حريق في العراق يفتح النار على «اقتصادات» الأحزاب

قصص الضحايا تشعل أحزان العراقيين... «بعضهم قضى داخل مصعد»

أقارب ضحايا حريق المركز التجاري في الكوت يحتضن بعضهم بعضاً خارج قسم الطب الشرعي بالمدينة (أ.ف.ب)
أقارب ضحايا حريق المركز التجاري في الكوت يحتضن بعضهم بعضاً خارج قسم الطب الشرعي بالمدينة (أ.ف.ب)
TT

حريق في العراق يفتح النار على «اقتصادات» الأحزاب

أقارب ضحايا حريق المركز التجاري في الكوت يحتضن بعضهم بعضاً خارج قسم الطب الشرعي بالمدينة (أ.ف.ب)
أقارب ضحايا حريق المركز التجاري في الكوت يحتضن بعضهم بعضاً خارج قسم الطب الشرعي بالمدينة (أ.ف.ب)

رغم أن حريق المركز التجاري في مدينة الكوت (جنوب العراق) لم يكن الأول من نوعه، فإن «المأساة» المتكررة فتحت ملف الفساد في عقود البناء وصِلتها بما تُعرف بـ«المكاتب الاقتصادية» التابعة للأحزاب.

وقتل 60 شخصاً على الأقل في حريق اندلع بمركز للتسوق في الكوت، جنوب بغداد، فجر الخميس، وفق ما أفادت به السلطات، في وقت ما زالت فيه عائلات تنتظر معرفة مصير أحباء كانوا في المكان الذي يضم 5 طوابق.

وقال مسؤولون إن كثيراً من الأشخاص قضوا اختناقاً داخل الحمامات، بينما أفاد شخص بأن 5 من أقاربه قضوا داخل مصعد، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

المركز التجاري في الكوت كما ظهر صباح الخميس بعد إخماد النيران (أ.ف.ب)

وقال محمد جميل المياحي، محافظ واسط حيث تقع الكوت، إن من بين الضحايا أطفالاً ونساءً، في حين أكد مصدر طبي في الكوت وجود كثير من الجثث التي لم يُتعرف عليها. كما قال شاهد عيان لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنه رأى جثثاً متفحمة في دائرة الطب العدلي بمحافظة واسط.

وقالت «هيئة النزاهة العراقية»، التي فتحت تحقيقاً في الحريق، إن عدم توفر منظومة إطفاء متكاملة تسبب في التهام النيران الطوابق الأخرى، فيما فاقم النتائج عدم توفر مخارج طوارئ، منبهة إلى عدم وجود متابعة من مديرية الدفاع المدني لمنظومة الإطفاء عند افتتاح المركز، وفق وسائل إعلام عراقية.

ولا يُلتزم غالباً بمعايير السلامة في العراق، لا سيما في قطاعي البناء والنقل، كما أن بنى تحتية تعاني من التداعي نتيجة عقود من النزاعات، مما يؤدي مراراً إلى اندلاع حرائق وكوارث مميتة أخرى.

ومع ارتفاع درجات الحرارة في الأيام الأخيرة، فقد اندلعت حرائق في متاجر ومخازن بأنحاء مختلفة من العراق.

في سبتمبر (أيلول) 2023، اندلع حريق في قاعة خلال حفل زفاف ببلدة قرقوش شمال العراق، خلف 134 قتيلاً، وقالت السلطات إن الألعاب النارية ومواد البناء شديدة الاشتعال تسببت فيه.

وفي يوليو (تموز) 2021، أسفر حريق في قسم مخصص لمرضى «كوفيد19» بمستشفى جنوب العراق عن مقتل أكثر من 60 شخصاً.

تحقيق فوري

وأعلن مجلس الوزراء الحداد الرسمي لمدة 3 أيام، وشكل لجنة تحقيق فوري دعاها إلى تحديد «أوجه القصور»، فيما عرض إقليم كردستان المساعدة في علاج الجرحى، وانهالت بيانات الهيئات الحكومية والأحزاب والمنظمات بالتعزية والمطالبة بمحاسبة المقصرين.

