ومحللون على أنها مطالبة بالتغيير في قيادة الحزب.

وقال الصحافي المعارض، إسماعيل سايماز، على «تويتر» الاثنين، إن «بإمكان إمام أوغلو أن يدعو لإشعال نار التغيير والنضال عند ظهوره في مهرجان بلدية إسطنبول إحياء للذكرى 570 لفتح إسطنبول (مساء الاثنين)».

وكان إمام أوغلو دعا إلى عدم الإحباط، قائلاً إنه في 2018 فاز إردوغان بالانتخابات وبعد 9 أشهر تمكنت المعارضة من انتزاع إسطنبول وأنقرة والمدن الكبرى في الانتخابات المحلية في مارس (آذار) 2019.

وتوقع المحلل السياسي، إنغين أوزار، أن يكون إمام أوغلو هو الزعيم الجديد لكتلة المعارضة، التي قد تكون خطوتها الأولى هي تقديم مرشح جديد، ربما يكون إمام أوغلو، الأصغر سناً والأكثر شعبية ونجاحاً، ليحل محل كليتشدار أوغلو كزعيم لها بتصريحات قومية لا تصريحات موالية للغرب.

ولفت إلى أن الورقة الرابحة الوحيدة المتبقية في يد المعارضة هي مشاكل الاقتصاد واللاجئين، متوقعاً أن تظهر هذه المشاكل في كثير من الأحيان في الفترة المقبلة.

ورأى الكاتب المحلل السياسي، مراد صابونجو، أن كليتشدار أوغلو خاض معركة غير متكافئة، استخدمت الحكومة فيها كل الإمكانيات من وسائل الإعلام إلى سلطة الدولة، وأظهرته كما لو كانوا جنباً إلى جنب مع الإرهابيين بمقاطع فيديو مفبركة، وحرمانه حتى من الحق في الوصول إلى الناخبين عبر الرسائل القصيرة على الهاتف.

وذهب صابونجو إلى أن تركيا تعاني حالياً من زيادة الاستقطاب، وأشار إلى أن تركيا اتبعت الأجندة العالمية الشعبوية اليمينية المنتشرة من إيطاليا إلى المجر إلى روسيا، وبينما كانت الحكومة تتحدث عن حماية الأسرة واستهداف مجتمع الميم، استخدمت المعارضة قضية اللاجئين وترحيلهم على الفور.

ورأى أن نسبة 48 في المائة من الأصوات التي حصل عليها كليتشدار أوغلو ليست أقل من الواقع، وقدر رأى إردوغان ذلك، ورأته المعارضة، لذلك بدأت العمل على الفور على الانتخابات المحلية لعام 2024.


مقالات ذات صلة

حزب إردوغان يعمل على فتح طريقه لولاية رئاسية رابعة

شؤون إقليمية إردوغان يتمسك بالاستمرار في الرئاسة رغم استنفاد مرات الترشح (الرئاسة التركية)

حزب إردوغان يعمل على فتح طريقه لولاية رئاسية رابعة

أعلن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا العمل على ترشيح الرئيس رجب طيب إردوغان لرئاسة البلاد للمرة الرابعة فيما تطالب المعارضة بالإسراع بالانتخابات.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية مواطنون أتراك يحتجون أمام بلدية بشكتاش في إسطنبول احتجاجاً على اعتقال رئيسها (إعلام تركي - «إكس»)

تركيا توقف رؤساء بلديات من المعارضة وسط احتجاجات واسعة

قررت السلطات التركية اعتقال رئيسي بلدية من حزب مؤيد للأكراد بتهمة الإرهاب، بالتزامن مع اعتقال رئيس بلدية بشكتاش في إسطنبول من حزب «الشعب الجمهوري».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان متحدثاً خلال مؤتمر حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في ولاية شانلي أورفا جنوب شرقي تركيا (الرئاسة التركية)

