تحذيرات من عودة تنظيم «داعش» إلى سوريا والعراق

مركبات عسكرية أميركية في الحسكة شمال شرقي سوريا خلال ديسمبر 2024 (رويترز)
مركبات عسكرية أميركية في الحسكة شمال شرقي سوريا خلال ديسمبر 2024 (رويترز)
TT

تحذيرات من عودة تنظيم «داعش» إلى سوريا والعراق

مركبات عسكرية أميركية في الحسكة شمال شرقي سوريا خلال ديسمبر 2024 (رويترز)
مركبات عسكرية أميركية في الحسكة شمال شرقي سوريا خلال ديسمبر 2024 (رويترز)

حذر زعماء في منطقة الشرق الأوسط وحلفاء غربيون من احتمال استغلال تنظيم «داعش» سقوط نظام بشار الأسد للعودة إلى سوريا والعراق، حيث فرض التنظيم المتطرف ذات يوم سطوته بالإرهاب على الملايين.

ويرى أكثر من 20 مصدراً، بينهم مسؤولون أمنيون وسياسيون من سوريا والعراق والولايات المتحدة وأوروبا، ودبلوماسيون في المنطقة، أن هذا هو تحديداً ما يسعى التنظيم إلى تحقيقه.

وتقول المصادر إن التنظيم بدأ إعادة تنشيط مقاتليه في البلدين، وبدأ أيضاً تحديد أهداف محتملة، وتوزيع أسلحة، وتكثيف جهود التجنيد والدعاية.

وتبدو نتائج هذه المساعي محدودة حتى الآن. وقال عناصر أمن في سوريا والعراق يراقبون التنظيم منذ سنوات، لوكالة «رويترز»، إنهم أحبطوا ما لا يقل عن 12 مخططاً كبيراً هذا العام.

ومن الأمثلة على ذلك مؤخراً ما جرى في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهو الشهر ذات الذي أُطيحَ فيه الأسد.

وقال 5 من مسؤولي مكافحة الإرهاب في العراق لـ«الوكالة» إن قادة في التنظيم متحصنين قرب الرقة أرسلوا مبعوثَين للعراق بالتزامن مع التقدم الذي أحرزته قوات من المعارضة المسلحة في سوريا.

وأضافوا أن المبعوثَين حملا تعليمات شفهية لأتباع التنظيم بشن هجمات، لكن قُبض عليهما عند نقطة تفتيش لدى تنقلهما في شمال العراق يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) 2024.

وبعد مرور 11 يوماً على ذلك، تمكنت قوات الأمن العراقية، بناء على معلومات حصلت عليها من المبعوثَين، من تعقب من يُشتبه في أنه انتحاري من «داعش» كان متجهاً إلى مطعم مكتظ ببلدة داقوق بشمال البلاد، عبر تتبع هاتفه الجوال. وقال المسؤولون إن القوات أطلقت النار على الرجل وأردته قبل أن يتمكن من تفجير حزام ناسف.

وذكر العقيد عبد الأمير البياتي، من «الفرقة الثامنة» بالجيش العراقي المنتشرة في المنطقة، أن الهجوم الذي أُحبط أكد شكوك العراق بشأن التنظيم. وقال: «بدأ عناصر تنظيم (داعش) إعادة تفعيل نشاطهم بعد سنوات من الخمول، مستغلين الفوضى في سوريا».

ومع ذلك، فقد انخفض عدد الهجمات التي يتبناها التنظيم منذ سقوط الأسد.

ووفقاً لبيانات مجموعة «سايت إنتيليجنس»، المعنية بمراقبة نشاط المتشددين عبر الإنترنت، فقد أعلن التنظيم مسؤوليته عن 38 هجوماً في سوريا خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025؛ مما يجعل من المتوقع أن يعلن عن إجمالي يزيد قليلاً على 90 هجوماً هذا العام. وتشير البيانات إلى أن هذا سيشكل نحو ثلث عدد هجمات العام الماضي التي أعلن التنظيم مسؤوليته عنها.

وفي العراق، حيث نشأ التنظيم، أعلن «داعش» مسؤوليته عن 4 هجمات في الأشهر الخمسة الأولى من 2025، مقابل 61 هجوماً في الإجمال العام الماضي.

ولم ترد الحكومة السورية على أسئلة بشأن أنشطة التنظيم.

وقال وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، لـ«رويترز» في يناير (كانون الثاني) الماضي إن الدولة تطور جهودها في جمع المعلومات الاستخبارية، وإن أجهزتها الأمنية ستتصدى لأي تهديد.

