ليبيون يتساءلون حول جدوى «شرعنة» الميليشيات المسلحة

مطالب بضرورة مراجعة سياسة الاستعانة بشخصيات غير مؤهلة داخل مؤسسات الدولة

الدبيبة خلال لقاء سابق مع الطرابلسي في حضور وزير شؤون مجلس الوزراء عادل جمعة (الوحدة)
الدبيبة خلال لقاء سابق مع الطرابلسي في حضور وزير شؤون مجلس الوزراء عادل جمعة (الوحدة)
TT

ليبيون يتساءلون حول جدوى «شرعنة» الميليشيات المسلحة

الدبيبة خلال لقاء سابق مع الطرابلسي في حضور وزير شؤون مجلس الوزراء عادل جمعة (الوحدة)
الدبيبة خلال لقاء سابق مع الطرابلسي في حضور وزير شؤون مجلس الوزراء عادل جمعة (الوحدة)

أثار وصف رئيس حكومة الوحدة الوطنية «المؤقتة» في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، لوزير داخليته المكلف، عماد الطرابلسي، بكونه «زعيم ميليشيا سابق»، موجة من التفاعل عبر منصات التواصل الاجتماعي على مدار الأسبوع الماضي، وفتحت الباب عن باقي التشكيلات والموقف الرسمي منها.

ورغم اتفاق آراء مراقبين للشأن الليبي على أن حديث الدبيبة عن الطرابلسي جاء في إطار محاولة التبرير والدفاع عن الأخير، عبر الإشارة لقدومه من خلفية ميليشياوية، تتسم بعدم الانضباط، فإن التساؤلات تجددت حول دعوات الدبيبة لدمج قادة الميليشيات في المؤسستين الأمنية والعسكرية.

من مخلفات اشتباكات ميليشيات مسلحة في طرابلس العام الماضي (أ.ف.ب)

في هذا السياق، يرى الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، أن تصريحات الدبيبة ودفاعه عن الطرابلسي «أثارت تساؤلات حول ضرورة مراجعة سياسة الاستعانة بشخصيات غير مؤهلة داخل مؤسسات الدولة، وذلك لتفادي حدوث الضجة الواسعة، التي فجرتها تصريحات الطرابلسي بخصوص الحجاب»، لافتاً إلى أنها تسببت مؤخراً في «تهديد بعض النساء غير المحجبات».

وأضاف القماطي موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن حديث الدبيبة «أثار تساؤلات حول عدم اقترابه من معضلة وجود الميليشيات في الساحة، أو البدء في معالجتها بتسريحها، وإعادة دمجها على أسس مهنية».

وكان الدبيبة قد صرح خلال حديثه عن الميليشيات بأن حكومته «لا تزال تعمل على معالجة الخلافات والاشتباكات بين المجموعات المسلحة»؛ مبرزاً أن «الضغط لا يزال متواصلاً لتأهيل أبنائنا من حملة السلاح حتى لو أعطيناهم رتباً، مع التأكيد على أن هدفهم هو حماية البلاد ومواجهة الجريمة، وهؤلاء الشباب منهم الآن وزراء»، في إشارة ضمناً إلى الطرابلسي.

وأثارت تصريحات الدبيبة، ودفاعه عن الطرابلسي وغيره من الميليشيات، موجة من الانتقادات لرئيس الحكومة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث وصفه بعضهم بأنه هو مَن عيّن الوزير «الميليشياوي»، فيما تساءل بعضهم الآخر عن كيفية منح رتب عسكرية ومسؤوليات مهمة في الدولة لشخصيات لا يزال يجري تأهيلها.

بهذا الخصوص، يعتقد الناشط السياسي، أحمد التواتي، أن الدبيبة بإلغائه مفعول تصريحات الطرابلسي الجدلية، «يعني استشعاره بوجود خطأ ما بها وبسياسات أخرى للوزير؛ وأنه لا يعتزم التراجع عن سياسة شرعنة الميليشيات وقادتها»، وقال التواتي لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف حديث الدبيبة لم يكتفِ بالتعاطي مع تصريحات الطرابلسي عن الحجاب والأخلاق على أنها حديث عفوي؛ بل تضمن أيضاً مغازلة لقادة باقي الميليشيات بأن الفرصة متاحة أمامهم ليتحولوا بالمثل لوزراء مثل الطرابلسي».

