جمود عميق ولا بوادر لحل الخلافات الجزائرية - الفرنسية

الغاز شكّل الاستثناء الوحيد في أزمة تقترب من إكمال عامها الأول

أول مصافحة بين وزيري خارجية الجزائر وفرنسا منذ اندلاع التوترات الصيف الماضي (الخارجية الجزائرية)
أول مصافحة بين وزيري خارجية الجزائر وفرنسا منذ اندلاع التوترات الصيف الماضي (الخارجية الجزائرية)
TT

جمود عميق ولا بوادر لحل الخلافات الجزائرية - الفرنسية

أول مصافحة بين وزيري خارجية الجزائر وفرنسا منذ اندلاع التوترات الصيف الماضي (الخارجية الجزائرية)
أول مصافحة بين وزيري خارجية الجزائر وفرنسا منذ اندلاع التوترات الصيف الماضي (الخارجية الجزائرية)

ظلت تجارة الغاز بين الجزائر وفرنسا الناجي الوحيد من تداعيات الأزمة السياسية الحادة بين البلدين، والتي شارفت على إتمام عامٍ كامل، في ظل غياب أي مؤشرات على استئناف الحوار، لا سيما بعد تبادل طرد ثلاثين دبلوماسياً في شهر مايو (أيار) الماضي.

وأكدت المنصة الإخبارية العربية المتخصصة «الطاقة»، في تقرير نشرته حول تصدير الغاز المسال الجزائري إلى الخارج في مايو الماضي، أن فرنسا تتصدر قائمة المستوردين في أوروبا مستحوذة على الحصة الكبرى بنسبة 26.8 في المائة من الإجمالي (0.258 مليون طن)، بارتفاع قدره 12.7 في المائة عن صادرات شهر أبريل (نيسان)، متقدمة بذلك على إيطاليا، وتركيا، مع الإشارة إلى أن صادرات الغاز الجزائري بلغت 0.962 مليون طن لتحتل المرتبة الثامنة عالمياً خلال الشهر ذاته، وفق «الطاقة».

منشأة نفط وغاز جزائرية (متداولة)

وبعكس قطاع المحروقات، وتحديداً الغاز، كان للتوترات السياسية تأثيرها الملحوظ على المبادلات التجارية والاستثمارات بين البلدين. فمنذ اندلاع الخلاف في نهاية يوليو (تموز) 2024، تراجعت التجارة البينية بنسبة 4.3 في المائة مقارنة بعام 2023، حسب ما جاء في صحف فرنسية.

وشهدت الاستثمارات الفرنسية في الجزائر جموداً بسبب الأزمة الدبلوماسية، وتتركز أساساً في قطاعات البنوك، ومواد البناء، والأدوية.

وفي ظل هذه التوترات، سعت الجزائر إلى تنويع شركائها التجاريين والاقتصاديين، مع التركيز على دول مثل الصين، وتركيا، وإيطاليا، وألمانيا، وقطر. وهذا التوجه يعكس رغبة الجزائر في تقليل اعتمادها على فرنسا، وتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول أخرى.

جانب من العاصمة الجزائرية (متداولة)

ورغم أن السلطات الجزائرية أكدت عدم اتخاذ أي إجراءات ضد الشركات والمستثمرين الفرنسيين، فإن العديد منهم اشتكوا من «صعوبات متزايدة» بخصوص تصدير منتوجاتهم إلى الجزائر، ما اضطرهم إلى إعادة توجيه شحناتهم عبر موانٍ أوروبية أخرى، وهو ما أدّى إلى تكاليف إضافية، وفق ما أشارت إليه تقارير إعلامية، تناولت صحيفة «لوفيغارو» بعضاً منها، الشهر الماضي.

ولاحظ مراقبون محايدون في سياق الأزمة السياسية انخفاضاً في الحضور الفرنسي في معرض «باتيماتيك» الدولي للبناء والأشغال العمومية، والذي يُنظَّم في الجزائر مطلع شهر مايو (أيار) من كل عام، مقابل تزايد لافت في حضور الشركات التركية، والإيطالية، والإسبانية. ويعكس هذا التطور، في تقدير المراقبين، تأثر العلاقات التجارية بين الجزائر وباريس بالتوترات السياسية.

السفير الفرنسي في الجزائر ستيفان روماتيه (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

وفي الأوساط القريبة من الرئاسة الجزائرية، يتم التأكيد على أن «العلاقات بين البلدين في قطيعة تامة». كما يجري الحديث عن «غياب أي أفق لانفراجة قريبة»، حسب تقدير مسؤول حكومي طلب عدم نشر اسمه، والذي أشار إلى أن «الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، التي اندلعت منذ 11 شهراً إثر اعتراف الإليزيه المزعوم بمغربية الصحراء، لا تزال حتى اليوم دون حل». وأبرز ذات المسؤول أن «الفرنسيين ضيَعوا فرصة توفرت في مارس (آذار) الماضي، لطي الأزمة عندما زار وزير الخارجية جان نويل بارو الجزائر»... حيث جرى اعتقال موظف قنصلي جزائري بباريس أياماً قليلة بعد هذه الزيارة، لاتهامه بخطف واحتجاز اليوتيوبر الجزائري اللاجئ بفرنسا أمير بوخرص. وقد نسفت هذه القضية محاولات تقارب محتشمة بين العاصمتين.

