قلق جزائري إزاء ملفات حساسة مشتركة مع فرنسا

مع احتمال وصول أقصى اليمين إلى الحكم في فرنسا

الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة مجموعة الـ7 بإيطاليا في 13 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة مجموعة الـ7 بإيطاليا في 13 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)
TT

قلق جزائري إزاء ملفات حساسة مشتركة مع فرنسا

الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة مجموعة الـ7 بإيطاليا في 13 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة مجموعة الـ7 بإيطاليا في 13 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)

إذا كان مصير علاقة فرنسا بالجزائر واضحاً من جانب يمينها المتطرف، في حال حصد الأغلبية في الانتخابات بعد دورها الثاني المقرر، الأحد المقبل، فإن الغموض يكتنف الموقف الجزائري حيال سيناريو كهذا... كيف ستتعامل الجزائر مع فرنسا إذا مالت إلى أقصى اليمين؟

يبقى رجال السلطة في الجزائر مشدودين إلى «اللون السياسي» الذي ستلبسه فرنسا بعد أسبوع، خصوصاً أن الرئيس عبد المجيد تبون سيؤدي زيارة رسمية إلى باريس نهاية سبتمبر (أيلول) أو بداية أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي (حسب اتفاق بين العاصمتين جرى في أبريل الماضي)... وينتظر أن تنقل الزيارة العلاقات الثنائية إلى أفق جديد خالٍ من السجال التقليدي حول «آلام الاستعمار».

الرئيس الجزائري مع وزير الداخلية الفرنسي الحالي ورئيسة الوزراء الفرنسية سابقاً بالجزائر في 10 أكتوبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)

وتُطرح تساؤلات في الجزائر حول احتمال رؤية تبون جنباً إلى جنب مع رئيس حكومة من اليمين المتشدد، وهو يزور فرنسا، قياساً إلى الخصومة الشديدة التي يبديها رموز هذا الطيف السياسي تجاه الجزائر ومهاجريها.

وأمام حالة الترقب السائدة في البلاد، كتب أستاذ الاجتماع السياسي فيصل إزدارن، المقيم بفرنسا، على حسابه بوسائل التواصل الاجتماعي متسائلاً: «هل من حاذق في الخارجية أو الرئاسة (بالجزائر) بإمكانه اقتراح رؤية استشرافية و لو مقتضبة، تخص خريطة الطريق التي ستتبعها في علاقتها مع فرنسا في حال وصل اليمين المتطرف إلى الحكم؟».

أول ما تخشاه الجزائر هو أن ينفذ رموز اليمين المتطرف تهديدهم بإلغاء، أو إحداث مراجعة شاملة، لـ«اتفاق 27 ديسمبر (كانون الأول) 1968»، الذي ينظم مسائل الهجرة والإقامة والدراسة في الجامعات والعمل في فرنسا، بالنسبة للجزائريين.

«التجمع الوطني» في حملة الانتخابات (رويترز)

فرئيس حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، جوردان بارديلا، الفائز في الجولة الأولى من الانتخابات، وعد بضرب أحد أسس هذا الاتفاق وهو «لمّ الشمل العائلي»، وذلك في إطار تعهدات أخرى أبرزها إلغاء «الحق في الأرض» بالنسبة لأبناء المهاجرين المولودين في فرنسا.

وكان حزب «الجمهوريون» (اليمين التقليدي)، قد أطلق، العام الماضي، مساعيَ في البرلمان الفرنسي لإبطال الاتفاق، لكنه عجز أمام تصدي كتلة النواب التابعة للرئيس إيمانويل ماكرون للمحاولة، كما يبدو مصير «ملف الذاكرة» غامضاً بسبب الحرص الذي يظهره اليمين المتطرف على «فرملة التنازلات» التي قدمها ماكرون، حسبه، للجزائر في هذا الجانب، ومنها سلسلة من الاعترافات بوقوع اغتيالات وانتهاكات بحق مناضلين خلال ثورة التحرير (1954 - 1962)، واعتراف بقتل عشرات المهاجرين الجزائريين ورميهم في نهر السين، خلال مظاهرات مشهودة مؤيدة للثورة في 17 أكتوبر 1961.

