مصر تؤكد أن أمنها المائي «قضية وجودية» تزامناً مع نزاع السد الإثيوبي

القاهرة شددت على رفض «الإجراءات الأحادية» في التعامل مع الأنهار الدولية

الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني خلال استقبال وزير الخارجية والهجرة المصري (الخارجية المصرية)
الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني خلال استقبال وزير الخارجية والهجرة المصري (الخارجية المصرية)
TT

مصر تؤكد أن أمنها المائي «قضية وجودية» تزامناً مع نزاع السد الإثيوبي

الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني خلال استقبال وزير الخارجية والهجرة المصري (الخارجية المصرية)
الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني خلال استقبال وزير الخارجية والهجرة المصري (الخارجية المصرية)

تزامناً مع استمرار النزاع في قضية «سد النهضة» الإثيوبي، شددت مصر على أن أمنها المائي «قضية وجودية»، وجددت تأكيدها على «رفض الإجراءات الأحادية في التعامل مع الأنهار الدولية». كما دعت القاهرة إلى «ضرورة أن يكون التعاون في ملف المياه على أساس القانون الدولي».

التأكيدات المصرية جاءت على هامش زيارة وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، لأوغندا، حيث بحث مع الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، وعدد من المسؤولين «التعاون المائي مع دول حوض النيل». كما أنها جاءت غداة إعلان رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد «اكتمال ملء (سد النهضة)».

ووفق خبراء فإن «الرفض المصري لأي تصرفات أحادية بنهر النيل، يأتي حفاظاً على مصالحها المائية». وأشاروا إلى أن «إعلان أديس أبابا انتهاء ملء السد الإثيوبي دون أضرار لمصر، لا يعني القبول بسياسة الأمر الواقع».

وأقامت إثيوبيا «سد النهضة» على رافد نهر النيل الرئيسي، ويواجه المشروع باعتراضات من دولتي المصب مصر والسودان، للمطالبة باتفاق قانوني ينظم عمليات ملء وتشغيل السد، بما لا يضر بحصتيهما المائية.

وأكد وزير الخارجية والهجرة المصري، الجمعة، «رغبة بلاده في تعزيز التكامل الإقليمي والتعاون مع دول حوض النيل»، وشدد خلال لقائه الرئيس الأوغندي في مدينة عنتيبي على «ضرورة الابتعاد عن الإجراءات الأحادية المخالفة لقواعد القانون الدولي»، حسب إفادة «الخارجية والهجرة المصرية».

وسلم عبد العاطي، خلال زيارته لأوغندا التي بدأها، الخميس، رسالة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى نظيره الأوغندي، تؤكد على «أهمية الارتقاء بعلاقات البلدين»، مشيرة إلى «آلية الاستثمار الجديدة للمشروعات في دول حوض النيل، التي أعلنت عنها مصر أخيراً لتمويل مشروعات البنية التحتية ومنها المشروعات المائية بدول النيل الجنوبي».

وتضم دول حوض النيل الجنوبي، «بوروندي، والكونغو، وكينيا، ورواندا، وجنوب السودان، وتنزانيا، وأوغندا»، وتعد من دول «المنابع» للنهر، وتشكل مع دول النيل الشرقي «إثيوبيا والسودان ومصر وإريتريا» إقليم حوض نهر النيل.

وزير الخارجية والهجرة المصري خلال لقاء مع رجال أعمال أوغنديين (الخارجية المصرية)

وشدد وزير الخارجية والهجرة المصري خلال لقاء مع نظيره الأوغندي، هنرى أوكيلو أورييم، على أن «مسألة الأمن المائي تعد قضية وجودية بالنسبة لمصر»، مؤكداً «ضرورة أن يكون التعاون على أساس القانون الدولي خاصة مبدأ التوافق وعدم إحداث ضرر والإخطار المسبق». وناقش الوزيران «سبل تعزيز التعاون الثنائي، في إدارة وتنمية الموارد المائية، ودراسة مشروعات مشتركة تعم بالفائدة والمنفعة على جميع دول حوض النيل الجنوبي».

وتزامنت زيارة عبد العاطي لأوغندا مع تصريحات لرئيس الوزراء الإثيوبي، الخميس، أكد فيها أن «بلاده ستعزز تدفقات مياه النيل إلى مصر والسودان، حال حدوث شُحّ في إمدادات المياه من جراء (سد النهضة)»، وقال إن «عملية بناء (السد) اكتملت بنسبة 100 في المائة»، عادّاً «اكتمال بناء (السد) لن يسبب أي ضرر لمصر والسودان».

