مصرع الحداد يستحضر إرث أزمات الطيران الليبي منذ سقوط القذافي

انتقادات لاستمرار الاعتماد على شركات أجنبية في تنقلات رسمية حساسة

من مراسم تشييع الحداد وقادة عسكريين في مدينة مصراتة الليبية (بلدية مصراتة)
من مراسم تشييع الحداد وقادة عسكريين في مدينة مصراتة الليبية (بلدية مصراتة)
TT

مصرع الحداد يستحضر إرث أزمات الطيران الليبي منذ سقوط القذافي

من مراسم تشييع الحداد وقادة عسكريين في مدينة مصراتة الليبية (بلدية مصراتة)
من مراسم تشييع الحداد وقادة عسكريين في مدينة مصراتة الليبية (بلدية مصراتة)

أعاد حادث سقوط طائرة «فالكون 50» الذي أودى بحياة المشير محمد الحداد رئيس أركان القوات التابعة لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، وعدد من القيادات العسكرية الأسبوع الماضي، إلى دائرة النقاش ملف إرث الأزمات المتراكمة التي يعاني منها قطاع الطيران في ليبيا منذ سقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي.

علامات استفهام كثيرة

أثار هذا الحادث تساؤلات كثيرة، لا سيما في ظل سفر مسؤول عسكري رفيع المستوى على متن طائرة فرنسية مستأجرة من شركة يوجد مقرها في مالطا، ما سلط الضوء على مشكلات وتعقيدات إدارية وأمنية طالما أحاطت بإدارة الطيران المدني في البلاد منذ سنوات، خاصة في ظل تدهور متوارث في البنية المؤسسية، واستمرار الاعتماد على شركات أجنبية في تنقلات رسمية حساسة، رغم توفر موارد مالية كبيرة من عائدات النفط.

علامات الاستفهام هذه طرحها الباحث الأكاديمي في الدراسات السياسية والاستراتيجية، محمد مطيريد، لكن تحديداً «بشأن أوضاع شركات الطيران الحكومية، من حيث عدد الطائرات الصالحة للخدمة، وإجراءات حماية كبار المسؤولين خلال تنقلاتهم الخارجية، باعتبارها جزءاً من صورة الدولة وسيادتها».

الحداد في اجتماع قادة عسكريين ليبيين قبل سقوط طائرته في تركيا (رئاسة الأركان في غرب ليبيا)

ويستحضر مطيريد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» حجم الخسائر التي تكبدها قطاع الطيران المدني منذ إسقاط نظام القذافي، مؤكداً أنه «كان من أكثر القطاعات تضرراً جراء الصراعات السياسية والاضطرابات الأمنية، التي شهدتها البلاد بين عامي 2011 ومنتصف عام 2020، وهو ما ساهم في تقلص حاد للأسطول الجوي العامل بالبلاد».

وذكر مطيريد أن تدمير وحرق مطار طرابلس الدولي منتصف عام 2014 شكّل «ضربة قاسية» لهذا القطاع، بعدما أفضى إلى تدمير نحو 90 في المائة من أسطول الشركتين الحكوميتين، باستثناء الطائرات التي كانت خارج البلاد في مهام تشغيلية، أو لأغراض الصيانة.

أعاد سقوط طائرة «فالكون 50» الذي أودى بحياة الحداد إلى دائرة نقاش ملف إرث الأزمات المتراكمة التي يعاني منها قطاع الطيران في ليبيا (أ.ب)

وتوجد في ليبيا شركتان حكوميتان، هما: «الخطوط الجوية الليبية»، التي تجاوزت ستين عاماً على تأسيسها، و«الخطوط الأفريقية»، التي تأسست عام 2007، إلى جانب عدد محدود من شركات الطيران الخاصة، مثل «البراق» و«أويا» و«سكاي ليبيا»، و«الأجنحة الليبية»، و«برنيق»، و«غدامس».

أزمات متفاقمة

تفاقمت أزمات الطيران الليبي، بحسب مطيريد، مع فرض دول الاتحاد الأوروبي حظراً على الطيران الليبي، ما فاقم من عزلة القطاع، محدداً الوجهات المتاحة في الأردن وتونس وتركيا ومصر والسعودية وإيطاليا، وهو ما أسفر عن أضرار جسيمة للطيران والاقتصاد الوطني.

