حكومة تصريف الأعمال في سوريا أمام الترهل الإداري وإنهاء الوظائف

مظاهرات قطاعي التعليم والصحة تحتج على إصلاح القطاع العام

وزارة الإعلام السورية… ترهل كبير في الكادر الوظيفي
وزارة الإعلام السورية… ترهل كبير في الكادر الوظيفي
TT
20

حكومة تصريف الأعمال في سوريا أمام الترهل الإداري وإنهاء الوظائف

وزارة الإعلام السورية… ترهل كبير في الكادر الوظيفي
وزارة الإعلام السورية… ترهل كبير في الكادر الوظيفي

تواجه حكومة تسيير الأعمال في سوريا معضلة الترهل الإداري والفساد التي ورثتها من حكومات النظام السابق.

وتشهد محافظة طرطوس على الساحل السوري منذ أسابيع تظاهر أعداد من العاملين في قطاع التعليم أمام مديرية التربية في مدينة طرطوس، احتجاجاً على قرار إلغاء تحديد مركز العمل الذي أصدرته حكومة تسيير الأعمال مؤخراً، والذي يقضي بإعادة كل معلم إلى الموقع الذي تم تحديده في قرار التعيين الأصلي.

وطالب المحتجون، اليوم الاثنين، وأغلبهم من المعلمات، بإلغاء القرار وإحداث شواغر لهم في مناطقهم، مراعاة للظروف المعيشية القاسية التي تعاني منها البلاد وصعوبات وتكاليف النقل.

تجدر الإشارة إلى أن حكومات النظام السابق اعتادت تعيين معلمات أو معلمين «من أصحاب الواسطات» في أماكن شاغرة أينما وجدت حتى بعيداً عن مكان الإقامة، يتم بعدها نقل المعلم أو المعلمة لمحافظته. وقد أدى هذا الالتفاف إلى اختلال في تغطية الاحتياجات للمعلمين في المناطق النائية. وأدى إلغاء هذا القرار خلق أزمة للعشرات ممن وجدوا أنفسهم أمام احتمالات تغيير إقامتهم للالتحاق بالوظيفة، أو قطع مسافات يومياً، أو الاستقالة من الوظيفة.

وقفة احتجاجية أغسطس 2023 أمام مديرية التعليم في طرطوس (مواقع)
وقفة احتجاجية أغسطس 2023 أمام مديرية التعليم في طرطوس (مواقع)

جدير بالذكر أن الاحتجاجات بدأت في زمن حكومة النظام السابق، إذ ناشد معلمون من محافظة طرطوس، صيف 2023 وزير التربية آنذاك، دارم الطباع، إعادتهم للدوام في محافظتهم، بعد أن تم تحديد مركز عملهم في مدارس محافظات أخرى، لمدة خمس سنوات، حسب شروط المسابقة التي عُينوا بموجبها.

المعلمة رابعة (43 عاماً)، قالت إنه خلال السنوات العشر الأخيرة، دخل إلى قطاع التعليم الحكومي، أعداد كبيرة من النساء ممن لا يتجاوز تحصيلهن العلمي البكالوريا (ثانوية عامة)، على سبيل «التنفيعة»، والآن يتحول استبعادهن إلى «مشكلة إنسانية معقدة» إذ لا يجوز قطع الأرزاق، «لكن لا بد من إصلاح قطاع التعليم الحكومي الذي وصل إلى الحضيض»، بحسب رابعة.

وتواجه حكومة تسيير الأعمال في الإدارة الجديدة انتقادات واسعة تتعلق بطريقة معالجتها لـ«معضلة» الترهل الإداري في كافة مؤسسات الدولة، والبطالة المقنعة، وتركة الفساد الثقيلة التي خلفها نظام الأسد في القطاع العام. وقد قامت الإدارة الجديدة وفور تسلمها السلطة، بمنح إجازة ثلاثة أشهر مأجورة لآلاف الموظفين، ريثما يتم النظر في وضعهم، الأمر الذي جرى تفسيره بأنه إجراء فصل تعسفي لتزامنه مع تأخر في دفع الرواتب لعدم توفر الميزانية اللازمة لذلك.

