استهداف البقاع يعطل الحياة اليومية... والسكان يفتقدون المواد الأساسية

الغارات المتكررة أوقفت توزيع الخبز... وندرة في الأدوية

لبنانيون يتفقدون مبنى مدمراً بغارات إسرائيلية في دورس جنوب مدينة بعلبك (أ.ف.ب)
لبنانيون يتفقدون مبنى مدمراً بغارات إسرائيلية في دورس جنوب مدينة بعلبك (أ.ف.ب)
TT

استهداف البقاع يعطل الحياة اليومية... والسكان يفتقدون المواد الأساسية

لبنانيون يتفقدون مبنى مدمراً بغارات إسرائيلية في دورس جنوب مدينة بعلبك (أ.ف.ب)
لبنانيون يتفقدون مبنى مدمراً بغارات إسرائيلية في دورس جنوب مدينة بعلبك (أ.ف.ب)

دفعت الاستهدافات الإسرائيلية لمنطقة بعلبك - الهرمل في شرق لبنان، أصحاب المصالح إلى إقفال المحال التجارية و«السوبر ماركت» والصيدليات، وانعكس ذلك تراجعاً في توفر المواد الغذائية وارتفاعاً في الأسعار، وفرغت الرفوف من بعض أصناف المواد الغذائية، خصوصاً الوجبات السريعة والمعلبات، مثل التونة والسردين والمورتديلا، إضافة إلى الأرز والسكر والحليب والألبان والأجبان.

ومنذ 23 سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأت مناطق واسعة في البقاع شرق لبنان تتعرض للقصف والغارات الجوية الإسرائيلية، وازداد الأمر تأزماً الخميس مع صدور إنذارات إسرائيلية بإخلاء بعض المنازل فيها، على وقع غارات متفرقة.

ونفد بعض أصناف الأدوية الرئيسية، كما فقد حليب الأطفال من بعض الصيدليات التي فتحت أبوابها خلال أسابيع الأزمة الأربعة.

ويقول الدكتور محمد صالح، مالك صيدلية عند مدخل بلدة بريتال، شرق بعلبك، ومستشار نقيب الصيادلة في لبنان، إن «هناك فقداناً لبعض الأدوية الأساسية، خصوصاً أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية، من صيدليات المنطقة، نتيجة خطورة التحرك على الطرقات وانقطاعه على الأوتوستراد الدولي بشكل شبه كامل، وتعذر وصول المندوبين وسيارات النقل بسبب وضع الطرقات».

أدوية مفقودة وصيدليات خارج الخدمة

وأشار صالح إلى فقدان بعض الأدوية، مثل «الترامادول» وأدوية الأعصاب و«السيبرالكس» و«الديناكسيد»، بالإضافة إلى تضرر بعض الصيدليات في بعلبك - الهرمل، مع الإشارة إلى خروج بعض الصيدليات عن الخدمة لعدم تمكن أصحابها من فتح أبوابها بالمناطق الساخنة في بعلبك والعسيرة ودورس.

وما ينسحب على الصيدليات ينسحب على المحال التجارية والدكاكين و«السوبر ماركت»، مع الإشارة إلى عدم وجود مستودعات كبيرة للتخزين في بعلبك والهرمل ورياق و«علي النهري» والبقاع الشمالي، واعتماد أصحاب المحال على أسواق بر الياس والعاصمة في عمليات النقل والتوزيع، وتعذر وصول المندوبين وسيارات النقل التي كانت تنقل البضائع إلى المناطق الساخنة حالياً؛ بسبب هروب السائقين وخطورة التوجه نحو هذه المناطق، وحتى سيارات توزيع المرطبات التي منعت منذ بداية الأزمة من التحرك إلى هذه المناطق، أوقفت تحركها على طرقات بعلبك - الهرمل، خشية تعرضها للقصف.

رفوف شبه خالية في أحد متاجر بعلبك - الهرمل (الشرق الأوسط)

ارتفاع الأسعار

وارتفعت أسعار جميع أصناف السجائر الأجنبية والوطنية، والتبغ المعسل، بنسبة 15في المائة، وارتفع سعر علبة تبغ «السيدرز» المصنوع في لبنان من 65 ألف ليرة إلى 80 ألف ليرة، وتوقفت عن العمل عشرات سيارات توزيع الخبز؛ التي كان أصحابها يتعيشون من مهنة توزيعه على المحال التجارية؛ وذلك بسبب خطورة التحرك على طرقات البقاع الشمالي وبعلبك - الهرمل، خشية تعرضها للقصف، مما أجبر المواطنين الصامدين في منازلهم على البحث عن الرغيف في الأفران، رغم خطورة التحرك على الطرقات الرئيسية المؤدية إلى القرى.

