سقوط نظام الأسد... ضربة عسكرية «قاضية» لـ«حزب الله»

الأسد يتوسط الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد والأمين العام الراحل لـ«حزب الله» حسن نصر الله في دمشق عام 2010 (أ.ف.ب)
الأسد يتوسط الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد والأمين العام الراحل لـ«حزب الله» حسن نصر الله في دمشق عام 2010 (أ.ف.ب)
TT

سقوط نظام الأسد... ضربة عسكرية «قاضية» لـ«حزب الله»

الأسد يتوسط الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد والأمين العام الراحل لـ«حزب الله» حسن نصر الله في دمشق عام 2010 (أ.ف.ب)
الأسد يتوسط الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد والأمين العام الراحل لـ«حزب الله» حسن نصر الله في دمشق عام 2010 (أ.ف.ب)

شكّل سقوط النظام السوري ورئيسه بشار الأسد الضربة العسكرية «القاضية» على «حزب الله» الذي كان يعتمد على الأراضي السورية طريق إمداد أساسياً له عبر البر، إضافة إلى البحر والجو اللذين تَعَرَّضَا بدورهما إلى حصار في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، بحسب خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط».

ويأتي هذا التطور بعدما كان لبنان و«حزب الله» وافقا على اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل الذي ينص في أحد بنوده على «تفكيك المنشآت العسكرية غير المرخصة المرتبطة بصناعة السلاح ومصادرة جميع الأسلحة غير المرخصة بدءاً من منطقة جنوب الليطاني» في جنوب لبنان.

وإذا كان «حزب الله» وافق على اتفاق وقف إطلاق النار الذي يرتبط به وبسلاحه بشكل مباشر، ويعني بالتالي منع إعادة تسليحه، فهو كان، وفق مراقبين، يعوّل على الوقت، لاستعادة بناء ترسانته، كما حصل بعد حرب يوليو (تموز) 2006، لكن إسقاط نظام الأسد، عاكس كل مخططاته وقطع الطريق أمام أي احتمال لإعادة التسليح.

حرمان الحليف

وبالتالي، فإن سقوط النظام أدى إلى حرمان «حزب الله» من حليف مهم على طول الحدود الشرقية للبنان، بعدما كانت سوريا تحت حكم الأسد بمثابة قناة حيوية لإيران لتزويد «حزب الله» بالأسلحة.

وهذا ما يتحدث عنه رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري- أنيجما» رياض قهوجي، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «(حزب الله) اليوم في حالة من الصدمة، ويراجع الموقف الذي بات فيه، بحيث إنه عندما وافق على وقف إطلاق النار بشروط لصالح إسرائيل ومن ضمنها منع نقل السلاح عبر الحدود (مع سوريا) ونشر الجيش اللبناني، كان يرى أنه مع مرور الوقت سيستأنف نشاطه العسكري كما حدث سابقاً، وسيعود تدفق السلاح، لكن مع سقوط النظام السوري، انتهت كل الآمال بذلك، وقطع الجسر مع إيران، بينما تعمل إسرائيل عبر الغارات المستمرة على تدمير بنك أهداف دقيق من مخازن ومصانع صواريخ كانت أنشأتها طهران لميليشياتها و(حزب الله) في سوريا، بالتعاون مع نظام الأسد، ومنها أسلحة استراتيجية كالصواريخ الباليستية وطويلة المدى».

قرار كبير

من هنا، يجزم قهوجي أن إمكانية استعادة «حزب الله» قوته باتت «معدومة»، نتيجة الاتفاق الذي وافق عليه وسقوط نظام الأسد وطرد إيران من سوريا. ويقول: «اليوم على الحزب أن يتخذ قراراً كبيراً ومهماً بالنسبة إلى ما تبقى من ترسانة الأسلحة التي يملكها في لبنان، لأنه ملزم وفق اتفاق وقف إطلاق النار أن يتخلى عنها».