وأبعدت الجزائر 12 دبلوماسياً فرنسياً، وردَت باريس بطرد عدد مماثل من الدبلوماسيين الجزائريين، كما استدعت سفيرها بالجزائر ستيفان روماتيه إلى باريس «بغرض التشاور»، في حين يظل منصب السفير الجزائري في باريس شاغراً منذ سحبه بعد الإعلان الفرنسي عن دعم مخطط الحكم الذاتي المغربي للصحراء.

وحسب سياسيين بالجزائر، قد تتوفر مؤشرات جديدة بخصوص حل المشكلات بين البلدين، إذا تم التخفيف من حكم السجن خمس سنوات الصادر ضد الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، إثر الاستئناف الذي تقدم به، حيث ستنظر المحكمة في قضيته من جديد يوم 24 يونيو (حزيران) الحالي. وطالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بإلحاح، بإطلاق سراحه، وقال في تصريح وصف بـ«المثير» مطلع العام الحالي، أن سجنه «يسيء لسمعة الجزائر».

وحول هذا الموضوع أفاد محامٍ من نقابة محامي الجزائر العاصمة، أنه لا يستبعد تشديد العقوبة ضد الروائي المثير للجدل «ما دام رفض القضاء الفرنسي طلب الإفراج المؤقت عن الموظف القنصلي الجزائري المسجون».

الكاتب بوعلام صنصال (متداولة)

واعتقل الأمن الجزائري صنصال في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 بمطار العاصمة، أثناء عودته من باريس. ووجهت إليه النيابة تهمة «المساس بالوحدة الترابية للجزائر»، إثر تصريحات أدلى بها في الإعلام الفرنسي، زعم فيها أن «أجزاءً كبيرة من غرب الجزائر تعود تاريخياً إلى المغرب».

وجاءت هذه التصريحات في وقت كانت الخلافات بين الجزائر والمغرب في ذروتها.

"الفرنسيون ضيَعوا فرصة توفرت في مارس (آذار) الماضي، لطي الأزمة عندما زار وزير الخارجية جان نويل بارو الجزائر"

مسؤول جزائري


مقالات ذات صلة

تحقيق جديد يفتح ملف «مسؤولية» فرنسا عن تجاربها النووية في الجزائر

شمال افريقيا صورة لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

تحقيق جديد يفتح ملف «مسؤولية» فرنسا عن تجاربها النووية في الجزائر

يُصر الجزائريون على مطلب التعويض المادي عن التفجيرات النووية الفرنسية في صحرائهم، وعلى مسؤولية باريس في تنظيف المواقع الملوثة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا اجتماع سابق لقضاة جزائريين حول تطبيق أحكام قانون مكافحة غسل الأموال (صورة أرشيفية)

الجزائر تتعهد الخروج من «اللائحة الرمادية» لغسل الأموال

تعهدت الحكومة الجزائرية بالخروج من «اللائحة الرمادية» لـ«مجموعة العمل المالي»، التي تصنف البلدان «الأقل انخراطاً» في جهود مكافحة غسل الأموال.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
رياضة عالمية الحارس الدولي الجزائري ألكسندر أوكيدجا (وسائل إعلام جزائرية)

الجزائري أوكيدجا يغادر ميتز بعد 7 مواسم

أعلن ميتز الصاعد حديثاً لدوري الدرجة الأولى الفرنسي لكرة القدم، الجمعة، رحيل الحارس الدولي الجزائري، ألكسندر أوكيدجا، عن النادي بعد 7 مواسم قضاها مع الفريق.

«الشرق الأوسط» (ميتز)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

هل تفتح «المصالح الاقتصادية» باب المصالحة بين الجزائر وفرنسا؟

يرى مراقبون أن مبادرة اقتصادية جزائرية–فرنسية قد تُشكّل مدخلاً لاستئناف الحوار بين سلطات البلدين.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا جانب من جلسة المصادقة على النصوص المثيرة للجدل (البرلمان)

البرلمان الجزائري يصادق على حزمة قوانين «مثيرة للجدل»

صادق «المجلس الشعبي الوطني» في الجزائر على حزمة من النصوص التشريعية تعدها الحكومة ذات طابع هيكلي، لكنها أثارت جدلاً كبيراً.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

معارك بابنوسة بغرب كردفان مستمرة

تسببت الحرب السودانية في مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص (د.ب.أ)
تسببت الحرب السودانية في مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص (د.ب.أ)
TT

معارك بابنوسة بغرب كردفان مستمرة

تسببت الحرب السودانية في مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص (د.ب.أ)
تسببت الحرب السودانية في مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص (د.ب.أ)

لا أحد يستطيع «الجزم» بما يحدث في مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان السودانية، التي تشهد معارك كسر عظم واستنزاف منذ عدة أيام، بين الجيش و«قوات الدعم السريع». وفي حين يؤكد الجيش أنه سحق القوات المهاجمة عن المدينة التي تعد آخر معاقله بولاية غرب كردفان، تناقلت مواقع مؤيدة لـ«قوات الدعم السريع»، مقاطع فيديو تفيد بسيطرة «الدعم» على أجزاء كبيرة من المدينة واقترابهم من استعادة السيطرة عليها، بما في ذلك مقرات تابعة للفرقة 22، إحدى أكبر تجمعات قوات الجيش السوداني في غرب البلاد.