مسؤول التنسيق بين دار إفتاء بعلبك -الهرمل والجمعيات الأهلية، محمد كامل الرفاعي، شرح لـ«الشرق الأوسط» معاناة تأمين الفرش والمواد الغذائية ووجبات الطعام المقدمة هباتٍ من الجمعيات الأهلية، للقرى البعيدة، مثل معربون وطفيل شرق لبنان، والخشية من تعرض سيارات النقل للقصف... «لقد حولنا سيارات الصليب الأحمر اللبناني المحملة بالمواد التموينية والغذائية من سيارات مقفلة إلى سيارات مكشوفة، بناء على تعميم وتوجيهات الأمين العام للصليب الأحمر اللبناني، جورج كتانة، كي لا تُستهدف من قبل الطيران الحربي والمسيّر على الطرقات إلى البلدات البعيدة والنائية، خصوصاً المتوجهة إلى القرى الحدودية».

وجبات خالية من الخبز

صعوبة التنقل على الطرقات، وفقدان المواد الغذائية، ومشتقات الأجبان والألبان واللحوم، دفعت بالمواطنين، الذين لا يزالون في منازلهم، إلى الاكتفاء بوجبات خالية أحياناً من الخبز المتعذر وصوله إلى بعض المحال.

العاملة السورية زهور، التي تعمل على رعاية عائلتين من أبنائها المتأهلين وأطفالها الصغار الذين ما زالوا في عهدتها، تقول: «ضاقت بنا سبل العيش. طبخت لأفراد عائلتي العشرة البصل المقلي بالزيت على أنه طعام بسبب عدم توفر الأموال».

عباس الحاج حسن، موزع مشتقات الألبان والأجبان من معمل «شمص للتصنيع» إلى المحال التجارية، يقول: «أقفلت أبواب المعمل، وتوقفنا عن التوزيع، وعن تسلم الحليب من المزارعين؛ بسبب تضرر المعمل وهروب عمال التصنيع إلى سوريا، بعد تعرض المعمل لأضرار أصابته من غارة قريبة على طريق حدث - بعلبك الدولية، سقط فيها عدد من الجرحى».

توزيع الخبز محفوف بالمخاطر

حسين طليس، الذي توقف عن توزيع الخبز إلى قرى شرق بعلبك وبريتال، يقول: «أُجبرنا على التوقف عن عملنا بشكل قسري بسبب تعرض أفران (السفير) لأضرار؛ نتيجة مجزرة ارتكبها الطيران الإسرائيلي، ذهب ضحيتها 9 من العمال السوريين وأطفالهم، عندما استهدف أحد الأبنية عند مدخل بلدة يونين في البقاع الشمالي». وأضاف: «هذه المجزرة دفعت عمال الفرن إلى الرحيل والعودة إلى سوريا».

ويشير طليس إلى «خطورة نقل الخبز من العاصمة إلى البقاع؛ بسبب خطورة الطريق وخسارة النقل لانحسار الطلب على الخبز ونزوح معظم السكان من منازلهم إلى أماكن آمنة، ناهيك بخطورة النقل من العاصمة إلى بعلبك». وعن توفر الطحين في الأفران يقول: «الطحين أصبح متوفراً بعد رفع الدعم، وأصبح بإمكان جميع الأفران تأمين الطحين من المطاحن أو من التجار».

الزراعة

رئيس نقابة المزارعين والفلاحين في البقاع، إبراهيم الترشيشي، اشتكى من الوضع الزراعي بمنطقة البقاع، وقال إن «الزراعة تحتاج لاطمئنان وراحة بال، كأي استثمار، وهي ليست دكاناً تفتح أبوابه وتقفلها ساعة تشاء. فهي دورة زراعية متكاملة، والوضع الزراعي الحالي أسوأ ما يكون؛ بسبب المشكلات وهروب اليد العاملة وارتفاع بدل النقل بين المناطق وإلى العاصمة، الذي زاد إلى الضعفين، ناهيك بمناطق حُرّم الدخول إليها لجني محاصيلها من العنب والبصل والبندورة».


