أوضاع مأساوية في مخيم الركبان السوري عند المثلث الحدودي

حصار مستمر منذ نحو شهرين ومنظمات دولية تحمّل واشنطن المسؤولية

طفل من مخيم الركبان المحاصر ينتظر انفراجة للحصار الذي يعاني منه مع الأطفال وأهاليهم (المنظمة السورية للطوارئ)
طفل من مخيم الركبان المحاصر ينتظر انفراجة للحصار الذي يعاني منه مع الأطفال وأهاليهم (المنظمة السورية للطوارئ)
TT

أوضاع مأساوية في مخيم الركبان السوري عند المثلث الحدودي

طفل من مخيم الركبان المحاصر ينتظر انفراجة للحصار الذي يعاني منه مع الأطفال وأهاليهم (المنظمة السورية للطوارئ)
طفل من مخيم الركبان المحاصر ينتظر انفراجة للحصار الذي يعاني منه مع الأطفال وأهاليهم (المنظمة السورية للطوارئ)

بعيداً عن الاهتمام الإعلامي المنشغل بتغطية التصعيد في المنطقة، يعاني أكثر من ثمانية آلاف شخص في مخيم الركبان في المثلث الحدودي الصحراوي بين سوريا والعراق والأردن، فيما يعرف بمنطقة الـ(55كم)، من أوضاع إنسانية ومعيشية قاسية، في ظل نقص حاد بالمواد الأساسية الغذائية والطبية.

ومنذ أكثر من أربعين يوماً، اختفت مواد تموينية أساسية؛ كالأرز والسكر والشاي والبرغل والزيت وحليب الأطفال واللوازم الصحية، بحسب مصادر محلية.

وكان «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، قد أفاد في وقت سابق بمفارقة رضيع في الشهرين من عمره، الحياة داخل مخيم الركبان بسبب نفاد المواد الخاصة بالأطفال، وتقاعس الجهات المختصة بتأمينها، وذلك في ظل استمرار حصار القوات الحكومية والميليشيات الرديفة لها منطقة الـ55 كيلومتر، إضافة لعدم استجابة المنظمات الإنسانية لأوضاع النازحين داخل المخيم.

مستشفى شام الطبي في مخيم الركبان قرب الحدود السورية - الأردنية (موقع حصار الإعلامي)

وأطلقت المنظمة السورية للطوارئ، قبل عام، «عملية الواحة السورية»، لتوصيل المساعدات والموارد التعليمية والأطباء بشكل مستمر ومستدام إلى المخيم، باستخدام الطيران العسكري على أساس المساحة المتاحة في العمليات الجارية.

وكان المدير التنفيذي للمنظمة السورية للطوارئ (SETF) معاذ مصطفى، رفقة رئيس منظمة (Global Justice) الدكتور هيثم البزم في سبتمبر (أيلول) 2023، قد وصل ضمن فريق إلى مخيم الركبان للنازحين المحاصر على الحدود الجنوبية السورية مع العراق والأردن. وأهمية الزيارة أنها كانت المرة الأولى التي يتمكن فيها اثنان من رؤساء المنظمات غير الحكومية الدولية؛ أحدهما طبيب متخصص، من الوصول إلى المخيم منذ بدء الحصار عليه في عام 2014.

المدير التنفيذي للمنظمة السورية للطوارئ (SETF) معاذ مصطفى في زيارة لمخيم الركبان

وخلال فصل الصيف، نجحت المنظمة في توزيع أكثر من 650 طناً من المساعدات الإنسانية لضمان الأمن الغذائي للجميع في الركبان لأول مرة، وعلى الرغم من هذا، فهذه المساعدات ستستمر حتى نهاية أكتوبر (تشرين أول) الحالي فقط.

وأكدت المنظمة السورية للطوارئ (SETF)، الأحد الماضي، أن جميع طرق التهريب التي يستخدمها السكان المحاصرون في مخيم الركبان للنازحين للحصول على السلع الأساسية، «قد تم قطعها من قبل الفرقة المدرعة الرابعة التابعة للنظام، والتي تعمل بأوامر إيرانية، وبالتنسيق مع القوات الروسية في سوريا».