وأرجع الباحث الليبي هذه الأزمة جزئياً إلى «الانقسام السياسي بين شرق البلاد وغربها، حيث أدى غياب مركزية القرار إلى عدم طرح خطط لإعادة تأهيل الناقل الوطني، سواء بشراء طائرات جديدة، أو صيانة المتبقي من الأسطول، فضلاً عن ضعف الرقابة وتراكم الديون، واتساع الفجوة بين المصروفات والإيرادات، خاصة في ظل التوسع بالتعيينات».

طائرة تابعة للخطوط الجوية الليبية (الصفحة الرسمية للشركة)

وتعيش ليبيا ازدواجية في السلطة بين حكومة «الوحدة» برئاسة عبد الحميد الدبيبة في غرب البلاد، وحكومة «الاستقرار» المكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد التي تدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب، والمدعومة من قائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر.

ويرى مراقبون أن ضعف تعويض التراجع في قطاع الطيران المدني الليبي يعود إلى التجاذبات الأمنية في الغرب، وسيطرة ميليشيا ما تعرف بـ«جهاز الردع» على مطار معيتيقة، بينما اكتفى المسؤولون في شرق البلاد بالاعتماد على شركات طيران خاصة، وطائرات مستأجرة في رحلاتهم الخارجية، نتيجة الاعتراف الدولي المحدود، وتركيزهم على مشاريع إعادة الإعمار.

نموذج من إحدى الطائرات التابعة للخطوط الجوية الليبية (الشرق الأوسط)

لكن رغم تراكم الأزمات، التي تثقل كاهل قطاع الطيران الليبي، فقد عبّر مدير «المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية»، الشريف عبد الله، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن الاستغراب من «عدم تخصيص طائرة تابعة لرئاسة الأركان لنقل قياداتها، والاكتفاء بالاعتماد على طائرات مستأجرة من شركات أجنبية، رغم توفر طائرات تُستخدم من قبل المجلس الرئاسي، أو حكومة الوحدة لنقل الوفود العسكرية الرفيعة». ولفت إلى أنه «كان من الممكن، على أقل تقدير، اللجوء إلى شركات ليبية خاصة معروفة بنقل كبار الشخصيات، بما يوفّر قدراً أكبر من الانضباط والرقابة».

بدوره، تساءل الخبير في النقل الجوي، محمد عيسى، عن أسباب عدم إعادة تفعيل الطائرات المسجّلة باسم الدولة، والمركونة منذ سنوات في مطارات أوروبية، معتبراً أن «وضع مصير كبار المسؤولين «في عهدة طائرات مستأجرة من شركات أجنبية يثير تساؤلات جدية، في ظل غياب معلومات واضحة حول خلفيات تلك الشركات، أو سجلها الفني والتشغيلي».

في السياق ذاته، وصف الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، جلال حرشاوي، ترتيبات تنقّل كبار السياسيين والضباط العسكريين خلال السنوات الأخيرة بأنها «غير منتظمة وغير كافية»، مذكّراً بأن «فريق خبراء الأمم المتحدة انتقد عام 2023 نقل المشير خليفة حفتر بطائرة خاصة، باعتبار ذلك خرقاً لحظر السلاح». وأوضح حرشاوي أن «التعقيد القانوني، وسوء إدارة المال العام انعكسا سلباً على ترتيبات سفر كبار المسؤولين».

وقدّر تقرير لهيئة الرقابة الإدارية قبل عام إجمالي ديون «الخطوط الليبية» بنحو 1.12 مليار دينار، مع تراجع عدد الطائرات قيد الخدمة من 24 طائرة عام 2011 إلى ثلاث طائرات فقط، نتيجة تداعيات حربي عامي 2014 و2019.

دعوات لإنقاذ الطيران الحكومي

على وقع حادث سقوط طائرة الحداد ورفاقه من القادة العسكريين الليبيين، تجددت الدعوات إلى حلول عاجلة لإنقاذ الطيران الحكومي باعتباره رمزاً سيادياً، علماً بأن حكومة «الوحدة» سبق أن أعلنت قبل عام عن إطلاق شركة طيران جديدة، تهدف إلى معالجة أوضاع شركات الطيران الحالية.

