في وقت استضافت فيه مصر جولة مشاورات سياسية مع تركيا، بهدف الإعداد لعقد الاجتماع الأول لمجموعة التخطيط المشتركة برئاسة وزيري خارجية البلدين لمتابعة جميع أوجه التعاون، رأى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن الظروف التي تمرُّ بها المنطقة جعلت القاهرة وأنقرة تُغلّبان المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة على أي تباينات بينهما بشأن بعض القضايا والملفات.
وأعلنت وزارة الخارجية المصرية، مساء الاثنين، أن مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية السفير وائل حامد، ترأس وفداً مصرياً خلال مشاورات سياسية مع وفد تركي برئاسة نائب وزير خارجية تركيا، برهانتين دوران، بمقر وزارة الخارجية في العاصمة الإدارية الجديدة.
وحسب بيان الخارجية المصرية، فإن انعقاد جولة المشاورات السياسية بين البلدين يأتي في إطار الاهتمام المتبادل بتعزيز العلاقات الثنائية، وبحث سبل تعزيز التعاون في مختلف المجالات، والإعداد لعقد الاجتماع الأول لمجموعة التخطيط المشتركة برئاسة وزيري الخارجية في البلدين، والمعنية بمتابعة كافة أوجه التعاون الثنائي بين مصر وتركيا، فضلاً عن تبادل الرؤي حول أهم القضايا الدولية والإقليمية في ضوء الثقل الإقليمي والدولي للدولتين.
«انطلاقة قوية»
وتعد هذه خطوة لافتة في إطار التقارب بين مصر وتركيا رغم وجود خلافات حول عدة قضايا، أبرزها غاز المتوسط، وتباين وجهات النظر بين البلدين حول ترسيم الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط، حيث تدعم تركيا ترسيماً للحدود البحرية مع ليبيا يمنحها مساحة أكبر من المناطق الاقتصادية الخالصة بينما ترفض مصر هذا الاتفاق، كما تدعم تركيا حكومة «الوحدة في ليبيا في حين تدعم مصر الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، ما زاد التوتر بين البلدين.
كذلك تثير التحركات التركية في منطقة القرن الأفريقي، خصوصاً بعد توسط أنقرة بين إثيوبيا والصومال لتسهيل وصول أديس أبابا للبحر عبر الأراضي الصومالية، تساؤلات في مصر حول تبعاتها.
وعلى الرغم من تلك الخلافات وغيرها، شهدت العلاقات بين مصر وتركيا أخيراً تقارباً، فقد زار الرئيس المصري تركيا في أواخر العام الماضي، وتبادل البلدان تعيين سفيرين، مما يشير إلى وجود مساعٍ لتعميق العلاقات وتحسينها.
ويقول الأكاديمي والباحث المصري في العلاقات الدولية بشير عبد الفتاح: «شهدت العلاقات المصرية - التركية أخيراً انطلاقة قوية ولا سبيل لعودتها للوراء، في ظل التطورات الرهيبة التي شهدها الشرق الأوسط، ومساعي الولايات المتحدة وإسرائيل لإعادة هندسة المنطقة بما يحقق المصالح الإسرائيلية - الأميركية».
وتابع: «ما جرى لإيران، وإخراجها من معادلة القوى المركزية في الشرق الأوسط بعد الضربات الأميركية - الإسرائيلية، ومحاولة جعل إسرائيل هي القوة المهيمنة بالمنطقة، كل ذلك سيعزز مساعي التقارب المصري - التركي، لا سيما على مستوى التنسيق العسكري والأمني والاستخباراتي»، مشدداً على أن البلدين «يحاولان تجاوز خلافات الماضي والحاضر بشكل جاد، فيما يخص غاز المتوسط أو القضية الليبية أو غيرهما، مع اقتناعهما بإمكانية حل جميع الخلافات في حال التعاون والتفاهم».
وقالت الخارجية المصرية إن جولة المشاورات السياسية مع تركيا تناولت تعزيز التعاون في مختلف المجالات، مثل زيادة حجم التبادل التجاري، والوصول بحجم التجارة البينية إلى 15 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، فضلاً عن جذب المزيد من الاستثمارات التركية إلى مصر في مختلف المجالات.
«محوران أساسيان»
وتضمنت جلسة المشاورات تبادل الرؤى ووجهات النظر حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية محلّ الاهتمام المشترك، لا سيما التطورات الراهنة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط اتصالاً بالملف النووي الإيراني، والحرب الروسية - الأوكرانية، والدور الذى تلعبه مصر لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة، والخطة المصرية لإعادة إعمار القطاع، فضلاً عن إطلاع الجانب التركي على محددات الموقف المصري من التطورات في ليبيا والساحل والقرن الأفريقي والسودان، بجانب مسألة أمن منطقة البحر الأحمر وتداعياتها على حركة الملاحة في قناة السويس والتجارة الدولية.
ونقل البيان المصري عن الوفد التركي «تثمينه للدور المحوري الذي تقوم به مصر في مختلف القضايا، وبما يسهم بشكل مباشر في الحفاظ على استقرار المنطقة».
واتفق الجانبان على استمرار تبادل الزيارات رفيعة المستوى خلال الفترة المقبلة، بهدف البدء في وضع ما تم الاتفاق عليه في أثناء المشاورات موضع التنفيذ لتعميق العلاقات في شتى المجالات، حسب الخارجية المصرية.
وقال المحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو: «التقارب المصري التركي حالياً يقوم على محورين أساسيين، الأول أن تركيا ترى أن مصر بوابة رئيسية لأفريقيا، ومصر ترى في تركيا بوابة لأوروبا وورقة مهمة في حلف الناتو، ومن ثم فإن تغليب المصالح الاقتصادية والاستراتيجية على الخلافات بينهما هو ضرورة قصوى».
أما الثاني، وفق أوغلو، فهو أن التحديات في المنطقة «تفرض التغلب على أي خلافات والتعاون لمواجهة التحديات معاً، خصوصاً فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية - الإيرانية، والحرب في غزة، والحرب الروسية - الأوكرانية».