مقالات ذات صلة

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: ميقاتي أعطى تعليمات للمؤسسات اللبنانية للتعاون مع «هيئة تحرير الشام»

خاص ناشطون يحملون أعلاماً لبنانية وسورية وصور الصحافي سمير قصير الذي اغتاله النظام السوري السابق لمعارضته له في تحرك ببيروت تحت شعار «مِن بيروت الحرية» احتفالاً بسقوط نظام بشار الأسد (إ.ب.أ)

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: ميقاتي أعطى تعليمات للمؤسسات اللبنانية للتعاون مع «هيئة تحرير الشام»

فُتِحَت قنوات التواصل بين لبنان والحكومة السورية المؤقتة، ونَقَل دبلوماسيون رسالة من قائد «هيئة تحرير الشام» إلى لبنان بأنه لا مشكلة مع الدولة اللبنانية

يوسف دياب
المشرق العربي رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط والحالي نجله رئيس كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط (الوكالة الوطنية للإعلام)

«الاشتراكي» يتبنى ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية اللبنانية

أعلنت كتلة «اللقاء الديمقراطي» تأييدها لقائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية في خطوة لافتة ومتقدمة عن كل الأفرقاء السياسيين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مستقبلاً رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي (إ.ب.أ)

تركيا ولبنان يتفقان على «العمل معاً» في سوريا

أكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الأربعاء، أن أنقرة وبيروت «اتفقتا على العمل معاً في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
تحليل إخباري سيدات يحملن صورة الأمين العام لـ«حزب الله» السابق حسن نصر الله خلال مشاركتهن في تشييع أقربائهن الذين قتلوا ببلدة المعيصرة شمال لبنان بقصف إسرائيلي في 14 أكتوبر الماضي (أ.ب)

تحليل إخباري قضية المقاتلين المفقودين تربك «حزب الله» أمام بيئته

لا تزال قضية المقاتلين المفقودين خلال الحرب مع إسرائيل تربك «حزب الله» وتؤرق عائلاتهم التي تنتظر سماع أي خبر عن أبنائهم أو الحصول على رفاتهم لدفنه.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي رئيس البرلمان نبيه بري مودعاً رئيس الحكومة اليوناني (رئاسة البرلمان)

بري متفائل بانتخاب رئيس في 9 يناير: «الأجواء جيدة»

جدّد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري التأكيد على تفاؤله بأن الجلسة التي حددها في 9 يناير (كانون الثاني) ستشهد انتخاب رئيس للجمهورية، واصفاً الأجواء بالجيدة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

مدينة دوما تتنفس الصعداء بعد سقوط نظام الأسد

السوق التجارية في شارع الجلاء وسط دوما وتبدو فيه حركة المارة (الشرق الأوسط)
السوق التجارية في شارع الجلاء وسط دوما وتبدو فيه حركة المارة (الشرق الأوسط)
TT

مدينة دوما تتنفس الصعداء بعد سقوط نظام الأسد

السوق التجارية في شارع الجلاء وسط دوما وتبدو فيه حركة المارة (الشرق الأوسط)
السوق التجارية في شارع الجلاء وسط دوما وتبدو فيه حركة المارة (الشرق الأوسط)

تتنفس مدينة دوما، أكبر مدن غوطة دمشق الشرقية، الصعداء بعد سقوط حكم بشار الأسد المخلوع الذي جعل مدن المنطقة وبلداتها وقراها كافة مسرحاً للموت والدمار، من ضربها بالكيماوي أبريل (نيسان) 2018، إلى تحويلها مركزاً لتصنيع الكبتاغون بعد أن استردها وهجَّر مقاتلين وعائلاتهم.

الحياة تعود إلى طبيعتها تدريجياً، في دوما، المركز الإداري للغوطة الشرقية (المعروفة رسمياً باسم ريف دمشق الشرقي)، بعودة أعداد كبيرة من المهجَّرين إلى مدينتهم، واستتباب الأمن فيها ومواصلة المؤسسات عملها. في حين لا يزال مشهد الدمار طاغياً على معظم أرجاء حرستا (المجاورة).

دوار البلدية في دوما الذي تتفرع عنه مداخل الطرق إلى أحياء المدينة (الشرق الأوسط)

تبعد دوما أكثر من 14 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من العاصمة دمشق. وبمجرد الوصول إلى مشارف المدينة من الجهة الغربية، عبر الأوتوستراد الدولي الذي يربط العاصمة بوسط البلاد وشمالها وغربها، يبدو واضحاً غياب مظاهر النظام السابق (حواجز الجيش والمفارز الأمنية وصور الأسد)، بينما غيرت عمليات ترميم أغلبية المباني خلال السنوات القليلة الماضية ما دمره النظام، مشهد المدينة عن بعد، مع اختفاء المظاهر المسلحة بشكل شبه كامل من الطريق.

