عمرو موسى: عاملني القذافي في البداية بوصفي جاسوساً أميركياً ثم تغيرت الأمور

قال لـ«الشرق الأوسط» إن صدام حسين «شخصية صعبة جداً وكانت له مهابة خاصة» (3 من 4)

TT

عمرو موسى: عاملني القذافي في البداية بوصفي جاسوساً أميركياً ثم تغيرت الأمور

جانب من الصورة التذكارية لآخر قمة جمعت عمرو موسى بمعمر القذافي في سرت الليبية عام 2010 (أ.ف.ب)
جانب من الصورة التذكارية لآخر قمة جمعت عمرو موسى بمعمر القذافي في سرت الليبية عام 2010 (أ.ف.ب)

يقول وزير الخارجية المصري الأسبق والأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، في الحلقة الثالثة من مقابلته مع «الشرق الأوسط»، إن الرئيس الأسبق حسني مبارك «لم يكن دموياً ولم يكن فرعوناً ولم يحاول أن يكون». ويلفت إلى قول الرئيس أنور السادات: «أنا وجمال (عبد الناصر) آخر الفراعنة».

ويعترف بأن التعامل مع معمر القذافي لم يكن سهلاً، خصوصاً أن الزعيم الليبي استقبله في البداية بوصفه «جاسوساً أميركياً»، وراح يتحدث من دون أن ينظر مباشرة إليه. ويصف الرئيس صدام حسين بأنه «شخصية صعبة جداً وصاحب مهابة خاصة به». ويضيف أن صدام كان قلقاً من المفتشين الدوليين، ويعدّهم عملاء لوكالة المخابرات الأميركية، خصوصاً حين طرحوا على مواطنين عراقيين أسئلة عن مستوى معيشتهم وأحوالهم.

سألت عمرو موسى: إن كانت أغنية المغني الشعبي شعبان عبد الرحيم (شعبولا) التي تقول: «أنا بكره إسرائيل وبحب عمرو موسى» أثارت حساسية الرئيس حسني مبارك والمحيطين به؟ فقال: «الحقيقة، لا أعتقد أن حسني مبارك وحده شعر بالحساسية، فهو الرئيس، ومهما كان وزير الخارجية أو غير وزير الخارجية فليس هناك من ينافس الرئيس في شعبيته. لم يكن هذا هو المقصود، إنما بعض المحيطين، ليس المحيطين المباشرين، بعض المحيطين وأنا أعرفهم جيداً، ولم أرد أن أتدخل وعددت الأمر شيئاً من قبيل الدعابة، ونجلس ليلاً ونضحك، إنما بعض الجهات جعلت شعبان عبدالرحيم يقول: أنا بكره إسرائيل وبحب حسني مبارك. إنما كانت الأغنية الأولى هي التي اشتهرت وتبيع شرائط، وكانت موجودة فعلاً؛ إذ قال أحد أصحابي الدبلوماسيين من أميركا اللاتينية، أظن أنه كان أرجنتينياً، ما هي هذه الحكاية فنحن نرقص عليها هنا؟».

قلت له إن الروس يطلقون على رئيسهم لقب القيصر، فهل كان حسني مبارك أو أنور السادات قريباً من ملامح الفرعون؟ أجاب: «أنور السادات نعم، ولكن في مقابل لقب القيصر كان هناك لقب الزعيم، لكن هذا كان خاصاً بعبد الناصر. الزعيم، والرئيس. أما أنور السادات فاكتفى بلقب الرئيس، ولكنه هو الذي قال: أنا وجمال (عبد الناصر) آخر الفراعنة، ولن يكون هناك فرعون آخر. الفرعون ماذا يعني؟ أو من ضمن سلطات الفرعون، الحياة. يبقي حياتك أو ينهي حياتك.

هذا لم يكن في تكوين حسني مبارك. لم يكن عنيفاً ولا دموياً إنما كان يمكن أن يعاقب طبعاً بصفته رئيساً، معاقبة قاسية تقصر عن أن يسيح دماً. هل هناك حوادث معينة أو حالات معينة قبل فيها توصية بإنهاء حياة أحد، لا أظن، وإنما قد تكون. ولكن في عرفي وفي تحليلي للرئيس مبارك أنه لم يكن دموياً ولم يكن يريد أن يسمح بالدموية في تعامل السلطة. ربما حصلت استثناءات لهذا من كيفية إدارة السجون، الله أعلم، ولكن أنا أجزم أنه هو شخصياً لم يكن من ضمن تصرفاته وأخلاقه أن يكون دموياً».

العلاقة مع القذافي

كان لمصر جار متعب اسمه معمر القذافي، كيف تعامل الرؤساء معه وكيف تعامل عمرو موسى؟ يقول: «بالنسبة إلى الرؤساء العرب كانوا إما يسخرون منه أو يستصغرون شأنه. إنما كلهم حاولوا، باستثناء ملك السعودية، أن يهدئوه ولربما أن يستفيدوا منه أو يتقوا شره. هذه قصة وحدها، وتحتاج إلى موضوع حول معمر القذافي وعلاقاته بالرؤساء والشعوب والثورات. هذه تحتاج إلى بحث طويل عريض. من ضمن ما قاله لي شخصياً إنني صرفت مالاً كثيراً على أناس أيام الثورة الفلانية والثورة الفلانية؛ ولذلك أصبح بخيلاً في الثلث الأخير من حكمه ولم يعد يصرف مالاً بسهولة، ولا يهمه أن تكون هناك ثورة أو غير ثورة. تعلّم. قال لي هذا الكلام. ذكر ذلك لي هذا في معرض حديث في موضوع الثورات.

