«هدنة غزة»: مساعٍ إلى «إطار انتقالي» يدفع نحو اتفاق أوسع

ويتكوف ينضم للمحادثات... و«حماس» تتمسك بالذهاب للمرحلة الثانية

فلسطينية تنتحب حزناً على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية جنوب مدينة غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
فلسطينية تنتحب حزناً على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية جنوب مدينة غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: مساعٍ إلى «إطار انتقالي» يدفع نحو اتفاق أوسع

فلسطينية تنتحب حزناً على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية جنوب مدينة غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
فلسطينية تنتحب حزناً على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية جنوب مدينة غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)

يبذل الوسطاء جهوداً مكثفة لتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، كان أحدثها انضمام مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لمحادثات الدوحة، وسط مساعٍ للذهاب لإطار جديد يدفع نحو اتفاق أوسع مستقبلاً، وهو توجُّه لا تزال «حماس» تقف أمامه، مشدَّدة على أهمية التحرك صوب المرحلة الثانية التي تشمل انسحابات إسرائيلية واسعة.

ويتوقع خبراء ومحللون أن تقود تلك المساعي المطروحة على طاولة «محادثات الدوحة» التي تتواصل الأربعاء إلى اتفاق على إطار انتقالي يمدد المرحلة الأولى لنحو 60 يوماً، مقابل إطلاق سراح رهائن وأسرى فلسطينيين.

وأشار الخبراء، الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «حماس» قد تقبل بهذا الإطار تحت ضغوط وحوافز، خاصةً أن وصول ويتكوف لقطر يعني أن هناك جدية في مسار المحادثات بعد أن أجَّل الحضور أكثر من مرة.

ووصل ويتكوف إلى الدوحة، الثلاثاء، مع استئناف المحادثات بهدف تمديد الهدنة الهشة في غزة، ولقاء رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بحسب ما نشرته «تايمز أوف إسرائيل» الأربعاء.

فلسطينية تغسل أطباقاً وبجانبها طفلة في مخيم البريج وسط قطاع غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)

وتحدثت «القناة 12» الإسرائيلية عن ضغوط يمارسها الوسطاء على «حماس» للإفراج عن 10 رهائن مقابل هدنة لمدة 60 يوماً لإثبات جديتها بقبول العرض، وبالتالي إتاحة مزيد من الوقت للتوصل إلى اتفاقات أوسع نطاقاً بشأن وقف إطلاق النار.

من جانبها، ترغب إسرائيل، بحسب ما نقلته «تايمز أوف إسرائيل» عن مسؤول سياسي، أن تتقدم الولايات المتحدة باقتراح لتمديد وقف إطلاق النار لمدة شهرين تقريباً، تفرج «حماس» خلاله عن نحو نصف الرهائن الأحياء مقدماً، وهو ما يتماشى مع الخطة الأصلية.

وترفض «حماس» حتى الآن الاقتراح، الذي عُرف باسم «خطة ويتكوف»، وتصر على التمسك بإطار الهدنة الذي بدأ سريانه في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، والمكون من 3 مراحل انتهت أولاها في الأول من مارس (آذار) دون التوصل إلى اتفاق على المرحلتين اللاحقتين اللتين يمكن أن تضمنا نهاية دائمة للحرب.

غير أن موقع «آي 24 نيوز» الإسرائيلي ذكر، الثلاثاء، أن «نسخة مصغرة لخطة ويتكوف» هي المطروحة بالنقاشات في قطر، مشيراً إلى اهتمام في إسرائيل بالانتقال إلى الاتفاق المقترح، وإلى أن فريق التفاوض في الدوحة «يحاول الترويج لمخطط ويتكوف، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فسوف يوافقون على تمديد المرحلة الأولى مقابل عدة دفعات إضافية».

«هناك جدية»

السفير الفلسطيني الأسبق، بركات الفرا، يعتقد أن انضمام ويتكوف للمحادثات بعد تأجيل زيارته للدوحة أكثر من مرة يعني أن «هناك جدية» وأن هناك تقدماً واحتمالات للذهاب لحلول وسط، مرجحاً أن يكون تمديد الفترة الأولى هو الأقرب حالياً على أن تليه مناقشات لاحقة بشأن اتفاق أكبر.