أحد الإداريين في القطاع الإعلامي بدمشق ممن أوقفوا عن العمل لثلاثة أشهر، وفضل عدم ذكر اسمه، قال لـ«الشرق الأوسط» إن النظام السابق استخدم فرصة التعيين في الوظائف الحكومية على أنه تعويض لذوي قتلى قواته، بغض النظر عن الكفاءة، ولذلك تم تعيين المئات، لا سيما النساء ممن فقدن المعيل في مختلف القطاعات، ففي وزارة الإعلام هناك أكثر من عشرة آلاف موظف منهم سبعة آلاف في التلفزيون وحده، وأعداد المنتجين منهم لا تتجاوز ربع الكادر.

ولفت الإداري إلى أن التعيينات في ظل النظام السابق كانت تجري وفق فرز فئوي، فمثلاً قطاعات التمريض والتعليم ذات الدخل الأدنى تذهب للفقراء من ذوي قتلى قوات النظام، وهو ما يفسر تركز الأعداد الكبيرة منهم في محافظة طرطوس التي شهدت احتجاجات للموظفين، كونها المحافظة التي قدمت العدد الأكبر من قوات النظام السابق ومعظمهم من الفقراء.

مصادر في وزارة الإعلام أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن المشكلة الأبرز التي تواجه الوزارة هي حجم الفساد الذي خلفه النظام، وقالت إنه في الأسبوع الأول «انهمك موظفو الوزارة بتقديم وشايات عن بعضهم البعض للمديرين الجدد ما أفقدنا الثقة بالجميع». مضيفاً أن هذه الأجواء تعرقل عملية الإصلاح الإداري للتحقق من سيرة وكفاءة كل شخص بعيداً عن الوشاية. وعبرت المصادر عن الأسف لترسيخ النظام السابق ثقافة «دق التقارير» أي الوشايات الكيدية التي راح ضحيتها آلاف السوريين في العهد البائد.

التعميم الإداري الخاص بإيقاف بعض العاملين في مشفى طرطوس لحين البت بوضعهم الوظيفي (متناقلة مواقع تواصل)
التعميم الإداري الخاص بإيقاف بعض العاملين في مشفى طرطوس لحين البت بوضعهم الوظيفي (متناقلة مواقع تواصل)

يشار إلى أن الإدارة الجديدة فوجئت بوجود أكثر من سبعة آلاف موظف في مشفى طرطوس الوطني الذي يحوي 180 سريراً فقط. كما وجد في سجلات الرواتب عشرات الأسماء التي تتقاضى رواتب من دون وجودها في موقع العمل. وقد قامت وزارة الصحة بتخفيض عدد العاملين والإبقاء فقط على العدد الذي يتناسب مع احتياجات المنشآت والمراكز الصحية وعبء العمل الفعلي، وبموجب معايير قياسية بهدف تحقيق أداء أفضل، مع فتح باب الاعتراضات والتأكيد على أن الموقوفين عن العمل ليسوا مفصولين من الخدمة، وإنما هو إيقاف مؤقت لحين تأمين فرصة عمل أخرى حسب الاحتياج.

أرشيفية لمدرسة في اللاذقية على الساحل السوري (متداولة)
أرشيفية لمدرسة في اللاذقية على الساحل السوري (متداولة)

وفي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، نفى مدير التنمية البشرية محمد حمرون «أي تسريح تعسفي للموظفين في وزارته»، وقال في تصريح لوكالة «سانا» الرسمية إنه «في ظل الترهل الإداري ووجود البطالة المقنعة في بعض الأقسام، منح عدد من الموظفين إجازات مدفوعة الأجر لثلاثة أشهر، وذلك لإتاحة الفرصة لدراسة وضعهم الوظيفي بشكل دقيق».