تمكن حسني مبارك من إدارة العلاقة الصعبة مع معمر القذافي (أ.ف.ب)

كان عندما تذهب إليه تجده جالساً في خيمة، وهذه الخيمة بجانبها سيارة كبيرة، مثل حافلة، وفيها الدوش والتكييف وكل شيء. إنما هو جالس في خيمة وهواؤها لطيف. على شماله كراسات منها النوتة الصفراء المشهورة في أميركا، وكتب وأقلام كثيرة، أزرق وأحمر وأخضر وأصفر وكل ما تريده. وهو جالس وطاقيته معوجة فتجلس معه ويكون بحسب رضاه عنك. إذا كان راضياً عنك يتحدث إليك، وإذا لم يكن راضياً فيتكلم ووجهه إلى ناحية ثانية ولا ينظر إليك، وأنتم أناس كذا وكذا. وأنا رأيته في الوضعين. أحياناً راضٍ فيكلمني مباشرة، وأحياناً غير راضٍ فيتكلم ووجهه لناحية ثانية وكأنني غير موجود. وأنا وجدت في هذا نوعاً من المرح وكنت أراهن مع نفسي يا ترى هذه المرة سيكلمني مباشرة أم يتكلم في ناحية ثانية؟

أول ما عُيّنت قيل له: هذا جاسوس أميركي وآتٍ من واشنطن. أنا طبعاً لم أكن في واشنطن، وكنت سفيراً في نيويورك. وتردد هذا الكلام أن هذا جاسوس آتٍ بخطة أميركية، ولما رأى الأداء غير ذلك بدأ يلين بعض الشيء، ثم بدأ يطلب، عندما يكون جالساً مع الرئيس مبارك، هل يمكن أن نأتي بعمرو موسى لنتحدث معه. وحصل مرة، وكنا في طبرق، على ما أظن، نتغدى وكانت هناك أكثر من مائدة. الرئيس مبارك والعقيد جالسان إلى مائدة معينة، ونحن إلى موائد كثيرة، وزراء ومسؤولون من الجانبين، فقال معمر القذافي للرئيس مبارك لنستدعِ عمرو موسى ونتحدث معه في موضوع، وانتهينا نحن الثلاثة إلى مائدة واحدة نتكلم والباقون إلى موائدهم، وكنت عارفاً أن الأمر سيؤدي إلى شيء من عدم الارتياح لدى آخرين. إنما هذا تكرر غير مرة.

عندما جاء مرة إلى القاهرة في زيارة رسمية وكنت وزيراً للخارجية، نصبت له خيمة في حدائق قصر القبة، القصر فيه كل شيء ولماذا تنام هنا؟ لم يكن ينام هناك إنما يستقبل في الخيمة. ذهبت، وكان وقتها يعتبرني جاسوساً أميركياً، فنظر إلى كل جوانب الخيمة إلا الجانب الذي أجلس فيه. طبعاً بالنسبة إلي الأمر مرح. نعم، كان أحياناً قاسياً، منها مرة، مثلاً، أنت لست فاهماً أن الرجعية العربية ستودي العرب في داهية؟ أنت لست فاهماً هذا الكلام؟ وأنت تقول لي - أنا لم أقل له - إنك من الناس المؤمنين بالوحدة العربية؟ هكذا بهذه القسوة.

أحكي لك موضوع الكتب؛ لأنه قارئ يترجمون له ويأتون له بكتب. كان يتكلم عن علاقة الدول العربية المتوسطية بالدول الأوروبية. فقلت له: أخيراً قرأت كتاباً يتحدث عن كذا وكذا، فقال لي: ما هو هذا الكتاب؟ لم يخبرني عنه أحد. فأعطيته عنوان الكتاب، فاستدعى سكرتيره وقال له اشترِ لي هذا الكتاب وترجمه لي. كان يريد أن يقرأ ويريد أن يعرف. هذه من طرائف العقيد، وأنا أرى أنه كان شخصية استثنائية في طرافته وفي ذكائه وتصرفه.

جانب من الصورة التذكارية لآخر قمة جمعت عمرو موسى بمعمر القذافي في سرت الليبية عام 2010 (أ.ف.ب)

لا جدال في أنه كان ذكياً. تصرفه، سواء كان صحيحاً أو غير صحيح، إنما كان شخصية خاصة. لم يكن يسدد المساهمات الخاصة بالجامعة العربية، فتراكمت عليه، وليبيا من أكبر المساهمين مثلها مثل مصر، والجزائر، والمغرب والسعودية. وجاء دور ليبيا لتترأس الجامعة العربية، إنها تستضيف القمة العربية، فأرسل لي مبعوثاً إلى القاهرة. جاءني في مكتبي، بصفتي أميناً عاماً، وقال لي: القائد بعث لك بهذه اللائحة، نحتاج كذا وكذا وكذا. قلت له: حاضر. قفلتها وقمت إلى المكتب ووضعتها في درج وقفلته وعدت. فقال لي: ماذا أقول له؟ قلت له ما حصل إنني أخذت الرسالة ولم أقرأها ووضعتها في درج ورجعت. فعل فاستدعاني، وأرسل لي طائرة لكي أذهب إليه. كان جالساً في خيمة في سرت. وبينما كنت جالساً وإذ بسكرتيره بشير صالح، وكان من جنوب ليبيا وأسمر، ماشياً يغني أراك عصي الدمع شيمتك الصبر. كان ماشياً ويغنيها، فقلت له: يا بشير، قل للقائد، أراك عصي الدفع، وليس عصي الدمع. فقال لي: والله سأقول له. ذهب إليه فضحك وكان عنده رئيس أفريقي وعندما خرج، دخل إليه بشير وأخبره بهذه الحكاية وقال لي تفضل فدخلت عليه ووجهه كالطماطم لأنه يكتم الضحك. فقال لي: أنا عصي الدفع؟ قلت له: طبعاً، 3 سنين لم تدفع.

