الجزائر: «سباق المصالح السياسية ما زال مستمراً» لدى باريس

نددت بمسعى اليمين المتطرف لإسقاط اتفاق الهجرة في البرلمان الفرنسي

الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

الجزائر: «سباق المصالح السياسية ما زال مستمراً» لدى باريس

الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

أكدت الجزائر أن مسعى البرلمان الفرنسي لنقض اتفاق الهجرة بين البلدين «شأن يخص فرنسا وحدها، ويشكل موضوعاً لمنافسة انتخابية مبكرة»، في إشارة إلى أن الأزمة الدبلوماسية الحالية بين البلدين تشكل مادة تسبق استحقاقات الرئاسة في فرنسا المقررة عام 2027.

وكانت «الجمعية الوطنية» (الغرفة الأولى للبرلمان الفرنسي) اعتمدت في 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بفارق صوت واحد فقط، مشروع لائحة قدمه حزب «التجمع الوطني» (اليمين المتطرف)، يهدف إلى إدانة الاتفاق الفرنسي الجزائري عام 1968، الذي ينظم الهجرة الجزائرية إلى فرنسا، وكل ما يتصل بالدراسة في الجامعات والعمل والتجارة ولمِّ شمل عائلات المهاجرين الجزائريين في فرنسا.

وزير الخارجية الجزائري خلال مقابلة صحافية مع القناة الدولية العمومية (التلفزيون الجزائري)

وفي أول رد فعل رسمي على هذا الحدث اللافت في علاقات البلدين، قال وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، مساء الأحد، في مقابلة مع التلفزيون العمومي، إن تصويت البرلمان الفرنسي «يشعرني بالحزن من أجل فرنسا... بكل صدق، لدي احترام كبير للجمعية الوطنية الفرنسية، ولكن عندما رأيت نتيجة التصويت، كانت أول فكرة خطرت ببالي: إن سباق المصالح السياسية ما زال مستمراً».

وعبَّر عطاف عن «حزنه لرؤية بلد كبير مثل فرنسا يجعل من تاريخ بلد آخر مستقل وذي سيادة، موضوعاً لمنافسة انتخابية مبكرة داخل فرنسا»؛ مشدداً على أن «القضية في جوهرها فرنسية بحتة تخص الحكومة والبرلمان الفرنسيين». وأضاف: «إنها قضية داخلية لا تعنينا في الوقت الحالي».

وتابع الوزير الجزائري: «قد تَهمُّنا هذه القضية -فقط- إذا أصبحت مسألة بين الحكومتين؛ لأن اتفاق 1968 هو اتفاق حكومي دولي»، لافتاً إلى أن حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون «لم تبلغنا بأي شيء حول هذا الموضوع، لذلك من حيث المبدأ لا نعلق على الأمر... وعلى المستوى الحكومي لم نرَ شيئاً، ونأمل ألا نرى شيئاً».

مسافرون جزائريون بمطار شارل ديغول في باريس (صحيفة الوطن الجزائرية)

يُذكَر أن مسألة الهجرة والاتفاق الذي ينظمها تعد حلقة في التوترات التي تعيشها العلاقات بين البلدين، والتي اندلعت بسبب اعتراف باريس بمغربية الصحراء في صيف 2024.

كما أكد عطاف في المقابلة الصحافية، أنه يحرص على تصحيح الفهم المشوه لدى بعض السياسيين والإعلاميين في فرنسا، بشأن اتفاق 1968، قائلاً: «هذا الاتفاق لم يكن يوماً وثيقة منفتحة تسهِّل الهجرة الجزائرية؛ بل على العكس، لقد جاء ليضع قيوداً إضافية مقارنة بالنظام الذي نصت عليه اتفاقيات إيفيان»، وهي الاتفاقات التي أقرت استقلال الجزائر في 5 يوليو (تموز) 1962.

وتناول عطاف تقريراً حديثاً لنائبين من حزب الرئيس ماكرون، قدرا فيه أن الاتفاق المثير للجدل يكلف فرنسا نحو مليارَي يورو سنوياً؛ حيث قال: «ينسب إلى الاتفاق كثير من الأمور غير الصحيحة. سمعت مؤخراً أنه يكلِّف فرنسا مليارَي يورو، وهو أمر لا علاقة له بالواقع. هذه أرقام وهمية تماماً ولا أساس لها من الصحة».