وأشار حمرون إلى أنه «ستتم بعد مرور هذه الفترة إعادة تقييم وضع الموظفين، ومراجعة إمكانية إعادة تفعيلهم في أماكن جديدة داخل الوزارة، أو تحديد مدى الحاجة لهم بناء على الاحتياجات الفعلية للأقسام».

إلا أن التصريحات الرسمية والتوضيحات حول مصير العاملين في الدولة لم تحد من مخاوف آلاف من العاملين في مؤسسات القطاع العام، وخرجت يوم الأحد مظاهرة احتجاجية للموظفين في الهيئة العامة للاستشعار عن بعد التابعة لوزارة المواصلات، وذلك بعد أنباء عن استعادة البيوت التي منحتها الحكومات السابقة لهم، وطلب إخلائها خلال ثلاثة أشهر.

كما شكا محتجون من فصل تعسفي للموظفين واستبعاد الكفاءات استناداً لعلاقاتهم مع رموز النظام السابق أو بسبب وشايات كيدية حول تورطهم بالفساد دون التحقق منها.


مقالات ذات صلة

وصول وفد من الكونغرس الأميركي لرؤية «سوريا الجديدة»

المشرق العربي مصافحة بين الرئيسين الشرع وعباس في قصر الشعب بدمشق الجمعة (إ.ب.أ)

وصول وفد من الكونغرس الأميركي لرؤية «سوريا الجديدة»

استقبل الرئيس السوري، أحمد الشرع، اليوم (الجمعة)، الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في زيارته الأولى لدمشق منذ 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي أطباء من الفريقين السعودي والسوري خلال إجراء عملية قلب  (الشرق الأوسط)

أطباء سعوديون ينقذون «قلوب السوريين» بعمليات جراحية

منذ مارس (آذار) الماضي نفذت السعودية عبر ذراعها الإنسانية مركز «الملك سلمان للإغاثة»، خمسة مشاريع طبية تطوعية في مدينة دمشق وريفها.

كمال شيخو (دمشق)
المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع يستقبل نظيره الفلسطيني في دمشق (الرئاسة السورية)

الشرع يستقبل عباس في زيارته الأولى لدمشق منذ 16 عاماً

استقبل الرئيس السوري أحمد الشرع نظيره الفلسطيني، الجمعة، بدمشق في أول زيارة لمحمود عباس إلى العاصمة السورية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رئيس الحكومة محمد شياع السوداني في ملتقى السليمانية (الشرق الأوسط)

السوداني والشرع يتفقان على التنسيق الميداني وضبط الحدود

بعد لقاء جمعهما في الدوحة، اتفق الرئيس السوري أحمد الشرع ورئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني على التنسيق الأمني وضبط الحدود.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي روسيا: قواعدنا باقية بسوريا ونجري حواراً مع دمشق

روسيا: قواعدنا باقية بسوريا ونجري حواراً مع دمشق

تسعى موسكو إلى المحافظة على وجودها العسكري في سوريا كونه يلبي مصالح وصفها عسكريون روس بأنها استراتيجية.

رائد جبر (موسكو)

24 قتيلاً بغارات إسرائيلية في غزة بعد رفض «حماس» مقترح هدنة

فلسطينيون يسيرون على أنقاض المباني المدمرة بسبب الحرب في وسط قطاع غزة (د.ب.أ)
فلسطينيون يسيرون على أنقاض المباني المدمرة بسبب الحرب في وسط قطاع غزة (د.ب.أ)
TT
20

24 قتيلاً بغارات إسرائيلية في غزة بعد رفض «حماس» مقترح هدنة

فلسطينيون يسيرون على أنقاض المباني المدمرة بسبب الحرب في وسط قطاع غزة (د.ب.أ)
فلسطينيون يسيرون على أنقاض المباني المدمرة بسبب الحرب في وسط قطاع غزة (د.ب.أ)

أعلن الدفاع المدني الفلسطيني في غزة، الجمعة، مقتل 24 شخصاً على الأقل، بينهم 10 من عائلة واحدة، في غارات إسرائيلية جديدة على القطاع، غداة رفض حركة «حماس» مقترحاً إسرائيلياً بشأن هدنة جديدة، ودعوتها إلى اتفاق يؤدي إلى وقف الحرب.