دفع الأموال وكنت سعيداً جداً بذلك. عندما كنا في القمة، كان سعيداً بوجود هذه القمة عنده وأظهر أنه يتعامل بمسؤولية. أذكر أننا كنا نتكلم عن جيش عربي وكان اجتماع فيه الرئيس مبارك والرئيس علي عبد الله صالح، الله يرحمهم جميعاً، وأظن أن رؤساء آخرين شاركوا أيضاً. الرئيس مبارك قال: نبحث بعقلانية أولاً... علي عبد الله صالح: لا يمكن، الجيش العربي يقرر الآن. فقال له القذافي: بالراحة يا علي بالراحة. كلمة أن رئيس اليمن علي عبد الله صالح يتحدث عن فورية للجيش، ورد معمر القذافي بالراحة يا علي، يفتح لك آفاقاً للتحليل. بالراحة يا علي أو شيء من هذا القبيل لكي أكون دقيقاً، إنما كانت مسألة فارقة تماماً».

هل ترى نفسك محظوظاً لأن القدر لم يلزمك بالعمل مع رئيس مثل القذافي؟ قال: «نعم، بالتأكيد لأنني رأيت ماذا يحصل لعبد الرحمن شلقم وعلي التريكي. الاثنان وزيرا خارجية مشهود لهما. أناس أذكياء جداً، ولكن كان يمكن أن يقول له لخطأ ما، اجلس في البيت ولا تخرج حتى أقول لك. يجلس سنة، سنتين، إلى أن يتذكره. ولكن عبد الرحمن شلقم، وهو مفكر محترم جداً، وكذلك علي التريكي، قالا لي: مُرتبك يصلك إلى البيت وتظل محافظاً على مزاياك ولكن لا تتحرك إلا حين يقول لك. وهناك عقوبة إنزال الرتبة. علي التريكي كان وزير خارجية ثم أصبح وزيراً للشؤون الأفريقية والوزير كان شلقم. والمبعوث الذي أرسله إليّ كان وزير خارجية وأصبح وكيلاً للخارجية. عقوبات معينة على رجاله».

أنور السادات ومعمر القذافي وبينهما الملك حسين عام 1970 (غيتي)

أحد الذين عملوا مع القذافي قال لي إنه تحدث مرة عن السادات ومبارك، وقال: كانا يقفان في الصف عندما أذهب لزيارة معلمهما ويقصد عبد الناصر، هل كانت لديه عقدة عبد الناصر؟ أجاب: «لا، كان لديه كره للسادات. يكره السادات. ذهبنا إليه مرة، مجموعة من وزراء الخارجية العرب والدكتور عصمت عبد المجيد، أمين عام الجامعة العربية، ذهبنا في أحد الرمضانات لنتحدث في مسائل عربية، فوجدناه معتكفاً في أحد المساجد. ولا يلتقي أحداً. قالوا له جاء 10 أشخاص، وزراء خارجية بطائرة خاصة، فقال لهم بعد تأخير، وكان معنا عبد السلام جلود الذي كان يعطينا محاضرات فيها كثير من الطرافة، فليأت أمين عام الجامعة ولا لزوم لوزراء الخارجية، فذهب أمين عام الجامعة. وربما أدركوا أن ذلك لا يصح، فقال: تفضلوا. وصلنا بعد دقيقتين أو ثلاث من (وصول عصمت عبد المجيد).

كان القذافي جالساً وفي يده سبحة رخيصة، وراح يتكلم عن السادات (ويشد السبحة بيده) فرطت منه السبحة، ونحن جالسون متربعين في الخيمة. فقلت له: نحن عندنا، المصريين، تقدير كبير له لأنه حرر الأرض، والأمور الثانية يمكن أن نناقش فيها أي شخص إلا دوره في تحرير الأرض ووطنيته. فغيَّر كلامه، وقال لي: أنا فاهم هذا الكلام، متفهم لهذا الكلام. وفاتت».

لقاء مع صدام حسين قبل الغزو

طلبت من موسى أن يتحدث عن شخصية صعبة أخرى تعامل معها، فقال: «صدام حسين، شخصية صعبة جداً. عندما انتُخبت أميناً عاماً للجامعة العربية، لا أقول عُينت انتُخبت؛ لأنه كان اقتراحاً مصرياً عُرض على الرؤساء في قمة عمان سنة 2001. قلت أمين عام جديد، وزير سابق للخارجية في مصر الجامعة، يفترض أن ألتقي الزعماء العرب كلهم، وفعلاً أعددت جدولاً ووضعت صدام حسين آخر واحد؛ لأنني أعرف التعقيدات والحساسيات، وبدأت من موريتانيا، والمغرب، والجزائر والسودان، وكلهم بالدور ولم يبق إلا صدام حسين. هذا سنة 2002، أي السنة التالية لتسلمي منصبي. في 19 يناير (كانون الثاني) 2002.

