بخلاف القطاعات الخدمية الأخرى؛ مثل الصحة والمياه التي عجز الحوثيون عن تحويلها إلى قطاع تجاري يجنون من خلالها الأرباح، يواجه قطاع الكهرباء في مناطق سيطرتهم مخاطر الدمار الكامل، بعد أن دخلت الجماعة بوصفها طرفاً تجارياً منافساً لأصحاب مولدات الطاقة الذين يقدمون هذه الخدمة للسكان بزيادة في التعريفة تتجاوز نسبة 1700 في المائة عما كانت عليه قبل الانقلاب.
عاملون في المؤسسة العامة للكهرباء، وبينهم فنيون ومهندسون ذكروا لـ«الشرق الأوسط» أن السياسية التي تتبعها الجماعة في قطاع الكهرباء من شأنها أن تدمر هذه المؤسسة الحكومية المعنية بإدارة محطات التوليد وشبكة الكهرباء في عموم البلاد.
وأوضح العاملون أن الحوثيين حوّلوا المؤسسة إلى شركة تجارية، بعد الأرباح الكبيرة التي حصل عليها ملاك مولدات الكهرباء التجارية، الذين سُمح لهم بالعمل وتقديم الخدمة منذ ست سنوات، بعد أن أوقفت الجماعة عمل جميع محطات التوليد الحكومية في مناطق سيطرتها.
ووفق ما أوردته المصادر، تخلى الحوثيون في بداية الأمر عن مسؤولياتهم في تقديم خدمة الكهرباء، والمياه والصحة، حيث أوقفوا عمل محطات التوليد الحكومية عن العمل، فيما تولت منظمات أممية تشغيل قطاعي المياه والصحة، وحينها قاموا بتأجير بعض محطات التوليد لتجار وسمحوا لهم ببيع الكيلوواط الواحد بـ300 ريال يمني، في حين أن السعر الرسمي كان 17 ريالاً للكيلوواط عند انقلابهم على الشرعية. (الدولار حوالي 530 ريالاً في مناطق سيطرة الحوثيين).
تأجير الشبكة العامة
وبينت المصادر أن قادة الجماعة الحوثية أجّروا أيضاً الشبكة العامة للتجار مقابل الحصول على جزء من الأرباح، قبل أن يعودوا بعد ذلك لتشغيل وإدارة محطات التوليد الحكومية لصالحهم، ولكنهم رفعوا تعريفة الاستهلاك إلى مستويات مماثلة لأسعار المولدات التجارية؛ ليحصلوا على أعلى الأرباح.
وذكرت المصادر العاملة في هذا القطاع أن الحوثيين حالياً أعادوا تشغيل محطتي ذهبان وحزيز في صنعاء، ومحطة رأس كثيب في الحديدة، وبتسعيرة تقل بنحو خمسين ريالاً عن تسعيرة القطاع التجاري الذي اضطر إلى عمل شبكة نقل للطاقة مستقلة ولكن بطريقة بدائية، ونشر مولداته في الأحياء.
ووفق هذه المصادر فإن الجماعة الانقلابية أخذت أيضاً مولدات الكهرباء الاحتياطية الخاصة بالمجمع الرئاسي في صنعاء وفي عدد من المنشآت الحساسة ونقلتها إلى مدينة الحديدة، وتبيع الخدمة بأسعار مقاربة للأسعار التي يقدمها أصحاب المولدات التجارية، التي تصل إلى 500 ريال للكيلوواط الواحد.
ووفق هذه المصادر، فإنه وإلى ما قبل إبرام الهدنة برعاية الأمم المتحدة في 2 أبريل (نيسان) 2022، كان الحوثيون يبررون رفع تعريفة الاستهلاك من قبلهم ومن قِبل التجار بارتفاع أسعار الوقود، نتيجة تأخر دخول ناقلاته إلى موانئ الحديدة، وما يقولون إنها غرامات تُدفع لمالكي البواخر.