وكان «المرصد» قد أشار إلى غياب الكوادر الطبية المؤهلة داخل المخيم، وقال إن العاملين في مجال الصحة داخل المخيم هم ممرضون ومتدربون، ولا يمتلكون القدرة على تشخيص الحالات المرضية بشكل دقيق؛ إذ يعتمدون على التواصل مع أطباء خارج المخيم لتوجيههم بشأن طرق العلاج اللازمة للمرضى. ويعكس هذا الأمر، الأوضاع الصعبة التي يواجهها سكان المخيم ويزيد من معاناتهم اليومية.

مهمة طبية من فريق المنظمة السورية للطوارئ في مخيم الركبان للنازحين في جنوب سوريا أجرى فيها الأطباء عمليات ومتابعة في مختلف التخصصات

وفي أغسطس (آب) الماضي، أعلنت المنظمة السورية للطوارئ (SETF) عن نجاح مهمة طبية تاريخية إلى مخيم الركبان، حيث استمرت الزيارة لأكثر من ستة أسابيع، وضمت فريقاً طبياً متعدد التخصصات في أول زيارة طبية شاملة إلى المخيم المحاصر منذ تأسيسه عام 2014. وضم الفريق أطباء من تخصصات مختلفة؛ بينهم طبيب الأسنان الدكتور ماجد العزاوي، وطبيب الأطفال الدكتور محمد بكر غبيس، وجراح الأعصاب الدكتور رامي كلزي، وجراح الفم الدكتور تميم كوبين أوغلو، وطبيب نفسي إكلينيكي ومعالج نفسي، بقيادة المدير الطبي سوليفان جودرو.

لقاء مسؤولين في التحالف الدولي لمخيم الركبان قبل شهور (موقع حصار الإعلامي)

يعاني مخيم الركبان من العزلة كونه يقع في نطاق سيطرة «قوات التحالف» التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية عند الحدود السورية مع الأردن، حيث توجد قاعدة عسكرية أميركية.

وبدأت أوضاع المخيم بالتردي منذ عام 2015 مع تشديد قوات النظام حصارها على المنطقة، وإغلاق طرق التهريب غير الشرعية فيها، والتي يعتمد عليها سكان المخيم للحصول على الإمدادات الأساسية. وآخر قافلة إنسانية تابعة للأمم المتحدة سمحت لها الحكومة السورية بدخول المخيم كانت في سبتمبر 2019. وبحسب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يذكر تقرير «المرصد» أن الولايات المتحدة الأميركية ملزمة بضمان حصول سكان المخيم على الإمدادات الأساسية.

صورة أرشيفية نشرها «مجلس عشائر تدمر والبادية السورية» لاحتجاج أطفال نازحين في مخيم الركبان على غياب المساعدات

يذكر، أن غالبية العالقين في مخيم الركبان هم من اللاجئين السوريين الذين تم ترحيلهم قسراً من الأردن، يعيشون أوضاعاً مزرية في ظل إهمال ولا مبالاة القوات الأميركية القريبة منهم. فيما تصنفهم الحكومة السورية على أنهم «إرهابيون» وملاحقون من قبل السلطات السورية. ما اضطرهم للعيش في منطقة قاحلة تفتقر لكل مقومات الحياة البشرية.


مقالات ذات صلة

تراجع أعداد اللاجئين السوريين في تركيا لأقل من 3 ملايين

شؤون إقليمية أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا (إعلام تركي)

تراجع أعداد اللاجئين السوريين في تركيا لأقل من 3 ملايين

تراجعت أعداد اللاجئين السوريين الخاضعين لنظام الحماية المؤقتة في تركيا إلى أقل من 3 ملايين لاجئ.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي تشييع اثنين من ضحايا هجوم تدمر في الحطابية بمحافظة حمص الجمعة (متداولة)

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

أنباء عن مغادرة قياديين في «الحرس الثوري الإيراني» وميليشيات تابعة لإيران، الأراضي السورية متجهة إلى العراق؛ خشية تعرضهم للاستهداف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رجال أمن وإنقاذ في موقع استهدفته غارة إسرائيلية في دمشق (أرشيفية - أ.ب)

تحذير أممي من انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي واسع»

رأت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، نجاة رشدي، أن منطقة الشرق الأوسط تشهد «خطراً عميقاً»، ودعت إلى «عمل حاسم» لمنع انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي».