عانى قطاع الطيران في ليبيا مشكلات كثيرة منذ سقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي (متداولة)

وفي هذا السياق، دعا الوكيل السابق لوزارة الخارجية بالحكومة الليبية المؤقتة، حسن الصغير، إلى «وضع خطة عاجلة لإنقاذ الخطوط الجوية الليبية، وعدم التعامل معها بمنطق الربح التجاري فقط»، بينما ذهب مدير «المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية»، إلى الحديث عن ضرورة وجود أسطول جوي كبير للدولة الليبية، يراعي البعد الاقتصادي، وقلة عدد السكان مقارنة بدول الجوار».


مقالات ذات صلة

الدعوة لمناقشة «مرتبات النواب» تفجر تباين مواقف أعضاء البرلمان الليبي

شمال افريقيا جلسة مجلس النواب الليبي في بنغازي الثلاثاء (المكتب الإعلامي للمجلس)

الدعوة لمناقشة «مرتبات النواب» تفجر تباين مواقف أعضاء البرلمان الليبي

تباينت المواقف داخل مجلس النواب الليبي، وكذلك بين أوساط مواطنين، إثر دعوة أطلقها أحد النواب إلى تخصيص جلسة لمناقشة ما وصفه بانقطاع رواتب أعضاء المجلس.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي

«رواتب العسكريين» تصطدم بالخلاف السياسي بين أفرقاء ليبيا

دخل المشهد السياسي الليبي مرحلة جديدة من التصعيد والتجاذب بعد الجدل الذي أثاره إقرار البرلمان زيادة مرتبات العسكريين بنسبة 150 % وهي خطوة قوبلت بمعارضة

خالد محمود (القاهرة)
العالم العربي الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)

أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

أعرب سياسيون ونشطاء في مدينة تاورغاء الليبية عن استيائهم وشكواهم من تجاهل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة لحكمين قضائيين بوقف قرار الحكومة ضم المدينة إلى مصراتة.

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا شرطي في أحد شوارع العاصمة الليبية طرابلس (مديرية أمن طرابلس)

«شلل ليلي» مستمر في طرابلس على وقع الاحتجاجات... و«الوحدة» تغض الطرف

تواصل لليوم الثالث مشهد «الشلل الليلي» في بعض أحياء العاصمة الليبية طرابلس على وقع احتجاجات مناهضة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا مهاجرون غير نظاميين من غانا قبيل ترحيلهم من طرابلس (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

اتهامات بـ«انتهاكات جسيمة» ضد مهاجرين تلاحق ميليشيا ليبية

تلاحق ميليشيا مسلحة في غرب ليبيا اتهامات حقوقية متزايدة بارتكاب «انتهاكات جسيمة» ضد مهاجرين غير شرعيين من جنسيات متعددة تشمل المصرية والسورية والعراقية.

علاء حموده (القاهرة)

الدعوة لمناقشة «مرتبات النواب» تفجر تباين مواقف أعضاء البرلمان الليبي

جلسة مجلس النواب الليبي في بنغازي الثلاثاء (المكتب الإعلامي للمجلس)
جلسة مجلس النواب الليبي في بنغازي الثلاثاء (المكتب الإعلامي للمجلس)
TT

الدعوة لمناقشة «مرتبات النواب» تفجر تباين مواقف أعضاء البرلمان الليبي

جلسة مجلس النواب الليبي في بنغازي الثلاثاء (المكتب الإعلامي للمجلس)
جلسة مجلس النواب الليبي في بنغازي الثلاثاء (المكتب الإعلامي للمجلس)

تباينت المواقف داخل مجلس النواب الليبي، وفي أوساط مواطنين، إثر دعوة أحد النواب إلى تخصيص جلسة لمناقشة «انقطاع رواتب أعضاء المجلس»، إلى جانب مشكلات تتعلق بتجديد جوازات سفرهم.

وأثارت هذه الإحاطة البرلمانية جدلاً واسعاً، وانتقادات حادة وصلت لحد السخرية، خصوصاً في ظل ما يعانيه المواطنون من أزمات معيشية متفاقمة، وعلى رأسها شح السيولة، ونقص الوقود، وارتفاع الأسعار.

