تدابير قمعية في إب اليمنية تخوفاً من انتفاضة شعبية

اتساع موجة السخط جراء الإنفاق على الاحتفالات الطائفية

حملة رسم العَلم اليمني أحرجت جماعة الحوثي ودفعتها إلى إجراءات سرية للتعرف على متبنيها (إكس)
حملة رسم العَلم اليمني أحرجت جماعة الحوثي ودفعتها إلى إجراءات سرية للتعرف على متبنيها (إكس)
TT

تدابير قمعية في إب اليمنية تخوفاً من انتفاضة شعبية

حملة رسم العَلم اليمني أحرجت جماعة الحوثي ودفعتها إلى إجراءات سرية للتعرف على متبنيها (إكس)
حملة رسم العَلم اليمني أحرجت جماعة الحوثي ودفعتها إلى إجراءات سرية للتعرف على متبنيها (إكس)

خوفاً من انتفاضة شعبية، صعّدت الجماعة الحوثية من تدابيرها القمعية في محافظة إب اليمنية بالتوازي مع استعداداتها للاحتفال بالمولد النبوي في عموم مناطق سيطرتها، وهو الاحتفال الذي تمنحه الجماعة صبغة طائفية وسياسية للتأكيد على نفوذها وهيمنتها، وذلك بالتوازي مع موجة رفض شعبي لكل مظاهر الهيمنة الحوثية.

ومنذ أسابيع تعمل جماعة الحوثي على جمع بيانات عن أهالي محافظة إب وممتلكاتهم ومصادر دخلهم، ووفقاً لمصادر في المحافظة، فإن عناصر الجماعة وزّعوا على سكان المدينة (193 كيلومتراً جنوب العاصمة صنعاء)، وهي مركز المحافظة، استمارات حول ممتلكاتهم ومصادر دخلهم، وإن كان لهم أقارب داخل المحافظة أو خارجها يساعدونهم مالياً أو ينفقون عليهم.

صعّدت جماعة الحوثي حملاتها الأمنية في مدينة إب بالتزامن مع استعداداتها للاحتفال بذكرى الانقلاب والمولد النبوي (إكس)

وألزمت الجماعة مسؤولي الأحياء المعروفين بـ«عقال الحارات» بالإشراف على تعبئة الاستمارات والتحقق من جميع البيانات الواردة فيها، والتي تتضمن هويات الساكنين وأعدادهم ومصادر دخلهم وأملاكهم وطبيعة المساكن وملكيتهم لوسائل المواصلات وقِطع السلاح، وعدد أقاربهم المغتربين أو الموجودين في قرى ومدن المحافظة أو محافظات أخرى، وهل لديهم ممتلكات خارج المحافظة.

وكشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط»، عن ترتيبات أمنية غير مسبوقة تجريها جماعة الحوثي تحسباً لأي تحرك شعبي مناهض لها بالتزامن مع احتفالاتها بالمولد النبوي والذكرى التاسعة للانقلاب، خصوصاً وأن أهالي المحافظة أطلقوا حملة للاحتفال الشعبي بثورة «26 سبتمبر» من خلال رسم عَلم الدولة على الجدران وخزانات المياه.

وبحسب ناشط سياسي في المحافظة؛ فإن هذه الحملة «مثّلت إحراجاً كبيراً للميليشيات الحوثية، ودفعتها إلى اتخاذ إجراءات سرية لمحاولة التوصل إلى متبني الحملة، واتخاذ التدابير التي تحُول دون تحولها حراكاً شعبياً مناهضاً».

ويوضح الناشط الذي تتحفظ «الشرق الأوسط» على بياناته، أن الحملة تسعى إلى توحيد موقف أهالي المحافظة ضد الجماعة، وتحريضهم ضدها بطريقة تمنعها من التعرض للمشاركين فيها أو استهدافهم بشكل مباشر، «فثورة 26 سبتمبر هي أساس بناء الدولة اليمنية الحديثة ووثيقة ميلادها، والتي تدعي الميليشيات أنها تدافع عنها»، وفق تعبيره.

مخاوف من انتفاضة

رغم أن انقلاب الحوثيين في 21 سبتمبر (أيلول) 2014؛ كان يستهدف الدولة اليمنية والجمهورية التي نشأت في 26 سبتمبر 1962؛ فإن قادة الجماعة لم يتجرأوا على إعلان ذلك؛ لعلمهم بمكانة هذه الثورة في وجدان اليمنيين، فسعوا إلى استهدافها بنيوياً، وزعموا احترامها، وحافظوا على بعض مظاهرها.

أهالي إب يواجهون حملات القمع الحوثية برسم عَلم الدولة على الجدران (إكس)

ويذهب الناشط إلى أن الجماعة تلتزم الصمت إزاء مشاركة أهالي المحافظة في الحملة ولا تبدي اعتراضاً على قيامهم برسم العَلم الجمهوري على الجدران والسيارات وخزانات المياه؛ إلا أنها اتخذت ترتيبات سرية متنوعة للتوصل إلى من تتوقع أنهم يقفون خلف الحملة، والذين يهدفون إلى قيادة حراك شعبي مضاد لها خلال الأيام المقبلة.