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً في البرلمان التركي (الخارجية التركية)

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام في سوريا

أوضح وزير الخارجية التركي فيدان أن الرئيس السوري لا يريد السلام في سوريا، وحذر من أن محاولات إسرائيل لنشر الحرب بدأت تهدد البيئة التي خلقتها «عملية أستانة».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي هاربون من الحرب بلبنان يعبرون منطقة المصنع التي استهدفتها إسرائيل (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الغارات على تدمر هي «على الأرجح» الأسوأ في سوريا

قالت نجاة رشدي، نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، أمام مجلس الأمن: «ازدادت الغارات الإسرائيلية في سوريا بشكل كبير، سواء من حيث الوتيرة أو النطاق».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«حزب الله» يستعد سياسياً لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار

الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

«حزب الله» يستعد سياسياً لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار

الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

تتعاطى القوى السياسية على اختلافها مع تأكيد أمين عام «حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، بتموضعه مجدداً تحت سقف «اتفاق الطائف»، على أنه أراد أن يستبق الوعود الأميركية بالتوصل إلى وقف إطلاق النار، بتحديد العناوين الرئيسية لخريطة الطريق في مقاربته لمرحلة ما بعد عودة الهدوء إلى جنوب لبنان، بانسحاب إسرائيل من المناطق التي توغلت فيها تمهيداً لتطبيق القرار الدولي «1701»، وتعد بأنها تأتي في سياق استعداد الحزب للعبور من الإقليم -أي الميدان- إلى الداخل اللبناني عبر بوابة الطائف.

فالبنود التي حددها قاسم في مقاربته لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار تنم، كما تقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط»، عن رغبته في إضفاء اللبننة على توجهات الحزب وصولاً إلى انخراطه في الحراك السياسي، في مقابل خفض منسوب اهتمامه بما يدور في الإقليم في ضوء تقويمه لردود الفعل المترتبة على تفرُّده في قرار إسناده لغزة الذي أحدث انقساماً بين اللبنانيين.

وتعدّ المصادر أنه ليس في إمكان الحزب أن يتجاهل الوقائع التي فرضها قرار إسناده لغزة، وأبرزها افتقاده لتأييد حلفائه في «محور الممانعة»، وكاد يكون وحيداً في المواجهة، وتؤكد أن تفويضه لرئيس المجلس النيابي، نبيه بري، للتفاوض مع الوسيط الأميركي، آموس هوكستين، وتوصلهما إلى التوافق على مسوّدة لعودة الهدوء إلى الجنوب، يعني حكماً أنه لا مكان في المسوّدة للربط بين جبهتي غزة والجنوب وإسناده لـ«حماس».

انكفاء الحزب

وتلفت المصادر نفسها إلى أن عدم اعتراض الحزب على المسوّدة يعني موافقته الضمنية على إخلاء منطقة الانتشار في جنوب الليطاني والانسحاب منها، إضافة إلى أن قواعد الاشتباك المعمول بها منذ صدور القرار «1701»، في آب (أغسطس) 2006، أصبحت بحكم الملغاة، أسوة بإنهاء مفعول توازن الرعب الذي كان قد أبقى على التراشق بينهما تحت السيطرة.

وتقول المصادر نفسها إنه لا خيار أمام الحزب سوى الانكفاء إلى الداخل، وإن ما تحقق حتى الساعة بقي محصوراً في التوصل إلى وقف إطلاق النار العالق سريان مفعوله على الوعود الأميركية، فيما لم تبقَ الحدود اللبنانية - السورية مشرّعة لإيصال السلاح إلى الحزب، بعدما تقرر ضبطها على غرار النموذج الذي طبقه الجيش على مطار رفيق الحريري الدولي، ومنع كل أشكال التهريب من وإلى لبنان، إضافة إلى أن وحدة الساحات كادت تغيب كلياً عن المواجهة، ولم يكن من حضور فاعل لـ«محور الممانعة» بانكفاء النظام السوري عنه، رغبة منه بتصويب علاقاته بالمجتمع الدولي، وصولاً إلى رفع الحصار المفروض عليه أميركياً بموجب قانون قيصر.