عمرو موسى وكوفي أنان (أ.ف.ب)

قبل ذلك كنت في الأمم المتحدة وقلت لكوفي أنان، ونحن صديقان منذ الشباب الباكر، أنا الآن أمين عام الجامعة العربية وذاهب لزيارة صدام وهناك مشكلة بين الأمم المتحدة وبينه، ولا بد من أن أذهب برسالة منك، فقال لي: أي رسالة؟ قلت له: خاصة بالمفتشين، خاصة بمسألة تطمئنه. فقال لي: قل له نحن على استعداد لاستئناف التفاوض وإن كانت لديه شكاوى ننظر فيها. قلت له: عظيم، متشكر جداً.

ذهبت وقلت ذلك، وكان غرضي أن يشعر بأن الزيارة ليست فقط زيارة تحيات وتمنيات من أمين عام الجامعة، بل إنني آتٍ إليه بعمل معين. استقبلني في قصر من قصوره، صغير، وجاءني مساعده عبد حمود، وهو رجل ممشوق وشواربه كثة جداً، وفي الصباح قال: تفضل، سيارة وموكب. قبل أن يأتي، انتقلت من الاستراحة التي كنت فيها بموكب سيارات، إلى مكان ما، قاعدة عسكرية أو شيء مشابه، ومن هناك قابلني الفريق عبد حمود، وركبت معه في سيارة «تويوتا» بيج، هو يقودها وأنا بجانبه، ولم يكن أحد أمامنا ولا وراءنا. وذهبنا إلى قصر. مرافقي أخذوهم بطريق أخرى. دخلت، بيت صغير وقربه بحيرة فيها بجع. نزلت درجتين إلى قاعة ممتدة وصدام مشى إلى منتصفها وأنا مشيت إلى منتصفها وسلمنا بعضنا على بعض، سلام رجل لرجل، لا قبلات ولا أحضان. هو كان معه الفريق عبد حمود ووزير الخارجية ناجي صبري الحديثي، رجل جيد جداً، وأنا معي أحمد بن حلي، نائب الأمين العام وحسين حسون، السفير وكان رئيس البعثة في واشنطن.

صدام حسين مستقبلاً عمرو موسى في يناير 2002 (أ.ف.ب)

بدأت بالحديث عن خطورة الموقف، وأنه لا بد من تليين الموقف العراقي وفي أوقات كثيرة، حتى في القمة العربية، هناك صمت في حين الأمور تحتاج إلى مرونة وإلخ. وجرى الحديث بهذا الشكل. ثم انتقلت إلى الحديث عن رسالة كوفي أنان، وقلت له: يا سيادة الرئيس، أنا أحمل رسالة من أمين عام الأمم المتحدة خاصة بالمفتشين، وبإمكانية أن نحرك الأمور من أجل أن نقلل من الاضطراب والتوتر الذي يمكن أن ينفجر.

وقلت له: تحدي الولايات المتحدة ليس فيه حكمة وفي لحظة ما لن يقف معك أحد. هذا موجود في المحضر الذي كتبه بن حلي، رحمه الله. طلبت أن نمشّي الأمور بالراحة. نعم، هناك مواقف خطيرة جداً للولايات المتحدة في قضايا معينة، إنما الأمور تقتضي أن نكون حذرين في مثل هذا الأمر، وبالمناسبة الأمين العام ليس لديه مانع من استئناف المفاوضات. يا سيادة الرئيس، هل أنت لديك مفاعلات نووية أو أسلحة نووية؟ فقال لي: لا. قلت له: هل تسمح لي أن أسأل مرة ثانية هذا السؤال؟ هل لديك أسلحة نووية؟ فقال لي: لا. في هذه اللحظة، نظرت إلى بن حلي بطرف عيني.

وجدت بن حلي يكاد يضطرب لأنني سألت صدام حسين السؤال نفسه مرتين؟ ربما توقع أننا لن نخرج من هنا. عندما رأيت بن حلي زاد الموقف لدي طرافة، فقلت له: يا سيادة الرئيس، ما هي شكواك من المفتشين إذا لم يكن لديك شيء؟ فقال لي: لا، هؤلاء ليسوا مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، هؤلاء يأتون ويذهبون إلى المقاهي وفي الشوارع يسألون (الناس) أنتم ماذا تأكلون؟ وهل هناك طعام كافٍ؟ وما هو رأيك في الحكومة؟ ما هي علاقتهم بهذه الأمور؟ قلت له: المسألة بسيطة، أنا أبلغ الأمين العام بهذا الكلام، حتى عندما تتفاوضون ويتم اختيار المفتشين بعد ذلك يكون فيه عناية. فقال لي: نعم، أنا أفوّضك بأن تقول ذلك. وفعلاً قلت لأنان وبدأت مفاوضات عراقية مع الأمم المتحدة في هذا الشأن، وهذه قصة أخرى، وانتهت إلى الغزو.

في هذا الوقت، أقدر أقول إن صدام كان متقبلاً ولكن من أناس هو متأكد أنهم غير مدسوسين عليه، أي لست أقول له ذلك من أجل أن آخذ منه شيئاً أنقله لكي يحسب عليه. ولذلك؛ في رأيي، كان مرتاحاً للحديث معي».

