«معبر رفح»: مصر تتمسك بـ«إدارة فلسطينية»... وجهود أميركية لإعادة فتحه

عبد العاطي طالب بانسحاب إسرائيلي فوري

معبر رفح من الجانب المصري (رويترز)
معبر رفح من الجانب المصري (رويترز)
TT

«معبر رفح»: مصر تتمسك بـ«إدارة فلسطينية»... وجهود أميركية لإعادة فتحه

معبر رفح من الجانب المصري (رويترز)
معبر رفح من الجانب المصري (رويترز)

تطورات جديدة أعادت أزمة إغلاق معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة للواجهة، مع جهود أميركية كانت أحدثها محادثات إسرائيلية - فلسطينية لمناقشة إعادة فتح المعبر بوصفها جزءاً من مقترح الهدنة الذي طرحه الرئيس الأميركي جو بايدن في نهاية مايو (أيار) الماضي، وسط تمسك مصري بإدارة فلسطينية للجانب الفلسطيني من المعبر وانسحاب إسرائيل منه. ورأى خبراء أن التحرك الأميركي في مسألة معبر رفح قد «يعزز جهود الوسطاء ويفتح (باب أمل جديداً) في إنجاز (هدنة) في غزة».

ووفقاً لما نقله موقع «أكسيوس» الأميركي، الخميس، شهدت تل أبيب، الأسبوع الماضي، محاولة جديدة لحل أزمة إغلاق معبر رفح، عبر «اجتماع سري» يتم لأول مرة منذ حرب غزة، شارك فيه المبعوث الأميركي الخاص لـ«الشرق الأوسط»، بريت ماكغورك، ومدير الشاباك، رونين بار، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، ومدير المخابرات الفلسطيني، ماجد فرج؛ لمناقشة إعادة فتح المعبر بوصف ذلك جزءاً من اتفاق وقف إطلاق النار.

مصر التي لم تشارك بهذا الاجتماع الثلاثي في تل أبيب، سبق أن تمسكت في اجتماع بشأن الأزمة ذاتها استضافته القاهرة في يونيو (حزيران) الماضي، في حضور أميركي وإسرائيلي، بانسحاب تل أبيب من الجانب الفلسطيني من المعبر الذي سيطرت عليه في 7 مايو الماضي، وتلا ذلك رفض مصري التنسيق مع إسرائيل بشأن المعبر؛ رفضاً لـ«شرعنة احتلاله»، وفق إفادات سابقة لـ«الخارجية المصرية».

صورة تم التقاطها في جنوب إسرائيل بالقرب من الحدود مع قطاع غزة تظهر الدخان يتصاعد عقب قصف إسرائيلي (أ.ف.ب)

وجددت مصر الأمر ذاته، الخميس، على لسان وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، بدر عبد العاطي، خلال اجتماع بمقر وزارة الخارجية بالقاهرة مع كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في قطاع غزة، سيغريد كاغ. وشدد عبد العاطي على «ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من مدينة رفح الفلسطينية، وتشغيل المعبر من قبل السلطة الفلسطينية».

ويعد معبر رفح شرياناً اقتصادياً وأمنياً على الحدود بين مصر وقطاع غزة، يُسهل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع وخروج المسافرين والمصابين منه، وكان منفذ عبور الرهائن والجرحى في أول هدنة أبرمت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ورأى المستشار بـ«الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية» في مصر، اللواء عادل العمدة، أن «الاتفاق بشأن معبر رفح سيكون جزءاً مهماً من اتفاق هدنة غزة، إذ إن آلية خروج الرهائن والجرحى حال إبرام اتفاق لن تتم؛ إلا عبر ذلك المعبر كما تم في الهدنة الأولى في ديسمبر (كانون الأول) الماضي». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أنه «حال الاتفاق على إعادة فتح معبر رفح، ستكون جهود الوسطاء تقدمت خطوة للأمام، وتم الاقتراب من إبرام صفقة».

وتطالب مصر بموظفين من السلطة الفلسطينية لتشغيل المعبر، فيما تريد إسرائيل أشخاصاً لا ينتمون إلى حركة «حماس». كما ترى إدارة بايدن في إعادة فتح المعبر وسيلة لعودة بعض هياكل الحكم في غزة بطريقة لا تشمل «حماس»، والسماح للسلطة الفلسطينية بقدر من المشاركة، وفق «أكسيوس».

