سجن إسرائيل الرهيب... شهادات ناجين من «مقبرة الأحياء»

أسيران سابقان يرويان لـ«الشرق الأوسط» وقائع تعذيب «يُفقِد العقول»

TT

سجن إسرائيل الرهيب... شهادات ناجين من «مقبرة الأحياء»

سجن إسرائيل الرهيب... شهادات ناجين من «مقبرة الأحياء»

على كثرة ما سمع وقرأ عن فظاعات ما يجري في معتقل «سدي تيمان» الإسرائيلي، لم يتخيل الصحافي الفلسطيني شادي أبو سيدو ما رآه في ليلة من ليالي أبريل (نيسان) 2024، عندما شاهد جنوداً إسرائيليين يقودون عملية «اغتصاب كلاب بوليسية لمعتقلين فلسطينيين بينما يضحكون، ويصورون».

أبو سيدو الذي احتجز في المعتقل العسكري الإسرائيلي الواقع في قاعدة عسكرية في صحراء النقب، وخرج في صفقة تبادل أسرى في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه تعرض للاعتقال في مارس (آذار) 2024 بينما كان يمارس عمله لتوثيق ما يجري في مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة.

وبصعوبة يضيف: «عندما اعتُقلت، أمرني الجنود بخلع ملابسي بالكامل ثم قيّدوا يدي من الخلف، وضربوني حتى كسروا أحد أضلاعي»، ليُترك بعدها عارياً تحت المطر والبرد لأكثر من 10 ساعات.

لكن أبو سيدو لم يكن وحده الذي واجه التنكيل في «مقبرة الأحياء»، كما يصف بنفسه السجن الرهيب؛ إذ تكشف إفادتا معتقلين خرجا من «سدي تيمان» لـ«الشرق الأوسط» وقائع مفزعة تضمنت ضرباً وصعقاً وحرماناً من النوم والطعام والعلاج، فضلاً عن «عمليات اغتصاب وحشية».

تعذيب ممنهج

بات «سدي تيمان» تحت الأنظار بعد توقيف المدعية العامة العسكرية السابقة للجيش يفعات تومر يروشالمي. وتتهمها السلطات الإسرائيلية بتسريب مقطع فيديو يُظهر جنوداً إسرائيليين داخل أقسام المعتقل وهم يعذبون أسيراً فلسطينياً جسدياً وجنسياً. واعتبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن التسريب ربما ألحق «أكبر ضرر على العلاقات العامة» تتعرض له إسرائيل منذ تأسيسها.

فلسطينيون معتقلون في قاعدة «سدي تيمان» العسكرية بجنوب إسرائيل شتاء 2023 (منظمة كسر الصمت - أ.ب)

ومع اندلاع الحرب على غزة، شرعت إسرائيل باحتجاز مئات الأسرى من القطاع تحت ذريعة ما يُسمى بـ«قانون المقاتلين غير الشرعيين»، وألقتهم في سجنها المحاط بالكتمان ونزعت عنهم حقوقهم وحرمتهم من إي إجراءات قانونية ومنعت عنهم وصول محامين ومنظمات حقوقية. ووثقت منظمات حقوقية إسرائيلية ودولية، بينها «بتسيلم» وغيرها، شكاوى مشابهة حول «تعذيب ممنهج» و«معاملة لا إنسانية» في هذا السجن.

«الديسكو»... التعذيب بأصوات المُعذبين

بعد ساعات طويلة من الانتظار تحت البرد، نُقل أبو سيدو في شاحنة عسكرية إلى سجن «سدي تيمان»، حيث بدأت رحلة جديدة من العذابات بما يسمّيها الجنود «التشريفة» التي يصفها بالقول «هي صفّ من نحو 30 جندياً يقفون على شكل ممر، وينهالون على المعتقلين بالضرب قبل أن يدخلوا السجن. بعض المعتقلين نزف وبعضهم فقد أسنانه أو عينه من شدة الضرب». بعد نحو 70 يوماً من الاعتقال دون توجيه تهمة، نقل شادي للتحقيق. قبل دخول غرفة التحقيق، أُجبر على التعري والتفتيش الدقيق، ثم أُدخل إلى مكان يسمى «الديسكو».