وعن هيبة صدام حسين، قال: «نعم، ليس هناك كلام. ليس هناك كلام. لديه هيبة خاصة به. يخشونه، يخشونه جداً. ولكن في ذلك الوقت لا أظنه أنه كان مستعداً لاستخدام هذه الهيبة... كان هناك وضع جديد وفيه تحسب كبير جداً؛ لأنه في الليلة السابقة على هذا اللقاء، كان هناك عشاء أقامه طارق عزيز، وكان نواب الرئيس وغيرهم حاضرين، في برج مطل على القصر الملكي القديم. ليس قصراً، بل (منزل) صغير. فقلت مثل هذا الكلام، أي أنتم ليس لديكم مرونة في حين الدنيا متغيرة، فقال لي أحدهم قل له غداً هذا الكلام. مرتين ثلاث، قالوا لي قل له، قل له، أي أنهم كانوا يريدونه أن يسمع هذا الكلام. وأنا تشجعت وقلت له هذا الكلام، كل الذين يريدونني أن أقوله قلته».

صدام حسين خلال قمة عربية في عمّان عام 1980 وبدا خلفه إلى اليسار طارق عزيز (غيتي)

وما هو انطباعك عن طارق عزيز؟ أجاب: «طارق عزيز كان دبلوماسياً ذكياً جداً، وسياسياً أيضاً ذكياً جداً. ذهب بعيداً في تأييده لصدام من حيث كل شيء. أي أن طارق عزيز كان مسماراً رئيسياً في المرحلة هذه من نظام صدام حسين. إنما، وهو يعلم تمام العلم، أن الذين هم فيه هذا، مغامرة لن تنتهي على خير، إنما لم يستطع أن يقول له هذا الكلام خوفاً على نفسه، وعلى عائلته. لو كان يدري الغيب، لربما قالها لأن الشيء نفسه حصل معه بعد قليل. إنما كان اختياراً موفقاً من حيث المهنية والقدرة على الحديث والتواصل مع الناس. يعكس قوة العراق في حديثه. وهو شخصية محببة أيضاً ويمكنك ان تجلس معه وتتحدث معه وتسهر معه وتتعشى معه وتأخذ وتعطي معه. هذا هو طارق عزيز».

قلت إن بعض الذين عملوا في القصر مع صدام حسين يقولون إن طارق عزيز كان مدركاً مثلاً لأخطار غزو الكويت؟ فأجاب موسى: «هذا لا يحتاج إلى كلام. كانت مسألة حياة أو موت لأي شخص أن يقول رأياً في تلك الظروف. كان يمكن أن يُستأصل، والله أعلم. إنما هو قطعاً، عندما نتكلم في ذكائه وقدرته السياسية الواضحة كان ضرورياً أن يستخدمها ويستخدم هذا الذكاء في أن يعرف كيف يتكلم مع صدام، في ظروف معينة.

افترض نحن نتحدث في مثل هذا ولا أريد أن أقول إنني ضد، فأقول لنؤجل المسألة على الأقل أسبوعاً أو اثنين أو شهراً، ليس لأنك ليس لديك الاستعداد العسكري، بل يا سيادة الرئيس، الاستعداد الإعلامي في العالم. هناك أبواب يمكنك أن تدخل منها. لكنه لم يستخدمها. نحن نتحدث ونحن جالسون مستريحين، إنما هو كان يجلس على مسامير في كرسيه».


مقالات ذات صلة

الليبيون يحتفلون بالذكرى الـ74 للاستقلال على وقع انقسام حاد

شمال افريقيا في ليبيا بات كل مواطن يحتفل بـ«ثورته» في مواعيدها (أ.ف.ب)

الليبيون يحتفلون بالذكرى الـ74 للاستقلال على وقع انقسام حاد

بشكل منفصل أعلن كل من رئيسي حكومتي ليبيا الدبيبة وحماد يومي الأربعاء والخميس عطلة رسمية لمناسبة «عيد الاستقلال» في بلد يعاني من تداعيات انقسام سياسي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي يصل لتوقيع نسخ من كتابه «مذكرات سجين» (Le journal d'un prisonnier)، الذي يروي فيه فترة احتجازه التي دامت ثلاثة أسابيع في مكتبة «لا مارتين» بباريس في فرنسا 10 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

ساركوزي قد يمثل أمام القضاء مجدداً بشبهة التلاعب بالشهود

قد يُحال الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي إلى محاكمة جديدة، رغم إدانته في قضية تمويل حملته الرئاسية من ليبيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا الدبيبة يستعرض رؤيته لأسباب ما يعانيه بلده خلال «منتدى طرابلس للاتصال الحكومي» (الشرق الأوسط)

الدبيبة يتهم نظام القذافي بإهدار أموال ليبيا على «الوحدة العربية»

دافع رئيس «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة عن حكومته، في مواجهة الأزمات التي تعاني منها قطاعات واسعة من الشعب.

جمال جوهر (القاهرة)
كتب رجل يحمل كتاب «يوميات سجين» للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أمام مكتبة في باريس الأربعاء 10 ديسمبر 2025 (أسوشييتد برس)

«يوميات سجين» يكشف عن العالم الخفيّ داخل زنزانة ساركوزي

واحد وعشرون يوماً هزّت الإليزيه… قصة ساركوزي خلف القضبان.