وكتب سفير فرنسا لدى الجزائر سابقاً غزافييه دريانكور، المرشح لتولي حقيبة «الخارجية» في حكومة يمينية متطرفة محتملة، مقالاً بصحيفة «لوفيغارو»، الجمعة الماضي، يعكس حسبه، مدى رفض الجزائر وقوع تغيير جذري في منظومة الحكم بفرنسا. إذ قال: «إن أسوأ احتمال بالنسبة للجزائر هو بالطبع سلطة نابعة من التجمع الوطني وجوردان بارديلا رئيساً للوزراء. في هذه الحالة، ستكون قفزة في المجهول للنظام الجزائري: محاورون مجهولون، وشباب لم يمارسوا السلطة من قبل، غير مطلعين على الجزائر ونظامها، ومقربون من الحراكيين (جزائريون تعاونوا مع الاحتلال ضد الثورة) ولم يؤدوا الزيارة التقليدية إلى الجزائر التي تسبق كل انتخابات فرنسية. كل ما تعرفه الجزائر عن جوردان بارديلا هو خطابه عن الهجرة، ووعده بإعادة التفاوض، أو إنهاء الاتفاقية الفرنسية - الجزائرية بشأن الهجرة لعام 1968».

جوردان باريلا، رئيس حزب «التجمع الوطني» قد يكون رئيس الحكومة الفرنسية القادمة إذا نجح حزبه وحلفاؤه في الفوز بالأكثرية المطلقة (آ.ب)

ووفق دريانكور، صاحب كتاب «اللغز الجزائري»، «لا تحب الجزائر حالة عدم اليقين (السائدة حالياً بشأن وصول اليمين المتطرف إلى الحكم)، ولا يمكنها الترحيب بحدوث تغيُّر في باريس قد يقلل من قوة محاور تعودت عليها»، في إشارة ضمناً، إلى أن الجزائر لا تفضل أن يكون ماكرون ضعيفاً أمام أغلبية برلمانية من أقصى اليمين. مؤكداً أن الجزائر «تتدخل في النقاش السياسي الدائر بفرنسا بمناسبة الانتخابات، فقد أرسلت متحدثيها المعتادين إلى الجبهة من وسائل الإعلام والصحافيين القريبين أو الممولين من السلطة، ثم استدعت عميد مسجد باريس (الجزائري) على الفور إلى الجزائر، وكلفته بتحذير الناخبين الفرنسيين، من أصل جزائري، مما سمته الخطر الفاشي، والحنين إلى الجزائر الفرنسية، وفقاً للمصطلحات المستخدمة في الجزائر».


مقالات ذات صلة

«قضية الروائي داود» تأخذ أبعاداً سياسية وقضائية في الجزائر

شمال افريقيا الروائي المثير للجدل كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

«قضية الروائي داود» تأخذ أبعاداً سياسية وقضائية في الجزائر

عقوبة سجن بين 3 و5 سنوات مع التنفيذ ضد «كل من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية، أو يعتدّ بها للمساس بمؤسسات الجمهورية».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس تبون مع قائد الجيش (وزارة الدفاع)

الجزائر: شنقريحة يطلق تحذيرات بـ«التصدي للأعمال العدائية»

أطلق قائد الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة، تحذيرات شديدة اللهجة، في أول ظهور إعلامي له.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس وقائد الجيش في آخر نشاط لهما معاً في 14 نوفمبر الحالي (وزارة الدفاع)

الجزائر: إقصاء الأحزاب الموالية للرئيس من الحكومة الجديدة

لاحظ مراقبون في الجزائر غياب «العمق السياسي» عن التعديل الحكومي الذي أحدثه الرئيس عبد المجيد تبون في حكومته.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (رويترز)

الجزائر: تعديل حكومي واسع يبقي الوزراء السياديين

أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الاثنين، تعديلاً حكومياً احتفظ فيه وزراء الحقائب السيادية بمناصبهم، بعد أن كان الوزير الأول نذير عرباوي قدم استقالة…

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (رويترز)

الجزائر: تعديل حكومي يُبقي على وزراء الحقائب السيادية والمقربين من تبون

ذكرت «وكالة الأنباء الجزائرية» أن رئيس الوزراء محمد النذير العرباوي قدّم، اليوم الاثنين، استقالة الحكومة إلى الرئيس عبد المجيد تبون.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)
الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)
TT

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)
الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا في الرابع من الشهر الحالي، حالة من الجدل في البلاد، بعدما وصف بأنه «مزيف».