ويقترح التقرير البرلماني على الحكومة إحداث تغييرات عميقة على الوثيقة، بدعوى أنها «تنقض مبدأ المساواة بين الأجانب من مختلف الجنسيات»؛ مشيراً إلى أن الاتفاق يمنح الجزائريين بطاقة إقامة لعشر سنوات بإجراءات مبسطة: «مما يُكرِّس تمييزاً قانونياً وخرقاً لمبدأ المساواة».

الرئيس الجزائري مع زعيم «بوليساريو» (الرئاسة الجزائرية)

ووفق البرلمانيَّين، يمنح الاتفاق «امتيازات لمواطني دولة واحدة دون غيرهم من الأجانب، في غياب أي مبدأ للمعاملة بالمثل من الجانب الجزائري»، مؤكدين أن إلغاءه ممكن من دون الدخول في صدام دبلوماسي.

ومن الحجج التي يقدمها البرلمانيان في مسعاهما، أن هذا الوضع يمثل «عبئاً مالياً كبيراً» على الدولة الفرنسية. وقد ذكر التقرير أن هذه التكاليف لا تقتصر على النواحي الإدارية فحسب؛ بل تمتد لتشمل المساعدات الاجتماعية التي يستفيد منها المعنيون؛ مبرزاً أن تكلفة ملياري يورو تعادل معاشات الجزائريين الذين عملوا في فرنسا سنوات طويلة.

من جهة أخرى، ذكر عطاف في المقابلة أن المغرب «فشل في فرض مشروع الحكم الذاتي كحل وحيد لقضية الصحراء الغربية»، موضحاً أن القرار الأممي «أشار إلى الحكم الذاتي؛ لكنه تضمن أيضاً بدائل أخرى، منها المقترح الصحراوي».

وأصدر مجلس الأمن، الجمعة 31 أكتوبر 2025 قراراً يحمل رقم 2795 بشأن نزاع الصحراء، من أهم ما جاء فيه دعوته الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات «من دون شروط مسبقة» بالاستناد إلى خطة الحكم الذاتي المغربية المُقدمة في 2007. ووصف القرار هذه الخطة بأنها «الحل الأكثر واقعية» للنزاع.

كما تم تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء (مينورسو) حتى 31 أكتوبر 2026. وأكد «ضرورة التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم يضمن حق تقرير المصير».

وأوضح عطاف أن المغرب «سعى إلى تحقيق 3 أهداف رئيسية: حل بعثة (مينورسو) أو تغيير مهامها، وفرض الحكم الذاتي كإطار حصري للحل، وإلغاء حق تقرير المصير للشعب الصحراوي»، مبرزاً أن «عدة دول، وليس الجزائر فقط، رفضت اللائحة؛ حيث قدمت 8 تعديلات عليها. كما أن بعثة (مينورسو) لم تُحَلّ، عكس ما كان يريد المغرب؛ بل تم تمديد تفويضها لعام كامل بشكل طبيعي».


مقالات ذات صلة

مستقبل العلاقات الفرنسية - الجزائرية رهن تجاوز خلافاتهما العميقة

تحليل إخباري الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة السبع بإيطاليا يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية) play-circle 01:13

مستقبل العلاقات الفرنسية - الجزائرية رهن تجاوز خلافاتهما العميقة

مستقبل العلاقات الفرنسية - الجزائرية رهن بقدرة الطرفين على تجاوز خلافاتهما... وبادرة الرئيس تبون بالعفو عن صنصال تنتظر لفتة مشابهة من ماكرون، فهل ستأتي سريعاً؟

ميشال أبونجم (باريس)
رياضة عالمية منتخب مصر الثاني بقيادة المدرب حلمي طولان (وسائل إعلام مصرية)

منتخب مصر الثاني يهزم الجزائر استعداداً لكأس العرب

فاز منتخب مصر الثاني 3 - 2 على نظيره الجزائري في مباراة ودية جرت، الجمعة، ضمن استعدادات الفريقين للمشاركة في بطولة كأس العرب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال في صورة له تعود إلى 29 أكتوبر 2015 (أ.ف.ب)

مصدر: بوعلام صنصال سيبقى في برلين حتى الأسبوع المقبل على أقل تقدير

يُتوقع أن يبقى الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال في برلين حتى مطلع الأسبوع المقبل على أقل تقدير، بحسب ما أفاد مصدر مطلع على قضيته «وكالة الصحافة الفرنسية».

