خيارات السلام في اليمن... بين فرض الأمر الواقع والمقاربات التوافقية

جابر لـ«الشرق الأوسط»: التقارب السعودي-الإيراني قد يؤدي إلى انفراجة وشيكة

غروندبرغ متحدثاً أمام مجلس الأمن في إحاطة سابقة (الأمم المتحدة)
غروندبرغ متحدثاً أمام مجلس الأمن في إحاطة سابقة (الأمم المتحدة)
TT

خيارات السلام في اليمن... بين فرض الأمر الواقع والمقاربات التوافقية

غروندبرغ متحدثاً أمام مجلس الأمن في إحاطة سابقة (الأمم المتحدة)
غروندبرغ متحدثاً أمام مجلس الأمن في إحاطة سابقة (الأمم المتحدة)

يكتنف الغموض جهود السلام الحالية لإنهاء الصراع اليمني الممتد لأكثر من ثماني سنوات، والخيارات المتاحة أمام الأطراف المتنازعة بين فرض الأمر الواقع لبعض القوى، والمقاربات التوافقية التي تنادي بها مكونات أخرى.

الفجوة المتَّسعة بين مواقف أطراف الصراع وتصوراتها لمستقبل اليمن تُمثِل أحد من أهم التحديات أمام إحلال السلام، وفقاً للدكتور عبد العزيز جابر، الباحث اليمني في الإعلام السياسي.

وفي قراءة له حول ثنائية الحرب والسلام، والجهود السعودية المتواصلة لإرساء دعائم السلام المستدام في اليمن، يرى جابر أن فشل جهود السلام يضع البلاد أمام مشهد معقد، وحالة عالية من عدم اليقين، وتهديدات حقيقية قد يصل تأثيرها إلى البحر الأحمر ومضيق باب المندب والبحر العربي التي تمثل شرياناً للاقتصاد العالمي.

جانب من جلسات منتدى اليمن الدولي الذي عُقد أخيراً في مدينة لاهاي الهولندية (الشرق الأوسط)

صيغة توافقية بين الأطراف

يؤكد الدكتور عبد العزيز جابر أنه من خلال قراءة متأنية لمواقف القوى الفاعلة في مشهد الحرب والسلام في اليمن، يتضح جلياً أن التوفيق بين أطراف الصراع وتصوراتهم المختلفة حول التوصل لتحقيق سلام دائم ومستدام وإنهاء الصراع والحرب في اليمن يبدو حتى الآن مهمة صعبة ومعقدة.

وحسب جابر فإن ذلك يعود إلى «رفض معظمهم تقبل حقيقة أنَّهم ليسوا قادرين على فرض رؤيتهم على الأطراف الأخرى، وأنَّهم مضطرون إلى التوصل إلى صيغة توافقية ومقاربات، وهذا يرجع إلى أن أطراف الصراع تفتقر إلى الواقعية السياسية».

وأضاف: «من خلال عمل كل طرف من أطراف الصراع على ترسيخ سلطته في مناطق سيطرته، وتكريس ترتيبات خاصة فيها أمنياً وعسكرياً واقتصادياً، وعلى وجه التحديد جماعة الحوثي التي فرضت لوائح وقوانين ومناهج في مناطق سيطرتها بما ينسجم مع آيديولوجيتها الطائفية السلالية، هذه التغييرات الكبيرة تُمثِّل عقبة كبيرة في حد ذاتها سوف تستغرق الكثير من الوقت والجهد من أجل التعامل معها والتوافق على آلية حلحلتها، وأن استمرارها يتعارض مع جهود إحلال السلام في اليمن».

بلينكن مجتمعاً في الرياض مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)

ويرى الباحث أن الفجوة المتَّسعة بين مواقف أطراف الصراع وتصوراتها لمستقبل اليمن تُمثِل أحد أهم التحديات أمام إحلال السلام، إلى جانب انعدام الثقة بين أطراف الصراع التي يُفترض أن تستند إليها أهم ترتيباته، ابتداءً من تثبيت وقف إطلاق النار، مروراً بإعادة انتشار القوات وسحبها من المدن، وانتهاءً بدمجها في هيكل عسكري واحد متفق عليه، إضافةً إلى مجمل ترتيبات الفترة الانتقالية ضمن إطار حكومة الوحدة الوطنية وغيرها، مبيناً أن هذه الحالة من انعدام الثقة كرَّست حجر عثرة أمام تحقيق السلام المستدام في اليمن.

