قصة نفي 5 آلاف ليبي إلى جنوب إيطاليا

البلاد تحيي ذكرى إبعادهم قبل 113 سنة

رئيس «المجلس الرئاسي» محمد المنفي خلال اجتماع سابق في طرابلس مع رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني (المجلس الرئاسي)
رئيس «المجلس الرئاسي» محمد المنفي خلال اجتماع سابق في طرابلس مع رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني (المجلس الرئاسي)
TT

قصة نفي 5 آلاف ليبي إلى جنوب إيطاليا

رئيس «المجلس الرئاسي» محمد المنفي خلال اجتماع سابق في طرابلس مع رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني (المجلس الرئاسي)
رئيس «المجلس الرئاسي» محمد المنفي خلال اجتماع سابق في طرابلس مع رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني (المجلس الرئاسي)

رغم مرور الزمن وتوالي الأحداث السياسية، فإن الليبيين لم ينسوا بعد عمليات نفي قرابة 5 آلاف منهم إلى جزر إيطالية مهجورة قبل 113 عاماً من الآن.

ويُحيي الليبيون هذه الأيام ذكرى إبعاد الآلاف من أجدادهم خلال فترة الاحتلال الإيطالي للبلاد عام 1911، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية في جزر غير مأهولة نسبياً من السكان من بينها وبونزا وأوستيكا وتريميتي.

صورة أرشيفية متداوَلة لعدد من الليبيين الذي كانوا قد نُفوا إلى جزر بجنوب إيطاليا عام 1911

وبدأت القصة، حسب «المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية»، عندما اشتدت ضربات المقاومة الليبية للقوات الإيطالية الغازية، منذ معركة شارع «الشط - الهاني» في 26 أكتوبر (تشرين الأول) 1911، بقصد تهدئة الرأي العام في روما آنذاك.

ووفق المركز الليبي، فإن «تنفيذ عمليات النفي الجماعـي إلى الجزر الإيطالية بدأ مع نهاية هذه المعركة التي وقعت في مدينة طرابلس»، لافتاً إلى أن أول مرحلة من النفي كانت إلى جزيرة تراميتي، في 26 أكتوبر 1911، وبلغ عدد المرحَّلين حينها 595 منفياً يتألفون من رجال ونساء من مختلف الأعمار؛ وقد تلتها دفعات أخرى إلى جزر مختلفة حتى اقترب العدد من 5 آلاف مواطن.

وقالت وكالة الأنباء الليبية (وال) إنه «حسب المصادر التاريخية، وباعتراف المستعمرين الإيطاليين، كان المنفيون الليبيون يُحشَرون في السفن المتجهة إلى إيطاليا، مما تسبب في موت عدد كبير منهم في الطريق أُلقيت جثثهم في البحر؛ ومَن عاش منهم نُقل إلى الجزر الإيطالية النائية».

كما نقلت عن تلك المصادر التاريخية أن معيشة الليبيين المنفيين اتسمت بـ«القسوة وَخَلَت من البعد الإنساني، ولم تراعَ فيها القواعد الصحية، أو القانونية، فتعرض جُلهم لأمراض خطيرة أدت أيضاً إلى موت كثير منهم».

ويقتصر إحياء قضية المنفيين على تذكرها من نشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الأوساط الاجتماعية.

رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني في لقاء سابق بروما مع رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة (حكومة «الوحدة»)

ويرصد المركز الليبي أن المرحلة الثانية من النفي بدأت بعد أحداث «معركة القرضابية» مباشرةً في أبريل (نيسان) 1915، واستمرت حتى وصول الحزب «الفاشستي» للحكم في إيطاليا، خلال أكتوبر 1922.

ونجح الليبيون قبل 109 أعوام، في واحدة من المعارك الفاصلة ضد المحتل الإيطالي؛ في مدينة سرت (450 كيلومتراً شرق طرابلس)، التي يُحيون ذكراها أيضاً كل عام.

وشهدت سرت معركة فاصلة في 29 من أبريل (نيسان) عام 1915، بين المجاهدين الليبيين من جهة، والغزاة الإيطاليين الذين استقدموا قوات مساعدة من إريتريا والحبشة، بالإضافة إلى مقاتلين محليين من مدن ساحلية، لتنتهي الحرب بهزيمة الإيطاليين أمام اصطفاف الليبيين.

