جدل في السودان حول استخدام الاغتصاب «أداة في الحرب»

«الوصمة» تشوش على الأرقام الحقيقية لحالات الانتهاكات

النساء يخشين الانتهاكات ضدهن في الحروب (رويترز)
النساء يخشين الانتهاكات ضدهن في الحروب (رويترز)
TT

جدل في السودان حول استخدام الاغتصاب «أداة في الحرب»

النساء يخشين الانتهاكات ضدهن في الحروب (رويترز)
النساء يخشين الانتهاكات ضدهن في الحروب (رويترز)

يدور في السودان جدل حول الاتهامات باستخدام الاغتصاب «أداة في الحرب»، حيث توجه أصابع الاتهام إلى «قوات الدعم السريع» التي تنفي، وتعدّها اتهامات «كيدية لتشويه سمعتها». ونددت هيئة حكومية سودانية معنية بمكافحة العنف ضد المرأة وهيئات طوعية أخرى، بالانتهاكات الجنسية التي تُتهم «قوات الدعم السريع» بارتكابها، وأشارت إلى ازدياد حالات العنف الجنسي ضد النساء بعد المعارك التي دارت في شرق ولاية الجزيرة بوسط البلاد. وتحدثت هذه الهيئات عن تعرض المئات من النساء والفتيات للاغتصاب، بجانب انتهاكات أخرى وعنف موجه ضد النساء.

وبينما تضاربت الأرقام الرسمية مع أرقام منظمات المجتمع المدني النسوية الطوعية حول عدد وحجم هذه الانتهاكات، نفت «قوات الدعم السريع» الاتهامات، وعدّتها «كيدية ودعاية مضادة لتلطيخ سمعتها».

وقالت مديرة «وحدة العنف ضد المرأة والطفل» سليمى إسحاق، لـ«الشرق الأوسط»، إن ما تشهده ولاية الجزيرة من عنف يمكن وصفه بأنه «حملات انتقامية ضد النساء مارسته (قوات الدعم السريع) خلال الأيام الماضية». وأضافت: «عدم توفر الخدمات الصحية يجعل من الصعب جداً تحديد أرقام دقيقة لحالات الاغتصاب والعنف في ولاية الجزيرة، بجانب تستر المجتمعات على حالات الاغتصاب».

309 حالات اغتصاب

النزاع الدائر بالسودان تسبب في نزوح نحو 8.5 مليون شخص (أ.ف.ب)

وأوضحت سليمى إسحاق أن عدد حالات الاغتصاب الموثقة منذ بداية الحرب بلغ 309 حالات، «هذا الرقم يمثل قمة جبل الجليد فقط، ونأمل في وقف الحرب اليوم قبل الغد». ونددت المسؤولة الحكومية بعدم التصديق والاستخفاف بأرقام الاغتصابات، وأضافت: «كما أن محاولات تجريم الضحية وإيجاد الأعذار للمغتصب تسهم في انتشار ظاهرة الاغتصاب بالسودان». وقالت سليمى إسحاق إن الاغتصاب أصبح أداة حربية في ظل الإفلات من العقاب، ومعظم الانتهاكات ضد النساء في مناطق الحروب يتم داخل المنازل. وقال: «أشعر بالذنب لأني في مناطق أكثر أمناً، بينما تتعرض الكثيرات للاغتصاب في مناطق النزاعات».

من جهتها، نفت «قوات الدعم السريع» أنها تعتدي على النساء، ووصفت الاتهامات الموجهة لها بأنها «كيدية ودعاية مضادة». وقال مستشار قائد «قوات الدعم السريع» إبراهيم مخير، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الاغتصاب جريمة بشعة منافية للدين والأعراف والإنسانية، وإن (قوات الدعم السريع) لا علاقة لها بهذه الجرائم. وأي عنف ضد امرأة أو طفل أو شيخ مدان من جانبنا تماماً».

