التغيرات المناخية تهدد اليمن وسط ضعف استعدادات المواجهة

دراسة: عدن معرضة لارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف

يعد اليمن من بين أكثر الدول شحاً في المياه مع ظروف الصراع وتغير المناخ (إ.ب.أ)
يعد اليمن من بين أكثر الدول شحاً في المياه مع ظروف الصراع وتغير المناخ (إ.ب.أ)
TT

التغيرات المناخية تهدد اليمن وسط ضعف استعدادات المواجهة

يعد اليمن من بين أكثر الدول شحاً في المياه مع ظروف الصراع وتغير المناخ (إ.ب.أ)
يعد اليمن من بين أكثر الدول شحاً في المياه مع ظروف الصراع وتغير المناخ (إ.ب.أ)

حذرت دراسة بحثية حديثة من تأثيرات خطيرة للتغيرات المناخية في اليمن بوصفه من أكثر الدول تضرراً، والأقل استعداداً لمواجهات هذه التأثيرات، وبينت أن هذا البلد الذي أغرقه الحوثيون في صراع مسلح منذ 9 سنوات معرض بشدة للجفاف والفيضانات، وتفشّي الأمراض، وارتفاع مستوى سطح البحر.

الدراسة البحثية التي أصدرتها الجمعية اليمنية لرعاية الأسرة (حكومية) ذكرت أن لتغير المناخ آثاراً خطيرة على اليمن، وأن هذه التأثيرات ستمتد إلى جميع القطاعات والموارد في أنحاء البلاد، ورأت أن هذا الوضع بمثابة تحذير لبقية العالم بشأن ما يمكن أن يحدث إذا لم يُعَالَج تغير المناخ بشكل فعال وسريع.

ازدياد العواصف والفيضانات في اليمن يؤدي إلى نزوح وإصابات وخسائر في الأرواح (فيسبوك)

معدو الدراسة طالبوا الجهات الحكومية والمجتمع المدني وقادة المجتمع والمجتمع الدولي بالعمل معاً لمعالجة تغير المناخ والقضايا البيئية في اليمن قبل فوات الأوان.

ونبهوا إلى أن مستقبل اليمن وشعبه يعتمد على هذه الجهود الجماعية للتخفيف من آثار تغير المناخ، والتكيف معها وحماية البيئة؛ لأنه من بين أكثر دول العالم عرضة لتغير المناخ، ومن بين أقل البلدان استعداداً للتخفيف من آثارها أو التكيف معها، إذ إنه الدولة رقم 22 الأكثر ضعفًا وفي المرتبة 12 من بين الأقل استعداداً.

الدراسة التي وزعها مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أكدت أن اليمن معرّض بشدة للآثار المرتبطة بتغير المناخ مثل الجفاف والفيضانات الشديدة والآفات وتفشّي الأمراض، والتغيرات في أنماط هطول الأمطار، وزيادة شدة العواصف، وارتفاع مستوى سطح البحر؛ ما يهدد الوضع الهش أصلاً.

تغيرات مدمرة

ذكرت الدراسة أن هطول الأمطار في اليمن يتميز بعواصف شديدة موسمياً وقصيرة الأمد تؤدي في كثير من الأحيان إلى فيضانات مفاجئة، ويترتب على ذلك انهيارات أرضية، وتآكل التربة، واقتلاع النباتات، وتدهور المدرجات الزراعية، وفي بعض الأحيان تسبب هذه الفيضانات أضراراً اقتصادية كبيرة وخسائر في المحاصيل والأرواح.

وتناولت الدراسة الوضع المناخي حالياً، وقالت إن ظروف الجفاف تزامنت مع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة؛ ما أثر على جميع المناطق الزراعية في البلاد، ونتيجة لذلك ارتفعت نسبة التصحر وإزالة الغابات من 90 في المائة في عام 2014 إلى 97 في المائة في عام 2022، إذ يعد اليمن من أكثر 5 دول منخفضة الدخل عرضة لارتفاع مستوى سطح البحر، ومن المتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر فيه بمقدار 0.3 إلى 0.54 متر بحلول عام 2100.

أدت الفيضانات إلى تآكل التربة وفقدان الأراضي الزراعية في اليمن (فيسبوك)

ووفق الدراسة، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي إلى تسرب المياه المالحة، ما يجعل طبقات المياه غير صالحة للشرب، وبالتالي ستتفاقم مشكلات ندرة المياه.