أما المرحلة الثالثة لنفي الليبيين إلى الجزر الإيطالية فبدأت، حسب المركز الليبي، مع انتهاء حركة المقاومة عام 1931 حتى نهاية الاحتلال الإيطالي في ليبيا خلال يناير (كانون الثاني) 1943.

ويشير المركز الليبي إلى أن عمليات النفي بدأت عقب برقية أرسلها رئيس الوزراء الإيطالي جيوليتي، إلى الجنرال كانيفا، القائد العام للجيش الإيطالي في طرابلس، في 24 أكتوبر 1911، وتقول: «بالنسبة إلى المتمردين المعتقلين -يقصد المقاومين- سأرسلهم إلى جزر تراميتى في البحر الأدرياتيكى، مع أولئك الموجودين تحت الإقامة الجبرية، يمكنك ترحيلهم إلى هناك مباشرةً مع إعلامي بمغادرتهم، وإن جـزر تراميتى تستطيع استقبـال 400 سجين، سأرسل إلى هناك مفتشاً من الأمن العام لإعداد إقامتهم».

وأرجع «المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية» نفي الليبيين إلى إيطاليا لأسباب عدة من بينها «اشتداد ضربات المقاومة الليبية آنذاك، ومحاولة القضاء عليهم وإخضاعهم بهدف السيطرة على هذه البلاد، بالإضافة إلى التخلص من المعارضين للسلطات الإيطالية».

ولفت إلى أن عمليات النفي استهدفت أيضاً «إفراغ ليبيا من أبنائها، وكذلك تمزيق وحدة المجتمع، هذا الإجراء اعتقد الإيطاليون أنه سيكون له رد فعل سلبي على حركة المقاومة الوطنية ضدهم».


مقالات ذات صلة

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

شمال افريقيا الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

تمسك عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، مجدداً بضرورة وجود «قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
خاص تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

خاص دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

بعد إعلان السلطة في غرب ليبيا عن إجراءات واسعة ضد النساء من بينها "فرض الحجاب الإلزامي"، بدت الأوضاع متجه إلى التصعيد ضد "المتبرجات"، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

بعد أكثر من أسبوعين أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا حالة من الجدل بعد وصفه بأنه شخص «مزيف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)

بعد 39 عاماً... مطالبة بالتحقيق في «إحراق» أرشيف السجل العقاري الليبي

بعد 39 عاماً على «إحراق» أرشيف السجل العقاري خلال عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، يطالب ليبيون بفتح تحقيق في هذه القضية لـ«تضررهم من الحادثة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من رؤساء منظمات المجتمع المدني من ليبيا ومن خارجها (البعثة الأممية)

ليبيا: الأمم المتحدة تبحث فرص نزع سلاح الميليشيات و«تفكيكها»

رعت البعثة الأممية اجتماعاً يضم رؤساء منظمات مجتمع مدني ومسؤولين حكوميين لمناقشة قضية نزع سلاح التشكيلات المسلحة وإعادة إدماجها في مؤسسات الدولة.

جمال جوهر (القاهرة)

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
TT

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)

تسعى الحكومة المصرية للحد من «فوضى» الاعتداءات على الطواقم الطبية بالمستشفيات، عبر إقرار قانون «تنظيم المسؤولية الطبية وحماية المريض»، الذي وافق عليه مجلس الوزراء أخيراً، وسوف يحيله لمجلس النواب (البرلمان) للموافقة عليه.

وأوضح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة المصري، خالد عبد الغفار، أن مشروع القانون يهدف إلى «تحسين بيئة العمل الخاصة بالأطباء والفريق الصحي، ويرتكز على ضمان توفير حق المواطن في تلقي الخدمات الطبية المختلفة بالمنشآت الصحية، وتوحيد الإطار الحاكم للمسؤولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مزاولو المهن الطبية، بما يضمن عملهم في بيئة عمل جاذبة ومستقرة»، وفق إفادة وزارة «الصحة» المصرية، الجمعة.

وأشار الوزير المصري إلى تضمن القانون «توحيد الإطار الحاكم للمسؤولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مزاولو المهن الطبية، بما يكفل الوضوح في هذا الشأن ويراعي صعوبات العمل في المجال الطبي»، مع الحرص على «منع الاعتداء على مقدمي الخدمة الصحية، وتقرير العقوبات اللازمة في حال التعدي اللفظي أو الجسدي أو إهانة مقدمي الخدمات الطبية، أو إتلاف المنشآت، وتشديد العقوبة حال استعمال أي أسلحة أو عصي أو آلات أو أدوات أخرى».