أما الأكاديمي المتخصص في الشأن الإسرائيلي، الدكتور أحمد فؤاد أنور، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن تدخل واشنطن وعقد اجتماع لأول مرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لبحث أزمة معبر رفح، يعدان «محاولة أخيرة» من إدارة بايدن الباحثة عن تحقيق مكاسب قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر (تشرين ثاني) المقبل». وشرح: «قد يعزز التحرك الأميركي في مسألة المعبر التي تعد إحدى عُقد المفاوضات جهود الوسطاء ويفتح باب أمل جديداً في إنجاز هدنة، رغم عراقيل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو».

في السياق، ذكر العمدة أن أزمة إغلاق معبر رفح «لا حل لها إلا بالالتزام بالمطالب المصرية» التي عدها «مشروعة وفق اتفاق المعابر» الموقع في 2005، الذي ينص على إدارة فلسطينية للجانب الفلسطيني من المعبر.

بينما أكد فؤاد أن الموقف المصري في أزمة المعبر سيظل «ثابتاً» حرصاً على عدم تهديد الأمن القومي المصري من تلك الحدود، وعدم انتهاك سيادة فلسطين وحقها في إدارة الجانب الفلسطيني من المعبر، كما تنص الاتفاقات.

فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل خلال وقت سابق (رويترز)

وتحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، الأربعاء، عن أن الوسطاء ينتظرون رد إسرائيل فيما يتعلق بنقطتين، الأولى عودة (المسلحين) إلى شمال قطاع غزة، والثانية انسحاب الجيش الإسرائيلي من «محور فيلادلفيا» ومعبر رفح، على أن تبدأ المفاوضات مجدداً بعد تلقي الرد الإسرائيلي، وسط «إشارة لتعنت من نتنياهو». في حين أبدى وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، تجاوباً عبر اعتقاده أنه «يجب الانسحاب» من المناطق المبنية من محور فيلادلفيا (على الحدود مع مصر)، في إطار صفقة التبادل، وفق ما ذكر موقع «واللا» الإسرائيلي.

هذا التباين الإسرائيلي، وفق المستشار بـ«الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية» نتيجة موقف أميركي «لا يزال حتى الآن لا يقدم إجراءات حاسمة تجاه تل أبيب»، و«تشدد من قبل نتنياهو الذي يعتقد أنه في موقف أقوى من الجميع»، مستبعداً «إبرام صفقة تتضمن حلاً لمعبر رفح حال استمر هذا الموقف الإسرائيلي».

غير أن الأكاديمي المتخصص في الشأن الإسرائيلي رأى أن «التباينات داخل إسرائيل، مع الضغوط الداخلية المتصاعدة مع الاحتجاجات قد تؤثر على مواقف نتنياهو، الذي يُعقّد إنجاز اتفاق الهدنة ويضع عراقيل لعدم الوصول إلى صفقة».


مقالات ذات صلة

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا جانب من محادثات وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الإيراني في القاهرة الشهر الماضي (الخارجية المصرية)

مصر تطالب بخفض التوترات في المنطقة و«ضبط النفس»

أعرب وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي تلقاه من نظيره الإيراني، عباس عراقجي، مساء الخميس، عن قلق بلاده «من استمرار التصعيد في المنطقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شؤون إقليمية وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (رويترز)

ماذا نعرف عن «الخلية الفلسطينية» المتهمة بمحاولة اغتيال بن غفير؟

للمرة الثانية خلال ستة شهور، كشفت المخابرات الإسرائيلية عن محاولة لاغتيال وزير الأمن القومي الإسرائيلي، المتطرف إيتمار بن غفير، الذي يعيش في مستوطنة بمدينة…

نظير مجلي (تل ابيب)
تحليل إخباري فلسطينيون يبحثون عن ضحايا عقب غارة إسرائيلية وسط مدينة غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري حديث إسرائيلي عن «إدارة عسكرية» لغزة يعقّد جهود «الهدنة»

الحديث الإسرائيلي عن خطط لإدارة غزة يراه خبراء، تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، بمثابة «تعقيد خطير لجهود التهدئة المتواصلة بالمنطقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي المندوب الأميركي البديل لدى الأمم المتحدة روبرت وود يرفع يده لنقض مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة خلال اجتماع لمجلس الأمن (أ.ف.ب)

أميركا تحبط الإجماع الدولي على المطالبة بوقف إطلاق النار فوراً في غزة

خرجت الولايات المتحدة عن إجماع بقية أعضاء مجلس الأمن لتعطيل مشروع قرار للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

علي بردى (واشنطن)

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».