شتاء صعب ينتظر أهالي غزة مع استمرار الحرب الإسرائيلية

لا غاز ولا حطب... وخيام النازحين على مسافة مئات الأمتار من شاطئ البحر

نازحون من شمال قطاع غزة إلى مدينة غزة الثلاثاء (رويترز)
نازحون من شمال قطاع غزة إلى مدينة غزة الثلاثاء (رويترز)
TT

شتاء صعب ينتظر أهالي غزة مع استمرار الحرب الإسرائيلية

نازحون من شمال قطاع غزة إلى مدينة غزة الثلاثاء (رويترز)
نازحون من شمال قطاع غزة إلى مدينة غزة الثلاثاء (رويترز)

يستقبل سكان قطاع غزة فصل الشتاء الثاني على التوالي، في ظل ظروف صعبة وكارثية في السنة الثانية للحرب الإسرائيلية التي دمرت القطاع، وشردت أهله، وتسببت بمقتل عشرات الآلاف من سكانه.

ومع استمرار الحرب، لم يعد يملك سكان غزة ما يمكن أن يساعدهم على التعامل مع الأجواء الباردة التي باتت تسيطر على حالة الطقس في الأيام الماضية؛ ما يزيد من معاناتهم التي يُخشى أن تكون مضاعفة هذا الشتاء.

لا غاز... لا حطب

يشتكي المواطن جاسر مسلم (44 عاماً) من سكان حي النصر بمدينة غزة، والنازح إلى خان يونس جنوب القطاع، مثله مثل مئات الآلاف من الغزيين، من نقص كميات الحطب والأخشاب المختلفة التي تُستخدم لإيقاد النار بشكل أساسي للطبخ والاستخدام الآدمي اليومي في ظل عدم توفُّر أي كميات من الغاز.

ويوضح مسلم في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن ما كان يتوفَّر من غاز لجنوب قطاع غزة، يجري توزيعه الآن فقط على المستفيدين من سكان تلك المناطق وليس على النازحين، مضيفاً أن السكان لا يحصلون عليه بانتظام، بل من خلال جدول معمول به وفق آلية توزيع معقدة، وما تتحصل عليه كل أسرة فقط 6 كيلوغرامات فقط، لا تكاد تكفي لأسبوعين في أفضل الأحوال.

دمار في خيام النازحين نتيجة قصف إسرائيلي شمال مدينة غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

ويشير مسلم إلى أن الحطب بات مفقوداً من الأسواق، وفي حال توفُّره فإن أسعاره مكلفة، وتصل إلى أكثر من 5 شواقل للكيلوغرام الواحد (ما يعادل دولاراً ونصف الدولار)، مضيفاً أن هذه الأسعار مرتفعة جداً للمواطن الذي يعتمد على العمل اليومي في حال توفُّره، كما أنها مرتفعة حتى للموظف في السلطة الفلسطينية إذا كان لديه أسرة يعولها.

وقال مسلم: «لا غاز ولا حطب ولا شيء متوفِّر. نعاني منذ أشهر، ولا شيء يوقف هذه المعاناة التي تزداد من يوم إلى آخر».

ويتفق الغزي علاء ياسين (51 عاماً) من سكان مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، والنازح أيضاً إلى مواصي خان يونس، مع ما قاله مسلم، مؤكداً أنه موظف حكومي في السلطة الفلسطينية، ولكنه لا يستطيع شراء كميات كبيرة من الحطب في حال توفُّره.

وأشار إلى أنه يُضطر يومياً لتناول وجبة طعام واحدة مع عائلته المكونة من 9 أشخاص لتوفير ما يمكن توفيره من الحطب وعدم استهلاكه بشكل أكبر، خاصةً أن ظروف الشتاء ستكون صعبة، وسيكون بحاجة لكميات أكبر من الحطب لكي يستطيع إعداد طبخة واحدة بحكم أن أجواء هذا الفصل تستهلك كميةً أكبر من المعتاد في فصول أخرى.

ويقول ياسين: «ينتظرنا شتاء صعب جداً وظروف أقسى من الشتاء السابق خصوصاً أننا قضينا أشهراً عدة في مناطق بعيدة عن البحر داخل مدينة رفح، والآن نحن على مسافة مئات الأمتار القليلة من شاطئ البحر؛ ولذلك سنواجه ظروفاً لا يمكن وصفها أو تخيّلها بعد أن اضطُررنا للنزوح من قلب مدينة رفح بسبب احتلالها، إلى شواطئ خان يونس».

ويوجد في جنوب قطاع غزة، ما لا يقل عن مليون نازح من سكان شمال القطاع، إلى جانب أكثر من مليون آخرين هم من سكان تلك المناطق، لكن غالبيتهم اضطُروا للنزوح من مناطق سكنهم تحت شدة العمليات الإسرائيلية باتجاه مناطق تصنَّف أنها إنسانية، بالإشارة إلى مناطق مواصي خان يونس وأجزاء من رفح، ومناطق دير البلح والزوايدة وأجزاء من النصيرات.