ويرى رئيس «منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية»، الدكتور سمير غطاس، أن السيناريو الأقرب هو الذهاب لخطة ويتكوف، سواء الأصلية بنصف عدد الرهائن أو المصغرة بإطلاق سراح 10 رهائن. غير أنه قال إن الأمر يتوقف على «حماس»، مشيراً إلى أن الضغوط والحوافز يمكن أن تدفع الحركة نحو قبول التمديد.

فلسطينيون يتجمعون على الشاطئ بالقرب من ملاجئ تضررت في الهجوم الإسرائيلي على مدينة غزة يوم الثلاثاء (رويترز)

بالمقابل، تتمسك «حماس» ببدء المرحلة الثانية؛ وقال المتحدث باسمها، حازم قاسم، إن جولة جديدة من مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة بدأت الأربعاء، مؤكداً أن الحركة تتعامل «بكل مسؤولية وإيجابية» في هذه المفاوضات، ومعبراً عن أمله في أن تسفر هذه الجولة عن «تقدم ملموس» نحو بدء المرحلة الثانية من المفاوضات.

وبالتزامن، بحث رئيس وزراء قطر ووزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأربعاء، بالدوحة «الجهود المبذولة لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والمحتجزين بقطاع غزة».

ويرى الفرا أنه قد يحدث تغيير في موقف «حماس» لتقبل مبدئياً بتمديد المرحلة الأولى، مشيراً إلى أن الحركة في الوقت الحالي ليست بقوتها السابقة، وأن ضغوط الوسطاء وصعوبة الظروف داخل القطاع قد تدفعها للقبول، خاصةً أن العودة للحرب ليست أولوية للجيش الإسرائيلي المنهك حالياً ومع عزوفه عن الدخول في أي معركة كبيرة جديدة.

ويتوقع غطاس أن تحاول «حماس» ربط التمديد بالمرحلة الثانية وإدخال المساعدات، مع إمكانية قبول حلول وسط بين مقترحي ويتكوف، موضحاً أن الحركة لا تتمسك بالمرحلة الثانية حال طرح شيء آخر مقبول، خاصة أنها طرحت في محادثاتها مع واشنطن قبل أيام عقد هدنة طويلة لسنوات.

وفي رأيه، لن يتجه نتنياهو لحرب حالياً، وستستمر حكومته في التلويح فقط بها، خصوصاً أنه يعمل في الفترة الراهنة على تمرير الموازنة حتى لا تسقط الحكومة.


مقالات ذات صلة

مسعفون: مقتل 3 جرَّاء غارة إسرائيلية على غزة

المشرق العربي فلسطينية تبكي أحد ضحايا قصف إسرائيلي استهدف بيت لاهيا شمال قطاع غزة يوم 15 مارس 2025 (أ.ف.ب) play-circle

مسعفون: مقتل 3 جرَّاء غارة إسرائيلية على غزة

قال مسعفون إن غارة جوية إسرائيلية أسفرت عن مقتل 3 فلسطينيين في قطاع غزة، وذلك في وقت لا تظهر فيه أي بوادر على إحراز تقدم في محادثات وقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا فلسطينيون يتناولون إفطاراً جماعياً أمام مسجد مدمر في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«هدنة غزة»: الاتفاق يدخل مرحلة «تبادل الضغوط»

استهدافات إسرائيلية تعود بشكل لافت في قطاع غزة وتحذيرات أميركية لـ«حماس» تتسارع مع بطء في محادثات بشأن مقترح مبعوث واشنطن للشرق الأوسط القاضي بتمديد الاتفاق.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي صبية فلسطينيون يملأون المياه يوم الأحد في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة (أ.ب) play-circle

أين يقف طرفا هدنة غزة ووسطاؤها؟

ما زالت المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و«حماس» تراوح مكانها بين اقتراحات وتحديثات واجتماعات بين القاهرة والدوحة وتل أبيب... فأين تقف الآن؟