وقال مسؤول دفاعي أميركي ومتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي إن قدرات فلول التنظيم في سوريا والعراق ضعفت إلى حد كبير؛ إذ لم يتمكنوا من السيطرة على أي مناطق منذ طردَهم تحالف قادته الولايات المتحدة وشركاء محليون من آخر معاقلهم في 2019.

وقال صباح النعمان، المتحدث باسم الجيش العراقي، إن العمليات الاستباقية هي التي أدت إلى إبقاء التنظيم تحت السيطرة.

وبعد سقوط الأسد، استهدف التحالف وشركاؤه مخابئ المتشددين بغارات جوية ومداهمات. وأوضح النعمان أن هذه العمليات أسفرت عن اعتقال أو قتل «عناصر إرهابية»، ومنعتهم من إعادة تنظيم صفوفهم وتنفيذ عمليات.

وأضاف أن عمليات المخابرات العراقية أصبحت أدق عبر استخدام الطائرات المسيّرة وغيرها من التقنيات.

مجموعة من قوات الأمن السورية في محافظة حلب (أ.ب)

وفي أوج قوته من عام 2014 إلى 2017، سيطر التنظيم على نحو ثلث سوريا والعراق، حيث ارتكب أعمال عنف وحشية.

ولم يشر أي من المسؤولين الذين تحدثوا لـ«الوكالة» إلى خطر من تكرار ذلك. لكنهم حذروا من مغبة استبعاد التنظيم من الحسابات، قائلين إنه أثبت أنه عدو لديه مرونة ويمكنه استغلال أي فراغ أمني ببراعة.

ويشعر بعض المسؤولين بالمنطقة وفي أوروبا بالقلق من احتمال سفر مقاتلين أجانب إلى سوريا للانضمام إلى جماعات متطرفة.

وقال مسؤولان أوروبيان لـ«الوكالة» إن أجهزة المخابرات رصدت لأول مرة منذ سنوات وصول عدد محدود ممن يُشتبه في أنهم من المقاتلين الأجانب من أوروبا إلى سوريا في الأشهر القليلة الماضية. إلا إنهما لم يتمكنا من تحديد ما إذا كان التنظيم أم جماعة أخرى هي التي جندتهم.

استغلال الانقسامات

يأتي ضغط التنظيم في وقت حساس بالنسبة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع؛ إذ يحاول توحيدَ بلد متعدد الطوائف، ووضعَ جماعات المعارضة المسلحة السابقة تحت سيطرة الحكومة، بعد حرب استمرت 13 عاماً.

وعُدّ قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، المفاجئ الشهر الماضي رفع العقوبات عن سوريا انتصاراً للزعيم السوري الذي قاد في السابق فرعاً من تنظيم «القاعدة» حارب تنظيم «داعش» لسنوات.

لكن بعض المتطرفين انتقدوا جهود الشرع لكسب ود حكومات غربية، وعبروا عن قلقهم من أنه قد يرضخ لمطالب الولايات المتحدة بطرد المقاتلين الأجانب وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

واستغل التنظيم هذه الانقسامات، وندد بالاجتماع مع ترمب في عدد حديث من نشرته الإخبارية الإلكترونية التي تحمل اسم «النبأ»، ودعا المقاتلين الأجانب في سوريا للانضمام إلى صفوفه.

وفي اجتماع يوم 14 مايو (أيار) الماضي بالسعودية، طلب ترمب من الشرع الإسهام في منع عودة ظهور التنظيم، في وقت بدأت فيه الولايات المتحدة عمليات دمج لقواتها في سوريا تقول إنها قد تقلص إلى النصف هذا العام وجودها العسكري البالغ نحو ألفي جندي.

وزاد احتمال الانسحاب الأميركي من القلق بين الحلفاء من احتمال توصل التنظيم إلى طريقة لتحرير نحو 9 آلاف مقاتل وأفراد أسرهم، بينهم أجانب، محتجزين في سجون ومعسكرات تحرسها «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» التي يقودها أكراد ومدعومة من الولايات المتحدة.

وقالت «قسد» إن محاولتين على الأقل للهروب من السجن حصلتا منذ سقوط الأسد.

ويريد ترمب والرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن تتولى الحكومة السورية مسؤولية هذه السجون والمعسكرات، لكن بعض المحللين في المنطقة يُشككون في امتلاك دمشق القوة البشرية اللازمة لذلك. وينظر إردوغان إلى الجماعات الكردية الرئيسية على أنها تهديد لبلاده.

وتواجه السلطات السورية صعوبات في التصدي لهجمات يشنها من يُشتبه في موالاتهم للأسد، كما تعاني من اندلاع عنف طائفي سقط فيه قتلى، ومن غارات جوية إسرائيلية، ومن اشتباكات تنشب بين جماعات مدعومة من تركيا و«قسد» التي تسيطر على نحو ربع البلاد.