وجذبت مداخلة النائب حمد البنداق خلال جلسة البرلمان، المنعقدة الاثنين، اهتماماً واسعا، وتفاعلاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي، حين قال إن النواب «يعانون من أمور عدة، وليسوا مرفهين كما يتصور البعض».

وجاءت هذه التصريحات في توقيت حساس، إذ شهدت الجلسة نفسها نقاشات ساخنة حول أزمة السيولة، وتهريب الوقود، وتراجع قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية، فضلاً عن انتقادات طالت أداء المجلس، وآليات دراسة القوانين، والتصويت عليها، قبل أن تنتهي الجلسة، الثلاثاء، إلى قرار استدعاء محافظ مصرف ليبيا المركزي لمساءلته بشأن أزمة السيولة.

جلسة مجلس النواب الليبي في بنغازي الثلاثاء (المكتب الإعلامي للمجلس)

وبدا الانقسام واضحاً حتى داخل البرلمان نفسه، إذ اعتبر عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، علي التكبالي، أن إثارة مشكلات تتعلق برواتب النواب، أو أوضاعهم الإدارية في الوقت الراهن «أمر غير لائق»، في ظل ما يواجهه المواطنون من ضغوط معيشية خانقة، وجمود سياسي مستمر.

وقال التكبالي لـ«الشرق الأوسط» إن المواطن الليبي هو من يتحمل وحده تبعات الانقسام السياسي والأمني، منتقداً ما وصفه بـ«تجاهل البرلمان للاحتجاجات التي تشهدها العاصمة طرابلس منذ أيام ضد الفساد، وتردي الخدمات»، واعتبر ذلك «فرصة ضائعة لإظهار تفاعل المجلس مع نبض الشارع».

في المقابل، أبدى عضو مجلس النواب، عمار الأبلق، تفهماً لغضب الشارع من تصريحات البنداق، لكنه دعا إلى قراءة المداخلة بقدر من الموضوعية. وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن النائب «ربما لم يوفق في اختيار بعض العبارات التي فُهمت على أنها مطالبة بمزيد من الامتيازات»، موضحاً أن كثيراً من النواب يواجهون بالفعل صعوبات إدارية وروتينية، ولا يتمتعون بالتسهيلات نفسها التي يحصل عليها كبار مسؤولي السلطة التنفيذية، أو قادة التشكيلات المسلحة عند إنجاز معاملاتهم.

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)

وأضاف الأبلق موضحاً أن الهدف من المداخلة لفت الانتباه إلى هذه الإشكاليات ومحاولة معالجتها، نافياً أن يكون المقصود المطالبة بامتيازات إضافية.

ووفقاً لما تداوله بعض النواب، فإن الراتب الشهري لعضو مجلس النواب يبلغ نحو 14 ألف دينار ليبي، من دون احتساب تعويض الانتقال أو التأمين الصحي، وهي امتيازات كانت متاحة في فترات سابقة.

وتشير بيانات رسمية صادرة عن مصرف ليبيا المركزي إلى أن البرلمان حصل خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من 2025 على نحو 74 مليوناً و723 ألف دينار، خُصص أكثر من 61 مليون دينار منها لباب الرواتب، بحسب بيان المصرف الصادر في نوفمبر (تشرين الأول) الماضي.

وفي موازاة الجدل داخل البرلمان، شهدت منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الليبية موجة واسعة من التعليقات، التي تراوحت بين النقد الحاد والسخرية، عكست في مجملها اتساع الفجوة بين معاناة الشارع وأولويات الطبقة السياسية. وكان الإعلامي الليبي خليل الحاسي من أبرز المنتقدين، حيث وصف مداخلة البنداق بـ«الفضيحة»، وسلط الضوء على مطالبته بأن تكون الجلسة «غير منقولة».

كما ذهب المحلل السياسي محمد محفوظ إلى طرح ساخر، دعا فيه إلى إنشاء «مؤسسة خيرية لجمع التبرعات لمساعدة النواب على تجاوز صعوبات الحياة اليومية»، وتنظيم وقفة احتجاجية أمام مصلحة الجوازات «احتجاجاً على سوء معاملة النواب، وصعوبة تجديد جوازاتهم الدبلوماسية».