وقال بيان حكومي إن رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، اتخذ قراراً بمعاقبة المقصرين في حريق المركز التجاري.

وعبر محمد الحسان، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، عن حزنه العميق إثر حريق الكوت، مشدداً، في بيان صحافي، على «أهمية الحفاظ على حياة الناس بوصفها أولوية قصوى»، مؤكداً «استعداد البعثة لتقديم كل ما يمكن من دعم إنساني لتجاوز آثار الكارثة».

وقدم المرجع الشيعي في العراق، علي السيستاني، تعازيه لعائلات الضحايا. كما صرح زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر بأن «فاجعة الكوت تكشف فساد» القوى الحاكمة في البلاد.

وتزامن حديث الصدر مع موجة غضب سيطرت على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، اتهمت ما تُعرف بـ«المكاتب الاقتصادية» بتعميق كوارث الحرائق خلال العقدين الماضيين.

وتستخدم وسائل إعلام محلية تسمية «المكاتب الاقتصادية» أو «الاقتصاديات» للإشارة إلى هيئات غير رسمية تابعة لأحزاب متنفذة، مهمتها إبرام عقود إدارة استثمارات مع القطاع العام، وغالباً ما تُتهم بأنها وراء عمليات تبييض الأموال وإنشاء مشروعات استثمارية دون مراعاة شروط السلامة.

عراقيون يحملون نعش أحد ضحايا حريق المركز التجاري في الكوت جنوب بغداد (أ.ف.ب)

ولا تقترن تهم الفساد في العراق بإجراءات وتحقيقات قانونية إلا نادراً، كما يصعب الحصول على معلومات موثقة بشأنها من مصادر مستقلة، ويقول خبراء إن الكشف عن هذا النوع من القضايا يخضع للابتزاز السياسي.

وحاول صحافيون تتبع المبنى التجاري الذي نشبت فيه النيران، بالتزامن مع تقارير صحافية ربطت المستثمر أو المالك بجهات سياسية، إلا إن مدونين تداولوا أنباء عن أن مالك المركز التجاري لقي حتفه مع أفراد عائلته جراء الحريق.

وقالت «هيئة استثمار» واسط، الخميس، إن المركز التجاري الذي وقع فيه الحريق «ليس مشروعاً استثمارياً كما هو متداول»، كما أكدت أنها «لم تمنح إجازة استثمارية، ولا يوجد أي ارتباط أو علاقة للمبنى بـ(الهيئة)».

بدورها، حملت لجنة الأمن في البرلمان العراقي الجهات الرقابية والمانحة للتراخيص مسؤولية فاجعة الكوت، ودعت في بيان صحافي إلى «تدقيق شامل لجميع الأبنية العامة والخاصة، خصوصاً المولات والمراكز التجارية والمطاعم، للتأكد من مطابقتها شروط السلامة والوقاية».

رغد التي قضت في الحريق

تتبع مدونون قصص أشخاص قضوا في الحريق الضخم، وتعرف كثيرون على أصدقاء وأحباء لهم راحوا حرقاً أو خنقاً داخل المبنى المنكوب، لكن قصة الطالبة رغد وأستاذها كاظم العلي أثارت عاطفة آلاف المستخدمين على مواقع التواصل.

وبعد الحريق بوقت قصير، وما إن بدأ الناس يتعرفون على هوية الضحايا، تأكد كاظم العلي أن طالبته التي يشرف على رسالتها للماجستير قد قضت في الحريق.

الطالبة العراقية رغد التي قضت مع أخواتها بحريق المركز التجاري في الكوت جنوب بغداد (فيسبوك)

وكتب العلي: «عودي رغد، ما عدت زعلاناً. قبل وفاتها بيوم، أرسلت نسخة من رسالتها عن ترجمة الشعر العربي مع هدية كتاب لأحد الشعراء العراقيين، وسألت ما إذا كنت منزعجاً جراء تأخرها عن موعد تسليم عملها». وأضاف: «لقد أخبروني أنها توفيت مع إخوتها في حريق الهايبر ماركت». وختم العلي بعبارة: «حزني عليك عظيم يا رغد».