كوثر وكيل (باريس)
سينما صورة من الفيلم لمنصور رشيد الكيخيا إلى جانب الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي

«بابا والقذافي»… رحلة بحث عائلية تحول الصمت إلى جائزة دولية

تنطلق جيهان الكيخيا في فيلمها من سؤال طفولي ظلّ يلاحقها منذ السادسة من عمرها: «أين ذهب أبي؟»، والدها هو منصور رشيد الكيخيا، وزير خارجية ليبيا الأسبق.

كوثر وكيل (لندن)

تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)
شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)
TT

تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)
شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)

شهدت مدن غرب ليبيا، مساء الجمعة، موجة احتجاجات شعبية واسعة، تنديداً بتردي الأوضاع المعيشية والأمنية، وللمطالبة برحيل حكومة الدبيبة، والإسراع بإجراء الانتخابات المؤجلة.

وشهدت العاصمة طرابلس تحركات احتجاجية في مناطق متفرقة، حيث أغلق المتظاهرون بعض الطرق، وأشعلوا الإطارات في بلدية سوق الجمعة شرق المدينة، ومنطقتَي الظهرة ووسط المدينة، إضافة إلى احتجاجات عند إشارة فشلوم المرورية. كما رفع المحتجون لافتات تنتقد فشل الحكومة في تحسين الأوضاع المعيشية والأمنية، محمّلين إياها مسؤولية الانفلات الأمني واستمرار الأزمات الخدمية.

ورصدت وسائل إعلام محلية، عبر لقطات مصورة، إشعال الإطارات وإغلاق الطريق بجزيرة القادسية في طرابلس، كما عبّر متظاهرون في ميدان الجزائر وسط العاصمة عن رفضهم «حكم العائلة» و«حكم العسكر»، مطالبين بالاستفتاء على الدستور وإنهاء المرحلة الانتقالية.

كما شهدت مدينة مصراتة مظاهرة شعبية للتنديد بتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار وتراجع الخدمات، تزامناً مع احتجاجات مماثلة عند بوابة الصمود، المدخل الشرقي لمدينة الزاوية، حيث ركّز المشاركون على تدهور الأوضاع الأمنية إلى جانب الضغوط المعيشية، مؤكدين أن المواطن بات يدفع ثمن الصراعات السياسية واستمرار الحكومات المؤقتة.

في سياق متصل، أصدر أهالي ومكونات بلدية صبراتة بياناً أعربوا فيه عن رفضهم قرار حكومة الدبيبة، القاضي بتخصيص مقر إذاعة اليتيم لصالح جهة مسلحة، معتبرين القرار مساساً بالمؤسسات المدنية والإعلامية، ومؤشراً على تغوّل التشكيلات المسلحة على حساب الدولة.

والأسبوع الماضي، دعا حراك ما يُعرف بـ«انتفاضة شعب» كل الليبيين إلى المشاركة في اعتصام شعبي مفتوح بـ«ميدان الشهداء»، وسط العاصمة طرابلس، وذلك للمطالبة بإسقاط حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة.

وسبق أن خرجت مظاهرات في مناطق عدة بالعاصمة تطالب بإسقاط حكومة الدبيبة ومحاسبتها، الأمر الذي دفع حينها عدداً من وزرائها إلى تقديم استقالاتهم انحيازاً لمطالب المحتجّين.

وجدَّد حراك «انتفاضة شعب»، الذي ينطلق من مدينة مصراتة، والذي يقوده عدد من النشطاء، في بيانه، دعوته «جميع الليبيين شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً» إلى تنظيم اعتصام سلميّ لحين تنفيذ مطالب الشعب، المتمثلة في رحيل الحكومة.

وحضّ الحراك جميع أطياف الليبيين على «المشاركة في «الاعتصام ورفع سقف المطالب في مظاهرات يحميها الشعب والقانون، بعيداً عن الحزبية والجِهوية والقبلية». وقال إن المشاركة في هذا الاعتصام «واجب وطني»، مؤكداً أن «السلمية قوة الأحرار، ووحدة الصف سلاح إسقاط الفساد».

ورأى الحراك أن «الوطن يقف اليوم على حافة الضياع، وما يُدار باسمه في الغرف المغلقة ليس حلاً، بل مؤامرة مكرّرة لإطالة عمر الفشل، وتمديد الأجسام البالية المنتهية الصلاحية». وذهب إلى أن «تغيير العناوين، وتسويق مسرحيات سياسية جديدة، لن يغيّرا الحقيقة؛ فالشعب يريد قراره، لا وصاية عليه، ولا تسويفاً بعد اليوم».


مقديشو تعوّل على مساندة عربية وإسلامية لمواجهة اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

اجتماع الحكومة الصومالية الجمعة في أعقاب الخطوة الإسرائيلية (وكالة أنباء الصومال)
اجتماع الحكومة الصومالية الجمعة في أعقاب الخطوة الإسرائيلية (وكالة أنباء الصومال)
TT

مقديشو تعوّل على مساندة عربية وإسلامية لمواجهة اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

اجتماع الحكومة الصومالية الجمعة في أعقاب الخطوة الإسرائيلية (وكالة أنباء الصومال)
اجتماع الحكومة الصومالية الجمعة في أعقاب الخطوة الإسرائيلية (وكالة أنباء الصومال)

يعوّل الصومال على دعم عربي وإسلامي لمواجهة اعتراف إسرائيل بإقليم «أرض الصومال» دولةً مستقلةً، فيما أعلنت جامعة الدول العربية عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين، الأحد، بناء على طلب الصومال لبحث هذه التطورات.