وتعاني مصر عجزاً مائياً يبلغ 55 في المائة، وتعتمد على مورد مائي واحد هو نهر النيل بنسبة 98 في المائة، بواقع 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وتقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي، بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً، حسب بيانات الري المصرية.

وبحسب الأمين العام المساعد الأسبق لـ«منظمة الوحدة الأفريقية»، السفير أحمد حجاج، فإن «القاهرة لا تمانع من إقامة مشروعات تنموية في دول حوض النيل، لكن تطالب بالتنسيق والتشاور، بما لا يؤثر على حصتها المائية، وبما لا يضر بمصالح دول المصب على غرار ما يحدث في مشروع السد الإثيوبي».

ودلل حجاج على ذلك بالدعم المصري لمشروعات تنموية في دول حوض النيل الجنوبي، مشيراً إلى «قيام الشركات المصرية بتنفيذ سد (جوليوس نيريري) التنزاني، ومشروعات تطهير السواحل المائية الأوغندية من الحشائش»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة أقامت صندوقاً خاصاً لدعم إقامة مشروعات تنموية بحوض النيل».

جانب من إنشاءات «سد النهضة» (أ.ف.ب)

وكان وزير الخارجية والهجرة المصري، قد أكد في مقابلة تلفزيونية، منتصف الشهر الماضي، أن «بلاده تقدم مبادرات قوية لدول حوض النيل الجنوبي، للتأكيد على أنها تدعم التنمية، والمشروعات المائية لدول النيل، بما في ذلك إقامة السدود، طالما أنها توافقية، ولا تسبب الضرر لدولتي المصب مصر والسودان»، وأشار إلى أن «بلاده ليست لديها أي مشكلة مع أي من دول حوض النيل، باستثناء دولة واحدة هي إثيوبيا، التي ترفض التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم، يضمن تشغيل وملء (سد النهضة)».

ووفق خبير المياه الدولي، ضياء القوصي: «لا يعني انتهاء ملء (سد النهضة) دون حدوث ضرر على مصر والسودان، القبول بالتصرفات (الأحادية)». وشكك القوصي في إعلان إثيوبيا «اكتمال مشروع السد»، بقوله لـ«الشرق الأوسط» إن «عملية إنشاء (سد النهضة) لم تنته بدليل عدم اكتمال تشغيل توربينات توليد الكهرباء»، مشدداً على ضرورة «استمرار تصعيد مصر لدى مجلس الأمن الدولي حتى الوصول لاتفاق قانوني، ينظم عملية إدارة وتشغيل (السد)، ويحدد لجنة لفض المنازعات حال وجود خلاف».

آخر جولة مفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن نزاع السد العام الماضي (وزارة الري المصرية)

وعدّت «الخارجية والهجرة المصرية» في خطاب قدمته لمجلس الأمن نهاية أغسطس (آب) الماضي، «السد الإثيوبي يمثل خطراً وجودياً على مصر»، وأشارت إلى «انتهاء مسارات المفاوضات بشأن (السد) بعد 13 عاماً من التفاوض»، وأرجعت ذلك إلى أن «أديس أبابا ترغب فقط في استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور بغرض تكريس الأمر الواقع، دون وجود إرادة سياسية لديها للتوصل لحل».

في سياق ذلك، عدّ خبير المياه الدولي آليات التحرك المصري لتعزيز التعاون مع دول حوض نهر النيل الجنوبي «خطوة كان يجب أن تتم منذ فترة بعيدة»، وقال إن «مصر تقيم العديد من المشروعات التنموية والمائية في دول حوض النيل، ومن بينها أوغندا، بغرض الحفاظ على مصالحها المائية»، عادّاً أن «مسارات التعاون والتكامل المصرية مع دول حوض النيل، يجب أن تحقق أهدافاً استراتيجية لمصر مثل انسحاب تلك الدول من اتفاقية (عنتيبي)»، مطالباً بضرورة «تنفيذ مبدأ المصالح والمنافع المتبادلة، وليس الدعم في اتجاه واحد».