«الشرق الأوسط» (برلين)
شمال افريقيا الجزائر وفرنسا اتفقتا سرَاً على أن تؤدي ألمانيا دوراً في الإفراج عن الكاتب صنصال (الشرق الأوسط)

الإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال يحدِث انقساماً حاداً في الجزائر

رحَّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة سيباستيان لوكورنو بالخطوة، وعدَّا أنها تعكس «بعداً إنسانياً إيجابياً»...

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يلقي خطاباً في وزارة الدفاع 9 أكتوبر الماضي (الرئاسة)

المعارضة و«الموالاة» بالجزائر يلتقيان في السعي للعودة إلى صناديق الاقتراع

يسعى الفاعلون السياسيون بالجزائر لإقناع المواطنين بالعودة إلى صناديق الاقتراع بعد أن كان العزوف السمة الغالبة في جميع الاستحقاقات منذ انتخابات الرئاسة 2019.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

تعاون أمني بين «الجيش الوطني» الليبي وتشاد لتأمين الحدود

عدد من أفراد القوة العسكرية المشتركة من ليبيا وتشاد 13 نوفمبر (شعبة الإعلام الحربي التابعة لـ«الجيش الوطني»)
عدد من أفراد القوة العسكرية المشتركة من ليبيا وتشاد 13 نوفمبر (شعبة الإعلام الحربي التابعة لـ«الجيش الوطني»)
TT

تعاون أمني بين «الجيش الوطني» الليبي وتشاد لتأمين الحدود

عدد من أفراد القوة العسكرية المشتركة من ليبيا وتشاد 13 نوفمبر (شعبة الإعلام الحربي التابعة لـ«الجيش الوطني»)
عدد من أفراد القوة العسكرية المشتركة من ليبيا وتشاد 13 نوفمبر (شعبة الإعلام الحربي التابعة لـ«الجيش الوطني»)

طوّر «الجيش الوطني» الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، علاقته العسكرية مع تشاد عبر تشكيل «قوة مشتركة» لحماية الحدود الجنوبية، ليعزز بذلك سيطرته على الشريط الممتد بين البلدية على مساحة تقارب 1050 كيلومتراً.

ويأتي هذا التطور على خلفية صراعات يشهدها الجنوب الليبي باعتباره ساحة خلفية لصراعات السلطة والمعارضة التشادية، ما أدى خلال السنوات التي تلت الانفلات الأمني في بعض دول الجوار الأفريقي، إلى ازدياد عمليات «اختراق الحدود» من قبل جماعات وصفت بـ«المتمردة».

وخاضت قوات الجيش معركة حامية على الحدود مع تشاد، أطلقتها رئاسة أركان القوات البرية في بدايات أغسطس (آب) 2024، ضمن «خطة شاملة لتأمين الحدود الجنوبية وتعزيز الأمن القومي».

إحدى هذه المعارك خاضتها القوات التي كانت تتبع «اللواء 128 معزز» بقيادة اللواء حسن الزادمة، التابع لـ«الجيش الوطني»، في منطقة جبال كلنجة الحدودية، ووضعت إثرها يدها على «منجم للذهب»، وفق مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أن «عصابات تشادية كانت تسيطر عليه طوال السنوات الماضية».

وأوضحت شعبة الإعلام الحربي التابعة لـ«الجيش الوطني»، أنه «تم تشكيل قوة مشتركة بين القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية والجيش التشادي، بهدف تأمين الحدود المشتركة (من العصابات المارقة وقطاع الطرق والمهربين)».

كما أشارت الشعبة إلى أن نائب القائد العام للقوات المسلحة، الفريق صدام حفتر، وجّه رئاسة أركان القوات البرية لتكليف الدوريات الصحراوية التابعة لـ«كتيبة سبل السلام» بمباشرة تنفيذ المهام الميدانية ضمن القوة المشتركة.

دورية أمنية على الحدود الجنوبية الليبية (رئاسة الأركان البرية التابعة لـ«الجيش الوطني»)

صراع دموي للتنقيب عن الذهب

وتشهد الحدود الليبية - التشادية صراعاً دموياً للتنقيب عن الذهب بشكل غير شرعي، وفق مصادر عسكرية. وسبق أن أطلق «الجيش الوطني» خطة لتأمين الحدود التي تطل على تلك الدول، بقصد القضاء على «الجماعات الإرهابية» والعصابات العابرة للحدود، ومكافحة الهجرة غير النظامية.