ويهدف الاجتماع، حسب بيان صادر عن الجامعة العربية السبت، «تأكيد الرفض العربي القاطع لأي إجراءات أو قرارات أحادية من شأنها المساس بسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية ووحدة أراضيها، والتشديد على الالتزام بمبادئ القانون الدولي وقرارات الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ذات الصلة».

كما يناقش الاجتماع «سبل تعزيز الموقف العربي المشترك في مواجهة هذه الخطوة، وتأكيد التضامن الكامل مع الصومال ودعم مؤسساته الشرعية، بما يسهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة».

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجمعة، الاعتراف بأرض الصومال «دولة مستقلة ذات سيادة»، في اعتراف رسمي هو الأول بالإقليم الانفصالي داخل الصومال، في خطوة اعتبرها رئيس إقليم أرض الصومال، عبد الرحمن محمد عبد الله عرو، «لحظة تاريخية».

وأكد السفير الصومالي في القاهرة والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية، علي عبدي أواري، في بيان السبت، أن «بلاده دعت إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين لبحث تداعيات اعتراف الاحتلال الإسرائيلي بما يسمى (جمهورية أرض الصومال المستقلة)، وإدانة هذا القرار غير المسؤول ورفضه بشكل واضح وصريح».

وحول خيارات مقديشو للتعامل مع القرار الإسرائيلي، أشار أواري لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «بلاده تتحرك على المستويين العربي والإسلامي، لرفض ما أعلنت عنه تل أبيب، والدفاع عن السيادة الصومالية»، وقال: «من بين التحركات طلب اجتماع للجامعة العربية بشكل عاجل».

وأشار إلى أن «بلاده تدعو لاجتماع قمة عربية إسلامية قريباً، ضمن تحركاتها الدبلوماسية»، وقال إن «الصومال يعول على الدعم العربي والإسلامي، للحفاظ على وحدة الأراضي الصومالية»، مشيراً إلى أن «مجلس الوزراء الصومالي شدد في اجتماعه الجمعة على أن أي محاولات للاعتراف بإقليم أرض الصومال غير شرعية باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الصومالية».

وبشأن إذا ما كانت هناك مخاوف من مقديشو لقيام الحكومة الإثيوبية بتفعيل اتفاقها مع أرض الصومال بعد الاعتراف الإسرائيلي، تحدث أواري عن دعم الاتحاد الأفريقي لوحدة وسيادة الصومال، وقال إن «مفوضية الاتحاد الأفريقي أكدت التزامها بدعم وحدة وسيادة الصومال».

سفير الصومال بالقاهرة علي عبدي أواري (وكالة أنباء الصومال)

ووقعت أديس أبابا و«أرض الصومال» مذكرة تفاهم العام الماضي، تسمح لإثيوبيا، التي لا تمتلك أي سواحل، باستخدام أحد مواني أرض الصومال، وهي خطوة وصفتها الحكومة المركزية في الصومال بأنها «عمل من أعمال العدوان».

وأكد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود علي يوسف، أن «أي محاولات للاعتراف بأرض الصومال بوصفه كياناً مستقلاً، يتعارض مع المبادئ الأساسية للاتحاد الأفريقي، ويشكل سابقة تقوّض السلم والأمن والاستقرار في القارة».

ويعلن إقليم أرض الصومال انفصاله من جانب واحد عن جمهورية الصومال الفيدرالية منذ عام 1991، ولم يحظَ باعتراف دولي طوال هذه الفترة.

وأشار السفير الصومالي إلى الموقف المصري الداعم لبلاده، وقال إن «القاهرة موقفها واضح وثابت في دعم السيادة الصومالية»، مشيراً إلى «اتصالات بين وزير الخارجية المصري ونظرائه في الصومال وتركيا وجيبوتي الجمعة، للتأكيد على رفض التحرك الإسرائيلي».

ولاقى الاعتراف الإسرائيلي إدانات عربية وإسلامية وأفريقية، وأصدرت مصر والسعودية والأردن وجيبوتي وتركيا، والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، ومفوضية الاتحاد الأفريقي، بيانات أكدوا فيها رفضهم التام لاعتراف تل أبيب بإقليم أرض الصومال دولةً مستقلةً.

وأكدت مصر، في إفادة لوزارة الخارجية السبت، أن «الاعتراف الإسرائيلي الأحادي يقوّض أسس السلم والأمن الدولي، ويُسهم في زعزعة الاستقرار بمنطقة القرن الأفريقي».

كما جددت مصر إدانتها بأشد العبارات لاعتراف إسرائيل الأحادي بما يسمى «أرض الصومال» باعتباره انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وأكدت دعمها الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية، اتساقاً مع مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وترفض أى إجراءات أحادية من شأنها المساس بالسيادة الصومالية أو تقويض أسس الاستقرار في البلاد.

وحول ربط الاعتراف الإسرائيلي بمخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لأرض الصومال، شدد السفير الصومالي بالقاهرة على «الرفض التام لبلاده لأي محاولات للتهجير القسري للفلسطينيين»، وقال إن «هذا الموقف ثابت، وجددت الحكومة الصومالية التأكيد عليه، وعلى دعم حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره».