واتفاقية «عنتيبي» هي الاتفاق الإطاري، الذي قدمته إثيوبيا في عام 2010 لدول حوض النيل للموافقة عليها، وتُنهي الاتفاقية الحصص التاريخية لمصر والسودان المقررة في اتفاقيات المياه مع دول حوض النيل (55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان)، وأعلنت أديس أبابا دخولها حيز التنفيذ، أخيراً، بعد تصديق ست دول عليها هي (إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وجنوب السودان)، وسط رفض مصري وسوداني.


مقالات ذات صلة

«التوقيت الشتوي» يُربك مصريين مع بداية تطبيقه

شمال افريقيا العاصمة المصرية القاهرة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)

«التوقيت الشتوي» يُربك مصريين مع بداية تطبيقه

مع الساعات الأولى، الجمعة، أحدث «التوقيت الشتوي» ارتباكاً لدى أسر مصرية خصوصاً ما يتعلق بساعات النوم.

محمد عجم (القاهرة )
العالم العربي جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)

مصر تنفي استقبال سفينة ألمانية تحمل مواد عسكرية لصالح إسرائيل

نفى الجيش المصري، اليوم الخميس، «بشكل قاطع» مساعدة إسرائيل في عملياتها العسكرية «جملة وتفصيلاً». وأكد على أنه لا يوجد أي شكل من التعاون مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق شرم الشيخ شهدت زلزالاً بلغت قوته 4.25 درجة على مقياس ريختر (عبد الفتاح فرج)

ما أسباب تكرار الهزات الأرضية في شمال البحر الأحمر؟

سجّلت محطات شبكة الزلازل القومية، هزة أرضية على بُعد 12 كيلومتراً من مدينة شرم الشيخ، عند الساعة 7:34 صباحاً بتوقيت القاهرة، مما أثار انتباه السكان في المنطقة.

محمد السيد علي (القاهرة)
شمال افريقيا العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

الحكومة المصرية تشكو «حرب إشاعات»... و«الإخوان» متهم رئيسي

نفت الحكومة المصرية، الخميس، بيع بحيرة «البردويل»، مؤكدة أنها تتعرض لـ«حرب إشاعات».

عصام فضل (القاهرة)
يوميات الشرق رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر كرم جبر (الهيئة الوطنية للإعلام)

إغلاق قناة وإيقاف برنامجين في مصر بسبب «مخالفات مهنية»

هذه القرارات تطبيق فعلي للمعايير المهنية التي ينبغي التزام جميع القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية ومنصات ومواقع التواصل الاجتماعي الجماهيرية بها...

محمد الكفراوي (القاهرة )

الجزائر: عفو رئاسي عن 4 آلاف سجين في «سبعينية الثورة»

صورة لنشطاء بالحراك بعضهم غادر السجن في «سبعينية الثورة» (متداولة)
صورة لنشطاء بالحراك بعضهم غادر السجن في «سبعينية الثورة» (متداولة)
TT

الجزائر: عفو رئاسي عن 4 آلاف سجين في «سبعينية الثورة»

صورة لنشطاء بالحراك بعضهم غادر السجن في «سبعينية الثورة» (متداولة)
صورة لنشطاء بالحراك بعضهم غادر السجن في «سبعينية الثورة» (متداولة)

غادر سجون الجزائر، ليل الخميس، أكثر من 4 آلاف شخص، يوجد من بينهم الصحافي الشهير إحسان القاضي، المعروف بحدة كتاباته ضد الحكومة، وعدد كبير من نشطاء الحراك الشعبي الذي أجبر قبل أكثر من ست سنوات، الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة على التنحي.

الصحافي إحسان القاضي لحظة خروجه من السجن ومعه زوجته وابنته (متداولة)

وجاء الإفراج عن المساجين بناء على مرسومَين رئاسيين، صدرا أمس الخميس، بمناسبة الاحتفالات بمرور 70 سنة على «ثورة التحرير» (01 نوفمبر/تشرين الثاني 1954)، أحدهما يخص المحكوم عليهم نهائياً في قضايا القانون العام، والآخر يتعلّق بالقضايا «المخلة بالنظام العام»، وفق ما ذكره بيان للرئاسة.

وتداول صحافيون وناشطون سياسيون، عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، صور الصحافي الستيني، القاضي، وهو يغادر سجنه بالعاصمة، في حدود منتصف الليل، حيث كان في استقباله زوجته وابنته، والكثير من العاملين في مؤسسته الإعلامية التي حُظرت، بعد اعتقاله وسجنه عام 2022.