وتمكن صدام حفتر من فتح مسارات للتعاون مع الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي خلال زيارات عدة أجراها إلى العاصمة التشادية إنجامينا، بوصفه مبعوثاً شخصياً لوالده، تباحث خلالها بشأن معضلة «تدفقات المتمردين التشاديين» إلى الحدود الليبية، كما تناولت المباحثات ملفات التعاون الأمني وفتح المعابر الحدودية بين البلدين.

وأجرت قوات من «الجيش الوطني» عمليات انتشار في 10 يوليو (تموز) الماضي بجبال تيبستي في المنطقة الحدودية الجنوبية مع تشاد، التي تعد إحدى بؤر التوتر بين البلدين، وذلك في معركة وقع فيها عدد من القتلى من الجانبين. وقالت «الكتيبة 676 مشاة» التابعة للقوات البرية بالجيش حينها، إن عناصرها «فرضت سيطرتها على عدد من المواقع التي كانت تتمركز وتتجمع فيها العصابات الإجرامية العابرة للحدود».

وفي تلك الأثناء، نفت المعارضة التشادية أي تورط في الاشتباكات مع «الجيش الوطني»، ونقلت وكالة «نوفا» الإيطالية عن الأمين العام المساعد لـ«جبهة التناوب والوفاق» التشادية (فاكت)، محمد شريف جاكو، أن جبهته «لم تهاجم أي تمركزات ليبية، وأن عناصرها لا تنشط داخل الحدود الليبية».

وتُوصف الحدود الليبية المشتركة مع تشاد بأنها ساحة خلفية ونقطة انطلاق للمتمردين الذين يشنّون عمليات في الداخل التشادي. وسبق وقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي على يد متمردين كانوا يتمركزون على الحدود مع ليبيا في 20 أبريل (نيسان) 2021.

صدام حفتر مع مواطنين من أمساعد الليبية 13 نوفمبر (القيادة العامة)

مدينة أمساعد

وفي شأن آخر يتعلق بالجولات العسكرية التي يجريها صدام حفتر داخل ليبيا، قالت القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» إنه زار مدينة أمساعد مساء الخميس، وذلك «تأكيداً لحرص القيادة العامة على متابعة أوضاع المواطنين في مختلف المدن والمناطق».

وقال صدام حفتر، خلال اللقاء، بعد استقباله من مشايخ وأعيان وأهالي المدينة، إنه تم تكليفه من قِبل النائب العام بهذه الزيارة «للوقوف على الأوضاع المعيشية ومتابعة احتياجات المواطنين».

وأضاف صدام في كلمته التي نقلتها القيادة العامة، أن «المرحلة الراهنة تتطلب من الجميع عملاً استثنائياً وجهداً مضاعفاً لتجاوز ما يرهق المواطن»، وذهب إلى أنه «لا قيمة لأي إنجاز ما لم ينعكس أثره على حياته اليومية». كما أشار إلى أن «انطلاقة القيادة العامة في مشاريع البناء والإعمار لن تكون محصورة في مدينة بعينها، بل ستشمل كل المدن والقرى الليبية، إيماناً بحق الجميع في التنمية والعمران».

وأتت زيارة صدام حفتر إلى أمساعد في أعقاب جولات مماثلة أجرها خلال الأسابيع الماضية إلى الحدود الجنوبية، بداية من الكفرة ووصولاً إلى القطرون وأوباري وتراغن.


بعثة أممية للتحقيق في انتهاكات الفاشر

المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك يتحدث عن الفاشر في جنيف (إ.ب.أ)
المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك يتحدث عن الفاشر في جنيف (إ.ب.أ)
TT

بعثة أممية للتحقيق في انتهاكات الفاشر

المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك يتحدث عن الفاشر في جنيف (إ.ب.أ)
المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك يتحدث عن الفاشر في جنيف (إ.ب.أ)

كلّف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الجمعة، بعثة لتقصي الحقائق وتحديد هوية جميع المسؤولين عن الانتهاكات التي يُشتبه في ارتكابها بمدينة الفاشر السودانية، تمهيداً لتقديمهم إلى العدالة.