ويأتي قطع طريق الإمداد البري بعدما كانت الضغوط الإسرائيلية خلال الحرب الأخيرة أدت إلى محاصرة «حزب الله» بحراً وجواً، بحيث التزم الألمان المشاركون في قوات الـ«يونيفيل» بمنع دخول الأسلحة عبر البحر، وتولى الجيش اللبناني مهمة مراقبة المطار، في موازاة المراقبة الإسرائيلية التي منعت هبوط طائرات إيرانية وعراقية في بيروت. وهذا ما حدث في دمشق، الأسبوع الماضي، إذ هددت بإسقاطها، بحسب قهوجي.

وعلى الرغم من هذا الحصار بقي «حزب الله» يعوّل على إعادة تفعيل طريق الإمداد البري الذي كان يعتمد عليه بشكل أساسي، بحيث تأتي الأسلحة من إيران عبر العراق والأراضي السورية باتجاه لبنان، لكنها سقطت مع سقوط نظام الأسد.

سقوط القصير

وبحسب المراقبين في لبنان، فإن أبرز ممرات نقل الأسلحة عبر سوريا، كان معبر البوكمال الذي يعد بوابة العبور من العراق إلى سوريا والثاني، طريق تدمر والبادية السورية، أما الثالث والأساسي بالنسبة إلى «حزب الله» فكان طريق القصير في ريف حمص الذي تحول إلى قلعة «حزب الله» العسكرية، لكنها ما لبثت أن سقطت مع سقوط النظام السوري. وبعدما أعلنت فصائل المعارضة السورية دخولها مدينة حمص والسيطرة عليها، سقطت مدينة القصير الواقعة في ريف حمص، وانسحبت قوات النظام منها، ليلحق بهم بعد وقت قصير مقاتلو «حزب الله».

صور لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت ضمن مبانٍ مدمّرة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)

وكان الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم قال، في كلمته الأخيرة، إن «الحزب سيكون إلى جانب سوريا لإحباط المخطط الذي تتعرض له»، في حين أشارت معلومات إلى أن 2000 مقاتل من «حزب الله» انتقلوا إلى حمص، السبت الماضي، للقتال هناك مع التقدم الذي كانت قد أحرزته الفصائل.

ويلفت قهوجي إلى أن تقدم القوات الإسرائيلية إلى الجولان السوري، يأتي ضمن هدف إنهاء ترسانة «حزب الله» العسكرية، حيث يقوم الجيش الإسرائيلي بالبحث عن أنفاق وبنى تحتية في المناطق التي كانت توجد فيها ميليشيات إيرانية و«حزب الله».

حرية الحركة

وفي الإطار نفسه، يبدو واضحاً أن إسرائيل تمارس «حرية الحركة» التي كانت قد طالبت بها في لبنان، عبر قصف أهداف تابعة لـ«حزب الله»، بحيث يسجل بشكل يوم خروقات إسرائيلية في الجنوب، ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يستهدف مخازن أسلحة تابعة لـ«حزب الله».

والاثنين، استهدفت غارة إسرائيلية سيارة على طريق صف الهوا في بنت جبيل بالقرب من حاجز الجيش اللبناني. وأعلن الجيش على منصة «إكس»، أن «العدو الإسرائيلي استهدف سيارة قرب حاجز صف الهوا - بنت جبيل التابع للجيش، ما أدى إلى استشهاد مواطن وإصابة 4 عسكريين بجروح متوسطة». كذلك، أغارت طائرة إسرائيلية مسيرة على سيارة في بلدة زبقين من دون وقوع إصابات.

في المقابل، ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن 4 جنود إسرائيليين قُتلوا في جنوب لبنان على الأرجح في تفجير عرضي لمتفجرات في أثناء هدمهم نفقاً لـ«حزب الله معبأً بأسلحة».