وشدد رئيس وفد «حماس» في المفاوضات خليل الحية على رفض «الاتفاقات الجزئية»، مبدياً استعداد الحركة لإبرام اتفاق ينهي الحرب المستمرة منذ نحو 18 شهراً.

ودعا الحية أيضاً إلى ممارسة ضغط دولي لإنهاء الحصار الإسرائيلي المُطبق على غزة والذي بدأ في الثاني من مارس (آذار).

وتأتي هذه المناشدة بعد أن حذّرت الأمم المتحدة من تدهور الأوضاع ونقص الأدوية وغيرها من الضروريات الأساسية في القطاع الفلسطيني المنكوب الذي يعيش فيه نحو 2.4 مليون شخص.

إسرائيل تريد «التمديد»

وقال المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، في ساعة مبكرة من صباح الجمعة: «عثرت طواقمنا على جثامين 10 شهداء، بالإضافة إلى العديد من الجرحى في منزل عائلة بركة والمنازل المحيطة به، والتي استهدفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في بني سهيلا بشرق خان يونس».

كما أفاد الدفاع المدني بمقتل 14 شخصاً آخرين على الأقل في غارات إسرائيلية في مختلف أنحاء القطاع، من بينها غارتان على الأقل أصابتا خياماً تؤوي نازحين.

ويعيش مئات الآلاف من الأشخاص في الخيام بعد محاولاتهم المتكررة للفرار من القصف والقتال منذ بدء الحرب إثر هجوم «حماس» على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وكثّف الجيش الإسرائيلي قصفه الجوي ووسع نطاق عملياته البرية في قطاع غزة منذ استئناف هجومه في 18 مارس (آذار) بعد انهيار اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى بدأ في 19 يناير (كانون الثاني). وأرادت إسرائيل تمديد المرحلة الأولى للاتفاق، بينما أصرت «حماس» على إجراء مفاوضات للمرحلة الثانية، وفق خطة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.

«اتفاقية شاملة»

أفاد مصدر من «حماس» «وكالة الصحافة الفرنسية» بأن الحركة أرسلت رداً مكتوباً، الخميس، إلى الوسطاء بشأن مقترح إسرائيل لوقف إطلاق النار لمدة 45 يوماً، مع المطالبة بالإفراج عن عشرة رهائن أحياء تحتجزهم الحركة، وفق «حماس».

كذلك نص المقترح الإسرائيلي على إطلاق سراح 1231 معتقلاً فلسطينياً ودخول مساعدات إنسانية إلى غزة.

وأوضح مسؤول في «حماس» أن الاقتراح ينص على نزع سلاحها لضمان نهاية كاملة للحرب، وهو ما ترفضه الحركة.

وقال خليل الحية في خطاب مصور، مساء الخميس: «الاتفاقات الجزئية يستعملها (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو وحكومتُه غطاء لأجندته السياسية... لن نكون جزءاً من هذه السياسة».

وأضاف أن «حماس» مستعدة «للتوصل لاتفاقية شاملة حول تبادل الأسرى رزمة واحدة، مقابل وقف الحرب وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة وإعادة الإعمار».

وقُتل ما لا يقل عن 1691 شخصاً في غزة منذ استئناف الجيش هجومه، ما يرفع إجمالي عدد القتلى منذ اندلاع الحرب إلى 51 ألفاً و65 شخصاً على الأقل، وفقاً لوزارة الصحة في غزة التي تديرها حركة «حماس».