وأوضحت أن عدن هي سادس أكثر المدن في العالم عرضة لارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف، وقالت إن تأثير هذه التغيرات على موارد المياه كانت واضحة، حيث يؤدي ارتفاع درجة حرارة الهواء إلى زيادة التبخر، وانخفاض هطول الأمطار، وتغير أنماط الطقس التي تسهم في ندرة المياه. كما تتسبب الفيضانات أيضاً في تلوث المياه السطحية والجوفية؛ لأنها تحمل ملوثات مختلفة مثل مياه الصرف الصحي والنفايات الكيميائية.

ولأن التغير المناخي يؤثر في إعادة تغذية طبقات المياه الجوفية بسبب التغير في هطول الأمطار من حيث الكمية والتوزيع، فقد أكد معدو الدراسة أن اليمن سابع أكثر دولة ندرة في المياه، وأنه مع تضاؤل ​​منسوب المياه الجوفية الذي يتراوح بين 3 إلى 8 أمتار سنوياً في الأحواض الحرجة، تأثر قطاع الزراعة بالفيضانات والجفاف والآفات، ما أسهم في انخفاض إنتاجية المحاصيل.

تصحر واستنزاف

بيانات الدراسة أفادت بأن التصحر الناجم عن الجفاف أدى إلى خسارة سنوية تتراوح بين 3 و5 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة، وأن ندرة المياه تظل أكبر عائق أمام تحسين الإنتاجية الزراعية، وحذرت من أن يؤدي استنزاف الموارد المائية إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية بنسبة 40 في المائة، في وقت أدت فيه الفيضانات إلى تآكل التربة وفقدان الأراضي الزراعية، ما أدى إلى انخفاض الأراضي الزراعية من 1.6 مليون هكتار في عام 2010 إلى 1.2 مليون هكتار في عام 2020.

آثار كارثية للأمطار التي ضربت عدن في عام 2020 (إكس)

وتوقعت الدراسة أن يتفاقم تأثير تغير المناخ على الزراعة في المستقبل، خصوصاً مع هطول أمطار أكثر كثافة وجفاف أطول، وقالت إن تأثير تغير المناخ على المستوى العالمي يشكل تهديداً كبيراً للأمن الغذائي في اليمن الذي يستورد 90 في المائة من احتياجاته، مشيرة إلى أن ذلك سيزيد من تفاقم انعدام الأمن الغذائي ونقص التغذية والاعتماد على المساعدات الخارجية، وستكون له عواقب وخيمة.

وتشير التقديرات - وفق الدراسة - إلى أن نحو 19 مليون يمني (نحو 62 في المائة من السكان) يواجهون انعدام الأمن الغذائي، حيث يعيش 161 ألف شخص في ظروف شبيهة بالمجاعة، وفي ما يتعلق بالقطاع الصحي، فإن الكثير من الأمراض المتوطنة والوبائية في اليمن تتأثر بالأحداث المناخية، إذ إن ازدياد العواصف والفيضانات أدى إلى نزوح وإصابات وخسائر في الأرواح، بالإضافة إلى ذلك، يرتبط الجفاف والفيضانات بزيادة خطر سوء التغذية والأمراض المنقولة.

تحديات متنوعة

حذرت الدراسة اليمنية من أن الحرارة الشديدة ستؤدي إلى زيادة معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات لدى الفئات الأكثر ضعفاً مثل كبار السن، خصوصاً أولئك الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً؛ والأشخاص الذين يعانون من حالات صحية موجودة مسبقاً، مثل أمراض القلب وأمراض الجهاز التنفسي والسكري، كما ستؤثر تغيرات المناخ بشكل محدود على المجتمعات الضعيفة، بمن في ذلك النساء والنازحون واللاجئون والأطفال وكبار السن. في حين تتأثر النساء بشكل خاص بندرة المياه، وعادة ما تكون مهمتهن جلب المياه، حتى لو كانت على مسافة كيلومترات.