في حين رأى ناشطون آخرون أن ما جرى يعكس أزمة أعمق في منظومة التمثيل السياسي، تقوم على النظر إلى المنصب بوصفه أداة امتياز لا تكليفاً عاماً.

من جلسة سابقة لأعضاء مجلس النواب الليبي (المجلس)

وهنا يعتقد الأبلق أن موجة الانتقادات التي طالت تصريحات البنداق «تعكس حالة الاحتقان الشعبي الناتجة عن استمرار الانقسام الحكومي والمؤسسي، وما ترتب عليه من تدهور الأوضاع المعيشية، وضعف الخدمات الصحية والتعليمية، وصعوبة استخراج الأوراق الرسمية».

كما أشار إلى اتهامات متكررة يوجهها مواطنون لأعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، تتعلق بعرقلة المسار الانتخابي بسبب الخلاف حول الإطار القانوني للانتخابات، بهدف البقاء في السلطة، والاستفادة من النفوذ والرواتب المرتفعة.

ولفت الأبلق أيضاً إلى الانتقادات التي طالت أداء البرلمان، عقب إقراره قوانين لزيادة رواتب بعض الشرائح، كان آخرها قرار رفع رواتب العسكريين بنسبة 150 في المائة، محذراً من أن «تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، باعتباره المصدر الرئيس للدخل، يجعل أي زيادات غير مدروسة عبئاً إضافياً على خزينة الدولة».

وانتهى الأبلق إلى أن هذه القوانين «غالباً ما تواجه اعتراضات من القوى السياسية والحكومة في غرب البلاد، ما يهدد بعدم تطبيقها، ويضاعف الضغوط على الفئات المستفيدة منها في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مع صعود سعر صرف الدولار».


الجزائر تنفي بشدة اتهامات بـ«الهيمنة» على تونس

من لقاء سابق بين الرئيسين الجزائري والتونسي (الرئاسة الجزائرية)
من لقاء سابق بين الرئيسين الجزائري والتونسي (الرئاسة الجزائرية)
TT

الجزائر تنفي بشدة اتهامات بـ«الهيمنة» على تونس

من لقاء سابق بين الرئيسين الجزائري والتونسي (الرئاسة الجزائرية)
من لقاء سابق بين الرئيسين الجزائري والتونسي (الرئاسة الجزائرية)

أظهر الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، استياء من جدل حاد اندلع منذ أيام بشأن اتفاق أمني - عسكري مع تونس، عدّته المعارضة التونسية والصحافة في فرنسا «مسعى جزائرياً للهيمنة على القرار السياسي والسيادة الوطنية التونسيين».

أكد تبون في خطابه السنوي التقليدي أمام البرلمان، الذي انعقد بغرفتيه في جلسة مشتركة الثلاثاء، وبثه التلفزيون العمومي في ليل اليوم نفسه، أن «الذين يعتقدون أنهم عندما يقطعون صلة تونس بالجزائر فستصبح فريسة سهلة، واهمون... إنهم لا يعرفون التونسيين جيداً»، مندداً بـ«محاولة زعزعة استقرار تونس، والإضرار بالأخوّة والصداقة الجزائرية - التونسية... إنهم يحاولون تقسيمنا وبثّ الفتنة بيننا»، مؤكداً أن أمن الجزائر وتونس «مرتبط بعضه ببعض».

الرئيس عبد المجيد تبون خلال لقائه الرئيس قيس سعيّد في زيارته إلى تونس نهاية 2021 (الرئاسة التونسية)

وشدد تبون على أن الجيش الجزائري «لم يسبق أن دخل إلى التراب التونسي ولن يدخله أبداً... ولم نتدخل يوماً في شؤون تونس الداخلية، والجزائر تحترم القيادة التونسية».