خريطة تظهر موقع سجن «سدي تيمان» (الشرق الأوسط)

يصف أبو سيدو ما شاهده داخل الغرفة التي تحوي مكبرات صوت ضخمة، فيقول: «في (غرفة الديسكو) يُلقى الأسرى لساعات دون نوم. لا تسمع إلا الضوضاء، والموسيقى الصاخبة، وصراخ أسرى آخرين تحت التعذيب». بعدها، نُقل أبو سيدو إلى غرفة تعذيب أخرى حيث علّقه السجانون من يديه في السقف وانهالوا باللكمات على جسده العاري المنهك.

العودة إلى «البراكسات»: حفلات «إذلال»

بعد انتهاء التحقيق، أُعيد أبو سيدو إلى عنابر الاحتجاز المكتظة والمعروفة باسم «البراكسات»، وهي عنابر من هياكل معدنية لا تقي برداً ولا حرّاً تضم مئات الأسرى الذين يعيشون في ظروف قاسية وسط الصحراء.

يستذكر أبو سيدو: «كنا نحو 140 إلى 160 أسيراً في كل بركس، مكبّلي الأيدي ومعصوبي الأعين. كانت تدخل فرق القمع المكوّنة من 30 إلى 40 جندياً ومعهم كلاب، يأمروننا بالانبطاح على بطوننا. وتترك الكلاب لتمشي فوق ظهورنا، تتبوّل علينا، وتخدشنا وتنطحنا».

في إحدى ليالي شهر أبريل، حدث مشهد يصفه شادي بأنه «انهيار إنساني كامل». حينها أصيب أحد الأسرى بنوبة هستيريا، وبدأ يصرخ: «أنا بدي أروح لأولادي». دفعت سلطات المعتقل بفرقة القمع والكلاب لـ«البركس»، وبعدها «أخرجوه وعرّوه، ثم تركوا الكلب يمارس معه ما لا يوصف».

«كنا ننظر من خلف العصبة على العين، ورأينا الجنود يضحكون ويصوّرون المشهد بهواتفهم على وقع صرخات الأسير. بدأنا بالصراخ. خشينا من أن دورنا آتٍ»، يستذكر أبو سيدو تلك اللحظات الصعبة.

شادي أبو سيدو أسير فلسطيني سابق في مُعتقل «سدي تيمان» مع أطفاله في غزة (الشرق الأوسط)

في ختام شهادته، يصف أبو سيدو سجن «سدي تيمان» بأنه «مقبرة للأحياء قبل الأموات»، قائلاً: «كنا نفقد عقولنا من الخوف. لا نعرف الليل من النهار، ولا نرى وجهاً بشرياً إلا ذلك الذي يضربنا أو يهيننا. تمنّيت أن أموت هناك لأرتاح من هذا العذاب».

ويضيف الشاب أن الأسرى يعيشون في عزلة كاملة عن العالم، ويمنحون دقيقتين فقط لقضاء حاجتهم خلال 24 ساعة، بينما العلاج كان «أداة إذلال إضافية».

أبو فول... اعتُقل مبتور القدم وخرج فاقداً للبصر

رواية مفزعة أخرى قدمها محمود أبو فول، من شمال قطاع غزة، الذي اعتقل من «مستشفى كمال عدوان» بينما كان يتلقى العلاج بعد بتر ساقه سابقاً، وانتهت تجربته القاسية في الأسر بفقدانه للبصر. أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2023، كان الشاب الغزّي في المستشفى عندما اقتحمه الجنود، ويقول: «كبّلوني من يديّ وغطّوا عينيّ، ثم بدأوا يضربونني بقسوة حتى سال دمي. كنت مصاباً ومبتور القدم ولا أستطيع المشي إلا بعكاز، لكنهم أخذوه مني وقيدوني من الخلف».

بعد ساعات من الضرب والشتائم، نُقل أبو فول إلى سجن «سدي تيمان»، حيث قضى أشهراً. يستذكر الشاب الأيام الأولى داخل المعتقل: «قضيت 7 أيام مكبّل اليدين من الخلف، معصوب العينين طوال الوقت. كنا نحو 140 أسيراً في كل (بركس)، والطعام شحيح، والضرب والإهانة لا يتوقفان».

في أحد هذه الأيام، تعرض أبو فول للتعذيب وتلقى ضربات على رأسه لنحو ساعتين حتى أُغمي عليه.

يقول الشاب: «أفقت لأكتشف أنني فقدت بصري تماماً. أخبرت من حولي من الشباب أنني لا أرى شيئاً. أصبت بالفزع وسالت دموعي، ومنذ تلك اللحظة لم أعد قادراً حتى على فتح عينيّ».