وأوضح الجيش الإسرائيلي أن الجنود سقطوا في قتال دون تقديم تفاصيل أخرى عن الواقعة. وأفادت إذاعة الجيش بأن الواقعة حدثت، الأحد، وأن مراجعة أولية خلصت إلى أن التفجير أدى إلى انفجارات ثانوية تسببت في انهيار النفق، بينما كان الجنود فيه.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي «حزب الله»: «حصرية السلاح» تخدم إسرائيل

«حزب الله»: «حصرية السلاح» تخدم إسرائيل

شنّ أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم هجوماً على أركان السلطة في لبنان، متّهماً إياهم بـ«العمل من أجل إسرائيل».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام) play-circle

نعيم قاسم: لبنان أمام مفصل تاريخي إما «وصاية أميركية وإما سيادة»

قال الأمين العام لـ«حزب الله» اللبنانية نعيم قاسم إن لبنان أمام «مفصل تاريخي حاسم» يكون فيه إما «تحت الوصاية الأميركية الإسرائيلية وإما النهوض واستعادة السيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي موكب تابع للكتيبة الإسبانية في قوة «اليونيفيل» يعبر بلدة القليعة (جنوب لبنان) يوم 12 أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

أي مهام للقوة الدولية «الموعودة» في لبنان بعد انسحاب «اليونيفيل»؟

تنشط المساعي الأوروبية لبلورة بديل عن قوات «اليونيفيل» التي يُفترض أن تبدأ انسحابها من لبنان مع نهاية عام 2026، بقرار من مجلس الأمن الدولي.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي زينة الميلاد في وسط بيروت التجاري الذي تحوّل إلى مقصد للسياح خلال فترة الأعياد (أ.ب)

تبديد المخاوف من الحرب ينعكس على الحركة السياحية والتجارية في لبنان

انعكست التطمينات وتبدّد المخاوف تدريجياً من التصعيد الإسرائيلي بارتفاع ملحوظ في عدد القادمين إلى لبنان خلال فترة الأعياد.

حنان حمدان (بيروت)

مذكرة تفاهم بين القاهرة وبيروت لتلبية احتياجات لبنان من الغاز الطبيعي

مذكرة تفاهم بين القاهرة وبيروت لتلبية احتياجات لبنان من الغاز الطبيعي
TT

مذكرة تفاهم بين القاهرة وبيروت لتلبية احتياجات لبنان من الغاز الطبيعي

مذكرة تفاهم بين القاهرة وبيروت لتلبية احتياجات لبنان من الغاز الطبيعي

وقّع لبنان مذكرة تفاهم مع مصر لتلبية احتياجاته من الغاز الطبيعي المخصص لتوليد الطاقة الكهربائية، في خطوة عدّها رئيس الجمهورية جوزيف عون «خطوة عملية وأساسية سوف تؤمِّن للبنان القدرة على زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية للمواطنين اللبنانيين والمقيمين فيه، وتخفف التقنين المتبع».

ووقَّع عن الجانب اللبناني وزير الطاقة جو صدي، وعن الجانب المصري وزير البترول والثروة المعدنية كريم بدوي، في حضور سفير مصر لدى لبنان علاء موسى، برعاية رئيس الحكومة نواف سلام.

وقال صدي بعد التوقيع: «قررنا أن ننقل قطاع الطاقة تدريجياً من استعمال الفيول إلى استعمال الغاز الطبيعي؛ لأنه أرخص، ولا يضر بيئياً كالفيول، ويبعدنا عن كل مشكلات مناقصات الفيول».

وبينما لفت إلى أن «كل التفاصيل من ناحية التعاقد والسعر سيتم العمل عليها في الأسابيع المقبلة»، أشار إلى «أن استراتيجية لبنان هي أولاً الانتقال لاستعمال الغاز الطبيعي، وثانياً تنويع مصادر الغاز براً أو عبر البحر».

تقرير أردني لتأهيل خط الأنابيب

وأضاف: «يهمني اليوم أن أركز على أمرين: الأول أننا تسلمنا تقرير لجنة فنية أتت إلى لبنان بمبادرة من إخواننا الأردنيين لدراسة وضع خط الأنابيب الذي يأتي من العقبة، ويصل إلى سوريا، وعبر خط أنابيب ثانٍ يأتي من الشمال، ويزود دير عمار بالغاز. وأتانا التقييم حول ما هو مطلوب من الجهة اللبنانية لإعادة تأهيل خط الأنابيب من القسم اللبناني وتكلفته، وكم يستغرق وقتاً. وتبيّن أن تكلفته ليست كبيرة، والوقت الذي نحتاج إليه هو تقريباً من 3 إلى 4 أشهر».