الباحث اليمني في الإعلام السياسي الدكتور عبد العزيز جابر (الشرق الأوسط)

أمر واقع أمام الإخفاقات

يعتقد الدكتور جابر أن الكثير من المعوقات والتحديات يقف في طريق تحقيق السلام المنشود، من أبرزها ما حققه الحوثيون من سيطرة شاملة بلغت عمق الدولة ومفاصلها، وإحكام قبضتهم على العاصمة صنعاء ومعظم المناطق والمحافظات الشمالية الذي عززته زيادة فرص الإخفاقات التي اعترت الصف المناهض لها.

وتابع: «السبب كما هو معلوم حال التباين السياسي داخل جسد الحكومة الشرعية الذي ينسحب بدوره على الجانب العسكري والأمني، على الرغم من التقائها في جبهة مواجهة الحوثي ومشروعه الكهنوتي الظلامي».

تحقيق أي اختراق في حالة جمود عملية السلام -حسب الباحث- يتطلب تقديم الحوثيين تنازلات كبرى من خلال التراجع عن انقلابهم على الحكومة الشرعية، وهو ما يعد بالنسبة إليهم خسارة لمكتسباتهم وسيعملون على عدم التفريط بها، خصوصاً تلك القضايا التي تشكل عمق وجوهر المشكلة اليمنية التاريخية ممثلةً بالنهج الديمقراطي وتوزيع مراكز السلطة والثروة.

ولفت جابر إلى أن الحوثيين «يدركون أنهم سيصبحون الخاسر الأكبر لمحدودية شعبيتهم ونهجهم السلالي المقيت الذي ينبذه الشعب اليمني كافة، لأنهم يحملون مشروعاً إرهابياً عنصرياً لا يمكن أن يسمح بقواسم وطنية سياسية مشتركة مع بقية القوى السياسية على الساحة اليمنية، فمنهجهم وعقيدتهم السياسية تقوم على إخضاع الآخر من موقعهم السلالي الطائفي، وما لم يُكسر هذا الاستعلاء ويعاد بناؤه في إطار سياسي وطني فلا يمكن له أن يقبل السلام».

طائرة تابعة للخطوط الجوية اليمنية تستعد للهبوط في مطار صنعاء الدولي (إ.ب.أ)

وشدد الدكتور عبد العزيز على أن جماعة الحوثي تتحمل القدر الأكبر من المسؤولية في عرقلة مسار إحلال السلام بسبب موقفها المتعنت تجاه المساعي السعودية وجهودها لوقف إطلاق النار، من خلال رفع سقف الشروط والمطالب، ومقاربتها الآيديولوجية المتطرفة وغير الواقعية التي يغيب فيها أي اعتبار لمصالح اليمن وأمنه واستقراره وتطوره.

كان سفراء كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، إلى جانب الصين، قد دعوا جماعة الحوثي إل التخلي عن الخيار العسكري للأزمة اليمنية، محذرين من أن أي عودة للصراع ستؤدي إلى عزلها دولياً بشكل تام.

مخاوف حرب استنزاف

في قراءته للمشهد، يحذّر الباحث اليمني في الإعلام السياسي من مخاوف حقيقية من أن يؤدي استمرار الصراع إلى الدخول في حرب استنزاف طويلة المدى مما يُدخل اليمن في مرحلة صعبة.

وأضاف: «سيتحول اليمن إلى أزمة منسية يبسط فيها الحوثيون سيطرتهم العنيفة على صنعاء والشمال (...) مع الخوف من أن تفقد الحكومة الشرعية سيطرتها على عدن وباقي المحافظات خصوصاً مع تردي الخدمات وتنامي الدعوات لبعض المكونات، منها المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى فرض سيطرته في المناطق التي يُحكم سيطرته عليها بعد تحريرها من جماعة الحوثي، مع عدم إغفال دعوات أخرى، ومنها في حضرموت، التي أعلنها محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي، بعد انتهاء المشاورات الحضرمية وإعلان مجلس حضرموت الوطني».

كان رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، قد أعلن قبل أيام في المكلا، إعطاء محافظة حضرموت حق إدارة شؤونها بشكل كامل إدارياً وأمنياً واقتصادياً، مبيناً أنه في حال نجاح التجربة سيعمَّم ذلك على بقية المحافظات المحرَّرة.

