مؤتمر باريس لدعم سوريا مستعد للكثير مقابل تعهدات وضمانات

فرنسا ستعيد فتح سفارتها في دمشق وماكرون يدعو «قسد» للاندماج في الجيش الوطني

المشاركون في المؤتمر الدولي حول سوريا بباريس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
المشاركون في المؤتمر الدولي حول سوريا بباريس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
TT

مؤتمر باريس لدعم سوريا مستعد للكثير مقابل تعهدات وضمانات

المشاركون في المؤتمر الدولي حول سوريا بباريس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
المشاركون في المؤتمر الدولي حول سوريا بباريس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

حدد الرئيس الفرنسي في كلمته الختامية لمؤتمر دعم سوريا الذي استضافته باريس، الخميس، التحديات الأربعة التي تواجهها سوريا، واستعداد الأسرة الدولية للوقوف إلى جانبها.

وأكد إيمانويل ماكرون ما كانت قد أشارت إليه مصادر الإليزيه، الأربعاء، بـ«العودة السريعة للأنشطة الدبلوماسية» مع سوريا، ما يعني إعادة فتح السفارة الفرنسية في دمشق، وبذلك تكون باريس أول عاصمة غربية تقوم بهذا العمل، كما يعني أن عواصم غربية أخرى ستتشجع بعد الخطوة الفرنسية وتحذو حذو باريس.

وبينما عدّ ماكرون استمرار وجود «داعش» شكل مصدر خطر على كل العملية الانتقالية في سوريا، وعلى جيرانها، لا، بل على أوروبا، كما قال وزير خارجيته، فقد أعلن أن بلاده مستعدة للوقوف الى جانب سوريا، وأنها مستعدة لبذل المزيد من الجهود لمحاربة الجماعات الإرهابية، مضيفاً أنه لا ينبغي لسوريا أن تشهد مجدداً عودة الجماعات الإرهابية التابعة إيران.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحدث خلال المؤتمر الدولي حول سوريا بمركز المؤتمرات الوزاري في باريس (إ.ب.أ)

وفي السياق الأمني، كانت بارزة إشارة ماكرون إلى أهمية دمج «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في الجيش الوطني السوري. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن ماكرون، خلال اتصاله بأحمد الشرع، رئيس السلطة الانتقالية، شدد على تمسكه بالوقوف إلى جانب «قسد»، فيما لم تظهر بوضوح ما ستقوم به الإدارة الأميركية الجديدة إزاءها. وأضاف ماكرون، خلال مؤتمر دولي حول سوريا في باريس، إن «قوات سوريا الديمقراطية» بقيادة الأكراد والمدعومة من الغرب يجب أن تدمج في القوات الوطنية السورية. وبحسب ماكرون، فإن القتال ضد «داعش» يجب أن يتواصل.

وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي تتحدث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال المؤتمر الدولي حول سوريا في باريس (رويترز)

أما التحدي الثاني بالنسبة لماكرون، فيتمثل في قيام حوكمة «تمثل وتحترم الجميع»، وتوجه إلى السوريين قائلاً: «قدرتكم على توفير هذه الحوكمة مسألة أساسية وهي شرط الاستقرار وتخدم هدف الأمن، كما أنها شرط لعودة اللاجئين». مشيراً إلى قراره منح السوريين اللاجئين في فرنسا الفرصة للعودة إلى سوريا مؤقتاً، من غير أن يخسروا وضعيتهم بوصفهم لاجئين في فرنسا.

ومن تحدي الحوكمة، انتقل ماكرون إلى التحدي الإنساني وإيصال المساعدات الإنسانية وما يتطلبه ذلك من إجراءات من الخارج والداخل في آن واحد. وطالب ماكرون بالشفافية لتشجيع المانحين الدوليين. أما التحدي الأخير فيتناول توفير العدالة ومحاربة الإفلات من العقاب. وفي هذا المجال أيضاً، تبدي فرنسا استعداها للمساعدة.

نريد سوريا موحدة

في كلمته الافتتاحية، حرص جان نويل بارو على توضيح إطار المؤتمر، والمنتظر من الأطراف المشاركة، وأيضاً من الجانب السوري الذي مثله وزير الخارجية أسعد الشيباني. فالغرض من المؤتمر «رسم خريطة طريق متوافق عليها لدعم سوريا» التي يفترض أن تكون «موحدة، تعيش بسلام، مستقرة ومنخرطة في محيطها الإقليمي»، وهوما يشكل الرسالة الأولى. ويريد بارو، ومعه الأسرة الدولية، «ألا تبقى سوريا مُسخّرة بعد الآن لضرب الاستقرار في المنطقة».

وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان نويل بارو يعقد مؤتمراً صحافياً عقب المؤتمر الدولي حول سوريا في بالمؤتمرات الوزاري في باريس (أ.ف.ب)

وبالمقابل، فإن المطلوب «المحافظة على الأمل الهش الذي ولد في 8 ديسمبر (كانون الأول) الماضي» مع سقوط نظام الأسد. وكي تعيش بسلام، لا بد، وفق المسؤول الفرنسي من التوصل، إلى «وقف شامل لإطلاق للنار، بما في ذلك الشمال والشمال الشرقي ووضع حد للتدخل الخارجي في جنوب البلاد»، في إشارة خجولة لما تقوم به القوات الإسرائيلية في هذه المنطقة. ودعا بارو المؤتمرين لتوفير «المناخات الضرورية» لتحقيق الهدف الأول الرئيسي.

بحاجة إلى ضمانات

بيد أن هذه الطموحات لا يمكن أن تتحقق من غير حشد جهود الأسرة الدولية وهو ما يشكل الرسالة الثانية. ولذا، فإن المطلوب «دعم سوريا في المرحلة الانتقالية»، و«التحرك سريعاً وبشكل منسق»، ما يفترض إيصال المساعدات الإنسانية وتسهيل المعاملات المالية لإعادة إعمار البلاد سريعاً. وشدد بارو على ضرورة «الرفع السريع للعقوبات أكانت أممية أو أوروبية أو على المستويات الوطنية»، بحيث لا تعود «تشكل عقبة أمام إعادة إنهاض سوريا».

أما رسالة المسؤول الفرنسي الثالثة، فموجهة للسوريين لتأكيد استعداد الأسرة الدولية للمساعدة في عملية إعادة الإعمار وتوفير العدالة الانتقالية، إذ «إنها السبيل لشفاء جراح السوريين». بيد أن الشركاء كما يقول بارو، «بحاجة إلى تطمينات من أن رسائلنا تصل إلى مسامعكم»، وأولاها أن عملية الانتقال الناجحة «يجب أن تضم كل مكونات المجتمع السوري»، منوهاً بما أعلن مؤخراً عن تشكيل الهيئة التمهيدية للحوار وتشكيل حكومة جديدة بداية مارس (آذار) المقبل. وشدد بارو على أن المؤتمرين «لا يريدون فرض منهج أو تقديم مطالب غير واقعية، لكن شركاءكم في الخارج يحتاجون لروزنامة انتقالية واضحة قد تكون بالتعاون مع الأمم المتحدة».

وبنظره، فإن الانتقال الناجح يعني «توفير الأمن لكل السوريين ولكل شركاء سوريا، بحيث تصمت الأسلحة في كل مكان وبحيث لا تعود سوريا ملاذاً للتنظيمات الإرهابية التي يمكن أن تهدد أمن جيرانكم وأمن أوروبا».

كذلك أشار وزير الخارجية الفرنسي إلى ضرورة التخلص مما تبقى من الأسلحة الكيماوية، ووقف عمليات التهريب والمخدرات، داعياً إلى قيام مؤسسات تخدم المواطنين وتوفر الخدمات الأساسية.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (وسط الصورة) يتحدث بجوار وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال المؤتمر الدولي حول سوريا في مركز المؤتمرات الوزاري بباريس الخميس (إ.ب.أ)

وزيرة خارجية ألمانيا تحذر من الإخفاقات

ما قاله بارو، جارته فيه نظيرته وزيرة خارجية ألمانيا، أنالينا بايربوك، بشكل عام. بيد أن هذه الأخيرة حذرت من أن «الشيء الواضح بالنسبة لنا جميعاً، هو أن إعادة بناء سوريا ستكون مهمة ضخمة، ستشهد انتكاسات متكررة. وسندعم كل ما يعزز عملية سياسية آمنة للجميع في سوريا».

لكنها في الوقت عينه، رأت أن التعاون الوثيق بين أوروبا والدول العربية ضروري لضمان نجاح عملية الانتقال السلمي في سوريا.

وكما الرئيس الفرنسي، فقد حذرت بايربوك وغيرها من الوزراء الذين حضروا المؤتمر من الانفلات الأمني، ومرة أخرى ربطت نجاحه بالدعم المشترك الذي يمكن أن توفره الدول العربية بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي. كذلك نوهت بالحاجة إلى تفعيل العدالة الانتقالية التي خصص لها اجتماع خاص بعد ظهر الأربعاء في معهد العالم العربي، الذي نقل بارو تفاصيله إلى المجتمعين في جلسة العمل المشتركة.