ويسرد أبو فول تفاصيل نداءاته للسجانين بضرورة تقديم العلاج له دون جواب: «كنت أطلب الدواء، فيصرخون عليّ ويسخرون مني. تُركت أعاني وحيداً في العتمة». بعد فقدان البصر، عاش أبو فول تجربة الأسر بالسمع وحده: «كنت أسمع أصوات الأسرى يُعذَّبون، صراخ، استغاثة، وشتائم من الجنود».

حرية بطعم الفقد

بعد أشهر طويلة من الاعتقال، أُدرج أبو فول في صفقة التبادل الأخيرة، ويصف الرجل مشاعره بعد خروجه بالقول: «عدت إلى غزة لا أرى شيئاً، وكنت أظن أن أهلي ليسوا على قيد الحياة... وبين الجموع أدركت أنهم حولي عندما سمعت صوت أمي... أحمد الله أنني ما زلت بينهم. كنت أتمنى فقط أن أرى وجه أمي، ولو لمرة واحدة».

محمود أبو فول أسير فلسطيني سابق في مُعتقل «سدي تيمان» يجلس بين والديه في خيمة بغزة (الشرق الأوسط)

وفقاً لهيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين، بلغ عدد الأسرى في سجون إسرائيل حتى منتصف العام الحالي أكثر من 10 آلاف أسير، بينهم أكثر من 1800 معتقل من غزة ممن تصنفهم إسرائيل بـ«المقاتلين غير الشرعيين». وتشير الأرقام الرسمية الفلسطينية إلى وفاة أكثر من 80 أسيراً داخل المعتقلات الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أكثر من نصفهم من قطاع غزة.

وقال متحدث باسم «نادي الأسير الفلسطيني» لـ«الشرق الأوسط»، إن «الاحتلال نفذ سلسلة متواصلة من الجرائم المختلفة المكتملة الأركان والتفاصيل، بحق الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال على مدار عامين متواصلين».

وأضاف أن السلطات الإسرائيلية «مارست وجهاً آخر من الإبادة الجماعية داخل المعتقلات، حيث برزت عمليات التعذيب الممنهج والاغتصاب التي نفذت بحق الأسرى، تحديداً من قطاع غزة في معتقل (سدي تيمان) مستخدمة أدوات مختلفة في عمليات الاغتصاب، كما تم استخدام الكلاب البوليسية».

ويتعرض الأسرى الفلسطينيون في سجون ومعسكرات إسرائيل، لا سيما «سدي تيمان»، لتعذيب وتجويع وإهمال طبي ممنهج، ما أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية فلسطينية وإسرائيلية، فيما لا يتوفر تقدير دقيق لعدد الأسرى الذين احتجزوا أو ما زالوا محتجزين في «سدي تيمان».

الجيش الإسرائيلي: الحالات غير معروفة

بعد نشر التحقيق وصلنا تعقيب من الجيش الإسرائيلي هذا نصه:

الحالات المذكورة في التقرير غير معروفة. وفي حال تقديم شكوى، سيتم النظر فيها وفقاً للإجراءات.

يرفض الجيش الإسرائيلي تماماً الادعاءات المتعلقة بسوء معاملة منهجية للمعتقلين. الجيش يتعامل بمنتهى الجدية مع أي خرق من هذا النوع، لأنه يتعارض مع قيمه الأساسية، ويقوم بفحص معمّق لأي ادعاء ملموس يتعلق بإيذاء أو إساءة معاملة معتقلين. مرافق الاحتجاز تخضع لرقابة مستمرة عبر كاميرات الدائرة المغلقة، وإشراف القادة، وزيارات جهات خارجية. وعندما تكون هناك شبهة معقولة لارتكاب مخالفة جنائية، يتم فتح تحقيق جنائي للنظر في كل حادث من هذا النوع. منذ بداية الحرب، فُتح عدد من تحقيقات الشرطة العسكرية بشأن حوادث تتعلق بوفاة معتقلين أو معاملة غير لائقة بحقهم.


مقالات ذات صلة

ترمب يهدد بضرب إيران مجدداً إذا أعادت بناء قدراتها النووية والصاروخية

شؤون إقليمية جانب من لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منتجع مار-أ-لاغو بفلوريدا (رويترز)

ترمب يهدد بضرب إيران مجدداً إذا أعادت بناء قدراتها النووية والصاروخية

في لقاء غير رسمي أمام الصحافيين أثناء استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منتجع مار-أ-لاغو بفلوريدا، أدلى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بتصريحات.

