اعتصام في دمشق للمطالبة بمعرفة مصير المفقودين

أكثر من 150 ألف مفقود مصيرهم مجهول حتى اليوم

إيمان الشايب تبحث عن أخيها وصهرها المفقودين منذ 12 عاماً (الشرق الأوسط)
إيمان الشايب تبحث عن أخيها وصهرها المفقودين منذ 12 عاماً (الشرق الأوسط)
TT

اعتصام في دمشق للمطالبة بمعرفة مصير المفقودين

إيمان الشايب تبحث عن أخيها وصهرها المفقودين منذ 12 عاماً (الشرق الأوسط)
إيمان الشايب تبحث عن أخيها وصهرها المفقودين منذ 12 عاماً (الشرق الأوسط)

تجمَّع مئات السوريين، الجمعة، في ساحة المرجة وسط العاصمة السورية دمشق، في اعتصام تضامني طالبوا فيه بالكشف عن مصير المعتقلين والمفقودين وحماية سجلات السجون ومستندات المعتقلات، وحفظ المقابر الجماعية ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم بعد الإطاحة بالنظام السابق نهاية العام الماضي.

ورفع المشاركون وعائلات المفقودين ونشطاء وشخصيات فنية وثقافية ومعارضون، صور المعتقلين والمفقودين، وحملوا لافتات جاء في إحداها «ما خلصت الحكاية... إن لم تحاسبوهم أعيدونا لزنازيننا». كما كتبت على أخرى «المقابر الجماعية شواهد على الحقيقة»، فيما قالت لافتة ثالثة «العدالة لا تسقط بالتقادم»، ورابعة «لا للانتقام، نعم للعدالة».

وقال الناشط سامر السيد إن مشاركته بهدف المطالبة بالكشف عن مصير الطبيب أيهم، وآلاف المفقودين الذين اعتقلتهم أجهزة الأمن والمخابرات للنظام السابق. وقضي الطبيب أيهم تحت التعذيب في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2012 بعد اعتقال دام ثلاثة أيام فقط. وأضاف السيد لـ«الشرق الأوسط»: «أيهم اعتقل من أمام جامعته بعد عام من بدء المظاهرات المعارضة ضد نظام الأسد، اقتلعوا أظافره وتعرَّض لأبشع أنواع التعذيب ومات لحظتها».

وأكد السيد أن العائلة تعرفت على جثته من خلال «صور قيصر» المسربة من أجهزة الأمن السورية، التي صدمت المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، مضيفاً: «نريد معرفة مصير المفقودين وأين جثثهم حتى نتمكن من تحديد هوياتهم، نريد دفنهم بشكل يليق بتضحياتهم».

النصب التذكاري

أعضاء من الدفاع المدني السوري مشاركون في اعتصام المرجة وسط دمشق للتضامن مع عائلات المفقودين (الشرق الأوسط)

وعُلّقت عشرات اللافتات على النصب التذكاري لساحة المرجة تحمل صوراً لمعتقلين ومختفين فقدوا خلال الحرب السورية التي استمرت نحو 14 عاماً، وآخرين فقدوا منذ ثمانينات القرن الماضي، وكتبت تحتها أرقام للتواصل ومعلومات عن المفقودين وأسماء ذويهم، كما رفعت لافتة كبيرة سوداء طالبت بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، وكتب عليها: «آن الأوان لمحاسبة الطغاة، لن نسامح وسنبقى مطالبين بتطبيق العدالة».

وقالت أيضاً الطبيبة روز صوصانية، ابنة شقيق الطبيب ميشيل جورج صوصانية، المختفي منذ عام 1985 في مدينة الطبقة بمحافظة الرقة، إن عائلتها لا تعلم أي شيء عن عمها: «عمي كان طبيباً جاء من فرنسا لفتح عيادة في الطبقة، واعتقل هناك من قِبَل أجهزة المخابرات واختفى منذ تاريخه، ووالدي وأهلي بحثوا عنه ليأتي الجواب بعدم البحث».