وتزداد وتيرة الترتيبات الأمنية الحوثية، طبقاً للمصادر؛ بعد أن لاحظ قادة الجماعة في المحافظة عودة تداول الأهالي مقاطع وفيديوهات الشاب حمدي المكحل الذي تم اغتياله في سجن تديره الجماعة في مارس (آذار) الماضي بعد اختطافه على خلفية مواقفه وتحريضه الأهالي ضد ممارسات وهيمنة الحوثيين.

وتسبب مقتل المكحل حينها بموجة غضب وانتفاضة شعبية، وخلال تشييع جثمانه ردد أهالي مدينة إب هتافات مناهضة للجماعة، وطالبوا برحيلها.

وواجهت الجماعة ذلك بحملات أمنية واختطافات طالت العشرات من شباب المدينة القديمة، لا يزال أغلبهم في السجون.

وتشهد محافظة إب، مثل غيرها من المحافظات الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، استعدادات كبيرة للاحتفال بالمولد النبوي، وتتضمن هذه الاستعدادات إلزام السكان، خصوصاً التجار ورجال الأعمال ومُلاك المحال التجارية؛ بالتبرع للاحتفال نقداً وعيناً، وقسرهم على نشر مظاهر الاحتفال من زينات وطلاء للجدران.

استهداف الناشطين

عادت جماعة الحوثي إلى تنفيذ حملة رقابة واختطافات واسعة النطاق، ووزّعت عناصرها لتفتيش هواتف السكان في الشوارع والأسواق بشكل عشوائي إلى جانب ما يجري من تفتيش وتحريات في نقاط وحواجز التفتيش.

أعمال حوثية متسارعة لتهيئة ساحات للاحتفال بالمولد النبوي (إعلام حوثي)

وشنّ الحوثيون حملة اختطافات طالت مُلاك المحال التجارية في مدينة إب، وهي مركز المحافظة، بسبب رفضهم الامتثال للتوجيهات بتعليق ونشر الزينة من قِطع الأقمشة الخضراء وتركيب إنارات باللون نفسه، وطلاء الجدران والأرصفة أمام محالهم.

وأفادت مصادر محلية في المحافظة، بأن مسلحين حوثيين انتشروا في شوارع مدينة واقتحموا المحال التجارية التي لم تلتزم بتعليق ونشر الزينات والإضاءات الخضراء، واعتدوا على مُلاكها قبل أن يقتادوهم إلى السجون.

واختطفت جماعة الحوثي فضل الهندي المسؤول النقابي في نادي المعلمين اليمنيين في محافظة إب، على خلفية الإضراب الذي ينفذه المعلمون اليمنيون منذ شهرين للمطالبة برواتبهم المتوقفة منذ 7 أعوام، وهو الإضراب الذي أقلق جماعة الحوثي من تحوله حراكاً شعبياً، خصوصاً بعد التضامن الواسع الذي حظي به، وما رافقه من مطالب بقية قطاعات الموظفين العموميين بالرواتب.

منذ أشهر تلاحق جماعة الحوثي الأهالي بسبب طمس شعاراتها وصور قادتها من على الجدران (إكس)

وفي السياق أيضاً، اختطف قيادي حوثي زوجة وطفل صحافي من أبناء المحافظة واحتجزهما، مانعاً إياهما من الالتحاق به في مدينة عدن لإجباره على إعلان ولائه للجماعة.

وتحدث الصحافي محمد عبد الله القادري عن إقدام القيادي الحوثي رشاد الشبيبي، وهو من مشرفي الجماعة في مديرية حبيش وعضو مجلس شوراها، على اختطاف زوجته وابنه البالغ من العمر 7 أعوام، مشترطاً عليه العودة إلى مدينة إب، وإعلان ولائه لجماعة الحوثي. ومنع الشبيبي زوجة وطفل القادري من التواصل معه أو مع أيٍ من أقاربهما.

وسبق أن أعلن الصحافي والناشط السياسي المنتمي إلى المحافظة إبراهيم عسقين عن تلقيه تهديداً من قيادي حوثي باستهداف أولاده؛ بسبب تناوله انتهاكات جماعة الحوثي في محافظة إب، مؤكداً أن هذا التهديد لم يكن الأول، بل تلقى تهديدات سابقة من القيادي الحوثي محمد عبد الغني الطاووس المشرف العام للمحافظة، بقطع لسانه حال عودته إلى إب.

وبالمثل أعلن الصحافي أحمد الصباحي عن تلقيه تهديداً من أحد عناصر جماعة الحوثي، والذي كان صديقه قبل الانقلاب؛ إذ أعلمه بأنه لن يستطيع العودة إلى المحافظة مجدداً.


مقالات ذات صلة

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

أحال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، رئيس مؤسسة نفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.