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي منازل مدمرة نتيجة الحرب في جنوب قطاع غزة (رويترز) play-circle

قتيلان في قصف مُسيّرة إسرائيلية لمنطقة شرق جحر الديك بوسط غزة

أفادت وكالة إخبارية فلسطينية، السبت، بمقتل شخصين في قصف لطائرة مسيّرة إسرائيلية شرق منطقة جحر الديك وسط قطاع غزة. ولم تذكر الوكالة تفاصيل أخرى.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية أطفال فلسطينيون يحصلون على حصة عائلاتهم من وجبة إفطار في نقطة توزيع طعام بمخيم النصيرات للاجئين وسط غزة (أ.ف.ب)

«هدنة غزة»: تحركات من الوسطاء لـ«تضييق الفجوات»

تحركات تتواصل من الوسطاء نحو حلحلة أزمة تعثر مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«هدنة غزة»: الاتفاق يدخل مرحلة «تبادل الضغوط»

فلسطينيون يتناولون إفطاراً جماعياً أمام مسجد مدمر في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتناولون إفطاراً جماعياً أمام مسجد مدمر في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: الاتفاق يدخل مرحلة «تبادل الضغوط»

فلسطينيون يتناولون إفطاراً جماعياً أمام مسجد مدمر في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتناولون إفطاراً جماعياً أمام مسجد مدمر في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

استهدافات إسرائيلية تعود بشكل لافت في قطاع غزة، وتحذيرات أميركية لحركة «حماس»، تتسارع مع بطء في محادثات بشأن مقترح مبعوث واشنطن للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، القاضي بتمديد اتفاق الهدنة، وسط اشتراط الحركة أن يكون بداية لمفاوضات المرحلة الثانية المعطلة منذ بداية مارس (آذار) الجاري.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» يرون أن الاتفاق المتعثر دخل «مرحلة تبادل ضغوط»، الأولى يقودها ويتكوف ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالعودة للمفاوضات واستئناف الاستهدافات بالقطاع واستمرار منع المساعدات، والثانية تتمسك فيها «حماس» بورقة الرهائن الرابحة، والحرص على عدم فقدها دون اتفاق شامل. وتوقع الخبراء التوصل لتمديد المرحلة الأولى مع تغييرات بشكل المرحلة الثانية كحل وسط خلال 72 ساعة لو هناك إرادة أميركية.

وبعد محطات من المحادثات بين القاهرة والدوحة متواصلة منذ الأسبوع الماضي، أفاد ويتكوف، الأحد، في تصريحات لـ«سي إن إن» الأميركية، بأن الجواب الذي وصل من «حماس» على مقترح «إطلاق سراح 5 أسرى أحياء بينهم مواطن أميركي (...) غير مقبول على الإطلاق»، مشجعاً الحركة أن «تكون أكثر عقلانية مما كانت عليه، خاصة أن هناك فرصة لها؛ لكنها تتلاشى بسرعة».

وسبق أن أعلن ويتكوف في بيان، الخميس، أنه «قدم اقتراحاً لتضييق الفجوات لتمديد وقف إطلاق النار إلى ما بعد رمضان وعيد الفصح اليهودي، الذي ينتهي في 20 أبريل (نيسان) المقبل، وإتاحة الوقت للتفاوض على إطار عمل لوقف إطلاق نار دائم»، لافتاً إلى أن «(حماس) على علم بالموعد النهائي، والولايات المتحدة سترد بمقتضى ذلك إذا انقضى الموعد المحدد»، دون أن يذكره.

دخان تصاعد في وقت سابق خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم نور شمس للاجئين بالضفة الغربية (إ.ب.أ)

وذكرت «حماس» في بيان صحافي، الجمعة، أنها «تسلّمت، الخميس، مقترحاً من الوسطاء لاستئناف المفاوضات، وردت عليه موافقتها على إطلاق سراح الجندي عيدان ألكسندر، الذي يحمل الجنسية الأميركية، إضافة إلى جثامين 4 آخرين من مزدوجي الجنسية مع جاهزيتها التامة لبدء المفاوضات والوصول إلى اتفاق شامل حول قضايا المرحلة الثانية».