وبالنسبة للاجئين، ومنهم مئات الآلاف الذين استقروا في ألمانيا، فإن بايربوك عدّت أنه في حال توفير مسار آمن للعملية الانتقالية، فإن ذلك سيشجع بلا شك العديد من اللاجئين على العودة إلى بلادهم.

العمل الإنساني وشروطه

صباح الخميس، نظمت الخارجية الفرنسية اجتماعاً أداره الوزير المنتدب الثاني محمد سويلحي، بحضور أسعد الشيباني، وضم الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمفوضية الأوروبية والبنك الأوروبي للتنمية وإعادة الإعمار والصليب الأحمر وبرنامج الغذاء العالمي واليونيسيف ومنظمة الصحة الدولية، للبحث في تنسيق الجهود بين المؤسسات الدولية والسلطات الانتقالية السورية والنظر في التحديات الإنسانية في سوريا والجهود الضرورية لإعادة الإعمار وإعادة تأهيل البلاد.

وجاء في بيان للخارجية الفرنسية أن المناقشات أظهرت الرغبة في العمل المشترك من أجل ضمان الوصول الحر للمساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق السورية وعبر الحدود وتوفير الحماية للعاملين في الحقل الإنساني.

كذلك توافق المجتمعون على «مواكبة» عملية إعادة الإعمار، خصوصاً في القطاعات الرئيسية مثل الطاقة والنقل والمياه والتعليم والصحة، والعمل على رفع العقوبات، على أن يستفيد السوريون كافة منها.

فضلاً عن ذلك، توافق المجتمعون على تسهيل عودة اللاجئين والنازحين شرط أن تكون آمنة وطوعية وكريمة.

وجاء في البيان أنه «يتعين على كل الأطراف أن تدعم جهود المفوضية العليا للاجئين لمساعدة الراغبين في العودة إلى سوريا». وبحث المجتمعون في كيفية الاستجابة لتحديات إنهاض سوريا وتنميتها بـ«التعاون الوثيق مع السلطات السورية» في القطاعات كافة.

بيد أن المجتمعين بقوا في حدود البحث والتنسيق من غير تناول الموضوع الرئيسي، أي تمويل هذه النشاطات التي بدأت تعاني بقسوة من قرار وقف المساعدات الأميركية.

لقاء فرنسي سعودي

وقبل بدء أعمال المؤتمر عقد وزيرا الخارجية الفرنسي جان نويل بارو ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، اجتماعاً تناولا فيه مجموعة من الملفات الخاصة بغزة ولبنان وسوريا.

وجاء في بيان صادر عن الخارجية الفرنسية أن الوزيرين «توافقا على أهمية دعم عملية انتقال سياسي عادل وشامل تلبي تطلعات الشعب السوري وتحترم حقوق جميع السوريين، وهو هدف مؤتمر باريس حول سوريا».

المؤتمر ما له وما عليه

ثمة مجموعة من الرسائل التي وجهها المؤتمرون وسعى الوزير بارو إلى طرحها في كلمته الافتتاحية للمؤتمر، حيث عدّ عنوان رسالة المؤتمر الأولى هو أن الأسرة الدولية تراقب من كثب التحولات الجارية في سوريا منذ الثامن من ديسمبر الماضي، وتريد «توفير شبكة أمان» للمرحلة الانتقالية حتى لا تنزلق في متاهات خطرة. وتريد الأسرة المشار إليها «ضمانات» ملموسة تعكس رغبة السلطات الانتقالية الجديدة، وعلى رأسها أحمد الشرع الذي أعلن رئيساً للدولة، لجهة أن تكون المرحلة الانتقالية سياسية وسلمية وجامعة.

من هنا، ترى مصادر معنية بالوضع السوري في باريس، أن توقيت الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة مع بداية الشهر المقبل، قبل يومين من موعد المؤتمر وتسمية الهيئة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، ومن أعضائها سيدتان، جاءا من باب طمأنة المؤتمرين في باريس وإظهار أن السلطات الجديدة تعي تطلعات ومخاوف الدول والمنظمات المهتمة بالشأن السوري.

ويكمن في لب المخاوف القلق من انحراف العملية الانتقالية عن مسارها، ومن الأحداث الأمنية المتواترة، ومن عودة «داعش»، ومن الوضع الإقليمي وانعكاساته على الوضع الداخلي السوري، ومن عدم توافر مقومات الإنهاض الاقتصادي، وملف اللاجئين والنازحين، فضلاً عن الخوف من أن تكون سوريا سبباً لمزيد من زعزعة الاستقرار في محيطها.