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية»، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، والثانية مكلفة من البرلمان وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب، وتحظى بدعم القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر.

وانتقد التواتي محاولة الدبيبة «التقليل من مخاطر وجود الميليشيات في العاصمة وبقية المدن، الواقعة تحت سيطرة حكومته بالمنطقة الغربية بالحديث عن قلة اشتباكاتها، وخلافاتها مع بعضها بعضاً، وأن مسار تأهيلها لا يزال مستمراً»، وقال إن السنوات الماضية شهدت اشتباكات حادة بين هذه المجموعات المسلحة، سقط خلالها عدد من المدنيين، ما بين قتيل وجريح، أو تمت محاصرة أحيائهم السكنية، مضيفاً أن الدبيية «يحاول تبرير عجز الطرابلسي عن الوفاء بتعهداته المتكررة منذ أشهر بإخراج تلك الميليشيات ومختلف الأجهزة الأمنية من العاصمة».

في سياق ذلك، حرصت عدة أصوات حقوقية وسياسية على تذكير الدبيبة بأن الطرابلسي ليس وحده الزعيم الميليشياوي السابق في حكومته، وأنه يوجد بجواره وكيل وزارة الدفاع العقيد عبد السلام الزوبي، ومدير إدارة الاستخبارات العسكرية التابعة للوزارة ذاتها، العميد محمود حمزة.

ليبيون طالبوا بشرعنة الميليشيات عبر دمجها في المؤسستين العسكرية والأمنية بالمنطقة الغربية (إ.ب.أ)

من جهته، استعرض مدير المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، الشريف عبد الله، مراحل سابقة لشرعنة الميليشيات عبر دمجها في أجهزة الدولة، وخصوصاً المؤسستين العسكرية والأمنية بالمنطقة الغربية. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن حكومة «الوفاق الوطني»، برئاسة فائز السراج السابقة، «هي مَن دشنت هذا المسار؛ وحكومة الدبيبة قطعت بدورها خطوات به»، عادّاً أن هذا القرار «لم يؤدِ لضبط سلوك تلك المجموعات أو خضوعها لأي تعليمات يصدرها أي مسؤول بالدولة، واقتصرت علاقتهم بها على ما منح لهم من شرعية ونفوذ ورواتب شهرية».

ويعتقد عبد الله أن الخطورة «لا تكمن فقط في تولي قيادات هذه الميليشيات مناصب رفيعة بالوزارات، مثل الطرابلسي والزوبي، وإنما في شرعنة كياناتهم المسلحة»، وقال إن «عبد الغني الككلي، وهو قائد ميليشياوي، صار يعرّف اليوم بكونه رئيس (جهاز الاستقرار) التابع للمجلس الرئاسي، وبات يتمتع بنفوذ كبير بالعاصمة وخارجها، بل ويردد أنه وغيره من قادة الأجهزة الأمنية يتم استطلاع رأيهم حيال تعيين المسؤولين».

وشدد عبد الله على أن ظاهرة تعيين قادة الميليشيات في أجهزة الدولة «ليست قاصرة على الغرب الليبي»، مشيراً في هذا السياق إلى أن وكيل وزارة الداخلية بالحكومة المكلفة من البرلمان، فرج أقعيم، كان قبل عام 2015 قائد مجموعة مسلحة، قبل أن تتم شرعنتها من قِبَل القيادة العامة لـ«الجيش الوطني».


مقالات ذات صلة

اختلاف مواقف الليبيين حول دوافع وتوقيت زيارة الدبيبة إلى أنقرة

شمال افريقيا الدبيبة خلال محادثاته مع إردوغان في تركيا (الرئاسة التركية)

اختلاف مواقف الليبيين حول دوافع وتوقيت زيارة الدبيبة إلى أنقرة

أثارت زيارة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، الأخيرة، إلى أنقرة، ولقاؤه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تباينات بشأن دوافعهما وتوقيتهما.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا الدبيبة خلال اجتماعاته على هامش «قمة ليبيا للطاقة والاقتصاد» (حكومة الوحدة)

حقوقيون يطالبون بمحاسبة المتسببين في «تعذيب» محتجزين شرق ليبيا

طالبت مؤسسات حقوقية ليبية المدعي العام للجنائية الدولية، كريم خان، بإصدار مذكرات توقيف ضد مسؤولين عما وصفته بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بحق محتجزين.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي أكد أن استقرار ليبيا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي المصري (الرئاسة المصرية)