وقال تشارلز ليستر، الذي يرأس «برنامج سوريا» في «معهد الشرق الأوسط»، وهو مؤسسة بحثية أميركية: «الحكومة المؤقتة منهكة من الناحية الأمنية. ليست لديهم القوة البشرية الكافية لتعزيز السيطرة على كامل البلاد».

ورداً على طلب للحصول على تعليق، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن من الضروري أن تستعيد الدول مواطنيها المحتجزين من سوريا، وأن تتحمل جزءاً أكبر من عبء تأمين المعسكرات وتكاليف تشغيلها.

وقال مسؤول دفاعي أميركي إن واشنطن لا تزال ملتزمة منع عودة التنظيم، وإن شركاءها السوريين الموثوقين لا يزالون موجودين في الميدان. وأضاف المسؤول أن الولايات المتحدة «ستراقب بيقظة» حكومة الشرع التي «تقول وتفعل الصواب» حتى الآن.

وبعد 3 أيام من اجتماع ترمب مع الشرع، أعلنت سوريا أنها داهمت مخابئ للتنظيم في حلب؛ ثانية كبرى مدن البلاد، وقتلت 3 مسلحين، واعتقلت 4، وضبطت أسلحة وأزياء عسكرية.

وقال مسؤول دفاعي أميركي آخر ومسؤولان سوريان لـ«الوكالة» إن الولايات المتحدة تتبادل معلومات استخبارية مع دمشق في حالات محدودة. ولم تتمكن «الوكالة» من تحديد ما إذا كانت واشنطن قد فعلت ذلك فيما يتعلق بمداهمات حلب.

ومن المتوقع أن ينهي التحالف عملياته في العراق بحلول سبتمبر (أيلول) المقبل. لكن المسؤول الأميركي الثاني قال إن بغداد أبدت سراً اهتمامها بإبطاء انسحاب نحو 2500 جندي أميركي من العراق عندما أصبح من الواضح أن الأسد سيسقط. وأكد مصدر مطلع على الأمر هذا الطلب.

ولم يرد البيت الأبيض وبغداد ودمشق على أسئلة بشأن خطط ترمب للقوات الأميركية في العراق وسوريا.

عربات مدرّعة لقوات الأمن العراقية في محيط السفارة الأميركية ببغداد (رويترز)

تنشيط الخلايا النائمة

وتقدر الأمم المتحدة أن التنظيم لديه ما بين 1500 و3000 مقاتل في البلدين. لكن بيانات موقع «سايت» تظهر أن أنشط فروعه موجودة في أفريقيا.

وقال مسؤول دفاعي كبير للصحافيين، في أبريل (نيسان) الماضي، إن الجيش الأميركي يعتقد أن الزعيم السري للتنظيم هو عبد القادر مؤمن الذي يتزعم ذراع التنظيم في الصومال.

وحذرت ريتا كاتز، مديرة موقع «سايت»، من مغبة رؤية تراجع هجمات التنظيم في سوريا على أنها علامة ضعف. وقالت: «المرجح هو أنه دخل مرحلة إعادة صياغة لاستراتيجيته».

وقال 3 مصادر أمنيين و3 مسؤولين سياسيين في سوريا لـ«الوكالة» إن التنظيم يعمل منذ سقوط الأسد على تنشيط خلايا نائمة، ومراقبة أهداف محتملة، وتوزيع أسلحة وكواتم صوت ومتفجرات.

وأشارت المصادر الأمنية إلى أن التنظيم نقل أيضاً مقاتلين من صحراء سوريا، التي كانت محل تركيز الضربات الجوية للتحالف، إلى مدن بالداخل، منها حلب وحمص ودمشق.

وقال وزير الداخلية السوري، أنس خطاب، لقناة «الإخبارية» التلفزيونية الرسمية الأسبوع الماضي: «تنظيم (داعش) من أخطر التحديات الأمنية التي نواجهها اليوم».

وفي العراق، قال علي الساعدي، وهو مستشار لقوات الأمن العراقية، لـ«الوكالة» إن عمليات الاستطلاع الجوي ومصادر المخابرات على الأرض «رصدت نشاطاً متنامياً للتنظيم في تلال حمرين شمال البلاد، التي شكلت ملاذاً منذ مدة طويلة، وعلى طول طرق رئيسية».

ويعتقد مسؤولون عراقيون أن التنظيم استولى على كميات كبيرة من الأسلحة التي تركتها قوات الأسد، ويخشون تهريب بعضها إلى العراق.