وتجاوزاً لورطة مغازلة «حماس» لواشنطن، أعلن مكتب نتنياهو في بيان، مساء السبت، أن الأخير «أوعز إلى فريق التفاوض بالاستعداد لمواصلة المحادثات على أساس رد الوسطاء على اقتراح (المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف) بالإفراج الفوري عن 11 رهينة أحياء ونصف الرهائن القتلى»، مستبعداً بذلك عرض «حماس» الإفراج عن رهينة إسرائيلي - أميركي وإعادة جثث 4 آخرين، ومخالفاً لمقترح ويتكوف.

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، يرى أننا «إزاء مرحلة يتبادل فيها الضغوط باحتراف، خاصة بعد عودة نتنياهو للمفاوضات ليفوت الفرصة على (حماس) التي قبلت بالإفراج عن رهينة أميركية، وتضغط في ظل إدراكها بوجود موجة داخلية عالية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي، سواء باستطلاعات للرأي العام التي تشير إلى أن 70 في المائة يطالبون بخروج الرهائن أو خلافاته مع الأجهزة الأمنية».

في المقابل، ستستمر واشنطن عبر ويتكوف في الضغط على «حماس»، بحسب تقدير أنور، مشيراً إلى أن مبعوث ترمب لا يعلي سقف التطلعات هكذا؛ إلا وهو يدرك أن هناك تقدماً بالمفاوضات، ويريد نسبته لإدارته وضغوطها.

وبحسب المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، فإن نتنياهو يحاول أن يرمي الكرة في ملعب «حماس» ويتهمها بأنها من تعطل تنفيذ الاتفاق ويبرر أي عودة مستقبلية للقتال، متوقعاً أن تستمر ضغوط ويتكوف لأجل إقرار مقترحه، خاصة أن هناك موعداً نهائياً من واشنطن لم يعلن لكن يبدو أنه قريب.

منازل ومبانٍ مدمرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

وسط تبادل الشد والجذب بين أطراف المحادثات، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في بيان، الأحد، وصول 29 قتيلاً و51 مصاباً إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية، «جراء اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي»، فيما توقعت مصادر عسكرية في الجيش الإسرائيلي لصحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، أن تعطي حكومة نتنياهو الإذن باستئناف القتال «على مراحل»، إذا لم يحدث تقدم في مفاوضات استكمال صفقة إطلاق الرهائن.

وبعد انتهاء المرحلة الأولى مطلع الشهر الجاري وتعثر بدء المرحلة الثانية المعنية بانسحابات إسرائيلية كاملة، أوقفت حكومة نتنياهو دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني المدمر، فيما لا تزال «حماس» تحتجز 59 إسرائيلياً، بينهم 24 على قيد الحياة و35 يُعتقد أنهم فارقوا الحياة، بعدما أتاحت أول مرحلة بالاتفاق إعادة 33 رهينة إلى إسرائيل بينهم 8 قتلى، في حين أفرجت إسرائيل عن 1800 معتقل فلسطيني من سجونها، وأفرجت الفصائل الفلسطينية عن 5 رهائن تايلانديين خارج إطار عمليات التبادل هذه.

ويتوقع أنور أن تتوقف عودة الاستهدافات والتلويح بالحرب حال وجود إرادة أميركية للضغط على إسرائيل والذهاب لحلول وسط، مرجحاً تغيير دراماتيكي خلال 72 ساعة نحو إبرام اتفاق، وتغييرات بشكل المرحلة الثانية حال توافرت الإرادة والتفاهمات الجادة.

وبتقديرات مطاوع فإن الضغوط المتصاعدة حالياً ستجبر «حماس» على قبول الاتفاق والتمديد خاصة، والحركة ليست لديها خيارات مع الوضع المتدهور في القطاع ومع الاستهدافات ومنع المساعدات.