مقالات ذات صلة

العراق يصنف «سهواً» حلفاء إيران «إرهابيين»... وارتباك داخل «التنسيقي»

المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)

العراق يصنف «سهواً» حلفاء إيران «إرهابيين»... وارتباك داخل «التنسيقي»

في غضون ساعات، تراجع العراق عن وضع «حزب الله» وجماعة «الحوثي» على قائمة إرهاب، بعد ارتباك وذهول بين أوساط حكومية وسياسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي مناصرون يحملون أعلام «حزب الله» اللبناني في بيروت (رويترز)

السوداني يوجه بالتحقيق في خطأ يتعلق بقائمة لتجميد أموال شملت «حزب الله» و«الحوثيين»

وجَّه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اليوم الخميس، بتحقيق عاجل ومحاسبة المقصرين بشأن الخطأ بقرار لجنة تجميد الأموال.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
تحليل إخباري ولدان يجلسان على خط الأنابيب العراقي - التركي في قضاء زاخو بمحافظة دهوك بإقليم كردستان العراق (روترز)

تحليل إخباري صراع خطوط الأنابيب... ازدياد النفوذ الأميركي في العراق وتراجع الهيمنة الإيرانية

شهدت الأشهر القليلة الماضية تصعيداً خفياً وفعالاً للضغط الدبلوماسي الأميركي على الحكومة العراقية، نتج عنه إعادة فتح خط أنابيب كركوك-جيهان.

«الشرق الأوسط» (بغداد، واشنطن)
المشرق العربي 
القنصلية الأميركية الجديدة تمتد على مساحة تفوق مائتي ألف متر مربع وتضم منشآت أمنية مخصصة لقوات «المارينز» (إكس)

واشنطن تدعو العراقيين للتعاون ضد ميليشيات إيران

دعا مسؤول أميركي بارز، العراقيين إلى التعاون «لمنع الميليشيات الإيرانية من تقويض الاستقرار» في العراق.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني خلال مراسم افتتاح القنصلية الأميركية في أربيل بإقليم كردستان العراق (شبكة روداو)

واشنطن للتعاون مع الشركاء العراقيين لتقويض الميليشيات الإيرانية

قالت الولايات المتحدة إنها تكثف تعاونها مع بغداد وأربيل لمنع الفصائل المسلحة الموالية لإيران من تقويض استقرار العراق.

«الشرق الأوسط» (أربيل)

«حماس» تتوقع محاولة اغتيال لقادتها في الخارج

المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)
المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)
TT

«حماس» تتوقع محاولة اغتيال لقادتها في الخارج

المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)
المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)

تسود توقعات في حركة «حماس» بحدوث عملية اغتيال إسرائيلية جديدة لبعض قياداتها خارج الأراضي الفلسطينية.

وتحدثت مصادر كبيرة في الحركة إلى «الشرق الأوسط» عن تزايد في معدلات القلق من استهداف المستوى القيادي، خصوصاً بعد اغتيال المسؤول البارز في «حزب الله» اللبناني، هيثم الطبطبائي.

وتحدث أحد المصادر عن أن «هناك تقديرات باستهداف قيادات الحركة في دولة غير عربية»، رافضاً تحديدها بدقة.

واطلعت «الشرق الأوسط»، على ورقة تعليمات داخلية تم توزيعها على قيادات «حماس» في الخارج، تتعلق بالأمن الشخصي والإجراءات الاحتياطية لتلافي أي اغتيالات محتملة، أو على الأقل التقليل من أضرارها.

وجاء في الورقة أنه يجب «إلغاء أي اجتماعات ثابتة في مكان واحد، واللجوء إلى الاجتماعات غير الدورية في مواقع متغيرة».

وتدعو التعليمات القيادات إلى «عزل الهواتف النقالة تماماً عن مكان الاجتماع، بما لا يقل عن 70 متراً، ومنع إدخال أي أجهزة طبية أو إلكترونية أخرى، بما في ذلك الساعات، إلى أماكن الاجتماعات».