وقال وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، إن بغداد على اتصال مع دمشق بشأن التنظيم. وقال الوزير لـ«الوكالة»، في يناير (كانون الثاني) الماضي، إن التنظيم ينمو وينتشر في مزيد من المناطق. وأضاف: «نأمل أن تكون سوريا مستقرة في المقام الأول، وألا تكون مكاناً للإرهابيين... خصوصاً إرهابيي (داعش)».


مقالات ذات صلة

مقتل وإصابة 11 من عناصر «قسد» في شمال شرقي سوريا

المشرق العربي قوى الأمن الداخلي في أحد مقراتها بمدينة الحسكة في شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

مقتل وإصابة 11 من عناصر «قسد» في شمال شرقي سوريا

أعلنت قوى الأمن الداخلي التابعة لـ«الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا» عن مقتل 5 من عناصرها وإصابة اثنين آخرين في سلسلة هجمات مسلحة.

كمال شيخو (القامشلي (سوريا))
أوروبا سيارة شرطة في دورية بينما يتجمع محبو المغنية تايلور سويفت عقب إلغاء ثلاث حفلات لها في ملعب هابل في فيينا بالنمسا بعد تأكيد الحكومة وجود هجوم مُخطط له على المكان 8 أغسطس 2024 (رويترز)

محاكمة فتى سوري في ألمانيا بتهمة التخطيط لهجوم على حفلات تايلور سويفت

بدأت في العاصمة الألمانية برلين محاكمة مشتبه به يعتقد أنه من أنصار تنظيم «داعش» كان يحضّر لهجوم على حفلات للمغنية تايلور سويفت.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا يحاول ضباط الشرطة منع المتظاهرين من ربط أذرعهم خلال احتجاج يطالب بإلغاء حظر مجموعة «تحرك من أجل فلسطين» في ساحة القديس بطرس بمانشستر 12 يوليو 2025 (رويترز)

اعتقال أكثر من 70 شخصاً خلال احتجاجات في لندن رفضاً لحظر جماعة «فلسطين أكشن»

اعتقلت شرطة العاصمة البريطانية أكثر من 70 شخصاً، خلال احتجاج في وسط لندن ضد تصنيف مجموعة «تحرك من أجل فلسطين» منظمةً إرهابيةً من قبل الحكومة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس برَّاك في القصر الرئاسي بدمشق (أرشيفية- أ.ف.ب)

برَّاك: هناك سوريا واحدة

أكد المبعوث الأميركي الخاصّ إلى سوريا، توماس برَّاك، أن هناك «سوريا واحدة» ولا مجال لأي شكل من أشكال التقسيم.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
آسيا تشكل الأفغانيات 35 % من العاملات في المؤسسات المحلية والأجنبية و45 % من طلبة الجامعات (رويترز)

رغم الاعتراض الأميركي ... قرار أممي يدين أسلوب حكم «طالبان» في أفغانستان

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدعو حكام «طالبان» في أفغانستان إلى التراجع عن سياساتها القمعية المتزايدة تجاه النساء والفتيات، والقضاء على جميع التن

«الشرق الأوسط» (نيويورك - برلين - كابل)

من هو جورج عبد الله «المقاتل» اللبناني الذي أمضى نصف عمره في السجن

جورج إبراهيم عبد الله خلال محاكمته بتهمة التواطؤ في مقتل دبلوماسيين (أ.ف.ب)
جورج إبراهيم عبد الله خلال محاكمته بتهمة التواطؤ في مقتل دبلوماسيين (أ.ف.ب)
TT

من هو جورج عبد الله «المقاتل» اللبناني الذي أمضى نصف عمره في السجن

جورج إبراهيم عبد الله خلال محاكمته بتهمة التواطؤ في مقتل دبلوماسيين (أ.ف.ب)
جورج إبراهيم عبد الله خلال محاكمته بتهمة التواطؤ في مقتل دبلوماسيين (أ.ف.ب)

عاد اسم جورج إبراهيم عبد الله (74 عاماً) إلى الواجهة مجدداً مع إعلان القضاء الفرنسي اليوم (الخميس) الإفراج عنه أواخر الشهر الحالي، بعدما أمضى 41 عاماً في السجن جعلت منه أقدم السجناء السياسيين في أوروبا.

فمن هو جورج عبد الله؟

وُلد جورج إبراهيم عبد الله في عام 1951 ببلدة القبيات الشمالية من عائلة لبنانية مارونية متوسطة، وكان والده عنصراً بالجيش اللبناني.