التقارب السعودي-الإيراني

يخلص الدكتور جابر إلى أن مجمل المعطيات والمواقف السابقة للأطراف الفاعلة في المشهد والصراع اليمني تنذر بتهديدات حقيقية في سبيل تحقيق السلام المستدام في اليمن، بل على حالة الاستقرار في البحر الأحمر ومضيق باب المندب والبحر العربي التي تمثل شرياناً للاقتصاد العالمي.

وأشار إلى أن هناك «حاجة إلى تضافر جهود المجتمع الدولي وممارسة أقصى درجات الضغط على جماعة الحوثي، ومن خلفهم إيران، للتعاطي بإيجابية مع المساعي والجهود السعودية لإحلال السلام المستدام في اليمن».

وحذّر الباحث من أن «فشل هذه الجهود يضع اليمن أمام سيناريوهات تتداخل بصورة كبيرة، ويضفي على المشهد اليمني مزيداً مِن التركيب والتعقيد، وحالة عالية مِن عدم اليقين».

وتابع: «من المناسب الإمساك بالمتغيِّر المفتاحي، المتمثل في السياسة السعودية تجاه الصراع بشكل عام، وتوجُّهها نحو الحوثيين على وجه التحديد في هذه المرحلة التي شهدت فيها العلاقات السعودية-الإيرانية حالة انفراج تُوِّجت بزيارة وزير الخارجية السعودي لطهران ولقائه الرئيس الإيراني، وهو ما يشير إلى انفراجة وشيكة في الملف اليمني، حسب بعض المراقبين للحرب في اليمن».

ويرى الدكتور عبد العزيز أن «موقف السعودية وإيران مِن مسارات التهدئة والتسوية أو الحرب قد يكون حاسماً، واعتماده مدخلاً للتحليل ومحاولة استشراف التطوُّرات في المستقبل القريب». مطالباً «الأطراف اليمنية بالتقاط ذلك والتعاطي بإيجابية وانفتاح لتحقيق سلام عادل ومستدام في اليمن والانطلاق نحو التنمية والبناء وعودة اليمن السعيد لسابق عهده واحةً للسلام والحكمة والازدهار».


مقالات ذات صلة

الحكومة اليمنية ترحب ببيان السعودية إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة

الخليج منظر عام للعاصمة اليمنية المؤقتة عدن (رويترز)

الحكومة اليمنية ترحب ببيان السعودية إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة

رحّبت الحكومة اليمنية بالبيان الصادر، الخميس، عن وزارة الخارجية السعودية، وما تضمّنه من موقف إزاء التطورات الأخيرة في محافظتي حضرموت والمهرة.

«الشرق الأوسط» (عدن)
الخليج السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

شددت الخارجية على أن «الجهود لا تزال متواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، معربة عن أمل المملكة في تغليب المصلحة العامة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

رحبت السعودية بالاتفاق الذي وُقّع عليه في مسقط لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، وعدته خطوةً مهمةً تُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج أسرى يلوِّحون بأيديهم لدى وصولهم إلى مطار صنعاء في عملية تبادل سابقة (أرشيفية- رويترز)

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

أكد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن أطراف النزاع في اليمن اختتمت، الثلاثاء، اجتماعاً استمر 11 يوماً في سلطنة عمان.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم العربي الجماعة الحوثية أظهرت تحدياً لمختلف القوى الدولية رغم ما تعرضت له من هجمات (أ.ب)

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

رغم تجديد العقوبات الدولية عليهم، يُعزز الحوثيون قدراتهم العسكرية ويحولون التهديد المحلي إلى خطر إقليمي على الملاحة والأمن الدوليين مع تحالفاتهم العابرة للحدود.

وضاح الجليل (عدن)

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
TT

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)

توالت التطورات الميدانية والسياسية في المحافظات الشرقية من اليمن، على وقع التصعيد العسكري الذي ينفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، ما دفع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى طلب تحالف دعم الشرعية في اليمن للتدخل عسكرياً لحماية حضرموت.

وتقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس الانتقالي الداعي للانفصال عن شمال اليمن يستغل الظروف الناجمة عن وساطة التهدئة السعودية - الإماراتية للتوسع عسكرياً، على الرغم من أن الوساطة مستمرة، وهدفها إنهاء الصراع سلماً من خلال انسحاب قوات المجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة، وعودتها إلى معسكراتها خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطة المحلية.

وفي هذا السياق، صرّح مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، رشاد العليمي، أُطلع، إلى جانب عدد من أعضاء المجلس وأعضاء مجلس الدفاع الوطني، على مجمل الأوضاع في محافظة حضرموت، بما في ذلك العمليات العسكرية التي وصفها بـ«العدائية» التي نفذها المجلس الانتقالي خلال الساعات الأخيرة، وما رافقتها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.