«الوزير الغيني» يتوسط الحويج ودومة والفضيل (يسار) (وزارة الخارجية)

وكان وزير الخارجية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب عبد الهادي الحويج، والنائب الثاني لرئيس مجلس النواب مصباح دومة استقبلا ما وصف بـ«وزير الدولة والمستشار الخاص لرئيس جمهورية غينيا بيساو أمادو لامين سانو»، قبل أكثر من أسبوعين، غير أن نشطاء وإعلاميين شككوا في شخصية الأخير، وعدوه «شخصاً مزيفاً».

وانتشر بيان منسوب لوزارة الخارجية الغينية، لم يتسن لـ«الشرق الأوسط» التأكد منه، ينفي صلة «أمادو لامين سانو» برئيس الجمهورية والحكومة الغينية، وأنه «ليس مستشاراً للرئيس، ولم يُكلَّف من طرفه بنقل أي رسالة».

وعدّ الإعلامي الليبي خليل الحاسي، الواقعة «اختراقاً أمنياً مذهلاً في حكومة حمّاد في قلب بنغازي»، كما وصفها بأنها «فضيحة دبلوماسية سياسية مزلزلة في خارجيته».

وقال الحاسي، الذي كان أول المتناولين للواقعة عبر حسابه على منصة «إكس»، إن «شخصاً اسمه أمادو لامين سانو استطاع أن ينتحل صفة وزير الدولة والمستشار الخاص لرئيس جمهورية غينيا بيساو، وأن يضحك على الحكومة، وحظي باستقبال رسمي ومراسم وأرتال وفنادق وجولات سياسية».

«الوزير الغيني» خلال استقباله في شرق ليبيا (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

وأمام تصاعد الجدل حول حقيقة «الوزير المزعوم» خرج وزير الخارجية الحويج، في مداخلة لقناة «الحدث» الليبية (الخميس)، ليدافع عن موقف حكومته، ويؤكد أن أمادو لامين سانو هو «وزير غيني تم استقباله في ليبيا بشكل رسمي».

واتهم الحويج حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بالوقوف وراء هذه «الشائعات»، وأرجع ذلك لأن حكومته «تحقق اختراقات» رغم الاعتراف الدولي بحكومة طرابلس، التي قال إن «لديها مشاكل».

بل إن الحويج قال إن أمادو لامين سانو يشغل أيضاً منصب وزير مكلف بشؤون الحج والعمرة لدولة غينيا بيساو، كما أنه مسؤول عن الشؤون الإسلامية والعربية في برلمانها.

وكان أمادو لامين سانو بحث في اللقاء الذي حضره أيضاً رئيس ديوان مجلس النواب عبد الله المصري الفضيل، سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين الصديقين.

ومع تواصل أصداء هذه الواقعة، قال رئيس تحرير جريدة «الوسط»، بشير زعبية إن حادثة «(الوزير الغيني المزعوم) ليست الأولى».

وذكّر زعبية بحادثة مماثلة كانت أحداثها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 عندما استقبل عدد من مسؤولي حكومة «الوفاق الوطني» آنذاك شخصاً من مالطا وقد انتحل صفة مبعوث رئيس الوزراء المالطي جوزيف موسكات، قبل أن تكشف أمره الحكومة المالطية.

وقد قال خليل الحاسي: «لم يكتشف الأمن الداخلي ولا المخابرات في بنغازي ذلك الاختراق الأمني، بل دولة غينيا بيساو التي أرسلت مذكرة عاجلة رداً على احتجاج سفارة ليبيا على الزيارة؛ لأنها تعني الاعتراف بحكومة حماد وليس الدبيبة».

يُشار إلى أنه في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أجرى حماد اتصالاً هاتفياً مع روي دوارتي دي باروس رئيس وزراء جمهورية غينيا بيساو.

وقالت الحكومة حين ذلك، إنهما تبادلا وجهات النظر حول تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل التعاون في المجالات ذات الأهمية المشتركة.