إلا أنه ومنذ إزالة كل العوائق أمام انسياب الوقود، ودخول كميات تزيد بأضعاف ما كان يصل قبل ذلك لم يتم تخفيض تعريفة الاستهلاك لا من قِبل المؤسسة العامة، ولا من قِبل التجار، وهو ما يكشف - وفق المصادر - التوافق بين قيادة المؤسسة التي عيّنها الحوثيون والتجار الذين ينتمون إلى الجماعة أيضاً، ويقدمون هذه الخدمة في كل المدن الخاضعة لسيطرتهم.
عائدات ضخمة
وتحدث موظفون في مؤسسة الكهرباء وفروعها في المحافظات الخاضعة للحوثيين عن عائدات ضخمة من بيع الكهرباء بهذه الأسعار، واستيلاء قيادات الصف الأول في الجماعة على ملايين الريالات من تلك العائدات شهرياً، فيما تذهب بقية المبالغ إلى حساب بنكي يشرف عليه مدير مكتب مجلس الحكم الحوثي في تلك المناطق أحمد حامد المعروف بـ«أبو محفوظ»، الذي يتحكم بكل العائدات والموازنة المخصصة للمؤسسات والمحافظات بالتعاون مع وزير ماليته رشيد أبو لحوم.
ودفعت روائح الفساد وشكاوى الموظفين المعزّزة بوثائق ما يعتمل في مؤسسة الكهرباء بعد تعيين القيادي الحوثي هاشم الشامي، الذي يواجه تهماً متعددة بالفساد، برئيس مجلس الحكم مهدي المشاط إلى إرسال لجنة للتحقيق في قضايا الفساد، لكن المصادر شككت في إمكانية إدانة الشامي ومساعديه؛ لأنهم يحتمون بقوة ونفوذ «أبو محفوظ»، الذي يُوصف على نطاق واسع بأنه الحاكم الفعلي لحكومة الجماعة.
وامتد الفساد إلى فرع مؤسسة الكهرباء في الحديدة؛ حيث عيّن الشامي أحد المقربين منه، ويُدعى عبد الحميد الولي مديراً لفرع المؤسسة هناك، مع أنه ليس موظفاً في المؤسسة، وتم استقدامه من خارجها خلافاً للقانون، ويحصل شهرياً على مكافآت تزيد على خمسة آلاف دولار خلافاً لراتبه، فيما لا تتجاوز مستحقات العاملين ميدانياً 150 دولاراً في الشهر.
إقصاء ومحسوبية
إلى جانب ذلك تقول المصادر إن القيادي الحوثي عبد الحميد الولي استغنى عن كثير من الموظفين وتم توقيف آخرين عن العمل وإحلال أقاربه وأبناء منطقته بدلاً عنهم، بل إنه قام بتوظيف منتسبين للأمن، وعيّنهم في مواقع إدارية مهمة؛ كي يبرر منحهم مستحقات تفوق التصور مقارنة بما يحصل عليه الموظفون الميدانيون، الذين يعدون العمود الفقري للمؤسسة.
وطبقاً لهذه المصادر، فإن الوثائق التي تم تسليمها إلى لجنة التحقيق كشفت عن وجود موظفين محسوبين على مدير منطقة الحديدة يتقاضى الواحد منهم شهرياً أكثر من مليون ريال يمني (الدولار حوالي 530 ريالاً) في حين أن الموظف الميداني لا تصل مستحقاته إلى 80 ألف ريال في الشهر الواحد.
الموظفون طالبوا أيضاً بالتحقيق في فساد مدير المنطقة الثانية في العاصمة صنعاء يحيى السراجي؛ استناداً إلى تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بهذا الخصوص، وذكروا أن مديراً عامّاً في منطقة عمران أوقف أيضاً عن العمل وتم استدعاؤه إلى مقر جهاز الأمن والمخابرات بالمحافظة للتحقيق معه بعد فصل 22 موظفاً من أعمالهم وتعيين بدلاء عنهم.