واتهم مخير «وحدة مكافحة العنف ضد المرأة» بأنها تستخدم الدعاية المضادة «لتلطيخ سمعة (الدعم السريع)، وحرف الأنظار عن أدائها الباهر في الميدان وانتصاراتها المتسارعة في الساحة الدولية». وأبدى مخير الاستعداد لأي تحقيقات محايدة محلية أو دولية، قائلاً: «نحن منفتحون قلباً وعقلاً على أي تحقيق محايد، محلي أو دولي، يعمل على كشف أي قصور في عمل قواتنا أو ممارساتها، ليس بغرض الدفاع عن أنفسنا فقط، بل للعمل على تلافي مثل هذا الأمر إذا وجد. وكنا قد أعلنا استعدادنا لقبول دخول لجان تحقيق دولية للسودان أكثر من مرة في السابق».

وحدة قانونية

أرشيفية لدورية لـ«قوات الدعم السريع» في إحدى المناطق القتالية بالسودان (رويترز)

وأشار مخير إلى وجود «وحدة قانونية وشرطة عسكرية في (قوات الدعم السريع)، بجانب وحدة خاصة لمجابهة الأعمال المنافية للأخلاق والانتهاكات، ووحدة أخرى لحماية المدنيين. وجميعها يعمل بكفاءة ويستجيب لأي شكوى أو نداء من المواطنين».

بدورها، عززت شبكة المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي المعروفة اختصاراً بـ«صيحة»، ما ذهبت إليه مسؤولة «وحدة مكافحة العنف ضد النساء»، بيد أنها قدمت إحصاءات وأرقاماً أكبر للانتهاكات. وقالت عضوة الشبكة نعمات أبو بكر، إن عدد حالات الاغتصاب التي تم توثيقها في السودان بلغ 350 حالة منذ بداية الحرب. وأضافت لـ«الشرق الأوسط»، أن أكثر من 70 في المائة من حالات الاغتصاب يعد اغتصاباً جماعياً. وأشارت نعمات إلى وجود حالات حمل نتيجة الاغتصابات، وثقتها «وحدة مكافحة العنف ضد المرأة» ومكتب الأمم المتحدة للسكان.

وبجانب الانتهاكات الجنسية، قالت نعمات إن منظمتها وثقت 134 حالة اختفاء، مشيرة إلى أن الأسر لا تبلغ عن الاختفاء بسبب الخوف من الوصمة الاجتماعية، وتزعم أن البنات قد قتلن. وأضافت أن مناطق الجنينة في ولاية غرب دارفور وولايتي الخرطوم والجزيرة، بالإضافة إلى جنوب ولاية سنار وشمال كردفان، قد شهدت النسبة الكبرى من الانتهاكات، مشيرة إلى أن المعلومات غير مكتملة حتى الآن، بسبب انقطاع الاتصالات والخوف من الانتقام.


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يعلن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

العالم العربي أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر إكس)

الجيش السوداني يعلن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم السبت «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

تشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
TT

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)

تسعى الحكومة المصرية للحد من «فوضى» الاعتداءات على الطواقم الطبية بالمستشفيات، عبر إقرار قانون «تنظيم المسؤولية الطبية وحماية المريض»، الذي وافق عليه مجلس الوزراء أخيراً، وسوف يحيله لمجلس النواب (البرلمان) للموافقة عليه.

وأوضح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة المصري، خالد عبد الغفار، أن مشروع القانون يهدف إلى «تحسين بيئة العمل الخاصة بالأطباء والفريق الصحي، ويرتكز على ضمان توفير حق المواطن في تلقي الخدمات الطبية المختلفة بالمنشآت الصحية، وتوحيد الإطار الحاكم للمسؤولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مزاولو المهن الطبية، بما يضمن عملهم في بيئة عمل جاذبة ومستقرة»، وفق إفادة وزارة «الصحة» المصرية، الجمعة.

وأشار الوزير المصري إلى تضمن القانون «توحيد الإطار الحاكم للمسؤولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مزاولو المهن الطبية، بما يكفل الوضوح في هذا الشأن ويراعي صعوبات العمل في المجال الطبي»، مع الحرص على «منع الاعتداء على مقدمي الخدمة الصحية، وتقرير العقوبات اللازمة في حال التعدي اللفظي أو الجسدي أو إهانة مقدمي الخدمات الطبية، أو إتلاف المنشآت، وتشديد العقوبة حال استعمال أي أسلحة أو عصي أو آلات أو أدوات أخرى».