يمنيات في صنعاء يجلبن المياه من خزان تُبُرِّع به (إ.ب.أ)

وبالإضافة إلى التحديات التي تواجهها المرأة بسبب مسؤوليتها في جلب المياه، أظهرت الدراسة ازدياد حالات الزواج المبكر، مع استمرار تغير المناخ في التدهور البطيء لقدرات المجتمعات الريفية على الإنتاج، حيث تتحمل المرأة اليمنية عبء انعدام الأمن الغذائي ورعاية الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، بينما تواجه نفسها سوء التغذية المتنامي، كما أدى تغير المناخ إلى زيادة عدد الأسر التي ترأسها النساء والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

وتشير الدراسة إلى أن تغير المناخ ينتج عنه المزيد من النازحين واللاجئين؛ حيث يؤدي تدهور الأراضي ومصادر المياه إلى نزوح الناس بحثاً عن الموارد الحيوية، ولهذا يكون النازحون أكثر عرضة لتغير المناخ والظواهر الجوية المتطرفة بما في ذلك أحداث الفيضانات التي يمكن أن تدمر بسرعة البنية التحتية المحدودة في المخيمات، فضلاً على موجات الحر التي لا تترك للناس سوى خيارات قليلة للتبريد والمأوى.

وبالإضافة إلى ذلك، أوضحت الدراسة أن الأطفال يتأثرون أيضاً بتغير المناخ، بما في ذلك أمراض الإسهال وحمى الضنك، خلال فترات الفيضانات، كما أن كبار السن، خصوصاً ذوي الإعاقة والنساء، من الفئات الأكثر تضرراً من الآثار المرتبطة بالمناخ مثل الانتشار الكبير للأمراض المنقولة، والإجهاد الحراري، وزيادة تواتر وشدة الكوارث المفاجئة والبطيئة الظهور التي يمكن أن تؤثر على صحتهم ورفاهيتهم الجسدية والعقلية.


مقالات ذات صلة

الجيش الأميركي يتبنى قصف 15 هدفاً حوثياً

العالم العربي غارات أميركية استهدفت معسكراً للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

الجيش الأميركي يتبنى قصف 15 هدفاً حوثياً

غداة سلسلة من الغارات التي ضربت 4 محافظات يمنية خاضعة للجماعة الحوثية المدعومة من إيران، أعلن الجيش الأميركي تبني هذه الضربات التي قال إنها طالت 15 هدفاً.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون يجبرون طلاب المدارس على المشاركة في أنشطة تعبوية (إعلام حوثي)

جانب من استهداف حوثي لطلبة المدارس في ضواحي صنعاء (فيسبوك)

المدارس الأهلية في صنعاء تحت وطأة الاستقطاب والتجنيد

كثف الحوثيون من استهداف قطاع التعليم الأهلي في صنعاء من خلال إجبار الطلبة والمعلمين في عدد من المدارس على المشاركة في دورات قتالية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي ضربات غربية استهدفت معسكر الصيانة الخاضع للحوثيين في صنعاء (رويترز)

اتهامات حوثية لواشنطن ولندن بضربات جوية طالت 4 محافظات يمنية

استهدفت ضربات جوية غربية مواقع للجماعة الحوثية شملت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء وثلاث محافظات أخرى ضمن مساعي واشنطن لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن

علي ربيع (عدن)
العالم العربي مواقع غير رسمية مليئة بالنفايات الخطرة في اليمن تسبب التلوث (إعلام محلي)

النفايات ترفع معدل الاحتباس الحراري والتلوث في اليمن

كشف مرصد مختص بالبيئة عن استخدام الأقمار الاصطناعية في الكشف عن تأثير مواقع النفايات غير الرسمية في اليمن على البيئة والصحة وزيادة معدل الاحتباس الحراري.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي عنصر حوثي على متن عربة عسكرية في صنعاء (إ.ب.أ)

اتهامات لنجل مؤسس «الحوثية» باعتقال آلاف اليمنيين

قدرت مصادر يمنية أن جهاز الاستخبارات المستحدث الذي يقوده علي حسين الحوثي، نجل مؤسس الجماعة، اعتقل نحو 5 آلاف شخص على خلفية احتفالهم بذكرى «ثورة 26 سبتمبر».

محمد ناصر (تعز)

انقلابيو اليمن يتبنّون استهداف تل أبيب بمسيّرات

عناصر حوثيون في صنعاء متضامنون مع «حزب الله» اللبناني (إ.ب.أ)
عناصر حوثيون في صنعاء متضامنون مع «حزب الله» اللبناني (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يتبنّون استهداف تل أبيب بمسيّرات

عناصر حوثيون في صنعاء متضامنون مع «حزب الله» اللبناني (إ.ب.أ)
عناصر حوثيون في صنعاء متضامنون مع «حزب الله» اللبناني (إ.ب.أ)

ضمن تصعيد الجماعة الحوثية المستمر للشهر الحادي عشر تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة، وأخيراً مناصرة «حزب الله» في لبنان، تبنت إطلاق عدد من الطائرات المسيرة باتجاه تل أبيب، الخميس.