نازحون فلسطينيون من بيت لاهيا خلال انتقالهم إلى جباليا في شمال قطاع غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

ولا يختلف الحال في شمال القطاع كثيراً عن الحال في جنوبه، حيث يعاني السكان من ظروف قاسية يمنع فيها منذ ما يزيد على عام دخول أي كميات من غاز الطهي، وسط اشتداد الحصار والقصف والعمليات الإسرائيلية التي لا تتوقف في مناطق شمال غزة.

ويقول المواطن جبر الأشقر من سكان حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، إنه لا يتذكر أنه وأسرته المكوّنة من 13 فرداً، قد قام بإعداد طبخة واحدة من الطعام على غاز الطهي منذ نحو 11 شهراً، حيث كان مع بدايات الحرب يحتفظ بأنبوبة غاز واحدة، ولكن سرعان ما نفدت.

وأشار الأشقر إلى أن كميات من الحطب والأخشاب كانت متوفِّرة في البداية في شمال القطاع، وذلك نتيجة عدم وجود عدد كبير من السكان في تلك المناطق بعد نزوح غالبية سكانها. لكنه أضاف أنه مع مرور الوقت وامتداد الحرب وقتاً أطول مما كان متوقعاً بدأت الكميات المتوفّرة تنفد بشكل كبير؛ ولذلك فإن السكان اليوم باتوا بحاجة ماسّة لتأمين ما يمكن من الحطب للتدفئة والطهي خلال فصل الشتاء.

وتقول المواطنة سعاد الحجار (57 عاماً) إن سعر الكيلوغرام الواحد من الحطب في شمال القطاع يصل إلى 3 شواقل (أقل من دولار واحد بقليل)، لكن لا توجد أموال لدى السكان لشرائه، كما أنه بدأ ينفد بشكل كبير من الأسواق، و«هذا يزيد من معاناتنا فنحن ربات البيوت نعتمد عليه بشكل أساسي لإعداد ما يمكن تناوله من طعام في حال تَوَفَّرَ لدينا».

وأشارت إلى أن الحطب يُستخدم أيضاً لتدفئة المياه من أجل الاستحمام وللاستخدام الآدمي اليومي في ظل الأجواء الباردة.

دون ملابس وأحذية

وتشتكي سعاد الحجار من عدم توفُّر أي ألبسة شتوية خاصة، وأن إسرائيل تمنع دخول أي ملابس لقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتقول الحجار: «تجوّلت بأسواق مدينة غزة بأكملها ولم أجد ما يسعفني لشراء بعض الملابس الشتوية التي تساعدني وأبنائي وأحفادي على تدفئة أنفسنا في ظل البرد الذي نشعر به خصوصاً في ساعات الليل».

طفلة في مخيم للنازحين بنادي الجزيرة الرياضي في مدينة غزة يوم 12 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

أما الشابة أنهار الشوبكي، من سكان حي التفاح شرق مدينة غزة، فتقول إنه منذ قصف منزل عائلتها قبل 5 أشهر، وهي تفتقد ملابسها، ولا تجد ملابس شتوية حالياً في الأسواق تسعفها من البرد الذي بدأ يتسلل لجسدها دون أن تجد ما يحميها منه، ويمنع المرض من أن يطولها.

وتشير الشوبكي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الملابس مفقودة في شمال قطاع غزة، وما يتوفّر هو بعض «البالة» التي كانت متوفّرة منذ ما قبل الحرب أو التي استُخرجت من منازل قُصفت ولم يعد لديها أصحاب وباتت تباع، لافتةً إلى أن الملابس الشتوية مفقودة بشكل خاص؛ لأن هذا ثاني فصل شتاء يمر على السكان في القطاع، وكان المواطنون قد اشتروا الملابس التي كانت متوفّرة في الأسواق العام الماضي.

ويؤكد الشاب أحمد الصوراني من سكان دير البلح وسط قطاع غزة، أن فقدانهم الملابس وحتى الأحذية بمختلف أنواعها، يزيد من معاناتهم في ظل الأجواء الباردة. يقول الصواني: «بصراحة، لا نعرف كيف سنمضي هذا الشتاء، والبرد بدأ يقتلنا في خيامنا، ولا نجد ما نفترشه، ولا نجد ملابس مناسبة تساعدنا على الدفء».

وتشير المواطنة أفنان صيام النازحة من مدينة غزة إلى شواطئ الزوايدة، إلى أنها تواجه ظروفاً صعبة، ولا تجد ملابس لأطفالها، ولا حتى أغطية شتوية تساعدهم على مواجهة البرد الذي تَسَبَّبَ حتى الآن بمرض اثنين منهم بالإنفلونزا الشديدة، مؤكدةً أن الأوضاع ستزداد صعوبة وستكون كارثية خلال الأسابيع المقبلة مع وصول فصل الشتاء لذروته. وتقول بلغة غزاوية بسيطة: «ما عنا إشي، لا فراش، ولا بطانيات، ولا أي أغطية، ولا حتى ملابس، ما ضل علينا إلا نموت بالجوع والبرد اللي راح يقتلنا إحنا وأطفالنا».