لذا، فإن مناقشات باريس توسلت حشد وتنسيق الجهود العربية والإقليمية والدولية من أجل عملية انتقالية سلمية الطابع وتشمل جميع الأطراف وحشد شركاء سوريا الرئيسيين لتحسين التعاون وتنسيق المساعدات للشعب السوري. ولأن سلمية العملية بأسرها تفترض تحقيق العدالة، فإن المؤتمرين تباحثوا في كيفية تحقيق العدالة الانتقالية ومكافحة الإفلات من العقاب.


مقالات ذات صلة

اعتقال أكثر من 70 شخصاً خلال احتجاجات في لندن رفضاً لحظر جماعة «فلسطين أكشن»

أوروبا يحاول ضباط الشرطة منع المتظاهرين من ربط أذرعهم خلال احتجاج يطالب بإلغاء حظر مجموعة «تحرك من أجل فلسطين» في ساحة القديس بطرس بمانشستر 12 يوليو 2025 (رويترز)

اعتقال أكثر من 70 شخصاً خلال احتجاجات في لندن رفضاً لحظر جماعة «فلسطين أكشن»

اعتقلت شرطة العاصمة البريطانية أكثر من 70 شخصاً، خلال احتجاج في وسط لندن ضد تصنيف مجموعة «تحرك من أجل فلسطين» منظمةً إرهابيةً من قبل الحكومة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس برَّاك في القصر الرئاسي بدمشق (أرشيفية- أ.ف.ب)

برَّاك: هناك سوريا واحدة

أكد المبعوث الأميركي الخاصّ إلى سوريا، توماس برَّاك، أن هناك «سوريا واحدة» ولا مجال لأي شكل من أشكال التقسيم.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
آسيا تشكل الأفغانيات 35 % من العاملات في المؤسسات المحلية والأجنبية و45 % من طلبة الجامعات (رويترز)

رغم الاعتراض الأميركي ... قرار أممي يدين أسلوب حكم «طالبان» في أفغانستان

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدعو حكام «طالبان» في أفغانستان إلى التراجع عن سياساتها القمعية المتزايدة تجاه النساء والفتيات، والقضاء على جميع التن

«الشرق الأوسط» (نيويورك - برلين - كابل)
أفريقيا في منطقة الساحل التي تنتشر فيها أعمال العنف الجهادي ثمة طرقات ينبغي تجنبها وأخرى يسلكها المرء بخوف كبير (أ.ف.ب)

الطرق المرورية الوطنية مصائد موت في الساحل الأفريقي

في منطقة الساحل، التي تنتشر فيها أعمال العنف الجهادي، ثمة طرقات ينبغي تجنبها، وأخرى يسلكها المرء بخوف كبير، ومنها الطريق الوطني رقم 15 في وسط مالي.

«الشرق الأوسط» (أبيدجان)
الولايات المتحدة​ تدريبات مشتركة بين «جيش سوريا الحرة» والتحالف الدولي في قاعدة التنف على أجهزة كشف الألغام (أرشيفية - جيش سوريا الحرة)

إدارة ترمب ملتزمة بمكافحة «داعش» في المنطقة... وزيادة 1000 عنصر

في ظل التغييرات المتسارعة في المشهد السوري بعد سقوط نظام الأسد، يبدو أن التزام أميركا بدعم شركائها المحليين في مكافحة تنظيم «داعش» مستمر.

رنا أبتر (واشنطن)

وزير يمني: بعثة الأمم المتحدة في الحديدة تحولت إلى غطاء للحوثيين

صورة جماعية لأعضاء بعثة «أونمها» إبان تأسيسها (الأمم المتحدة)
صورة جماعية لأعضاء بعثة «أونمها» إبان تأسيسها (الأمم المتحدة)
TT

وزير يمني: بعثة الأمم المتحدة في الحديدة تحولت إلى غطاء للحوثيين

صورة جماعية لأعضاء بعثة «أونمها» إبان تأسيسها (الأمم المتحدة)
صورة جماعية لأعضاء بعثة «أونمها» إبان تأسيسها (الأمم المتحدة)

اتهم وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمر الإرياني، بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (UNMHA) بالفشل الذريع في أداء مهامها، معتبراً أنها تحولت إلى «غطاء سياسي» يتيح لجماعة الحوثي التهرب من التزاماتها، وتعزيز نفوذها العسكري والاقتصادي في غرب اليمن، ومطالباً بإنهاء ولايتها التي أُقرت بموجب قرار مجلس الأمن 2452 مطلع عام 2019.