هبة القدسي (واشنطن)
تحليل إخباري يقف فلسطينيون نازحون بجوار بركة من مياه الأمطار وسط ملاجئ مؤقتة في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري لقاء ترمب - نتنياهو... ما المكاسب والخسائر المنتظرة لـ«اتفاق غزة»؟

اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي دخل حيز التنفيذ قبل شهرين، لن يكون بعد لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما قبله.

محمد محمود (القاهرة)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماع ثنائي في مقر إقامة ترمب مارالاغو في بالم بيتش بفلوريدا 29 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

ترمب: سأدعم هجوماً سريعاً على إيران إذا عاودت بناء برنامجها النووي

أكد الرئيس الأميركي ترمب خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الاثنين، أنه سيدعم هجوماً سريعاً على إيران إذا عاودت بناء برنامجها النووي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي عَلَم الأردن في العاصمة عمّان (أ.ف.ب)

الأردن يندد بإقرار الكنيست الإسرائيلي قانوناً يستهدف خدمات «الأونروا» في غزة

ندد الأردن بإقرار الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون يستهدف عمل ووجود وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ويقوض قدرتها.

«الشرق الأوسط» (عمان)
خاص المقدم أحمد زمزم اغتيل برصاصات عدة أطلقها مسلحون على سيارته (المركز الفلسطيني للإعلام)

خاص «حماس» تعدم شخصاً أدانته بقتل أحد ضباطها

أعدمت حركة «حماس»، الأحد، فلسطينياً اعتقلته وأدنته بالمشاركة في قتل أحمد زمزم، الضابط في جهاز الأمن الداخلي التابع لحكومة الحركة، في هجوم وقع وسط غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)

هيبت الحلبوسي رئيساً لبرلمان العراق


هيبت الحلبوسي (وسط) أصبح رئيساً للبرلمان العراقي بعد انتخابه في الجلسة الافتتاحية أمس (أ.ب)
هيبت الحلبوسي (وسط) أصبح رئيساً للبرلمان العراقي بعد انتخابه في الجلسة الافتتاحية أمس (أ.ب)
TT

هيبت الحلبوسي رئيساً لبرلمان العراق


هيبت الحلبوسي (وسط) أصبح رئيساً للبرلمان العراقي بعد انتخابه في الجلسة الافتتاحية أمس (أ.ب)
هيبت الحلبوسي (وسط) أصبح رئيساً للبرلمان العراقي بعد انتخابه في الجلسة الافتتاحية أمس (أ.ب)

طوى مجلس النواب العراقي إحدى أعقد محطاته السياسية بانتخاب هيبت حمد عباس الحلبوسي رئيساً للبرلمان للدورة السادسة، في تسوية وُصفت بالسلسة، وجاءت بدعم تفاهمات سنية داخلية، وتأييد شيعي وكردي غير معلن.

وحصل الحلبوسي على 208 أصوات في جلسة أمس التي اتسمت بالهدوء، وعكست توازناً جديداً أفرزته انتخابات 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025.

ويحمل الحلبوسي شهادة بكالوريوس في التاريخ، وبدأ مسيرته المهنية مدرّساً، ثم حصل لاحقاً على شهادة الماجستير في العلوم السياسية. وجاء الحسم لصالح الحلبوسي بعد انسحاب مثنى السامرائي، ضمن اتفاق لإعادة توزيع الاستحقاقات السنية في الحكومة المقبلة.

بالتوازي، قدّم «الإطار التنسيقي» اعتماد «الكتلة الأكبر»، في خطوة تمهد لبدء المسار الدستوري لتسمية رئيس الوزراء، وسط توقعات بتسريع تشكيل الحكومة، وتجنب الانسداد السياسي في إطار تسوية شاملة.


لقاء ترمب - نتنياهو... ما المكاسب والخسائر المنتظرة لـ«اتفاق غزة»؟

يقف فلسطينيون نازحون بجوار بركة من مياه الأمطار وسط ملاجئ مؤقتة في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يقف فلسطينيون نازحون بجوار بركة من مياه الأمطار وسط ملاجئ مؤقتة في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

لقاء ترمب - نتنياهو... ما المكاسب والخسائر المنتظرة لـ«اتفاق غزة»؟

يقف فلسطينيون نازحون بجوار بركة من مياه الأمطار وسط ملاجئ مؤقتة في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يقف فلسطينيون نازحون بجوار بركة من مياه الأمطار وسط ملاجئ مؤقتة في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي دخل حيز التنفيذ قبل نحو شهرين، لن يكون بعد لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما قبله، على مستوى المكاسب والخسائر.