وأشار إلى أن «الأمر نفسه يحصل من الجهة السورية، وسنتواصل الآن مع جهات مانحة لنرى كيف يمكن أن تساعدنا لتمويل إعادة تأهيل خط الأنابيب في القسم اللبناني من دير عمار إلى الحدود السورية شمالاً».

ولفت إلى أن «قانون قيصر (العقوبات على سوريا) لم يعد موجوداً، والتقرير الفني والتقني الذي وردنا هو أن هناك حاجة لإعادة تأهيل خط الأنابيب في أراضينا، ونحن ننتظر أن يردنا التقرير من الجانب السوري لنعرف ما سيقرر لناحية إعادة تأهيل خط الانابيب لديهم».

وقال: «نحن نصر من خلال استعمالنا الغاز الطبيعي أن يكون هناك تنويع في مصادر الغاز الطبيعي، ونعمل مع الدول الخليجية أو عبر مؤسسة التمويل الدولية (IFC) على إنشاء محطات جديدة تعمل على الغاز، وعلى إنشاء محطة تغويز والتزود بالغاز الطبيعي».

لقاء بدوي مع عون وبري

والتقى الوزير المصري والوفد المرافق والسفير المصري لدى لبنان علاء موسى الرئيس جوزيف عون ورئيس البرلمان نبيه بري عارضاً اهتمام بلاده بملف الطاقة في لبنان كترجمة عملية لتوجيهات الرئيس السيسي وكنتيجة سريعة لزيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قبل أيام إلى بيروت.

وأشار الوزير المصري خلال لقائه عون إلى أن «التعاون اللبناني - المصري في مجال الغاز سيكون من ثمار العلاقات اللبنانية - المصرية المتينة، لا سيما أن مصر سوف تقدم كل الدعم للبنان في هذا المجال من خلال الخبرات والإمكانات المصرية في مجالات عدة منها استكشاف حقول الغاز واستخراجه ونقله وتوزيعه على القطاعات الصناعية والمنازل ومحطات توليد الطاقة الكهربائية».

ولفت إلى إنشاء مجموعات عمل بين وزارتي البترول والطاقة في البلدين من أجل تنسيق العمل، وإفادة لبنان من الخبرات المصرية في مجال القطاع النفطي والغازي، مشيراً إلى أن مصر معنية أيضاً بتوفير البنى التحتية الضرورية.


«حماس» تؤكد مقتل أبو عبيدة ومحمد السنوار في حرب غزة

يمنيون يتابعون كلمة لأبو عبيدة المتحدث باسم «كتائب القسام» الذي أعلنت إسرائيل اغتياله في أغسطس الماضي (أرشيفية-إ.ب.أ)
يمنيون يتابعون كلمة لأبو عبيدة المتحدث باسم «كتائب القسام» الذي أعلنت إسرائيل اغتياله في أغسطس الماضي (أرشيفية-إ.ب.أ)
TT

«حماس» تؤكد مقتل أبو عبيدة ومحمد السنوار في حرب غزة

يمنيون يتابعون كلمة لأبو عبيدة المتحدث باسم «كتائب القسام» الذي أعلنت إسرائيل اغتياله في أغسطس الماضي (أرشيفية-إ.ب.أ)
يمنيون يتابعون كلمة لأبو عبيدة المتحدث باسم «كتائب القسام» الذي أعلنت إسرائيل اغتياله في أغسطس الماضي (أرشيفية-إ.ب.أ)

​أكدت حركة «حماس»، اليوم الاثنين، مقتل ‌أبو ‌عبيدة، ‌المتحدث باسم ⁠جناحها ​العسكري ‌ومحمد السنوار، الذي كان قائدها في غزة وقت الحرب مع ⁠إسرائيل، هذا ‌العام.

أبو عبيدة متحدثاً خلال عرض عسكري بقطاع غزة في 11 نوفمبر 2019 (رويترز)

وأعلن الجيش الإسرائيلي، في مايو ‍(أيار) الماضي، مقتل السنوار الشقيق الأصغر للقيادي الراحل ​يحيى السنوار. وأعلن، بعد ⁠ذلك، بثلاثة أشهر مقتل أبو عبيدة أيضاً.