العليمي طلب تدخلاً عسكرياً من تحالف دعم الشرعية لحماية حضرموت (سبأ)

واعتبر المصدر أن هذا التصعيد، المستمر منذ مطلع الشهر الحالي، يمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، فضلاً عن كونه تقويضاً مباشراً لجهود الوساطة التي تقودها السعودية والإمارات، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، بهدف خفض التصعيد وانسحاب قوات المجلس الانتقالي من محافظتي حضرموت والمهرة.

وبناءً على هذه التطورات، تقدم العليمي - وفق المصدر الحكومي - بطلب رسمي إلى قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، لاتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحماية المدنيين في محافظة حضرموت، ومساندة القوات المسلحة اليمنية في فرض التهدئة، وحماية جهود الوساطة السعودية - الإماراتية، مجدداً دعوته لقيادة المجلس الانتقالي إلى تغليب المصلحة العامة ووحدة الصف، والامتناع عن مزيد من التصعيد غير المبرر.

المجلس الانتقالي الجنوبي اتخذ إجراءات عسكرية أحادية في حضرموت والمهرة (إ.ب.أ)

وفي السياق ذاته، قالت المصادر الرسمية اليمنية إن العليمي رأس اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع الوطني، بحضور 3 من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيسي مجلسي النواب والشورى، ورئيس الحكومة، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت، لمناقشة تداعيات الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي، وانعكاساتها الخطيرة على الأمن الوطني والإقليمي.

واطلع الاجتماع - بحسب الإعلام الرسمي - على تقارير ميدانية بشأن الانتهاكات التي طالت المدنيين في حضرموت والمهرة، وصولاً إلى الهجمات الأخيرة في وادي نحب، التي عدّها المجلس «مخالفة صريحة» لجهود التهدئة، وتمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

وأكّد مجلس الدفاع الوطني دعمه الكامل للوساطة التي تقودها السعودية، مشدداً على ضرورة عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.

تحذير من العواقب

على وقع هذه التطورات، كانت السعودية أعادت رسم خطوط التهدئة شرق اليمن، عبر بيان واضح صادر عن وزارة الخارجية، شدّد على رفض التحركات العسكرية الأحادية، والمطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الموقف تُرجم ميدانياً بتوجيه ضربة جوية تحذيرية في حضرموت، حملت رسالة مباشرة بعدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة.

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت في إطار الردع الوقائي، محذرة من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أكثر صرامة، في مؤشر على انتقال الرياض من سياسة الاحتواء السياسي إلى ضبط ميداني حاسم لحماية الاستقرار.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي بياناً حاول فيه تبرير تحركاته، معتبراً أنها جاءت استجابة لـ«دعوات شعبية»، ومعلناً انفتاحه على التنسيق مع السعودية، رغم وصفه الضربة الجوية بأنها «مستغربة».

ويرى مراقبون أن أي تنسيق محتمل لن يكون مقبولاً إقليمياً ما لم يبدأ بإنهاء التصعيد، وخروج القوات، وتسليم المعسكرات، والعودة إلى طاولة الحوار، دون فرض الأمر الواقع بالقوة.

منطق الوهم

يحذر سياسيون يمنيون من أن تعنت المجلس الانتقالي وإصراره على عسكرة حضرموت، رغم الجهود الصادقة التي تبذلها السعودية والإمارات، يلحق ضرراً فادحاً بالقضية الجنوبية العادلة نفسها، عبر اختزالها في المدرعات والنقاط العسكرية، بدل تحويلها إلى مشروع سياسي قابل للحياة.

ويستدعي هذا السلوك مقارنات إقليمية مؤلمة، أبرزها تجربة حميدتي وميليشيات الجنجويد في السودان، التي اعتمدت السلاح والإرهاب لتنفيذ أجندات خارجية، وكانت النتيجة خراب المدن وانهيار الدولة. كما يستحضر نموذج جنوب السودان، الذي وُلد من رحم الصراع المسلح، لينتهي إلى دولة منهارة وصراعات داخلية مفتوحة.

رغم إقرار اليمنيين بعدالة القضية الجنوبية فإن المجلس الانتقالي يحاول أن يستغلها للتصعيد شرقاً (أ.ب)

ويؤكد خبراء أن المجتمع الدولي لا يعترف إلا بالدول والمؤسسات، لا بالميليشيات، وأن تجربة «أرض الصومال» مثال واضح على عزلة المشاريع التي تُفرض بالقوة، مهما طال أمدها. كما أن فشل محاولات انفصال كتالونيا عن إسبانيا يبرهن أن العالم لا يشرعن الانفصال الأحادي خارج الدولة والدستور.