ذلك ما يذهب له خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بشأن نتائج اللقاء المرتقب، وسط تباين بشأن النتائج، بين تقديرات ترى أن المكاسب تتضمن بدء المرحلة الثانية تحت ضغوط واشنطن، لكن مع شروط إسرائيلية بنزع سلاح «حماس» وإعادة الرفات الإسرائيلي الأخير، وأخرى خسائر تتمثل في عدم انسحاب إسرائيل من القطاع وبدء إعمار جزئي في المواقع التي تسيطر عليها في القطاع بشكل منفرد.

وأفادت «شبكة سي إن إن» الأميركية، الاثنين، بأنه من المتوقع أن يدفع ترمب من أجل إحراز تقدم في خطة وقف إطلاق النار بغزة، خلال لقائه مع نتنياهو، لافتة إلى أن جدول الأعمال يتضمن نزع سلاح «حماس» وإعادة إعمار غزة، وإقامة نظام للحكم في القطاع ما بعد انتهاء الحرب، وتشكيل «مجلس سلام» برئاسة الرئيس الأميركي.

وهذا اللقاء بين نتنياهو وترمب، والمقرر له الاثنين، يعد السادس منذ أن دخل الرئيس الأميركي إلى البيت الأبيض قبل نحو عام، وسيكون اتفاق غزة والمرحلة الثانية مطروحة، وفق تقرير لقناة «آي نيوز» الإسرائيلية، أشار إلى أن «نتنياهو سيضطر لإقناع ترمب بأن يسمح له بإنهاء ما تبقى من الحرب وأن إسرائيل وحدها يمكنها القضاء على (حماس) في غزة».

بينما ترمب، أو على الأقل جزء كبير من مستشاريه، يعتقدون أنه من الممكن تحقيق نوع من تجريد «حماس» من سلاحها في قطاع غزة - حتى من دون أن تعود إسرائيل للقتال وفق التقرير ذاته الذي تم بثه الاثنين، لكن نتنياهو سيضطر إلى مواجهة موقف غالبية مستشاري ترمب ورغبة الرئيس الأميركي في الهدوء، وأن تبقى الخطة التي تحمل اسمه محفوظة. وسيضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يقول «نعم».

وتنص المرحلة الثانية من الاتفاق على انسحاب القوات الإسرائيلية من مواقعها الحالية في غزة، وأن تتسلّم سلطة مؤقتة إدارة القطاع بدلاً من «حماس»، وعلى نشر قوة استقرار دولية.

ولا يزال الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بطيئاً رغم أن إدارة ترمب تريد المضي قدماً بذلك، إذ اعتبر الرئيس الأميركي أن «إبرام الاتفاق من أبرز نجاحاته في عامه الأول من ولايته الثانية»، حسب شبكة «بي بي سي» البريطانية، الاثنين.

والتقى المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف وصهر الرئيس ترمب جاريد كوشنر، ممثلين لقطر ومصر وتركيا، الدول الوسيطة، في ميامي بداية ديسمبر (كانون الأول).

وتتبادل إسرائيل و«حماس» الاتهامات بانتهاك الاتفاق. وقبل بدء المفاوضات بشأن الانتقال إلى المرحلة الثانية منه، تطالب إسرائيل بإعادة جثة الرهينة الأخير المحتجز في غزة، لكنّ «حماس» تؤكد أنها لم تتمكن بعدُ من العثور عليها.