وكان الرئيس الجزائري يتحدث، ضمناً، عن وثيقة تُدوولت على منصات الإعلام الاجتماعي منذ شهر، وقُدمت على أنها «اتفاق عسكري - أمني بين الجزائر وتونس»، وتضمنت أن الجيش الجزائري «بإمكانه التوغّل لمسافة تصل إلى 50 كيلومتراً داخل الأراضي التونسية لملاحقة إرهابيين»، وأيضاً «المشاركة في استعادة الاستقرار للنظام العام في تونس في حال حدوث اضطرابات، من خلال التصدي المحتم لمجموعات الفتنة»، وفُهم ذلك على أنه إشارة إلى احتمال وقوع احتجاجات في الشارع ضد نظام الرئيس قيس سعيّد.

الرئيس الجزائري مع وزيره الأول قبيل الخطاب أمام البرلمان (الرئاسة)

واحتجت المعارضة في تونس على الوثيقة المزعومة، مؤكدة أنها «قد تمنح الجزائر نفوذاً كبيراً على القرار الأمني التونسي»، وأن تونس «بدأت تميل بشكل كامل نحو المحور الجزائري على حساب توازناتها التقليدية». ورأى بعض القراءات أن الأمر يتعلق بـ«محاولة من الجزائر لإنشاء كتلة مغاربية مصغرة، تضم تونس وليبيا، بعيداً عن (اتحاد المغرب العربي) التقليدي»، وذلك في سياق الاجتماعات التي عقدها قادة الدول الثلاث، منذ عام، في شكل «قمة مغاربية مصغرة» نظر مراقبون إليها على أنها «بديل لاتحاد المغرب العربي» المجمد منذ 30 سنة؛ بسبب الخلاف الجزائري - المغربي بشأن الصحراء.

وكتبت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بهذا الخصوص أنه «وفقاً للمادة السادسة من المعاهدة العسكرية، فإنه يمكن للقوات الجزائرية، على سبيل المثال، التوغّل لمسافة تصل إلى 50 كيلومتراً داخل الأراضي التونسية في حال طلبت تونس ذلك، كما يمكنها الوصول إلى المؤسسات». وقد تعهدت تونس، وفق الوثيقة، بتحمل جميع النفقات اللوجيستية، بما في ذلك إيواء الجنود الجزائريين وتعويضاتهم، إضافة إلى منح الجزائر موارد طبيعية مقابل هذا التدخل.

علاوة على ذلك، يُلزم النص تونس الحصول على موافقة مسبقة من الجزائر قبل توقيع أي اتفاق أمني أو عسكري آخر مع دولة أخرى، وفق ما نشرته صحيفة «جورنال دو ديمانش» الفرنسية، التي لفتت إلى أن «وضع تونس يزداد إشكالية بسبب الاتفاق مع الجزائر؛ نظراً إلى ارتباطها بـ(الاتحاد الأوروبي) منذ عام 2023 عبر شراكة استراتيجية، وحصولها على صفة (حليف رئيسي للولايات المتحدة خارج حلف شمال الأطلسي)».

وفي 18 ديسمبر (كانون الأول) 2025، نفى الرئيس التونسي قيس سعيّد محتوى الوثيقة، التي تناولت «اتفاقاً عسكرياً سرياً مع الجزائر»، مؤكداً أنها «مفبركة ولا أساس لها من الصحة».

وزير الدفاع التونسي والوزير المنتدب للدفاع الجزائري خلال توقيع الاتفاق الأمني المشترك في 7 أكتوبر 2025 (وزارة الدفاع الجزائرية)

من جانبه، استنكر وزير الدفاع التونسي، خالد السهيلي، «توظيف الاتفاقيات العسكرية (مع الجزائر) لبث الإشاعات»، موضحاً أنه «كلما تعزز التعاون التونسي - الجزائري، كثرت المغالطات»، وأبرز أيضاً أن الاتفاق العسكري الذي أثير بشأنه الجدل «قديم؛ حيث يعود إلى سنة 2001، وتم تحيينه فقط، كما لا يحمل أي أبعاد سياسية، بل يندرج ضمن خيار استراتيجي يخدم أمن واستقرار البلدين والمنطقة»، في إشارة إلى زيارته الجزائر في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، واجتماعه مع الوزير المنتدب للدفاع رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة.

