اقترح محمد تكالة، المتنازع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، تشكيل لجنة مشتركة لبحث عقد انتخابات مبكرة لمكتب رئاسة المجلس، بهدف إنهاء انقسامه.
ويعاني المجلس الاستشاري، الذي يوجد مقره في طرابلس العاصمة، من تعطّل أعماله بعد انقسامه، عقب انتخابات أجريت في أغسطس (آب) الماضي، انتهت بفوز خالد المشري على تكالة بفارق صوت واحد، لكنّ الأخير رفض الاعتراف بهذه النتيجة لاعتبارات قانونية.
وتوالت الأسئلة بعد دعوة تكالة إلى تشكيل لجنة لبحث عقد انتخابات مجلسه، بشأن مدى إمكان أفرقاء «الأعلى للدولة» طي صفحة الانقسام قريباً، والعودة إلى مناقشة عراقيل إجراء الاستحقاقات العامة المؤجلة.
وثمّن سعيد محمد ونيس، رئيس لجنة الأمن القومي بالمجلس، مبادرة تكالة، وقال إن «الاستجابة لمبادرة إعادة انتخابات المجلس، خصوصاً في هذا الظرف الصعب الذي تمر به البلاد، موقف يُعبّر عن قدر عالٍ من الشعور بالمسؤولية».
ورأى ونيس أن «هذا الموقف يمثل رسالة دعم لمجلس النواب»، الذي قال إنه «تُرك وحيداً في الساحة، يواجه صعوبات جسيمة تهدد كيان الدولة، حتى أصبح مشلولاً أمام الاستحقاقات الوطنية».
ودخل المجلس الأعلى للدولة دوامة الانقسام، بعد انتخابات على مكتب رئاسة المجلس، انتهت بفور المشري بـ69 صوتاً، مقابل 68 لتكالة، ووقع خلاف قانوني مردّه تصويت أحد أعضائه، بعد كتابته اسم الأخير في غير المكان المخصص لذلك.
وسارع المشري لممارسة مهامه، رغم اعتراض منافسه تكالة. ومن داخل المجلس أعلن في مقطع مصور مباشرة مهامه بوصفه رئيساً له، داعياً خصمه إلى اللجوء للقضاء. ومنذ ذلك التاريخ جرى اللجوء إلى المحاكم المختلفة لحسم هذا النزاع.
وقال ونيس: «لا يمكننا إنكار تجاوب المشري منذ اليوم الأول مع مبادرة إعادة الانتخابات، التي طرحها (تجمع الأحزاب)»، وفيما شدّد على «ضرورة استثمار هذه الفرصة لاستعادة زمام المبادرة، وإحياء الشرعية الوطنية، بما يعيد للبلاد توازنها ومسارها الصحيح»، أبدى رفضه لما سمّاه «دعوات لتدمير مجلس الدولة».
ومنذ إطلاق تكالة لمبادرته مساء (الاثنين) تباينت آراء أعضاء المجلس بشأنها، فمنهم من قال إن فريق الأخير «رفض التعاون مع اللجنة، التي شكلتها البعثة الأممية من أعضاء المجلس قبل ذلك»، بينما استبشر آخرون خيراً، ومنهم أبو القاسم قزيط الذي قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن هذه «فرصة كبيرة جداً؛ إذا رفعت الحكومة يدها عن المجلس».
ولجأ تكالة والمشري إلى القضاء لحسم الخلاف القانوني على رئاسة المجلس، لكن ظلت الأمور معلقة بينهما، لا سيما بعد انقسام المجلس إلى فريقين يعقدان اجتماعاتهما بمقرين متباعدين. علماً بأن تكالة مقرب من عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة في طرابلس.
وفي إطار السجال القانوني بين المشري وتكالة منذ أشهر، أصدرت المحكمة العليا قراراً في 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، قضى برفض طعن قدمه الأول ضد حكم صادر عن محكمة الاستئناف بجنوب طرابلس لصالح الأخير. ورحب الطرفان المتنازعان بالحكم، إذ أكدت جبهة تكالة أن «القضاء الليبي هو الفيصل في النزاعات، وأحكامه تمثل عنوان الحقيقة، بما يعزز مكانته بوصفه ضمانة لاستقلال العدالة وسيادة القانون».
وقال خليفة الذويب المدغيو، عضو المجلس الأعلى للدولة، إن تكالة اتخذ هذا الموقف الذي عدّه «متأخراً جداً»، نتيجة «ضغوط داخل الكتلة المؤيدة له»، مشيراً إلى أنه «جاء بعد عدة ممارسات من الحكومة لم تعتد فيها بتكالة، ومنها تكليفه رئيساً جديداً لديوان المحاسبة بطريقة غير قانونية ولا دستورية».
وكشف المدغيو في حديث مع «الشرق الأوسط» عن «تحرك مجموعة يقارب عددها 70 من أعضاء المجلس - وهو من بينهم - للتوقيع على مبادرة لإعادة انتخاب مكتب الرئاسة بالمجلس؛ وجميعهم من الطرف المخالف لتكالة»، كما لفت إلى «وجود مساعٍ راهناً داخل المجلس من فريقي المشري وتكالة لإعداد مبادرة ثانية تنهي انقسامه».
وانتهى المدغيو إلى أنه «نتيجة لكل ذلك وجد تكالة نفسه مجبراً على إعلان هذه المبادرة».
وكان تكالة قد قال في كلمة مقتضبة نشرتها صفحة المجلس الأعلى للدولة على «فيسبوك» مساء الاثنين، إن هذه الانتخابات، التي يدعو إليها، من شأنها إفراز مكتب رئاسة متوافق عليه من جميع أعضاء المجلس كي يضطلع بعمله، الذي أناطه به الاتفاق السياسي».
ويأتي الدور المنوط بالمجلس الأعلى للدولة ضمن اختصاصاته التي نص عليها الاتفاق السياسي الليبي، الموقع بمنتجع الصخيرات المغربي نهاية 2015، وكذلك الاتفاق السياسي بجنيف عام 2021.
وسعت البعثة الأممية وأطراف دولية عدة إلى التوفيق بين المشري وتكالة، لكن دون استجابة، وفي إشارة إلى جميع الأجسام المنقسمة في ليبيا قالت المبعوثة الأممية هانا تيتيه إن «جميعها تجاوزت ولاياتها المتعلقة بالشرعية».
وسبق أن تقدم «التجمع الوطني للأحزاب الليبية» بمبادرة تهدف إلى حل أزمة رئاسة المجلس الأعلى للدولة، وقال «التجمع» حين ذلك إن المشري «تجاوب بشكل إيجابي» معها، لكن تكالة لم يستجب لها».