وكان عبد الله شاهداً على نكسة يونيو (حزيران) 1967في مطلع شبابه، حيث أسهمت «هزيمة يونيو» في تشكيل وعي جيل بأكمله تجاه قضايا التحرر والمقاومة.

وفي الـ15 من عمره، انضم جورج عبد الله إلى صفوف الحزب «القومي السوري الاجتماعي»، وكان مناصراً للقضية الفلسطينية في ظل الحرب الأهلية، التي كانت دائرة في لبنان.

منذ صغره تميَّز جورج عبد الله بذكائه وسرعة بديهته وعشقه للقراءة، ما مكَّنه من التخرج في «دار المعلمين» في الأشرفية ببيروت وهو في سن الـ19 من عمره عام 1970، ثم بدأ حياته المهنية مدرساً في مدرسة بمنطقة أكروم بعكار، وبدأ آنذاك وعيه يتبلور نتيجة الأوضاع المأساوية التي تعاني منها المنطقة.

مناهض لـ«الإمبريالية» ومناصر للفلسطينيين

وفي عام 1978 انتقل إلى الجنوب ليشارك في المعارك لصد الاجتياح الإسرائيلي وقتها، حيث أُصيب هناك، وانضم بعدها إلى صفوف «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، التي كان يتزعمها جورج حبش، وعُرف عن عبد الله وقتها تقربه الشديد بوديع حداد مؤسس فكرة الجبهة، وتأثره بأفكاره الثورية الماركسية.

وفي عام 1979 قرر الانفصال عن الجبهة، وتأسيس تنظيمه الخاص، فأطلق تنظيم «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية»، وضم عدداً صغيراً من أشقائه وأقربائه وأصدقائه المقربين. وهو تنظيم ماركسي مناهض للإمبريالية.

جورج عبد الله أمضى 41 عاماً في السجن جعلت منه أقدم السجناء السياسيين في أوروبا (إكس)

ونُسبت إلى الحركة مجموعة من أعمال الاغتيال، بما في ذلك مقتل تشارلز راي، نائب الملحق العسكري في السفارة الأميركية بفرنسا، ويعقوب بارسيمانتوف المستشار الثاني في السفارة الإسرائيلية في باريس.

ووفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، كانت لديه اتصالات مع حركات وشخصيات صُنفت «إرهابية» مثل «العمل المباشر» (فرنسا) و«الألوية الحمراء» (إيطاليا) ومع كارلوس الفنزويلي، وفصيل «الجيش الأحمر» (ألمانيا).

«أنا مقاتل ولست مجرماً»

وفي أثناء محاكمته بفرنسا، قال جورج مقولته المشهورة: «أنا مقاتل ولست مجرماً»، مؤكداً أن اختياره هذا الطريق كان «رداً على انتهاك حقوق الإنسان في فلسطين»، وأن ما فعله «مقاومة».

خلال محاكمته قال جورج عبد الله جملته الشهيرة: «أنا مقاتل ولست مجرماً» (أ.ف.ب)

الاعتقال

كان جورج عبد الله يقيم في سويسرا، قبل أن يذهب إلى فرنسا لتسليم وديعة شقة أستأجرها، ودخل في عام 1984 إلى مركز للشرطة في ليون، طالباً الحماية من قتلة «الموساد» الذين يطاردونه. واعتقلته الشرطة الفرنسية في مدينة ليون في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1984 بتهمة حيازة جواز جزائري مزور، وحُكم عليه بالسجن 4 سنوات في سجن لانميزان.

ورداً على اعتقاله، اختطفت مجموعته المسلحة الدبلوماسي الفرنسي سيدني جيل بيرول في 23 مارس (آذار) 1985، ووافقت فرنسا على تبادل المعتقلين عبر الجزائر، غير أنها لم تفِ بوعدها بإطلاق سراح جورج عبد الله.

توقيف جورج عبد الله في فرنسا (رويترز)

عبد الله الذي كان حينها يحمل جواز سفر جزائرياً، استخدم جوازات سفر من مالطا والمغرب واليمن لدخول يوغوسلافيا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا وقبرص. لكن السلطات الفرنسية سرعان ما أدركت أن الرجل الذي يجيد اللغة الفرنسية ليس سائحاً، وإنما هو «عبد القادر السعدي»، وهو اسمه الحركي.

وفي مارس 1987، حُكم على جورج عبد الله بالمؤبد بتهمة «التواطؤ في أعمال إرهابية»، والمشاركة في اغتيال الدبلوماسيَّين الأميركي والإسرائيلي.

وبحسب محاميه ومناصريه، فإن محاكمة عبد الله كانت موجهة من قبل قوة أجنبية - في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية - عارضت طلبات الإفراج عنه.