لاريجاني

وفي هذا السياق، تتوقف المصادر أمام ما قاله كبير مستشاري المرشد الإيراني، علي لاريجاني، لوفد من «محور الممانعة» كان التقاه خلال زيارته إلى بيروت: «إيران ترغب في إيصال المساعدات إلى لبنان لكن الحصار المفروض علينا براً وبحراً وجواً يمنعنا من إرسالها، ولم يعد أمامنا سوى التأكيد بأننا شركاء في إعادة الإعمار».

وتسأل ما إذا كان التحاق الحزب بركب «اتفاق الطائف»، الذي هو بمثابة ملاذ آمن للجميع للعبور بلبنان إلى بر الأمان، يأتي في سياق إجراء مراجعة نقدية تحت عنوان تصويبه للعلاقات اللبنانية - العربية التي تصدّعت بسبب انحيازه إلى «محور الممانعة»، وجعل من لبنان منصة لتوجيه الرسائل بدلاً من تحييده عن الصراعات المشتعلة في المنطقة؟ وهل بات على قناعة بأنه لا خيار أمامه سوى التوصل إلى وقف إطلاق النار، رغم أن إسرائيل تتمهل في الموافقة عليه ريثما تواصل تدميرها لمناطق واسعة، وهذا ما يفتح الباب للسؤال عن مصير الوعود الأميركية، وهل توكل لتل أبيب اختيار الوقت المناسب للإعلان عن انتهاء الحرب؟

تموضع تحت سقف «الطائف»

ولم تستبعد الدور الذي يعود لبري في إسداء نصيحته للحزب بضرورة الالتفات إلى الداخل، والتموضع تحت سقف «اتفاق الطائف»، خصوصاً أن المجتمع الدولي بكل مكوناته ينصح المعارضة بمد اليد للتعاون معه لإخراج لبنان من أزماته المتراكمة.

وتقول إن الحزب يتهيب التطورات التي تلازمت مع إسناده لغزة، وتسأل هل قرر إعادة النظر في حساباته في ضوء أن رهانه على تدخل إيران لم يكن في محله؛ لأن ما يهمها الحفاظ على النظام وتوفير الحماية له، آخذة بعين الاعتبار احتمال ضعف موقفها في الإقليم؟

لذلك فإن قرار الحزب بأن يعيد الاعتبار للطائف، يعني أنه يبدي استعداداً للانخراط في الحراك السياسي بحثاً عن حلول لإنقاذ لبنان بعد أن أيقن، بحسب المصادر، بأن فائض القوة الذي يتمتع به لن يُصرف في المعادلة السياسية، وأن هناك ضرورة للبحث عن القنوات المؤدية للتواصل مع شركائه في البلد، وأولهم المعارضة، مع استعداد البلد للدخول في مرحلة سياسية جديدة فور التوصل إلى وقف إطلاق النار الذي من شأنه أن يعطي الأولوية لانتخاب الرئيس، ليأخذ على عاتقه تنفيذ ما اتُّفق عليه لتطبيق الـ«1701».

وعليه لا بد من التريث إفساحاً في المجال أمام ردود الفعل، أكانت من المعارضة أو الوسطيين، على خريطة الطريق التي رسمها قاسم استعداداً للانتقال بالحزب إلى مرحلة سياسية جديدة، وهذا يتطلب منه عدم الاستقواء على خصومه والانفتاح والتعاطي بمرونة وواقعية لإخراج انتخاب الرئيس من المراوحة، واستكمال تطبيق «الطائف»، في مقابل معاملته بالمثل وعدم التصرف على نحو يوحي بأنهم يريدون إضعافه في إعادة مؤسسات البلد، بذريعة أن قوته اليوم لم تعد كما كانت في السابق، قبل تفرده في إسناده لغزة، وما ترتب عليها من تراجع للنفوذ الإيراني، بالتلازم مع عدم فاعلية وحدة الساحات التي تتشكل منها القوة الضاربة لـ«محور الممانعة» الذي لم يكن له دور، ولو بحدود متواضعة، بتوفير الدعم للحزب كونه أقوى أذرعته في الإقليم، وبالتالي هناك ضرورة لاحتضانه لاسترداده إلى مشروع الدولة.