ومع الدخول إلى الطرق العامة من الجهة الشمالية المؤدي إلى وسط المدينة، يتواصل اختفاء المظاهر المسلحة، مع تزايد حركة السيارات في مسربي الطريق ذهاباً وإياباً.

عودة حركة السوق إلى دوما (الشرق الأوسط)

عند دوار البلدية، تم تعليق لافتات الترحيب «بالثوار» في مداخل الطرق كافة المتفرعة منه إلى أحياء المدينة، بينما بدت الحركة في بداية شارع الجلاء الذي يعد السوق التجارية الرئيسة في المدينة خفيفة، وتتزايد بعد قطع عشرات الأمتار، لتصبح كثيفة في منتصفه، ويبدو الإقبال على الشراء كبيراً من المحال التجارية بتخصصاتها كافة.

بائع «ترمس» جوال على عربة خشبية يبدي سروره بالتغير الذي حدث، ويقول لـ«الشرق الأوسط» بعد أن يحمد الله على الخلاص: «وين كنا وين صرنا، كنا ميتين بالحياة، خوف وغلاء، بس اليوم الناس فرحانة وبالشوارع، وبإذن الله الوضع بيتحسن اكثر».

بدوره، صاحب محل لبيع الخضراوات والفاكهة، يؤكد أن الإقبال على الشراء، تزايد بنسبة كبيرة بعد سقوط النظام، الأسعار انخفضت، والناس ارتاحت نفسياً، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «كان مجوّع الناس بتحكم كبار التجار المرتبطين فيه، والإتاوات التي كان يفرضها جيشه، واليوم خلصنا من كل هذه العصابة».

رئيس المجلس المحلي في دوما خالد المكبتل في مكتبه (الشرق الأوسط)

رئيس المجلس المحلي في دوما، خالد المكبتل، الذي التقته «الشرق الأوسط» في مكتبه بمقر البلدية، يصف الوضع حالياً في دوما بعد سقوط النظام، بأنه «جيد»، ويقول: «بدأنا مرحلة جديدة، والأولوية لتأمين حاجة المواطن».

ويوضح المكبتل، بعد أن أشار إلى أن المجلس يسيّر حالياً أمور المدينة، أن الأمن مستتب مع وجود عناصر فصائل المعارضة، والمؤسسات الحكومية أغلبيتها فتحت أبوابها وعاد الدوام الطبيعي فيها، وكذلك المدارس والمشفى وجميع الأفران تعمل.

المسجد الكبير وسط دوما وعمليات الترميم في خواتيمها (الشرق الأوسط)

ووفق المكبتل، فإن الأسعار تدنت إلى أقل من النصف قياساً بما كانت عليه قبل سقوط النظام؛ لأن التصدير توقف وسوق الهال توجد فيها كميات كبيرة من الخضراوات والفاكهة، فكيلو البطاطا كان بـ12 ألفاً واليوم بـ4 آلاف، مشيراً إلى أنه «خلال اليومين الأول والثاني بعد سقوط النظام، ارتفعت الأسعار إلى أرقام قياسية، حيث وصل كيلو السكر إلى 60 ألف ليرة بعدما كان بـ12». ويضيف: «منذ يومين كل الأسعار نزلت فالسكر اليوم بـ9 آلاف؛ لأنه لم يعد هناك احتكار».

مقاتلون من «جيش الإسلام» وهم أمام مقرّ مفرزة المخابرات في شارع الجلاء بمدينة دوما (الشرق الأوسط)

وكان فصيل «جيش الإسلام» يسيطر على مدينة دوما وعلى مساحات واسعة من غوطة دمشق الشرقية بعد خروجها عن سيطرة نظام الأسد المخلوع في السنة الثانية للثورة في عام 2012، قبل أن يسيطر عليها النظام في عام 2018 ويهجّر مقاتليها وأغلبية أهلها إلى الشمال السوري.

عودة كثيفة للمهجَّرين

تشهد المدينة عودة مكثفة للمهجرين منها. عدد سكان دوما كان قبل عام 2011، نحو 585 ألف نسمة، وفي عام 2018 هبط إلى 250 ألفاً، واليوم عدد القاطنين فيها يتجاوز الـ400 ألف، والرقم يزداد يومياً بسبب عودة الأهالي من تركيا ومن الشمال ومن لبنان ومن أوروبا.