وفي ختام جلسة طارئة، عقدها المجلس لبحث وضع حقوق الإنسان في الفاشر، اعتمد قراراً يأمر بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في السودان بإجراء تحقيق. وكُلِّفت البعثة توثيق جميع انتهاكات القانون الدولي المرتكبة من جانب جميع الأطراف.

وفي افتتاح الجلسة الطارئة التي عقدت بطلب من المملكة المتحدة وألمانيا وآيرلندا وهولندا والنرويج، ندّد مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتقاعس المجتمع الدولي، متوعداً بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات. وقال فولكر تورك إن مدينة الفاشر مغلقة، ولا يمكن لعمال المساعدات الإنسانية دخولها. ودعا إلى اتخاذ إجراءات ضد الأفراد والجهات التي «تُؤجج وتستفيد» من الحرب بالسودان.


«الأمم المتحدة» لإرسال لجنة تحقيق في انتهاكات الفاشر

TT

«الأمم المتحدة» لإرسال لجنة تحقيق في انتهاكات الفاشر

المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك يتحدث عن الفاشر في جنيف (إ.ب.أ)
المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك يتحدث عن الفاشر في جنيف (إ.ب.أ)

كلّف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الجمعة، بعثة لتقصي الحقائق وتحديد هوية جميع المسؤولين عن الانتهاكات التي يُشتبه في ارتكابها في مدينة الفاشر السودانية، تمهيداً لتقديمهم إلى العدالة.

وفي ختام جلسة طارئة، عقدها المجلس لبحث وضع حقوق الإنسان في الفاشر، اعتمد قراراً يأمر بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في السودان بإجراء تحقيق. وكُلِّفت البعثة توثيق جميع انتهاكات القانون الدولي المرتكبة من جانب جميع الأطراف. وفي افتتاح الجلسة الطارئة التي عقدت بطلب من المملكة المتحدة وألمانيا وآيرلندا وهولندا والنرويج، ندّد مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتقاعس المجتمع الدولي، متوعداً بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات.

المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك يتحدث عن الفاشر في جنيف (إ.ب.أ)

وقال فولكر تورك إنه «تم تصوير بقع الدم التي تلطّخ الأرض في الفاشر من الفضاء»، وإن «وصمة العار في سجل المجتمع الدولي أقل وضوحاً للعيان، لكن تداعياتها ليست أقل». وأشار المفوض إلى أن الفظائع في الفاشر بالسودان هي «أخطر الجرائم» التي كانت متوقَّعة وكان يمكن منعها. وحثَّ المجتمع الدولي على التحرك، وقال «هناك كثير من التصنع والتظاهر، وقليل من العمل». وطالب، في كلمة افتتاحية أمام المندوبين، بـ«الوقوف في وجه هذه الفظائع التي تمثل استعراضاً لاستخدام القسوة السافرة لإخضاع شعب بأكمله والسيطرة عليه». وأصدر فولكر تورك تحذيراً شديداً إزاء تصاعد العنف في كردفان المجاورة لدارفور، بالسودان، حيث القصف والحصار وإجبار الناس على ترك منازلهم.

محاسبة مؤججي الحرب

ودعا تورك إلى اتخاذ إجراءات ضد الأفراد والشركات التي «تُؤجج وتستفيد» من الحرب بالسودان. وقال إن مدينة الفاشر مغلقة، ولا يمكن لعمال المساعدات الإنسانية دخولها. وتابع: «يجب ألا يفاجأ أي منا» بالتقارير منذ سيطرت قوات «الدعم السريع» على المدينة التي تحدثت عن «عمليات قتل واسعة بحق المدنيين وإعدامات مستهدَفة ضد العِرقيات، والعنف الجنسي؛ بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، والاختطاف بهدف طلب فدية، والاحتجازات التعسفية الواسعة والهجمات على المنشآت الصحية والأطقم الطبية وعمال الإغاثة وغيرها من الأعمال الوحشية المروّعة».

من جانبها قالت عضو فريق الخبراء المستقلّين، منى رشماوي، في الجلسة الطارئة: «أصبحت أجزاء كثيرة من الفاشر ساحة جريمة». وأكدت أنه منذ سقطت المدينة في يد قوات «الدعم السريع»، جمع فريق الخبراء بيانات أفادت بوجود «أعمال وحشية لا تُوصف، وعمليات قتل عمد وتعذيب واغتصاب واختطاف مقابل فدية واحتجاز تعسفي واختفاء قسري، وكل ذلك على نطاق واسع». وأضافت: «يجب إجراء تحقيق شامل لتوضيح الصورة كاملة، ولكن ما نعلمه بالفعل مدمِّر».