دون وسائل تدفئة

كما يعاني قطاع غزة بأكمله من انقطاع الكهرباء منذ منتصف أكتوبر 2023، ما وضعه في ظلام دامس، وأفقد سكانه وسائل التدفئة التي كانت تعمل على الكهرباء.

ويقول المواطن عبد الكريم شعبان النازح مؤخراً من جباليا إلى حي الرمال في مدينة غزة: «لا توجد لنا وسيلة تدفئة سوى الخشب والحطب، ولم يعد أي منهما متوفّراً إلا بكميات قليلة وبأسعار باهظة لا نستطيع تحمُّل ثمنها».

وأضاف: «إحنا كل يوم بنموت بالقصف والقتل المتعمد اللي بنتعرض له، واللي ما بيموت منا بهيك أشياء، بيموت بسبب قلة الأكل... وجاي علينا نموت من البرد اللي راح بالأساس يقتل أطفالنا».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تقر لأول مرة بمسؤوليتها عن اغتيال إسماعيل هنية في طهران

شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (إ.ب.أ)

إسرائيل تقر لأول مرة بمسؤوليتها عن اغتيال إسماعيل هنية في طهران

أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن بلاده اغتالت رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، في الصيف الماضي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية جنديان من الجيش الإسرائيلي خلال العمليات العسكرية بقطاع غزة (موقع الجيش الإسرائيلي)

الجيش الإسرائيلي ينشئ منتجعات لجنوده في غزة ومفاعلاً لتحلية مياه البحر

أنشأ الجيش الإسرائيلي 3 منتجعات لجنوده في مواقع عدة له بقطاع غزة، مما يدل على أنه يعمل ليبقى هناك مدة طويلة إذا احتاج الأمر.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي دبابة إسرائيلية بالقرب من قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام» تعلن تفجير أحد عناصرها نفسه بقوة إسرائيلية في جباليا

أعلنت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، اليوم (الجمعة)، أن أحد عناصرها فجّر نفسه بقوة إسرائيلية في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية صورة أرشيفية لجلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)

الأمم المتحدة تطلب رأي «العدل الدولية» حول التزامات إسرائيل بشأن المساعدات للفلسطينيين

صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس، على مشروع قرار لطلب رأي محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل بتسهيل المساعدات للفلسطينيين من المنظمات الدولية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شؤون إقليمية جنديان إسرائيليان يحرسان معبراً في غزة الخميس (أ.ب)

جنود إسرائيليون يعترفون: قتلنا أطفالاً فلسطينيين ليسوا إرهابيين

تحقيق صحافي نشرته صحيفة «هآرتس»، الخميس، جاء فيه أن قوات الاحتلال المرابطة على محور «نتساريم»، رسموا خطاً واهياً، وقرروا حكم الموت على كل من يجتازه.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

السوداني يدعو إلى مراقبة دقيقة لحزب البعث المنحل الموجود في العراق

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال جلسة لمجلس الوزراء ببغداد في 28 أكتوبر 2022 (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال جلسة لمجلس الوزراء ببغداد في 28 أكتوبر 2022 (رويترز)
TT

السوداني يدعو إلى مراقبة دقيقة لحزب البعث المنحل الموجود في العراق

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال جلسة لمجلس الوزراء ببغداد في 28 أكتوبر 2022 (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال جلسة لمجلس الوزراء ببغداد في 28 أكتوبر 2022 (رويترز)

جدد رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، اليوم (الخميس)، موقف الحكومة بشأن المراقبة الدقيقة لوجود حزب البعث العربي الاشتراكي المنحل على الساحة العراقية.

وشدد السوداني، خلال اجتماعه مع رئيس الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة، باسم محمد البدري، على «مواصلة الحكومة المراقبة الدقيقة لما يستجد على الساحة العراقية بشأن وجود حزب البعث المنحل أو أي تشكيل له صلة بالحزب وأفكاره العدوانية التي تسببت في تدمير العراق والتنكيل بأبنائه»، وفق ما أفادت به «وكالة الأنباء الألمانية».

وأشار إلى أن الحكومة تتعامل مع وجود حزب البعث وفقاً للقوانين العراقية السارية، داعياً هيئة المساءلة والعدالة إلى «تقديم تقرير مفصل للحكومة يتضمن مجمل إجراءاتها وما أنجزته من بيانات، والمتبقي من عملها الذي رسمه لها الدستور والقوانين النافذة، وفقاً لورقة الاتفاق السياسي الواردة في المنهاج الوزاري التي صوت عليها البرلمان في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2022».

ووفق بيان من الحكومة العراقية، فقد جرت خلال اللقاء «مناقشة معالجة آثار الحقبة المظلمة والانتهاكات الصارخة ضد الإنسانية، التي تسببت فيها سياسات نظام البعث المقبور، ومحاسبة كل من ارتكب الجرائم بحق أبناء الشعب العراقي في تلك الحقبة، وكذلك مناقشة ما تبقى من عمل هيئة المساءلة والعدالة في مجال إنفاذ القانون وتطبيق المهام والأهداف التي تشكلت على أساسها الهيئة».