وتأكدت عائلته أن سبب الاعتقال يعود لنشاطه السياسي المعارض في فرنسا، ووجهت الطبيبة روز رسالة للسلطات الانتقالية الجديدة، قائلة: «أعلم أن الحرية شيء مقدس، وأن جميع المعتقلين كانوا ينتظرون لحظة خروجهم من الزنازين، لكن على الأقل كان يجب تنظيم تلك العملية والحفاظ على الأدلة والسجلات والوثائق».

وأضافت أن عائلتها تعرفت على اثنين من الذين خرجوا من سجن صيدنايا سيئ الصيت، كانا يشبهان عمها لدرجة كبيرة، وقالت: «بحثنا كثيراً عنهما والتقينا بهما لنكتشف أنهما ليسا عمي ميشيل، عشنا لحظات قاسية مع الفقد والغياب».

مصير عشرات الآلاف

أعضاء من الدفاع المدني السوري مشاركون في اعتصام المرجة وسط دمشق للتضامن مع عائلات المفقودين (الشرق الأوسط)

ويشكل مصير عشرات آلاف السجناء والمفقودين أحد أكبر التركات المروعة لنظام الأسد المخلوع، والذي كان تنظيم وقفات مماثلة خلال حكمه ممنوعاً. وبحسب منظمات حقوقية فإن عدد المفقودين يفوق 150 ألفاً، وهو أكثر كثيراً من عدد الذين خرجوا من السجون.

ودعت منظمة «عائلات قيصر» السورية لهذه الوقفة التضامنية وطالبت السلطات الانتقالية الجديدة إلى اتخاذ تدابير من أجل حفظ الأدلة والمقابر الجماعية كونها شاهدة على الفظائع التي ارتكبها النظام السابق. وقالت ياسمين مشعان، رئيسة رابطة عائلات قيصر، لـ «الشرق الأوسط» إن الرابطة: «لديها ملفات قوية تدعم محاسبة مسؤولي النظام وقادته الأمنيين عن جرائم مرتكبة بحق المعتقلين والمفقودين إبان فترة حكم الأسد المخلوع».

وأوضحت، ياسمين، وهي أخت لخمسة نشطاء سياسيين اعتقلوا ومفقودين منذ سنوات، أن الرابطة: «تضم مئات العائلات الذين فقدت الأمل بخروج ذويها من معتقلات الأسد أحياء، وسط تضارب الأنباء وعدم ضبط عمليات الإفراج». وذكرت بأن الأمر شديد الصعوبة بالنسبة إليهم وهم يبحثون عن أبنائهم بين الصور والوثائق، ويترقبون معرفة مصيرهم، قائلة: «حقيقةً إنها لحظات إنسانية صعبة للغاية أن يكون ابنك أو أخاك أو زوجة أو شقيقة مجرد صورة، أو رقم مذكور في سجل ووثيقة».

وطالبت رابطة عائلات قيصر السلطات الجديدة بالوقوف إلى جانب عوائل المفقودين للمطالبة بتحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين، وحماية المقابر الجماعية التي تضم رفاة أحبتهم.

من جانبها، قالت إيمان الشايب، التي أعتقل أخوها فواز في يناير (كانون الثاني) 2013، إن عائلتها لم تعرف عنه شيئاً، لكنها «بالصدفة ذهبت لسجل النفوس لاستخرج بيان عائلي، وكان مكتوب فيه أن أخي فواز متوفي منذ 2014، وعندما حاولنا المطالبة بمعرفة مكان جثته عن طريق وسطاء طلبوا مبالغ مالية كبيرة، وتنكروا للجريمة. وحتى تاريخ اليوم لا يوجد له أي أثر».

وتابعت إيمان، التي أعتقل أيضاً صهرها محمد فوزي الكيالي بعد شقيقها بنحو عام، أنها تأمل في معرفة الحقيقة، خصوصاً بعدما شاهدت تحرير المعتقلين من السجون. وقالت: «مشاهد تفرح القلب، لكنها بالنسبة لعائلات كثيرة كانت قاسية جداً لأننا لم نر أحبابنا في مقاطع الفيديو ولم يخرجوا منها».