جانب من العمل داخل أحد المستشفيات (وزارة الصحة المصرية)

وحسب عضوة «لجنة الصحة» بمجلس النواب، النائبة إيرين سعيد، فإن «هذه الخطوة تأخرت كثيراً»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن مشروع القانون كان يفترض جاهزيته منذ عامين في ظل مناقشات مستفيضة جرت بشأنه، لافتة إلى أن القانون سيكون على رأس أولويات «لجنة الصحة» فور وصوله البرلمان من الحكومة تمهيداً للانتهاء منه خلال دور الانعقاد الحالي.

لكن وكيل نقابة الأطباء المصرية، جمال عميرة، قال لـ«الشرق الأوسط» إن مشروع القانون «لا يوفر الحماية المطلوبة للأطباء في مقابل مضاعفة العقوبات عليهم حال الاشتباه بارتكابهم أخطاء»، مشيراً إلى أن المطلوب قانون يوفر «بيئة عمل غير ضاغطة على الطواقم الطبية».

وأضاف أن الطبيب حال تعرض المريض لأي مضاعفات عند وصوله إلى المستشفى تتسبب في وفاته، يحول الطبيب إلى قسم الشرطة ويواجه اتهامات بـ«ارتكاب جنحة وتقصير بعمله»، على الرغم من احتمالية عدم ارتكابه أي خطأ طبي، لافتاً إلى أن النقابة تنتظر النسخة الأخيرة من مشروع القانون لإصدار ملاحظات متكاملة بشأنه.

وشهدت مصر في الشهور الماضية تعرض عدد من الأطباء لاعتداءات خلال عملهم بالمستشفيات من أقارب المرضى، من بينها واقعة تعدي الفنان محمد فؤاد على طبيب مستشفى «جامعة عين شمس»، خلال مرافقته شقيقه الذي أصيب بأزمة قلبية الصيف الماضي، والاعتداء على طبيب بمستشفى «الشيخ زايد» في القاهرة من أقارب مريض نهاية الشهر الماضي، وهي الوقائع التي يجري التحقيق فيها قضائياً.

وقائع الاعتداء على الطواقم الطبية بالمستشفيات المصرية تكررت خلال الفترة الأخيرة (وزارة الصحة المصرية)

وينص مشروع القانون الجديد، وفق مقترح الحكومة، على تشكيل «لجنة عليا» تتبع رئيس مجلس الوزراء، وتعد «جهة الخبرة الاستشارية المتعلقة بالأخطاء الطبية، والمعنية بالنظر في الشكاوى، وإصدار الأدلة الإرشادية للتوعية بحقوق متلقي الخدمة بالتنسيق مع النقابات والجهات المعنية»، حسب بيان «الصحة».

وتعوّل إيرين سعيد على «اللجنة العليا الجديدة» باعتبارها ستكون أداة الفصل بين مقدم الخدمة سواء كان طبيباً أو صيدلياً أو من التمريض، ومتلقي الخدمة المتمثل في المواطن، لافتةً إلى أن تشكيل اللجنة من أطباء وقانونيين «سيُنهي غياب التعامل مع الوقائع وفق القوانين الحالية، ومحاسبة الأطباء وفق قانون (العقوبات)».

وأضافت أن مشروع القانون الجديد سيجعل هناك تعريفاً للمريض بطبيعة الإجراءات الطبية التي ستُتخذ معه وتداعياتها المحتملة عليه، مع منحه حرية القبول أو الرفض للإجراءات التي سيبلغه بها الأطباء، وهو «أمر لم يكن موجوداً من قبل بشكل إلزامي في المستشفيات المختلفة».

وهنا يشير وكيل نقابة الأطباء إلى ضرورة وجود ممثلين لمختلف التخصصات الطبية في «اللجنة العليا» وليس فقط الأطباء الشرعيين، مؤكداً تفهم أعضاء لجنة «الصحة» بالبرلمان لما تريده النقابة، وتوافقهم حول التفاصيل التي تستهدف حلاً جذرياً للمشكلات القائمة في الوقت الحالي.