وجاء هذا الهجوم في وقت تتوعد فيه الجماعة المدعومة من إيران باستمرار هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، إذ تزعم أنها تمنع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل بغضّ النظر عن جنسيتها، إضافة إلى السفن الأميركية والبريطانية.

وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، يحيى سريع، في بيان متلفز، إن قوات جماعته نفّذت عملية عسكرية استهدفت هدفاً حيوياً في «تل أبيب» بعدد من الطائرات المسيرة من نوع «يافا».

وادّعى المتحدث الحوثي أن العملية «حقّقت أهدافها بنجاح بوصول المسيرات دون أن يرصدها العدو أو يسقطها»، حيث جاءت ضمن ما تسميه الجماعة «المرحلة الخامسة في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، واستمراراً في الانتصارِ لمظلوميةِ الشعبينِ الفلسطينيِّ واللبنانيِّ وإسناداً للمقاومتينِ الفلسطينيةِ واللبنانيةِ».

صاروخ باليستي زعم الحوثيون أنهم أطلقوه باتجاه إسرائيل (إعلام حوثي)

وإذ توعد سريع باستمرار الهجمات من قبل جماعته «حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة، وكذلك وقف العدوانِ على لبنان»، قال الجيش الإسرائيلي إنه اعترض «هدفاً جوياً مشبوهاً» قبالة وسط إسرائيل خلال الليل من دون تقديم تفاصيل، وفق ما نقلته «رويترز».

وهذه هي المرة الخامسة التي تتبنى فيها الجماعة الحوثية مهاجمة تل أبيب منذ الهجوم الأول بطائرة مسيرة في 19 يوليو (تموز) الماضي، الذي أدى إلى مقتل مدني وإصابة آخرين بعد أن أصابت الطائرة شقة سكنية.

استمرار التصعيد

أشار زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في خطبته الأسبوعية، الخميس، إلى استمرار جماعته في تصعيدها، وأفرد مساحة واسعة للحديث عن الهجمات الإيرانية الصاروخية الأخيرة على إسرائيل.

وفي حين زعم الحوثي أن مقتل حسن نصر الله لن يؤثر على «حزب الله» اللبناني، قال إن جماعته هاجمت 188 سفينة منذ بدء التصعيد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وكانت الجماعة ادّعت إطلاق 3 صواريخ مجنحة باتجاه تل أبيب، الأربعاء، دون تأكيد إسرائيلي بخصوص هذه الهجمات، وذلك غداة مهاجمة الجماعة سفينتين في البحر الأحمر.

ويوم الثلاثاء الماضي، زعمت الجماعة مهاجمة هدف عسكري في تل أبيب بطائرة مسيرة من نوع «يافا» ومهاجمة أهداف عسكرية أخرى في «إيلات» بـ4 مسيرات من نوع «صماد 4»، وهي الهجمات التي لم يشر الجيش الإسرائيلي إلى آثار ناجمة عنها.

من آثار الضربات الإسرائيلية على مدينة الحديدة اليمنية الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)

وفي 15 سبتمبر (أيلول) أطلقت الجماعة صاروخاً «فرط صوتي» من نوع «فلسطين 2» باتجاه تل أبيب، حيث أدت عملية اعتراضه إلى إشعال حرائق في أماكن مفتوحة دون تسجيل أي إصابات بشرية. كما تبنت في 27 سبتمبر الماضي إطلاق صاروخ في النوع نفسه باتجاه تل أبيب، وإطلاق مسيرة من نوع «يافا» باتجاه منطقة عسقلان.

وإزاء الهجمات التي تبنتها الجماعة الحوثية ضد إسرائيل كان أول ردّ للأخيرة في 20 يوليو الماضي حيث استهدفت مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكررت الضربات الإسرائيلية، الأحد الماضي، الموافق 29 سبتمبر الماضي، على مستودعات الوقود في ميناءي الحديدة ورأس عيسى، كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقرّ به الحوثيون.