جانب من العمل داخل أحد المستشفيات (وزارة الصحة المصرية)

وحسب عضوة «لجنة الصحة» بمجلس النواب، النائبة إيرين سعيد، فإن «هذه الخطوة تأخرت كثيراً»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن مشروع القانون كان يفترض جاهزيته منذ عامين في ظل مناقشات مستفيضة جرت بشأنه، لافتة إلى أن القانون سيكون على رأس أولويات «لجنة الصحة» فور وصوله البرلمان من الحكومة تمهيداً للانتهاء منه خلال دور الانعقاد الحالي.

لكن وكيل نقابة الأطباء المصرية، جمال عميرة، قال لـ«الشرق الأوسط» إن مشروع القانون «لا يوفر الحماية المطلوبة للأطباء في مقابل مضاعفة العقوبات عليهم حال الاشتباه بارتكابهم أخطاء»، مشيراً إلى أن المطلوب قانون يوفر «بيئة عمل غير ضاغطة على الطواقم الطبية».

وأضاف أن الطبيب حال تعرض المريض لأي مضاعفات عند وصوله إلى المستشفى تتسبب في وفاته، يحول الطبيب إلى قسم الشرطة ويواجه اتهامات بـ«ارتكاب جنحة وتقصير بعمله»، على الرغم من احتمالية عدم ارتكابه أي خطأ طبي، لافتاً إلى أن النقابة تنتظر النسخة الأخيرة من مشروع القانون لإصدار ملاحظات متكاملة بشأنه.

وشهدت مصر في الشهور الماضية تعرض عدد من الأطباء لاعتداءات خلال عملهم بالمستشفيات من أقارب المرضى، من بينها واقعة تعدي الفنان محمد فؤاد على طبيب مستشفى «جامعة عين شمس»، خلال مرافقته شقيقه الذي أصيب بأزمة قلبية الصيف الماضي، والاعتداء على طبيب بمستشفى «الشيخ زايد» في القاهرة من أقارب مريض نهاية الشهر الماضي، وهي الوقائع التي يجري التحقيق فيها قضائياً.

وقائع الاعتداء على الطواقم الطبية بالمستشفيات المصرية تكررت خلال الفترة الأخيرة (وزارة الصحة المصرية)

وينص مشروع القانون الجديد، وفق مقترح الحكومة، على تشكيل «لجنة عليا» تتبع رئيس مجلس الوزراء، وتعد «جهة الخبرة الاستشارية المتعلقة بالأخطاء الطبية، والمعنية بالنظر في الشكاوى، وإصدار الأدلة الإرشادية للتوعية بحقوق متلقي الخدمة بالتنسيق مع النقابات والجهات المعنية»، حسب بيان «الصحة».

وتعوّل إيرين سعيد على «اللجنة العليا الجديدة» باعتبارها ستكون أداة الفصل بين مقدم الخدمة سواء كان طبيباً أو صيدلياً أو من التمريض، ومتلقي الخدمة المتمثل في المواطن، لافتةً إلى أن تشكيل اللجنة من أطباء وقانونيين «سيُنهي غياب التعامل مع الوقائع وفق القوانين الحالية، ومحاسبة الأطباء وفق قانون (العقوبات)».

وأضافت أن مشروع القانون الجديد سيجعل هناك تعريفاً للمريض بطبيعة الإجراءات الطبية التي ستُتخذ معه وتداعياتها المحتملة عليه، مع منحه حرية القبول أو الرفض للإجراءات التي سيبلغه بها الأطباء، وهو «أمر لم يكن موجوداً من قبل بشكل إلزامي في المستشفيات المختلفة».

وهنا يشير وكيل نقابة الأطباء إلى ضرورة وجود ممثلين لمختلف التخصصات الطبية في «اللجنة العليا» وليس فقط الأطباء الشرعيين، مؤكداً تفهم أعضاء لجنة «الصحة» بالبرلمان لما تريده النقابة، وتوافقهم حول التفاصيل التي تستهدف حلاً جذرياً للمشكلات القائمة في الوقت الحالي.