نازحون سودانيون في مدينة طويلة بعد فرارهم من الفاشر (رويترز)

من جانبها حذرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في بيان، من «انتهاكات خطيرة» و«طرق مميتة» يواجهها عشرات الآلاف من النازحين في دارفور وكردفان بالسودان، إضافة إلى «كارثة إنسانية» بسبب عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، ما يُعرّض الأرواح للخطر. وقالت المفوضية إن الأوضاع في الفاشر، التي سيطرت عليها قوات «الدعم السريع» في 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، «تتجه إلى الانهيار السريع»، في ظل حصار الآلاف بالمدينة. وأشارت إلى نزوح نحو 100 ألف شخص من الفاشر والقرى المحيطة بها، خلال الأسبوعين الماضيين، مع استمرار عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في السودان، ما يُعرّض الأرواح للخطر.

ودعت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المجتمع الدولي إلى تكثيف دعمه بتوفير التمويل العاجل وممارسة ضغط أقوى للسماح بإيصال المساعدات بالسودان، مؤكدة أنها تلقت 35 في المائة فقط من الموارد المطلوبة، هذا العام، للاستجابة للأزمة في السودان ودول اللجوء. وأضافت المفوضية أنها تسعى لجمع 84.2 مليون دولار لدعم جهودها لإنقاذ الأرواح بالسودان في العام المقبل.

«الدعم السريع» تدافع

وكانت الولايات المتحدة قد دعت، الأربعاء، إلى تحرك دولي لقطع إمدادات الأسلحة عن قوات «الدعم السريع» وحمّلتها مسؤولية التصعيد الدامي للنزاع في السودان. وقال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، لصحافيين في كندا: «يجب القيام بشيءٍ ما لقطع إمدادات الأسلحة والدعم الذي تتلقاه»، مضيفاً: «ما يحدث هناك أمر مرعب». وألقى روبيو اللوم على قوات «الدعم السريع» التي سيطرت أخيراً على مدينة الفاشر الرئيسية. وأضاف: «أعتقد أن المشكلة الأساسية التي نواجهها هي أن (قوات الدعم السريع) توافق على أشياء ثم لا تمضي فيها». وقال إن «قوات الدعم السريع» تعتمد على الأموال والدعم الخارجيين من بعض البلدان، «نحن نعرف من هي، وسنتحدث معها بشأن ذلك، ونجعلها تفهم أن ذلك سينعكس بشكل سيّئ عليها وعلى العالم إذا لم نتمكن من وقف ما يحدث».

وأبدت «قوات الدعم السريع» أسفها لتصريحات روبيو، ووصفتها بأنها «متحاملة وغير مُنصفة»، مؤكدة «أنها لا تتلقى أي دعم من أي جهة خارجية». وقالت، في بيان: «هذه المواقف المتحاملة استندت إلى معلومات مضلِّلة أو أحادية المصدر، وتُهدد جهود مبادرة المجموعة الرباعية». وذكرت، في البيان، أن التصريحات الأميركية تتناقض مع مواقف والتزامات «الدعم السريع» التي ظلت تتعاطى بشكل إيجابي مع جهود وقف الحرب في السودان، بينما رفض الجيش جميع المبادرات الدولية بوقف القتال، بما في ذلك مشروع الهدنة الإنسانية الذي طرحته دول الرباعية أخيراً.

وكشفت «الدعم السريع» عن «أنها سلّمت ردّها على مقترح الهدنة منذ 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، ولم تتلق، حتى الآن، رداً من الجانب الأميركي»، موضحة أنها لن تقبل أي محاولات لجعلها «كبش فداء» للتغطية على رفض الجيش الهدنة. ونفت «الدعم السريع» الاتهامات لقواتها بالتورط في ارتكاب فظائع بحق المدنيين، وقالت: «إن مزاعم الانتهاكات في الفاشر ليست مُمنهجة، وأنها شكلت لجان تحقيق شفافة، وجرى القبض على عدد من الأفراد الذين يُشتبه في ارتكابهم جرائم بحق المدنيين هناك».