صورة جماعية لأعضاء بعثة «أونمها» إبان تأسيسها (الأمم المتحدة)

وقال الإرياني إن البعثة الأممية أخفقت خلال سبع سنوات في تنفيذ اتفاق ستوكهولم الموقَّع أواخر عام 2018، والذي نصّ على وقف إطلاق النار في الحديدة وإعادة نشر القوات في المدينة وموانيها الثلاثة (الحديدة، الصليف، ورأس عيسى). وأضاف: «بينما التزمت القوات الحكومية بإعادة الانتشار، لم تُلزم البعثة الحوثيين بأي خطوات مماثلة، وظلت عاجزة عن منع التصعيد العسكري أو إزالة المظاهر المسلحة من المدينة».

وكانت الحكومة اليمنية طالبت في عام 2022 بنقل مقر البعثة الأممية الخاصة بدعم اتفاق الحديدة (أونمها) إلى منطقة محايدة، وذلك بعد أن أصبحت البعثة رهينة القيود الحوثية خلال الأعوام الماضية.

وأشار الوزير في تصريحات صحافية إلى أن اللجنة المشتركة لتنسيق إعادة الانتشار توقفت عن الانعقاد منذ عام 2020، في ظل غياب أي تحرك فاعل من قبل البعثة، لافتاً إلى استمرار سيطرة الحوثيين على مكاتب وسكن البعثة، مما جعل طاقمها «رهائن لضغوط وابتزاز الجماعة المسلحة».

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني (سبأ)

وتحدث الإرياني عن إخفاقات إضافية طالت آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة (UNVIM)، وكذلك عجز البعثة عن فتح الطرقات بين مديريات محافظة الحديدة أو إلزام الحوثيين بتحويل إيرادات المواني إلى البنك المركزي لدفع رواتب الموظفين، كما نصّ الاتفاق.

تمويل الحرب تحت أعين الأمم المتحدة

واتهم معمر الإرياني بعثة «أونمها» بالتزام الصمت حيال ما وصفه بـ«الجرائم والانتهاكات اليومية» التي ترتكبها جماعة الحوثي، بما في ذلك تجارب إطلاق الصواريخ من مواني الحديدة، واستخدامها لمهاجمة السفن الدولية في البحر الأحمر، قائلاً إن البعثة لم تصدر أي موقف إزاء هذه الهجمات، رغم تداعياتها الأمنية على الملاحة والتجارة العالمية.

وأكد أن الحوثيين حوّلوا مدينة الحديدة إلى «منطقة آمنة» للخبراء الإيرانيين وعناصر «حزب الله»، ومركز لتجميع الطائرات المسيّرة والصواريخ وتهريب الأسلحة، في ظل انعدام قدرة البعثة على الرقابة أو التحرك بحرية.

وبحسب تقديرات حكومية أوردها الوزير، استحوذت جماعة الحوثي على أكثر من 789 مليون دولار من إيرادات مواني الحديدة بين مايو (أيار) 2023 ويونيو (حزيران) 2024، دون أن تُخصص لدفع الرواتب أو تحسين الخدمات العامة، بل جرى توجيهها لتمويل «آلة الحرب وشراء الولاءات»، ما فاقم من معاناة السكان المحليين، على حد تعبيره.

دعوة لإنهاء التفويض

واختتم الإرياني حديثه بالتأكيد على أن استمرار تفويض بعثة «أونمها» بات «غير مجدٍ»، بل يشكل، حسب قوله، «عقبة أمام أي جهود لتحقيق السلام في اليمن أو التخفيف من الأزمة الإنسانية». ودعا المجتمع الدولي إلى «موقف أكثر صرامة» لإنهاء الدور الذي باتت تلعبه البعثة كغطاء للحوثيين، والعمل بدلاً من ذلك على دعم استعادة الدولة اليمنية ومحاسبة الجماعة على انتهاكاتها، التي «لا يدفع ثمنها اليمنيون فقط، بل المنطقة والعالم».

وكان مجلس الأمن أصدر القرار 2451 بتفويض الأمين العام بتشكيل فريق طلائعي لدعم التنفيذ الفوري لوقف إطلاق النار الذي شمل محافظة الحُديدة برمّتها ودعم إعادة الانتشار المشترك للقوات في محافظة الحديدة وموانئها الثلاثة (الحديدة والصليف ورأس عيسى) وفق اتفاق الحديدة، وذلك عقب اتفاق ستوكهولم الذي تم التوصّل إليه في 13 ديسمبر (كانون الأول) 2018 في السويد، بين الحكومة اليمنية والحوثيين، برعاية المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن.

وكلّف المجلس الأمم المتحدة تولّي مسؤولية رئاسة لجنة تنسيق إعادة الانتشار التي تمّ تأسيسها لمراقبة وقف إطلاق النار وإعادة انتشار القوات.