سوريا تفتح تحقيقاً بشأن مقبرة جماعية تعود لعهد الأسد

سوريا تفتح تحقيقاً بشأن مقبرة جماعية تعود لعهد الأسد
TT

سوريا تفتح تحقيقاً بشأن مقبرة جماعية تعود لعهد الأسد

سوريا تفتح تحقيقاً بشأن مقبرة جماعية تعود لعهد الأسد

أمرت الحكومة السورية جنوداً من الجيش بفرض حراسة على مقبرة جماعية حُفرت لإخفاء فظائع وقعت في عهد بشار الأسد، كما فتحت تحقيقاً جنائياً بعد تقرير لوكالة «رويترز» للأنباء كشف عن مؤامرة نفذها النظام الديكتاتوري السابق وأبقاها طي الكتمان لسنوات ​لإخفاء آلاف الجثث في موقع صحراوي ناءٍ.

وذكر ضابط سابق في الجيش السوري مطلع على العملية أن الموقع في صحراء الضمير إلى الشرق من دمشق كان مستودعاً للأسلحة خلال فترة حكم الأسد. وجرى لاحقاً إخلاؤه من العاملين في 2018؛ لضمان سرية المؤامرة التي تضمنت استخراج جثث الآلاف من ضحايا الديكتاتورية المدفونين في مقبرة جماعية في ضواحي دمشق، ونقلها بالشاحنات إلى موقع يبعد ساعة بالسيارة إلى الضمير.

وأُطلق على العملية التي خططت لها الدائرة المقربة من الديكتاتور اسم «عملية نقل الأتربة». وانتشر جنود في موقع الضمير مرة أخرى، لكن هذه المرة بأمر من الحكومة التي أطاحت الأسد.

وقال ضابط في الجيش أصبح موقعه في الضمير في أوائل الشهر الحالي ومسؤول عسكري والشيخ أبو عمر الطواق، المسؤول الأمني في المنطقة، إن منشأة الضمير العسكرية عادت أيضاً للعمل ثكنة عسكرية ومستودعاً للأسلحة في نوفمبر (تشرين الثاني) بعد هجرها بسبع سنوات.

ولم يكن موقع الضمير ‌يخضع لأي حراسة في ‌الصيف، عندما قام صحافيون من «رويترز» بزيارات متكررة بعد اكتشاف وجود مقبرة جماعية هناك.

وقال جندي ‌في ⁠الموقع تحدث ​إلى وكالة «رويترز» للأنباء في منتصف ديسمبر (كانون الأول) إن الحكومة الجديدة أقامت نقطة تفتيش عند مدخل المنشأة العسكرية التي يوجد فيها الموقع بعد أسابيع من نشر تقرير «رويترز» في أكتوبر. ويحتاج من يرغبون في زيارة الموقع الآن إلى تصاريح دخول من وزارة الدفاع.

وتظهِر صور أقمار اصطناعية منذ أواخر نوفمبر نشاطاً جديداً للمركبات حول منطقة القاعدة الرئيسية.

تفاصيل لما وصفه أحد الشهود لوكالة «رويترز» بأنه خندق غير مكتمل حُفر لنقل الجثث إلى موقع مقبرة جماعية في الصحراء قرب بلدة ذمير شرق سوريا (رويترز)

وقال المسؤول العسكري، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن إعادة تشغيل القاعدة العسكرية جاء في إطار جهود لتأمين السيطرة على البلاد، ومنع أي أطراف «معادية» من استغلال تلك المنطقة الاستراتيجية المفتوحة. ويربط الطريق الذي يقطع الصحراء إحدى مناطق تنظيم «داعش» المتشدد المتبقية في سوريا بالعاصمة دمشق.

تحقيق الشرطة

وقال جلال طبش، رئيس مخفر شرطة الضمير، في نوفمبر إن الشرطة فتحت تحقيقاً ⁠في أمر المقبرة والتقطت صوراً للموقع وأجرت مسحاً للأراضي ومقابلات مع شهود. ومن بين من قابلتهم الشرطة أحمد غزال الذي كان مصدراً رئيسياً لتحقيق «رويترز» الذي كشف عن أمر المقبرة الجماعية.

