في أكبر تصعيد منذ عام 2012، أعلن جيش جنوب أفريقيا، الثلاثاء، مقتل أربعة من جنوده المشاركين في قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية ليرتفع عدد قتلى القوة الإقليمية لجنوب أفريقيا SAMIDRC وبعثة الأمم المتحدة (مونوسكو) إلى 17 فرداً، لقوا حتفهم في الاشتباكات الأخيرة بين جيش الكونغو وحركة «23 مارس» أو «إم 23»، المدعومة من رواندا، بحسب ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».
يأتي هذا في وقت هاجم فيه متظاهرون، الثلاثاء، عدة سفارات أجنبية بالعاصمة الكونغولية كينشاسا، احتجاجاً على تقدم متمردي حركة «23 مارس» إلى مدينة غوما، شرقي البلاد، وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الذي هتفوا ضد رواندا وأحرقوا إطارات، حسبما أفادت وكالة «أسوشييتد برس».
ونددت الخارجية الفرنسية بما وصفتها بالهجمات «غير المقبولة» على سفارتها في كينشاسا. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، على منصة التواصل الاجتماعي «إكس»، إن الحريق الذي اندلع في سفارة باريس في كينشاسا تمت السيطرة عليه، مشيراً إلى أنه «يجري القيام بكل شيء لضمان سلامة المواطنين الفرنسيين وموظفي السفارة».
بينما أكدت حكومة كينيا «استهداف سفاراتها وسفارات جنوب أفريقيا وأوغندا».
وأدان الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، الهجمات التي استهدفت السفارات في الكونغو الديمقراطية، داعياً إلى «حماية البعثات الدبلوماسية وفقاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية».
وسُمع دوي إطلاق النار في غوما، الثلاثاء، في ظل استمرار المعارك بين الجيش ومتمردي حركة «23 مارس»، الذين دخلوا المدينة التي يقطنها أكثر من مليون نسمة، مساء الأحد الماضي، فيما وصف بأنه «عملية تقدم خاطفة» استمرت بضعة أسابيع، بدأت بعد فشل جهود وساطة أنغولا بين الكونغو الديمقراطية ورواندا في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن، جلسة مساء الثلاثاء؛ لبحث الأزمة، بعد اجتماع سابق، الأحد، انتقدت حكومة الكونغو ما صدر عنه، ووصفته بـ«البيان الغامض»؛ كونه لم يطلب من رواندا بوضوح مغادرة الأراضي الكونغولية. وبحسب الأمم المتحدة، «يوجد في المنطقة آلاف العناصر من القوات الرواندية».
وتتهم الكونغو والولايات المتحدة رواندا بدعم حركة «إم 23»، التي تشكلت عام 2012 من أفراد من إثنية «التوتسي» انشقوا عن الجيش الكونغولي.
وحركة «إم 23» هي واحدة من نحو 100 جماعة مسلحة تتنافس على الفوز بموطئ قدم في شرق الكونغو الغني بالمعادن، على طول الحدود مع رواندا.
وتشهد المنطقة صراعاً ممتداً منذ أكثر من ثلاثين عاماً تعود جذوره إلى «الإبادة الجماعية»، والرغبة في السيطرة على الموارد الطبيعية.
ورصدت وسائل إعلام تحركات لقوات حركة «23 مارس» في مدينة غوما، ونقلت عن سكان المدينة تعرض بعضهم للسرقة على «أيدي عناصر ميليشيات أو جنود كونغوليين». ولا يزال من الصعب تحديد أجزاء المدينة التي سقطت بالفعل في أيدي حركة «23 مارس» والجيش الرواندي.
ولم يتحدث الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي منذ بداية الأزمة، بينما أكدت الحكومة الكونغولية، الاثنين، أنها تريد «تجنب وقوع مذبحة».
ودفع التقدم السريع لحركة «إم 23» نحو غوما، إلى جانب التصعيد الدبلوماسي بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، نيروبي للدعوة إلى عقد اجتماع، الأربعاء، بين رئيسي الكونغو ورواندا. وأشارت تقارير إعلامية إلى تكدس المستشفيات في غوما بالمصابين، بينما أكد مراقبون أن «موجة العنف الأخيرة أدت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية المزمنة في المنطقة».
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، الثلاثاء: «نزح نصف مليون شخص إضافي هذا الشهر وحده». وأشارت الناطقة باسم برنامج الأغذية العالمي في الكونغو شيلي ثاكرال، لصحافيين في جنيف عبر رابط فيديو من كينشاسا، الثلاثاء، إلى «توقف المساعدات الغذائية مؤقتاً في غوما ومحيطها».
وكانت حركة «إم 23»، احتلت إنما لفترة وجيزة نهاية عام 2012، قبل أن تهزم عسكرياً في العام التالي.
وحذّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الثلاثاء، من خطر انتشار فيروسات، بما فيها إيبولا من مختبر في غوما بسبب القتال العنيف في المدينة.
وفي سياق متصل، قالت مصر إنها «تتابع بقلق بالغ التطورات الأخيرة في شرق الكونغو الديمقراطية، والتي أدت إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والأمنية في المنطقة»، معربة، بحسب إفادة رسمية لوزارة الخارجية، الثلاثاء، عن «أسفها لسقوط عدد من الضحايا والمصابين بين أعضاء بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو».
وأكدت القاهرة «ضرورة احترام سيادة الكونغو الديمقراطية، والالتزام باتفاقيات وقف إطلاق النار»، مشددة على «أهمية احتواء التصعيد والوقف الفوري لجميع الأعمال العدائية»، كما جددت «دعمها الكامل لجهود الاتحاد الأفريقي والأطراف الإقليمية الهادفة إلى نزع فتيل الأزمة».
ويرى نائب رئيس «المجلس المصري للشؤون الأفريقية»، السفير صلاح حليمة، أن «التصعيد الأخير يأتي امتداداً لسلسلة من الصراعات المستمرة، والتي فشلت جهود الوساطة الدولية والأفريقية في حلها»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قوات حفظ السلام لم تعد قادرة على القيام بدورها في تأمين منطقة الصراع، لا سيما مع دعم قوى إقليمية لحركة (إم 23)».
وأرجع حليمة الصراع إلى «أسباب إثنية، إضافة إلى الرغبة في السيطرة على الموارد الطبيعية وثروات التعدين في شرق الكونغو الديمقراطية»، واصفاً الوضع بأنه «دائرة مفرغة من الكر والفر لن تحل إلا بتدخلات إقليمية تضغط على طرفي النزاع لوقف القتال الذي يهدد الإقليم كله».