ويجمع محللون على أن حضرموت أكبر من أن تكون غنيمة لميليشيا مناطقية (إشارة إلى هيمنة مناطق بعينها على قرار المجلس الانتقالي)، وأعمق من أن تُدار بالعنف والسلاح، وأن أي محاولة لجرّها إلى الفوضى تمثل جريمة بحق مكاسب الجنوب وفرصه السياسية.

ويرى مراقبون أن عسكرة حضرموت خطوة غير عقلانية، تعكس إصراراً على فرض الأمر الواقع بأدوات الترهيب ذاتها، التي يدّعي المجلس الانتقالي محاربتها، في تحدٍّ صريح لرغبات المجتمع الدولي الداعية إلى ضبط النفس، والحفاظ على استقرار الجنوب واليمن عموماً.

وكان البيان السعودي شدّد على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تكون عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، بما يحفظ وحدة اليمن ومركزه القانوني، ويمنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.


تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية، من عرقلة ذلك المسار المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ بعد أقل من أسبوع في يناير (كانون الثاني) المقبل.

ذلك الموقف المصري، الرافض لتجزئة الإعمار أو تقسيم قطاع غزة أو وضع شروط إسرائيلية بشأن قوات الاستقرار في القطاع، يحمل رسائل مهمة للضغط على إسرائيل قبل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وتوقعوا أن تضغط واشنطن لبدء المرحلة الثانية في ضوء تلك الرسائل المصرية.

وأعلن وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، في تصريحات، الجمعة، أن ألمانيا لن تشارك في المستقبل المنظور في قوة دولية للاستقرار في غزة ضمن خطة السلام الخاصة بالقطاع المتوقع أن تنتشر الشهر المقبل.

هذه الخطوة تعزز مخاوف مصرية، تحدث بها رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، متهماً نتنياهو بأنه «يحاول إعادة صياغة المرحلة الثانية وحصرها في مطلب نزع سلاح المقاومة، وهو ما لا ينص عليه الاتفاق، وتدركه الولايات المتحدة جيداً»، مشيراً إلى مساعٍ إسرائيلية لإقحام قوة حفظ الاستقرار في أدوار لا تتعلق بتكليفها، مثل نزع السلاح، وهو أمر لن توافق عليه الدول المشاركة.

وأكد رشوان، الخميس، وفق ما أوردت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن «محاولات نتنياهو قد تؤدي إلى تأجيل أو إبطاء التنفيذ، لكنها لن تنجح في إيقاف المرحلة الثانية»، مشيراً إلى أن «نتنياهو يسعى بكل السبل لتجنب الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ودفع واشنطن إلى مواجهة مع طهران، بما قد يعيد إشعال غزة ويُفشل المرحلة الثانية من الاتفاق».

والخميس، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي، لافتاً إلى أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية - الإيرانية.

أمين عام «مركز الفارابى للدراسات السياسية»، الدكتور مختار غباشي، قال إن التصريحات المصرية واضحة وصريحة، وتحمل رسائل للكيان الإسرائيلي وواشنطن قبل الزيارة المرتقبة، مؤكداً أن الغضب المصري عندما يصل لهذه المرحلة من الرسائل المباشرة، تضع واشنطن في حساباتها الوصول لنقطة تقارب بين القاهرة وتل أبيب.

وأكد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن التصريحات المصرية تحمل في طياتها رسائل ومخاوف حقيقية من ترسيخ إسرائيلي للوضع القائم من منظور أمني وليس سياسياً، على أمل أن تتحرك واشنطن بجدية لوضع نهاية له.

منازل مدمرة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا يتوقف الموقف المصري عند مجرد المخاوف، بل يحمل تحذيرات واضحة، وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الخميس، في مقابلة مع التلفزيون المصري، إن «هناك خطين أحمرين في غزة، الخط الأحمر الأول يتمثل في عدم الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا مستحيل، المنطقتان تشكلان وحدة واحدة لا تتجزأ للدولة الفلسطينية القادمة، والخط الأحمر الثاني عدم تقسيم قطاع غزة».