مقالات ذات صلة

الخارجية الفرنسية: اللاجئون السوريون يمكنهم العودة مؤقتاً إلى بلدهم

أوروبا يتمتع نحو 45 ألف سوري بوضع اللاجئ السياسي على الأراضي الفرنسية (رويترز)

الخارجية الفرنسية: اللاجئون السوريون يمكنهم العودة مؤقتاً إلى بلدهم

أفادت وزارة الداخلية الفرنسية بأن بإمكان اللاجئين السوريين في فرنسا بشكل استثنائي الحصول على تصاريح للعودة مؤقتاً إلى بلدهم.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي أشخاص يبحثون عن جثث في خندق يُعتقد أنه استُخدم مقبرةً جماعية على مشارف دمشق ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)

مسؤولة أممية: معرفة مصير المفقودين خطوة للسلام في سوريا

شددت رئيسة المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، على أن معرفة مصير المفقودين إبان حكم النظام البائد، تعد الخطوة الأولى نحو تحقيق السلام الدائم.

«الشرق الأوسط» (لندن - دمشق)
المشرق العربي بلدة الثغلة ريف السويداء الغربي (متداولة)

جهود لدرء «الفتنة» في السويداء بين فصائل وعشائر

تتواصل الجهود الأهلية في السويداء لاحتواء التوتر الأمني الحاصل في بلدة «الثعلة» بريف المحافظة الغربي، على خلفية إطلاق النار على شابين من البلدة ومقتل أحدهما.

«الشرق الأوسط» (دمشق )
المشرق العربي الحملة الأمنية في زاكية بريف دمشق الغربي (الأمن العام في الكسوة)

الأمن السوري يضبط أسلحة ومخدرات بريف دمشق

صادرت إدارة الأمن العام السورية كميات من الأسلحة والذخائر في بلدة زاكية (30كم جنوب غربي دمشق).

«الشرق الأوسط» (دمشق)
خاص أطفال من مخيم «الهول» في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا 12 نوفمبر 2020 (غيتي) play-circle 01:20

خاص حين قابلت سجّاني... الطفل «الداعشي» الصغير

مع إصدار «داعش» بياناً يهاجم فيه الحكومة السورية الجديدة ويتوعدها إذا «حادت عن طريق الصواب» تتزايد المخاوف من أن يعيد التنظيم فرض نفسه على المشهد السياسي والأمني.

أحمد الجوري (دير الزور)

ترمب يتمسك بالتهجير... وملامح خطة عربية

الرئيس الأميركي والعاهل الأردني خلال اجتماعهما في البيت الأبيض أمس (أ.ب)
الرئيس الأميركي والعاهل الأردني خلال اجتماعهما في البيت الأبيض أمس (أ.ب)
TT

ترمب يتمسك بالتهجير... وملامح خطة عربية

الرئيس الأميركي والعاهل الأردني خلال اجتماعهما في البيت الأبيض أمس (أ.ب)
الرئيس الأميركي والعاهل الأردني خلال اجتماعهما في البيت الأبيض أمس (أ.ب)

أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، خلال اجتماعه مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في البيت الأبيض، أمس، تمسكاً بمواقفه المتشددة حيال تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، كما جدد تهديده لحركة «حماس» بالعودة إلى الحرب وفتح أبواب الجحيم، إذا لم تفرج عن الرهائن قبل السبت المقبل.

وهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن وقف إطلاق النار سينتهي، وأن الجيش سيستأنف القتال المكثف، إذا لم يطلق سراح الرهائن قبل السبت.

في غضون ذلك، أعرب مجلس الوزراء السعودي عن «الرفض القاطع للتصريحات الإسرائيلية المتطرفة بشأن تهجير الشعب الفلسطيني الشقيق من أرضه، والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية لدى المملكة العربية السعودية». وشدّد على أن «السلام الدائم لن يتحقق إلا بقبول مبدأ التعايش السلمي من خلال حل الدولتين».

في الأثناء، برزت ملامح خطة عربية للتعاطي مع الوضع، إذ أعلن الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، أن قمة القاهرة المرتقبة «ستناقش طرحاً عربياً يقابل المقترح الأميركي عن التهجير، وسيقوم على التوافق الفلسطيني، والدعم العربي والدولي».