صادقت الحكومة الموريتانية في اجتماع الخميس على ميزانية 2026، وتوقعت نسبة نمو تصل إلى 5.1 في المائة، بسبب عائدات الغاز الطبيعي الذي بدأ إنتاجه هذا العام، في وقت يحتدم فيه النقاش داخل الشارع الموريتاني حول خطر الفساد، بصفته أكبر عائق أمام التنمية.
وكان الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، قد أقال مسؤولين الأسبوع الماضي، وأحالهم إلى القضاء بعد تقارير صدرت عن محكمة الحسابات، إثر تفتيش استمر لـ3 سنوات، وكشفت ضياع نحو مليار دولار من الأموال العمومية.

وقال وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية، عبد الله ولد سليمان ولد الشيخ سيديا، خلال مؤتمر صحافي، إن الميزانية زادت بنسبة 11 في المائة بالمقارنة مع ميزانية العام الحالي (2025)، موضحاً أنها بلغت أكثر من 132 مليار أوقية (3.2 مليار دولار أميركي)، وهو ما يؤكد، حسبه، «إصرار الحكومة على دعم النمو في البلاد»، مشيراً إلى أن زيادة الميزانية ونسبة النمو المتوقعة تعودان إلى زيادة إنتاج الغاز الطبيعي.
وأعلنت الحكومة الموريتانية أنها اعتمدت مقاربة ميزانية البرامج، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الميزانيات الحكومية الموريتانية، مشيرة إلى أنها بذلك تبدأ «مرحلة جديدة تقوم على الفاعلية والشفافية والمساءلة، باعتبارها الركائز الأساسية للعمل العمومي».
كما أوضحت الحكومة أن «هيكل ميزانية الدولة يتكون من 108 برامج و24 مخصصاً، حيث يتميز كل برنامج بأهداف واضحة وقابلة للقياس. وتجسّد هذه البرامج بشكل عملي الأولويات الوطنية المستمدة من البرنامج الانتخابي» لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني.
وتوقعت الحكومة أن ترتفع إيرادات الدولة للعام المقبل بنسبة 10 في المائة، فيما ستزيد النفقات الإجمالية والقروض الصافية بنسبة 10.9 في المائة، وخلصت الحكومة إلى أن الميزانية الجديدة تشكلُ «منعطفاً في اتجاه حوكمة مالية أكثر ديناميكية، قائمة على تحكيم ميزانوي فعال واستخدام أمثل للموارد المتاحة».
وستعرض الميزانية، التي صادقت عليها الحكومة، على البرلمان ليناقشها ثم يصوت عليها، وهو ما يعطيها أبعاداً سياسية، خصوصاً في ظل الجدل الكبير الدائر حول الفساد، وإعلان الحكومة عزمها على محاربته.
وفيما كانت الحكومة تصادق على ميزانية العام المقبل، نظمت ندوة لمناقشة مخاطر الفساد على البلاد، منظمة من طرف رابطة خريجي المعهد السعودي في موريتانيا.

وقال رئيس الرابطة، محمد ولد الحسن، إن الهدف من الندوة هو «المشاركة في جهود مكافحة الفساد والمساهمة فيها إلى جانب كل الطيف السياسي، وإرشاد الدولة إلى طريق الإصلاح»، فيما قال الدكتور إبراهيم ولد يزيد إن «الفساد في أوضح صوره هو سوء استخدام السلطة، أو الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب شخصية»، موضحاً أن الفساد المنتشر في موريتانيا يشمل «الفساد الإداري والمالي والرشوة والمحسوبية، واستغلال النفوذ والاختلاس، بالإضافة إلى التسيير غير الفعال للمال العام، والتهرب الضريبي، والتلاعب بالعقود والصفقات العمومية، وكذا تعطيل الإجراءات الإدارية بغية الابتزاز».
وأضاف ولد يزيد موضحاً أن محاربة الفساد يجب أن تنطلق من «اعتماد معيار الأمانة والكفاءة في التوظيف، وبناء منظومة قانونية ورقابية رادعة، وتعزيز الشفافية المؤسسية والحوكمة الرشيدة، وبناء وترسيخ منظومة اجتماعية مناهضة للفساد».
أما الدكتور محمد عبد الرحمن العلوي، أحد المحاضرين في الندوة، فقد شدد على أن محاربة الفساد «مسؤولية الجميع، لكن لا بد من وجود إرادة سياسية حازمة بشأن محاربة هذه الظاهرة». وشدد على «ضرورة إشراك منظمات المجتمع والمواطنين في الرقابة على أداء الحكومة»، من خلال «رفع مستوى الوعي المجتمعي حول عواقب الفساد وتأثيراته السلبية»، كما دعا إلى «تشجيع الأفراد على الإبلاغ عن الممارسات المشبوهة عبر قنوات موثوقة، تحميهم من أضرار المتابعة».
وخلص العلوي إلى التأكيد على ضرورة زيادة رواتب الموظفين، «حيث يشكل تدني الرواتب منفذاً لممارسة أنواع مختلفة من الفساد المالي من أجل الحصول على ما يواجهون به متطلبات الحياة»، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.