وأكد غزال، ‌الذي يعمل ميكانيكياً لإصلاح الشاحنات وشارك في إصلاح مركبات حملت الرفات والجثث للموقع، أنه أبلغ الشرطة بكل التفاصيل التي ذكرها عن العملية وما شاهده خلال السنوات. وأشار غزال إلى أن المنشأة العسكرية وقت «عملية نقل الأتربة» بدت خاوية باستثناء الجنود المصاحبين للمركبات التي دخلت الموقع لهذا الغرض.

لقطة جوية لموقع مقبرة جماعية في الصحراء قرب بلدة ذمير (رويترز)

وقالت الهيئة الوطنية للمفقودين، التي أُسست بعد الإطاحة بالأسد؛ للتحقيق في مصير عشرات آلاف السوريين المختفين في عهده، لوكالة «رويترز» للأنباء، إنها تجري عمليات تدريب للأفراد وتؤسس مختبرات لتفي بالمعايير الدولية لنبش المقابر الجماعية. وأضافت الهيئة لوكالة «رويترز» للأنباء، أن عمليات نبش واستخراج الرفات من مواقع مقابر جماعية عدة من عهد الأسد مقررة للبدء في 2027.

وأحالت الشرطة تقريرها بشأن موقع ​الضمير إلى القاضي زمن العبد الله، النائب العام في منطقة عدرا.

وقال العبد الله إن عملية مراجعة وتدقيق لوثائق حصلت عليها الأجهزة الأمنية بعد سقوط الأسد في ديسمبر 2024 تتم للتعرف على معلومات عن ⁠مشتبه بهم في الضلوع في عملية الضمير من عهد الأسد داخل سوريا وخارجها. لكنه أحجم عن وصف المشتبه بهم، وعزا ذلك إلى استمرار التحقيق.

أحمد غزال... ميكانيكي سوري... يقف في موقع المقبرة الجماعية بالصحراء قرب بلدة ذمير (رويترز)

وأظهرت وثائق عسكرية اطلعت عليها «رويترز» وشهادات من مصادر مدنية وعسكرية، أن من تعامل بالأساس مع لوجستيات «عملية نقل الأتربة» هو العقيد مازن إسمندر. ولدى التواصل معه عبر وسيط، أحجم إسمندر عن التعليق على تقرير «رويترز» الأول وعلى التحقيق الأحدث في المقبرة الجماعية.

وفي 2018، كان الأسد على وشك تحقيق النصر الكامل في الحرب الأهلية، ويأمل في استعادة الشرعية في المجتمع الدولي بعد عقوبات واتهامات بالوحشية على مدى سنوات. كما اتُهم باعتقال وقتل آلاف السوريين. وأبلغ نشطاء محليون معنيون بحقوق الإنسان وقتها عن موقع مقبرة جماعية في القطيفة على مشارف دمشق.

ولذلك؛ صدر أمر من القصر الرئاسي بنبش القطيفة وإخفاء الرفات والجثث في منشأة عسكرية في صحراء الضمير.

وخلصت وكالة «رويترز» للأنباء إلى أن إسمندر أشرف على العملية التي كانت تنفذ لأربع ليالٍ أسبوعياً لمدة عامين تقريباً من 2019 وحتى 2021. ونقلت شاحنات الجثث والأتربة والرفات من المقبرة الجماعية التي انكشف أمرها إلى موقع المنشأة العسكرية المهجورة في الصحراء، وامتلأت فيها حفر وخنادق بالجثث والرفات بالتزامن مع الحفر في موقع القطيفة.

ولكشف تلك المؤامرة، تحدثت وكالة «رويترز» للأنباء مع 13 شخصاً لديهم معرفة مباشرة بتلك العملية على مدى عامين وحللت ‌أكثر من 500 صورة التقطتها الأقمار الاصطناعية للموقعين. وبإشراف خبراء في الجيولوجيا الجنائية، استخدمت «رويترز» صوراً بطائرات مسيَّرة لإنشاء صور مركبة عالية الدقة أسهمت في تأكيد نقل الجثث بإظهار تغير لون التربة ونبشها حول خنادق وحفر دفن في موقع الضمير.