وأضاف أن «الكلام اللغو الذي يقال عن وجود تقسيم القطاع إلى مناطق حمراء وخضراء أو أن الأماكن التي تقع تحت سيطرة إسرائيل مباشرة تأكل وتشرب وترى إعماراً، بينما الـ90 في المائة من الفلسطينيين الموجودين في الغرب تحت دعاوى أن (حماس) موجودة لا يأكلون ولا يشربون، هذا عبث ولن يتم ولن يتم التوافق عليه».

وفي ضوء ذلك، شدد مختار غباشي على أن مصر عندما تعلن خطوطاً حمراء، فهذا حد فاصل، وثمة مخالفات على أرض الواقع غير مقبولة، للقاهرة، مشيراً إلى أن القاهرة تتعمد هذه الرسائل في هذا التوقيت على أمل أن تعزز مسار الوسطاء نحو بدء المرحلة الثانية قريباً، خاصة أنه «إذا أرادت واشنطن فعلت ما تريد، خصوصاً إن كان الأمر يتعلق بضغط على الكيان لوقف مساراته المعرقلة للاتفاق».

وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، الخميس، أن لقاء نتنياهو وترمب المرتقب سيختتم ببيان عن التقدم المحرز نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة.

وأكد رشوان أن جميع الشواهد تؤكد أن الإدارة الأميركية حسمت موقفها من بدء المرحلة الثانية مطلع يناير المقبل، لافتاً إلى أن استقبال ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي في 29 ديسمبر الحالي يرجح أن يكون إشارة الانطلاق الفعلية للمرحلة الثانية دون لبس.

ويتوقع نزار نزال أن يحاول نتنياهو في مقابلة ترمب، تمرير سردية بقاء إسرائيل في الخط الأصفر وتقسيم غزة وبدء الإعمار في الجزء الذي يقع تحت سيطرتها، موضحاً: «لكن الرسائل المصرية التحذيرية خطوة استباقية لتفادي أي عراقيل جديدة أو تناغم أميركي إسرائيلي يعطل مسار الاتفاق».


ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
TT

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

فيما أعاد البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية رسم المسار المطلوب للتهدئة، شرق اليمن، إذ شدد على وقف التحركات العسكرية الأحادية، مع المطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، أكدت الرياض موقفها ميدانياً عبر توجيه ضربة جوية تحذيرية، وفق ما أكدته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت لإيصال رسالة مفادها عدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة أو تجاوز الأطر المؤسسية التي تحكم الملف الأمني في المحافظات الشرقية، محذرةً من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أشد صرامة.

الخارجية السعودية كانت وصفت تحركات «الانتقالي» بأنها أحادية وأضرت بمسار التهدئة، داعيةً إلى خروج عاجل ومنظم للقوات وتسليم المعسكرات تحت إشراف التحالف وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والسلطات المحلية.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً، الجمعة، حاول فيه تبرير تحركاته العسكرية، معتبراً أنها جاءت استجابةً لـ«دعوات شعبية جنوبية» لمواجهة التهديدات الإرهابية وقطع خطوط تهريب الحوثيين.

وأكد «الانتقالي»، في بيانه، أنه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات مع السعودية، معتبراً الضربة الجوية «قصفاً مستغرباً» لا يخدم مسارات التفاهم.

وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق والترتيبات سيكون مرحباً بهما من قبل السعودية إذا كانت تصب في إنهاء التصعيد وخروج قوات «الانتقالي الجنوبي» واستلام قوات «درع الوطن» الجنوبية والسلطة المحلية المعسكرات والأمن في محافظتي حضرموت والمهرة. والجلوس للتشاور والحوار من دون الحاجة لاستخدام القوة.

ويتوقع مراقبون أن تؤدي الضربة التحذيرية إلى توصيل رسالة واضحة بأن الرياض قد تضطر للانتقال من سياسة الاحتواء الهادئ إلى فرض خطوط حمر لمنع أي تصعيد بالقوة.

وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن أي تسوية مستقبلية ستقوم على عودة الأوضاع إلى ما قبل التصعيد، مدخلاً أساسياً للحفاظ على وحدة الصف اليمني، ومنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.

كان البيان السعودي أكد على دعم الرياض الكامل لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، مشدداً على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تتم عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

وكشف البيان عن تنسيق سعودي - إماراتي لإرسال فريق عسكري مشترك إلى عدن، لوضع آلية لإعادة انتشار القوات ومنع تكرار التصعيد، في خطوة عدها مراقبون انتقالاً من التحذير السياسي إلى الضبط التنفيذي الميداني.