في غضون ذلك، أفادت مصادر في غزة بأن مقتل زعيم الميليشيا المسلحة المناوئة لـ«حماس»، ياسر أبو شباب، أمس، جاء في سياق اشتباكات قبلية على يد اثنين من أبناء قبيلته الترابين.

وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن شخصين شاركا في قتل أبو شباب، ينتميان إلى عائلتي الدباري وأبو سنيمة؛ إذ إن العائلتين إلى جانب أبو شباب ينتمون جميعاً إلى قبيلة الترابين.


إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات

لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات

لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)

حسمت إسرائيل، أمس، التضارب في مواقف مسؤوليها حول «الجو الإيجابي» الناجم عن المفاوضات المدنية مع لبنان، وأعطت إشارة واضحة إلى أنها ستتعامل معها بمعزل عن المسار العسكري؛ إذ شنت غارات استهدفت أربعة منازل في جنوب لبنان، أحدها شمال الليطاني، بعد أقل من 24 ساعة على اجتماع لجنة تنفيذ مراقبة اتفاق وقف النار «الميكانيزم».

وبدا التصعيد الإسرائيلي رداً على ما سربته وسائل إعلام لبنانية بأن مهمة السفير سيمون كرم، وهو رئيس الوفد التفاوضي مع إسرائيل، تمثلت في بحث وقف الأعمال العدائية، وإعادة الأسرى، والانسحاب من الأراضي المحتلة، وتصحيح النقاط على الخط الأزرق فقط، فيما أفادت قناة «الجديد» المحلية بأن رئيس الجمهورية جوزيف عون «أكد أن لبنان لم يدخل التطبيع، ولا عقد اتفاقية سلام».

وقال الرئيس عون خلال جلسة الحكومة، مساء أمس: «من البديهي ألا تكون أول جلسة كثيرة الإنتاج، ولكنها مهدت الطريق لجلسات مقبلة ستبدأ في 19 من الشهر الحالي»، مشدداً على ضرورة أن «تسود لغة التفاوض بدل لغة الحرب».


العراق «يُصحّح خطأ» تصنيف حلفاء إيران إرهابيين

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
TT

العراق «يُصحّح خطأ» تصنيف حلفاء إيران إرهابيين

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)

أثار نشر العراق، أمس (الخميس)، معلومات عن تجميد أموال «حزب الله» اللبناني، وجماعة «الحوثي» في اليمن، باعتبارهما مجموعتين «إرهابيتين»، صدمة واسعة، قبل أن تتراجع الحكومة، وتقول إنه «خطأ غير منقّح» سيتم تصحيحه.

وكانت جريدة «الوقائع» الرسمية قد أعلنت قائمة تضم أكثر من 100 كيان وشخص على ارتباط بالإرهاب، في خطوة رأى مراقبون أنها كانت ستُرضي واشنطن، وتزيد الضغط على طهران، قبل سحبها.

وأثار القرار غضب قوى «الإطار التنسيقي» الموالية لإيران؛ إذ وصف قادتها خطوة الحكومة التي يرأسها محمد شياع السوداني بأنها «خيانة»، فيما نفى البنك المركزي وجود موافقة رسمية على إدراج الجماعتين.

وقالت لجنة تجميد الأموال إن القائمة كان يُفترض أن تقتصر على أسماء مرتبطة بتنظيمي «داعش» و«القاعدة» امتثالاً لقرارات دولية، وإن إدراج جماعات أخرى وقع قبل اكتمال المراجعة.

ووجّه السوداني بفتح تحقيق، وسط جدل سياسي متصاعد حول مساعيه لولاية ثانية.

وجاءت التطورات بعد دعوة أميركية إلى بغداد لـ«تقويض الميليشيات الإيرانية»، وفي ذروة مفاوضات صعبة بين الأحزاب الشيعية لاختيار مرشح توافقي لرئاسة الحكومة الجديدة.