وحول رؤيته لمستقبل سوريا بعد سقوط حكم الأسد، يوضح المكبتل أن النهوض «يحتاج إلى اعتمادات مالية ضخمة وجهات مانحة، وما تم تدميره يحتاج إلى مليارات، ولكن نحن متفائلون خيراً».

رجل وطفل في مستشفى محاصر في الغوطة الشرقية في 25 فبراير 2018 (أرشيفية - رويترز)

يرتبط اسم الغوطة الشرقية وخصوصاً دوما، بالموت؛ بسبب شدة القصف الذي تعرضت له من قِبل النظام وحلفائه، والمجازر التي ارتكبت فيها والحصار والتجويع الذي فرضه عليها؛ ما خلف آلاف القتلى من المدنيين، والآلاف من المعتقلين الذين لم يُعرف مصيرهم حتى الآن.

وقصف النظام مدينة دوما بالأسلحة الكيمياوية المحرّمة دولياً في أبريل عام 2018؛ ما أدى إلى سقوط أكثر من 100 قتيل وإصابة الآلاف.

وبينما تقدّر مصادر في المنطقة أعداد مَن كانوا معتقلين من أهالي الغوطة الشرقية في سجون النظام، بأكثر من 50 ألفاً، تؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن مَن خرجوا من السجون من أبناء المنطقة بعد سقوط النظام، لا يتعدى الـ5 في المائة.

الدمار طاغٍ في القسم الجنوبي من حرستا ريف دمشق الشرقي (الشرق الأوسط)

طغيان للدمار في حرستا

المشهد في حرستا يختلف كلياً عما هو عليه في مدينة دوما؛ إذ لا يزال الدمار طاغياً على قسمها الجنوبي الذي تنعدم فيه مظاهر الحياة، وتقتصر على قلة من السيارات المتجهة إلى القسم الشمالي والى الطريق العامة المؤدية إلى دمشق.

وحتى في القسم الشمالي من المدينة، تبدو مظاهر الحياة ضعيفة، الشوارع خالية إلا من قلة قليلة من طلبة المدارس وبعض المارة، على حين تفتح بعض المحال التجارية وسط إقبال ضعيف على الشراء، كما هو الحال في حيي البستان والسبيل اللذين تظهر مظاهر الحياة فيهما من خلال الألبسة المنشورة على نوافذ وشرفات المنازل.

حي البستان شمال حرستا وتبدو فيه حركة الحياة ضعيفة جداً (الشرق الأوسط)

وبينما لا تزال الطرقات الرئيسة، سواء في المناطق المدمرة أو الأحياء المؤهلة، بحالة سيئة بسبب كثافة القصف الذي تعرّضت له المدينة في السنوات الأخيرة، تبدو عموم المنطقة خالية من الانتشار العسكري لعناصر فصائل المعارضة إلا من بعض سياراتهم التي كانت تمر مسرعة في الطرقات.

وخلال جولة «الشرق الأوسط»، التقت رئيس «مجلس شورى حرستا» مصباح الدجلين، الذي كشف عن أن «المجلس» الذي تم تشكيله منذ عام 2020 في المناطق المحررة في شمال سوريا، انتقل بعد سقوط النظام، إلى المدينة. وأوضح، أن المجلس يتألف من سبعة أعضاء، هم من وجهاء المدينة وكلهم عادوا من الشمال، مؤكداً: «سنقوم لاحقاً بتوسعته بحيث يضم وجهاء من داخل المدينة التي استقبلنا أهلها المقيمون فيها بالترحيب والتفوا حولنا».

صفحة جديدة

ويقول الدجلين: «لقد فتحنا صفحة جديدة مع الجميع إلا من تلطخت يداه بالدماء وأكل حقوق الآخرين»، مشيراً إلى أن المجلس الذي يتخذ من مبنى فرع الأمن الجنائي في حرستا مقراً له، هو من يقوم حالياً بتسيير أمور المؤسسات والدوائر في المدينة.

يوضح الدجلين: «عندما كنا في الشمال السوري كنا نعد العدّة لهذه اللحظة»، ويشير إلى أن عدد المقاتلين الذين دخلوا حرستا نحو 300 مقاتل من أكثر من فصيل، لكن كلهم يتبعون «إدارة العمليات العسكرية». ويؤكد أن المؤسسات المدنية كافة لم يتم الاقتراب منها «نسيّرها بحسب مصلحة البلد».

ويبدي رئيس «مجلس شورى حرستا» تفاؤله بمستقبل البلاد، ويقول: «إن شاء الله في غضون عام سوريا ستضاهي بلاد أوروبا بالتقدم».