أهمية بابنوسة

بابنوسة، ويدللها أهلها باسم «القميرة» (تصغير قمر)، إحدى مدن ولاية غرب كردفان المهمة، وتبعد عن العاصمة الخرطوم بنحو 700 كيلومتر، وتنبع أهميتها من كونها «تقاطع طرق» تربط غرب السودان بوسطه وشماله، بل وجنوبه قبل انفصاله، وعندها يتفرع خط السكة حديد إلى مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، وإلى مدينة واو بجنوب السودان، وتعد واحدة من أكبر من مراكز سكك حديد السودان.

ويعتمد اقتصاد المدينة على التجارة والزراعة والرعي، ويوجد بها أول مصنع لتجفيف الألبان في الإقليم، أنشئ بمنحة من دولة يوغسلافيا السابقة على عهد الرئيس الأسبق إبراهيم عبود في خمسينيات القرن الماضي، وافتتحه الرئيس اليوغسلافي المارشال جوزيف بروز تيتو. وتضم الفرقة 22 التابعة للجيش، إلى جانب عناصرها، قوات قادمة من ولايات ومناطق دارفور وكردفان سيطرت عليها «قوات الدعم السريع».

أطفال سودانيون في معسكر للنازحين بولاية جنوب كردفان (أرشيفية - رويترز)

وظلت المدينة تشهد معارك منذ الأيام الأولى للحرب، ما أدى إلى هجرة أهلها، إلى مدينة المجلد القريبة، والقرى والبلدات المجاورة، وتحولت إلى مدينة «أشباح» يسكنها جنود من الطرفين المتقاتلين. ثم توقف القتال فيها في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، باتفاق ثلاثي بين الجيش و«الدعم السريع» والإدارة الأهلية بالمدينة، قضى بوقف التصعيد وتحليق الطيران الحربي والقصف في المدينة، لكن الأوضاع ظلت متوترة في المدينة، واعتصمت بها قوات الجيش بمقراتها غرب المدينة، بينما ظلت «قوات الدعم السريع» تسيطر على الأحياء «المهجورة».

لكن المدينة شهدت معارك ضارية منذ السبت، وقال عنها الجيش، في بيان رسمي، إن قواته في الفرقة 22، سحقت هجوماً كبيراً لـ«قوات الدعم السريع» التي حشدت لها من كل صوب، وتوعد بتحويل المدينة إلى مقبرة لـ«قوات الدعم السريع»، «وما يجمعون».

حرب استنزاف

ولم تصدر تعليقات رسمية من «قوات الدعم السريع» حول حقيقة الوضع في المدينة، لكن منصتها على «تلغرام» ذكرت أنها سيطرت على اللواء 189 التابع للفرقة، فيما ذكرت منصات تابعة للجيش أن «قوات الدعم السريع» بسطت سيطرتها مؤقتاً على مقر اللواء، واضطرت للانسحاب بعد تدخل قوات الجيش، بيد أن مصدراً عسكرياً طلب عدم كشف اسمه، قال لـ«الشرق الأوسط» إن مدينة بابنوسة أسوة بمدينة الفاشر، تعد «مناطق استنزاف» لـ«قوات الدعم السريع»، حيث خسرت أعداداً كبيرة من الرجال والعتاد أثناء محاولتها مهاجمة مقرات الجيش، وأضاف: «في معركة بابنوسة أمس، نصب الجيش فخاً لـ(الدعم السريع)، فاندفع بمقاتليه تجاه مقر الفرقة، قبل أن يطبق عليهم، ويصدهم، ملحقاً بهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد».

الحرب شرَّدت ملايين السودانيين بين نزوح في الداخل ولجوء إلى الخارج (أ.ف.ب)

وتعد معارك بابنوسة محورية لكل من الجيش و«الدعم السريع»، ففي حال سيطرت «قوات الدعم السريع» على المدينة ستبسط سيطرتها على كامل ولاية غرب كردفان المحادة لدولة جنوب السودان من جهة الجنوب، وولايتي شمال وجنوب كردفان من جهة الشرق، وولايات جنوب وشمال دارفور، من جهة الغرب، وذلك بعد أن أكمل سيطرته على مدينتي «النهود والخوى»، وحال احتفاظ الجيش بقاعدته في بابنوسة، يكون قد احتفظ بموطئ القدم في الولاية، يمهد لخطواته باتجاه دارفور.