وأفاد بيان من وزارة الدفاع الجزائرية، يومها، بأن محادثات السهيلي وشنقريحة «تُوّجت بالتوقيع على اتفاق مشترك للتعاون في مجال الدفاع بين وزارتي دفاع الجزائر وتونس»، الذي وصفه بـ«محطة مفصلية في مسار العلاقات الثنائية، وخطوة نوعية نحو تعزيز التعاون العسكري، وتكريس الشراكة الاستراتيجية بين البلدين».

ونقل البيان نفسه عن شنقريحة أن العلاقات الجزائرية - التونسية «تكتسي طابعاً استراتيجياً، أساسه الروابط الجغرافية والتاريخية والحضارية، وما يرافقها من حوار متواصل وتنسيق بنّاء بين قيادتَي البلدين. كما يتقاسم البلدان نفس التطلعات لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وبناء اقتصاديات ناشئة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة».

وزير الدفاع التونسي خلال زيارته الجزائر (وزارة الدفاع الجزائرية)

ووفق قائد الجيش الجزائري، فإن «التحديات الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية، التي تواجه المنطقة، تفرض على البلدين تعزيز العمل المشترك، وفق رؤية متكاملة ومتبصّرة»، مشدداً على «حرص الجزائر على ترقية علاقاتها الثنائية مع تونس، لا سيما في مجالَي الدفاع والأمن، بالنظر إلى ما يتطلبه أمن واستقرار البلدين من أعلى مستويات التنسيق والتشاور».


تونس: تثبيت الحكم بسجن المعارِضة عبير موسي سنتين

عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر (إعلام حزبي)
عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر (إعلام حزبي)
TT

تونس: تثبيت الحكم بسجن المعارِضة عبير موسي سنتين

عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر (إعلام حزبي)
عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر (إعلام حزبي)

أقرت محكمة الاستئناف في تونس حكماً بسجن رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، بالسجن لمدة سنتين، في دعوى قضائية قامت بتحريكها ضدها هيئة الانتخابات، وفق تقرير لـ«وكالة الصحافة الألمانية»، اليوم الأربعاء. وتُلاحَق موسي في هذه القضية بتهمة نشر أخبار غير صحيحة، بعد انتقادات علنية وجّهتها للهيئة، عقب الانتخابات التشريعية عبر تصريحين عامّين أدلت بهما في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، ويناير (كانون الثاني) 2023. ولم تحضر موسي، الموقوفة في السجن، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، جلسة المحاكمة بسبب موانع صحية، وفق ما أفادت به هيئة الدفاع عنها. ومع ذلك أصدرت محكمة الاستئناف حكمها، مساء أمس الثلاثاء. ومن المتوقع أن تطعن هيئة الدفاع، مرة أخرى، في الحكم أمام محكمة التعقيب. وتقول منظمات حقوقية، مِن بينها منظمة العفو الدولية، إن الحكم يقوّض الحق في حرية التعبير؛ لأنه يستند إلى مرسوم مثير للجدل أصدره الرئيس قيس سعيد في 2022 لتنظيم الجرائم المرتبطة بأنظمة الاتصال والمعلومات. وكان المرسوم سبباً في تحريك عدة دعاوى ضد معارضين وصحافيين وعدد كبير من النشطاء، بتُهم مختلفة، مثل نشر أخبار غير صحيحة أو التشويه. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، صدر حكم آخر في دعوى منفصلة ضد موسي بسجنها لمدة 12 عاماً بتُهم «إثارة الهرج والاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة». وترتبط القضية بمحاولتها إيداع تظلُّم ضد أوامر رئاسية بمكتب الضبط، التابع لقصر قرطاج الرئاسي، قبل اعتقالها من قِبل قوات الأمن في الثالث من أكتوبر 2023. وكانت موسي مرشحة الحزب الدستوري الحر للانتخابات الرئاسية لعام 2024، التي فاز بها الرئيس قيس سعيد بولاية ثانية، لكن هيئة الانتخابات أسقطت ملفها بعد إيداعها السجن. وإلى جانب عبير موسي يُلاحَق العشرات من سياسيّي المعارضة في قضية التآمر على أمن الدولة. وكانت قد صدرت ضدهم أحكام مشددة يصل أقصاها إلى السجن لمدة 45 عاماً. لكن المعارضة تقول وتؤكد باستمرار أن التهم «سياسية وملفَّقة».