أطفال فلسطينيون نازحون داخل خيمة غمرتها مياه الأمطار في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ويتوقع مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير حسين هريدي، أنه ليس هناك مكاسب من اللقاء بل كلها خسائر «لاتفاق غزة» ومناورات إسرائيلية من نتنياهو لعدم الانسحاب من القطاع، محاولاً تقديم القليل من تنازلات تكتيكية لفظية في غزة ببدء المرحلة الثانية بشروط منها إعادة الرفات الأخير والتمسك بنزع سلاح «حماس» مقابل طلب الكثير من سوريا ولبنان وإيران.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن ملف غزة، سيكون له الأولوية في اجتماع ترمب - نتنياهو، مشيراً إلى أن المكاسب المنتظرة تتمثل في تشكيل «لجنة إدارة غزة» ونشر «قوات الاستقرار» بشكل توافقي عادل وزيادة المساعدات وفتح المعابر وبدء الانسحاب الإسرائيلي، فيما تتمثل الخسائر في تأخير بدء المرحلة تحت ذريعة عدم نزع سلاح «حماس» وعدم تسلم الرفات الأخير، والسماح لإسرائيل ببدء الإعمار في مناطق سيطرتها التي تتجاوز 52 في المائة من إجمالي مساحة القطاع.

ذلك اللقاء يأتي وسط تعويل مصري على أهمية الموقف الأميركي، وكشف وزير الخارجية بدر عبد العاطي، في حوار متلفز، الأحد، عن «وجود اقتناع أميركي بضرورة الإسراع للدخول في المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار»، مؤكداً أن مصر ستواصل الضغط من أجل حل يحفظ الحقوق ويحقق الاستقرار، مشدداً على «رفض بلاده القاطع لتقسيم قطاع غزة»، واصفاً ما يُسمى بالخطوط الصفراء والخضراء بأنه «عبث».

وليس مصر فقط من تعول على الدور الأميركي؛ إذ قال حازم قاسم، الناطق باسم «حركة حماس»، في بيان، إن الحركة «لا تزال تثق بقدرة الرئيس الأميركي على تحقيق السلام في قطاع غزة وكل المنطقة»، مطالباً ترمب بـ«ممارسة مزيد من الضغط» على إسرائيل وإلزامها بما تم الاتفاق عليه في شرم الشيخ.

ويرى هريدي أن واشنطن تريد تنفيذ خطة السلام التي طرحها ترمب، ومصر تتفهم ذلك وتتحرك في دفع تلك الرغبة لوقائع على الأرض، مشيراً إلى أن المطلوب جدول زمني بتنفيذ التزامات «اتفاق غزة»، خاصة انسحاب إسرائيل من القطاع وهو الإجراء الذي سيوضح مستقبل الاتفاق بشكل واضح.

ويراهن الرقب على الموقف المصري «الذي يدير تطورات ملف الوساطة بذكاء وحكمة»، مشيراً إلى أن «القاهرة تدرك أهمية الموقف الأميركي في الدفع بالاتفاق وتريد أن تنهي ضغوط واشنطن ذرائع إسرائيل»، مضيفاً أن «حماس» في المقابل ليس أمامها سوى انتظار نتائج لقاء ترمب ونتنياهو على أمل أن تحقق مكاسب من الضغوط الأميركية.


الأردن يندد بإقرار الكنيست الإسرائيلي قانوناً يستهدف خدمات «الأونروا» في غزة

عَلَم الأردن في العاصمة عمّان (أ.ف.ب)
عَلَم الأردن في العاصمة عمّان (أ.ف.ب)
TT

الأردن يندد بإقرار الكنيست الإسرائيلي قانوناً يستهدف خدمات «الأونروا» في غزة

عَلَم الأردن في العاصمة عمّان (أ.ف.ب)
عَلَم الأردن في العاصمة عمّان (أ.ف.ب)

ندد الأردن بإقرار الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون يستهدف عمل ووجود وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ويقوض قدرتها على تقديم خدماتها الإنسانية في قطاع غزة.

وقالت وزارة الخارجية الأردنية في بيان، الاثنين، إن السماح بمصادرة ممتلكات «الأونروا»، وحظر تزويد منشآتها بالخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء يعد انتهاكاً لحصانات وامتيازات منظمات الأمم المتحدة وخرقاً فاضحاً للقانون الدولي.

وأكد المتحدث باسم الوزارة فؤاد المجالي أن إقرار هذه القوانين يمثل جزءاً من حملة الاستهداف الممنهج لـ«الأونروا» واستمراراً لمساعي إسرائيل لاغتيال الوكالة سياسياً وامتداداً للممارسات الإسرائيلية غير الشرعية لحرمان الشعب الفلسطيني من خدمات الوكالة.

ودعا الأردن المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية والتصدي للقرارات والممارسات الإسرائيلية التي تستهدف «الأونروا»، وتوفير الدعم السياسي والمالي اللازمين للوكالة للاستمرار في تقديم خدماتها الحيوية للاجئين الفلسطينيين.