ما التداعيات الفلسطينية لاعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»؟

علم «أرض الصومال»
علم «أرض الصومال»
TT

ما التداعيات الفلسطينية لاعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»؟

علم «أرض الصومال»
علم «أرض الصومال»

حرّك الاعتراف الإسرائيلي بالإقليم الانفصالي «أرض الصومال»، تحذيراتٍ من رام الله و«حماس» ومقديشو، من أنه يحمل احتمالاً لأن تكون هرغيسا موطناً جديداً لاستقبال الفلسطينيين ضمن مخطط تهجير سعت له إسرائيل منذ بداية الحرب قبل نحو عامين.

تلك التحذيرات يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تحمل مخاوف من أن الخطوة الإسرائيلية ستعيد ملف التهجير للواجهة بقوة وستعمل إسرائيل على زيادة الضغوط على الضفة وغزة لدفعهم قسراً لذلك وسط غياب خطط تنفيذية للإعمار والاستقرار.

ووقّع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيته جدعون ساعر، ورئيس «إقليم أرض الصومال» عبد الرحمن محمد عبد الله، الجمعة، إعلاناً مشتركاً، وقال إن «إسرائيل تخطط لتوسيع علاقاتها مع الإقليم من خلال تعاون واسع في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد». وأفادت القناة «14 الإسرائيلية» بأن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال «جاء مقابل استيعاب سكان غزة».

وخلال أشهر الحرب على غزة، تصاعدت تصريحات إسرائيلية رسمية بشأن المضي قدماً في مخططات تهجير فلسطينيي غزة إلى خارج القطاع، فيما تحدثت وسائل إعلام عبرية عن وجهات محتملة شملت دولاً أفريقيةً، بينها الصومال والإقليم الانفصالي.

مظاهرة لأشخاص من «أرض الصومال» قرب «10 دوانينغ ستريت» في لندن 22 فبراير 2012 (فيسبوك)

وفي مارس (آذار) الماضي، نفت الصومال وإقليم «أرض الصومال» الانفصالي عنها أيضاً تلقي أي اقتراح من الولايات المتحدة أو إسرائيل لإعادة توطين الفلسطينيين من غزة، حيث قالت مقديشو إنها «ترفض بشكل قاطع أي خطوة من هذا القبيل».

وبعد الاعتراف زادت المخاوف من العودة الإسرائيلية لمخطط التهجير، ونبهت «الخارجية الفلسطينية»، في بيان، أن «سلطات الاحتلال كانت قد طرحت اسم (أرض الصومال) كوجهة محتملة لتنفيذ مخططات التهجير القسري بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وتحديداً من قطاع غزة، وهو ما يجعل هذا الاعتراف جزءاً من ترتيبات جيوستراتيجية مشبوهة».

وشدّدت حركة «حماس»، في بيان السبت، على «رفضها القاطع لجميع المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تهجير فلسطينيي قطاع غزة قسراً، بما في ذلك محاولات استخدام إقليم (أرض الصومال) الانفصالي وجهة محتملة لهذا التهجير».

كانت الحكومة الصومالية قد أعربت في بيان الجمعة عن رفضها لاعتراف إسرائيل بما يسمى بـ«جمهورية أرض الصومال»، مؤكدة «الدعم المبدئي والثابت للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في تقرير المصير، والرفض القاطع للاحتلال والتهجير القسري والهندسة الديموغرافية وتوسيع المستوطنات بجميع أشكالها، وأنه لن يقبل أبداً بجعل الشعب الفلسطيني بلا جنسية».

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، يرى أن «ملف التهجير لا تزال إسرائيل تعمل عليه مع الولايات المتحدة، وتراهن على حلول مثل اتفاقية الاعتراف مع (أرض الصومال) التي قد تنطوي على بنود غير معلنة، مع زيادة الضغوط على الداخل، سواء في الضفة عبر الاستيطان أو في غزة عبر القتل الممنهج».

أما المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، فيعتقد أن الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» هو نوع من تفكيك العزلة حتى لو مع دول طرفية، وهرجيسا ارتبطت على مدار العام الماضي بشكل رئيسي بملف التهجير رغم نفيها. وأكد أن الخطوة الإسرائيلية «ستعيد ملف التهجير للواجهة بقوة، وستعمل تل أبيب على زيادة الإغراءات للفلسطينيين للخروج، في ظل غياب أي أفق لإعادة الإعمار، وهو ما ينعكس على الضفة الغربية لكن يمكن بصورة أقل».

ومقابل تلك المخاوف، تواصل الرفض العربي الواسع لخطة إعلان إسرائيل الاعتراف بـ«أرض الصومال»، وصدرت بيانات منددة بذلك من دول عدة، بينها السعودية ومصر وقطر والأردن وتركيا.

ويشير حسن إلى أن «أرض الصومال» ستواجه ضغوطاً خاصة عربية لمنع التهجير؛ لكن الأمر سيتوقف على ما ستقدمه لها إسرائيل للمضي في هذا النهج، وأوضح مطاوع أن «الرفض العربي سيظل ضاغطاً لعدم تمرير التهجير وعدم دخول الاعتراف حيز التنفيذ»، متوقعاً أن «يشهد ملف الاعتراف تطورات متسارعة، لا سيما في ملف التهجير».