مصر تُشدد على ضرورة خروج القوات الأجنبية و«المرتزقة» من ليبيا

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «أهمية التنسيق بين جميع الأطراف الليبية لبلورة خريطة سياسية متكاملة تؤدي إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن»

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي بحضور رئيس جهاز الاستخبارات العامة المصرية، اللواء حسن رشاد (الصفحة الرسمية للمتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية)

السيسي يؤكد على إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية

شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ضرورة منع التدخلات الخارجية وإخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع بن قدارة مع خوري في وقت سابق (مؤسسة النفط)

توتر في مصراتة عقب توقيف محتجين ضد «الوحدة» الليبية

مجلس الأمن الدولي يصوت على قرار السماح للمؤسسة الليبية للاستثمار بإدارة أموالها تحت التجميد.

خالد محمود (القاهرة)

تظاهرة في تونس للمطالبة بإطلاق سراح المعارضة عبير موسي

من المظاهرة التي نظمها أنصار الحزب «الحر الدستوري» في تونس العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي (إ.ب.أ)
من المظاهرة التي نظمها أنصار الحزب «الحر الدستوري» في تونس العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي (إ.ب.أ)
TT

تظاهرة في تونس للمطالبة بإطلاق سراح المعارضة عبير موسي

من المظاهرة التي نظمها أنصار الحزب «الحر الدستوري» في تونس العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي (إ.ب.أ)
من المظاهرة التي نظمها أنصار الحزب «الحر الدستوري» في تونس العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي (إ.ب.أ)

تظاهر مئات من أنصار الحزب «الحر الدستوري» المعارض، اليوم (السبت)، في تونس العاصمة، للمطالبة بإطلاق سراح رئيسة الحزب عبير موسي. وتجمع 500 إلى 1000 متظاهر في وسط العاصمة التونسية، حسب صحافيي «وكالة الصحافة الفرنسية» للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي، ورفع العديد منهم أعلاماً تونسية وصوراً لرئيسة الحزب.

أوقفت موسي، النائبة السابقة البالغة 49 عاماً، في 3 من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أمام القصر الرئاسي في قرطاج، عندما حضرت، وفقاً لحزبها، للاحتجاج على قرار اتخذه الرئيس قيس سعيّد. وتواجه عبير موسي تهماً خطيرة في عدة قضايا، من بينها «الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة». وقد قضت محكمة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بتخفيف حكم قضائي استئنافي في حق المعارضة من السجن سنتين إلى سنة و4 أشهر، في قضية تتعلق بانتقادها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مطلع عام 2023. وأصدرت المحكمة حُكمها على عبير موسي بموجب «المرسوم 54»، الذي أصدره الرئيس قيس سعيّد عام 2022 لمكافحة «الأخبار الكاذبة»، والذي يواجه انتقادات شديدة من المعارضة ونقابة الصحافيين.

وندد المتظاهرون بـ«المرسوم 54»، الذي أدى تفسيره الفضفاض إلى سجن عشرات السياسيين والمحامين والناشطين والصحافيين. وقال ثامر سعد، القيادي في الحزب «الحر الدستوري»، إن اعتقال عبير موسي لانتقادها الهيئة العليا للانتخابات «لا يليق ببلد يدعي الديمقراطية».

من جانبه، أكد كريم كريفة، العضو في لجنة الدفاع عن عبير موسي، أن «السجون التونسية أصبحت تمتلئ بضحايا (المرسوم 54)»، معتبراً أن هذا المرسوم يشكل «عبئاً ثقيلاً على المجتمع التونسي». وتقبع خلف القضبان شخصيات معارضة أخرى، مثل زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وكذلك عصام الشابي، وغازي الشواشي المتهمَين بالتآمر على أمن الدولة، واللذين سبق أن أعلنا نيتهما الترشح للرئاسة قبل أن يتراجعا. وتنتقد المعارضة ومدافعون عن حقوق الإنسان ومنظمات دولية وتونسية الرئيسَ التونسي، الذي فاز بالانتخابات الرئاسية في أكتوبر الماضي بأكثر من 90 في المئة من الأصوات، وتتهمه بـ«التضييق على الحريات».