الصحافي الجزائري السجين إحسان القاضي (مراسلون بلا حدود)

كما جرى تداول صور نشطاء بارزين وهم يغادرون السجون، بعد أن قضوا فيها شهوراً طويلة، بسبب مواقفهم المعارضة للحكومة، بعضهم تابعهم القضاء على أساس منشورات في «فيسبوك»، عُدّت «مسّاً بأمن البلاد واستقرارها». ومن أشهر الذين استعادوا حريتهم: محمد تاجديت، الذي عُرف بـ«شاعر الحراك»، وعثمان محمد، وعمر فرحات، وسفيان غيروس، وسمير خنتوش، والعلوي محمد، بالإضافة إلى سعدي أحمد، وسفيان ربيعي، ورابح محروش، وعيدوني ماسينيسا.

وقال نائب رئيس «الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان»، سعيد صالحي، تعليقاً على هذا التطور اللافت في ملف معتقلي الحراك: «نتمنى إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي، فالجزائر بحاجة إلى رصّ الصف داخلياً، وإلى استعادة الطمأنينة».

نائب رئيس «الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان» طالب بإطلاق سراح جميع معتقلي الحراك (أ.ف.ب)

ولا يُعرف بالتحديد عدد نشطاء الحراك الذين غادروا السجون، في حين يفوق الذين أدانتهم المحاكم بسبب مواقفهم السياسية الـ200 حسب محامين، علماً بأن مراسيم العفو الرئاسية تستثني المساجين الذين أودعوا طعوناً في الأحكام. كما يُشار إلى أن السلطات ترفض إطلاق صفة «سجين رأي»، أو «سجين سياسي» على الناشط الذي انخرط في الحراك لمعارضتها، لأنه في نظرها «مصدر لإثارة الفوضى، وجالب للتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد»، بحكم تركيز المنظمات الحقوقية الدولية على هذه القضايا.

واعتقل الأمن القاضي في 24 من ديسمبر (كانون الأول) 2022 بمنزله في شرق العاصمة، وأودعه قاضي التحقيق الحبس الاحتياطي في 29 من الشهر نفسه، بناء على تهمة «تلقي مبالغ مالية، وامتيازات من أشخاص ومنظمات في البلاد وخارجها، من أجل الانخراط في أنشطة، من شأنها تقويض أمن الدولة واستقرارها». وجاء ذلك في إطار تحقيق حول تمويل شركته الإعلامية، التي كانت تنشر مقالات، وتبث برامج على النت، شديدة الانتقاد لأعمال السلطة. وتضم الشركة صحيفة إلكترونية وإذاعة، أغلقتهما السلطات وشمّعت مقرهما، بعد أيام قليلة من اعتقال مديرها.

وأدانت المحكمة الابتدائية الصحافي بالسجن خمس سنوات، منها ثلاث سنوات موقوفة التنفيذ. ثم رفعت محكمة الاستئناف الحكم في 18 يونيو (حزيران) 2023 إلى السجن بسبع سنوات، منها خمس سنوات من دون تنفيذ. وثبتت «المحكمة العليا» الأحكام في وقت لاحق.

وفي أثناء المرافعات، أكد محامو الصحافي أن تهمة «تلقي أموال من الخارج لا تعدو مبلغاً قيمته 27 ألف جنيه إسترليني، حوّلته ابنته من بريطانيا حيث تقيم إلى حسابه البنكي، لحل مشكلات مالية واجهت المؤسسة الإعلامية، التي كانت تشغّل عدداً محدوداً من الصحافيين والفنيين».

الرئيس تبون وصف الصحافي القاضي بـ«الخبارجي» الذي «يتنقل بين سفارات غربية بالجزائر لإمدادها بالأخبار» (أ.ف.ب)

وصرّح الصحافي أمام القاضي بأن تعاطيه مع الشأن العام في إطار مهنته هو ما تسبّب في سجنه، واحتج بشدة على الرئيس عبد المجيد تبون، لما وصفه في حوار تلفزيوني بـ«الخبارجي»، وكان يقصد أنه «يتنقل بين سفارات غربية (في الجزائر) لإمدادها بالأخبار»، وهي «تهمة» مشحونة بالسلبية محلياً.