المعارضة التركية تتحدى إردوغان بعد إعلان نيته الترشح للرئاسة مجدداً

تحدى زعيم المعارضة التركية، أوزغور أوزال، الرئيس رجب طيب إردوغان، أن يتخذ قراراً فورياً بالتوجه لانتخابات مبكرة بعدما كشف صراحة عن نيته الترشح للرئاسة مجدداً.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان تعهد بدفن مسلحي «العمال الكردستاني» إذا رفضوا إلقاء أسلحتهم (الرئاسة التركية)

إردوغان يوجه تحذيراً صارماً لـ«العمال الكردستاني»

بينما يواصل وفد الحوار مع زعيم حزب «العمال الكردستاني» السجين عبد الله أوجلان في إطار مبادرة لإنهاء الإرهاب في تركيا، وجّه إردوغان تحذيراً صارماً لمقاتلي الحزب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان وحليفه دولت بهشلي يصران على وضع دستور جديد لتركيا يفتح الطريق لترشيحه للرئاسة مجدداً (الرئاسة التركية)

دستور تركيا الجديد يظهر في حراك الحوار مع أوجلان

ظهرت تلميحات إلى الدستور الجديد لتركيا في سياق الحوار الذي بدأ مع زعيم حزب «العمال الكردستاني» السجين مدى الحياة عبد الله أوجلان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

سلطات كوريا الجنوبية تقبض على الرئيس المعزول يون

موكب من السيارات يصطحب الرئيس المعزول يون سوك-يول تنفيذا لمذكرة التوقيف الصادرة بحقّه (أ.ف.ب)
موكب من السيارات يصطحب الرئيس المعزول يون سوك-يول تنفيذا لمذكرة التوقيف الصادرة بحقّه (أ.ف.ب)
TT

سلطات كوريا الجنوبية تقبض على الرئيس المعزول يون

موكب من السيارات يصطحب الرئيس المعزول يون سوك-يول تنفيذا لمذكرة التوقيف الصادرة بحقّه (أ.ف.ب)
موكب من السيارات يصطحب الرئيس المعزول يون سوك-يول تنفيذا لمذكرة التوقيف الصادرة بحقّه (أ.ف.ب)

دخل الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سوك-يول الأربعاء مقر هيئة التحقيق بفساد كبار المسؤولين بعد أن اعتُقل تنفيذا لمذكرة توقيف صدرت بحقّه في قضية محاولته الفاشلة قبل شهر ونصف فرض الأحكام العرفية في البلاد.

واقتيد يون من مقرّ إقامته الرسمي المحصّن بشدّة في وسط سيول ضمن موكب أمني إلى مقرّ هيئة التحقيق بفساد كبار المسؤولين بعد أن أعلن فريق مشترك من المحقّقين والشرطة أنّهم نفذوا مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه.

وأعلن الرئيس الكوري الجنوبي المعزول أنّه وافق «حقنا للدماء» على الرضوخ لأوامر المحقّقين بالمثول أمامهم لاستجوابه بشأن محاولته الفاشلة قبل شهر ونصف فرض الأحكام العرفية في البلاد، على الرغم من أنه يعتبر هذا التحقيق غير قانوني. وقال يون في رسالة مصوّرة نشرت بعد أن أوقفته سلطات التحقيق واقتادته إلى مقرّها «لقد قررتُ الردّ على مكتب التحقيق بقضايا الفساد»، مؤكّدا في الوقت نفسه أنّه لا يعترف بشرعية التحقيق لكنه يخضع له «من أجل تجنّب أيّ إراقة مؤسفة للدماء».

وكانت سلطات التحقيق في كوريا الجنوبية أعلنت في وقت سابق أنّها اعتقلت الرئيس المعزول لاستجوابه بشأن محاولته فرض الأحكام العرفية في البلاد، ليصبح بذلك أول رئيس في تاريخ البلاد يتم توقيفه أثناء وجوده في السلطة. وقالت السلطات التي تحقّق مع يون بتهمة التمرّد إنّ «مقرّ التحقيقات المشترك نفّذ مذكرة توقيف بحقّ الرئيس يون سوك-يول اليوم (الأربعاء) في الساعة 10:33 صباحا (01,30 ت غ)».