صدمة «البيجر» في بغداد... تقدير موقف لـ«الحرب الشاملة»

قادة فصائل موالية لطهران يراجعون أمن الشبكات... والخطوة التالية

تشييع قتلى سقطوا بتفجير أجهزة البيجر التابعة لـ«حزب الله» في ضواحي بيروت (إ.ب.أ)
تشييع قتلى سقطوا بتفجير أجهزة البيجر التابعة لـ«حزب الله» في ضواحي بيروت (إ.ب.أ)
TT

صدمة «البيجر» في بغداد... تقدير موقف لـ«الحرب الشاملة»

تشييع قتلى سقطوا بتفجير أجهزة البيجر التابعة لـ«حزب الله» في ضواحي بيروت (إ.ب.أ)
تشييع قتلى سقطوا بتفجير أجهزة البيجر التابعة لـ«حزب الله» في ضواحي بيروت (إ.ب.أ)

وصلت «صدمة» تفجير «بيجرات حزب الله» إلى بغداد، واستغرق هضمها يومين من الاجتماعات والاتصالات بين قادة أحزاب شيعية وفصائل مسلحة موالية لطهران، دون أن يصل «تقدير الموقف» إلى قرار بالتصعيد «تضامناً مع المقاومة».

منذ التفجيرات المتزامنة في لبنان، تحكم سؤالان بأجواء «البيت الشيعي»؛ وفقاً لسياسيين في بغداد: «كيف يستعد الإطار لسيناريو مماثل في العراق، وهل تذهب الفصائل لنصرة (حزب الله)، حتى لو لم يُطلب منها ذلك».

وطبقاً لمصادر متعددة، فإن النقاشات العاصفة، المشغولة بالقلق، لم تنته إلى إجابات قاطعة عن الأمرين، لكن الهاجس يتركز الآن على «الترتيبات الأمنية»، وانتظار «شكل المعركة المقبلة في لبنان».

عناصر من حركة «النجباء» خلال تجمع في بغداد 8 أكتوبر الماضي نصرةً لغزة (أ.ف.ب)

فزع في بغداد

صور التفجيرات «المفزعة»، كما يصفها قيادي في الإطار التنسيقي، دفعت قادة أمن إلى «مراجعة شبكة الاتصالات الأمنية، خصوصاً التي يستعملها الحشد الشعبي». وصل ذلك إلى المجلس الوزاري للأمن الذي قرر، أمس الأربعاء، مراجعة صفقات استيراد الأجهزة الإلكترونية، وتدقيقها عند الحدود. تقول مصادر، إن قلق قادة «الحشد» وصل إلى رئيس الحكومة محمد شياع السوداني الذي بادر إلى عقد الاجتماع.

في هذا المناخ، حاول قادة شيعة التحقق من شبكة الاتصال المستخدمة، كانت الأسئلة تتدفق من كل مكان: «ما نوع أجهزتنا؟ وهل حصل الحشد على صفقة بيجر مماثلة». يبدو أن المعطيات الأولية كانت مطمئنة لهم، لكن القلق يتسلل إلى مكاتب قادة الإطار، دون استثناء، «هل يحمل أحد قنبلة في جيبه؟».

تقول المصادر إن «الفصائل العراقية كانت قد أجرت حملة تدقيق في عناصرها والمتعاونين معها بحثاً عن اختراق، وبعد تفجيرات لبنان زاد هذا النوع من النشاط».

ثمة تطمينات أمنية بأن أجهزة الاتصال العراقية بعيدة عن الخطر الآن، غير أن سياسيين شيعة يقولون إن «ضرب إسرائيل للعراق أمر مؤجل لاعتبارات مختلفة، لكنه ضمن بنك الأهداف».

رحيم العبودي، وهو قيادي في تيار «الحكمة»، أحد أقطاب «الإطار التنسيقي»، قال لوسائل الإعلام ليلة الأربعاء إن «احتمالات قصف إسرائيل للعراق عالية جداً الآن، لكن المعادلة الإقليمية تلعب دوراً في تأجيلها».

مستجيب الطوارئ الأول

القناعة التي تسود بين قادة الأحزاب الشيعية الراعية للحكومة والفصائل الموالية لطهران، على حد سواء، بأن «العراق هو المستجيب الأول لطوارئ (حزب الله)» اللبناني. تقول المصادر: «إن حالة الطوارئ فرضت نفسها الآن بقوة، وربما سيُطلب دعم أكثر مما كانت الفصائل تقدمه».

لكن هل تستجيب الفصائل؟ على الأغلب لا رغبة حقيقية في الانخراط في توتر أكبر في المنطقة من جهة الفصائل العراقية.

وينسجم هذا مع موقف الحكومة العراقية، حين سارعت إلى امتصاص الصدمة بإصدار موقف مندد بإسرائيل «لإصابتها الآلاف من اللبنانيين بطريقة بشعة»، وعززت ذلك بإرسال شحنات مساعدات محمولة بطائرات الجيش من بغداد إلى بيروت.

تقول قيادات شيعية إن «التحرك الحكومي السريع كان يخفي قلقاً جدياً من حرب شاملة ستسحب كل الفصائل العراقية إلى خط المواجهة اللبنانية مع إسرائيل».

لكن، وخلال النقاشات العاصفة في بغداد عن تفجيرات «البيجر»، وصل الفاعلون الشيعة إلى واقع «المعركة الصعبة جداً». ووصف عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء الأسبق هجوم إسرائيل بـ«البارع»، واستدرك بوصف نتائجه على مستقبل المقاومة بأنه «فاشل».

تقول المصادر من داخل «الإطار التنسيقي» إن «شكل هذه الحرب بصورها الصادمة وهي تتدفق من بيروت فرض على العراقيين تقدير موقف مختلف».

وتقاطعت المعلومات الواردة من القوى الشيعية بأن «انهيار هيكل (حزب الله) في يوم واحد خلط الأوراق على الفاعلين المنخرطين في محور المقاومة، خصوصاً الفصائل التي تضع حسن نصر الله في مكانة رفيعة لديها». وتقول المصادر إن «الدهشة كانت تتعلق بخبرة (حزب الله) نفسه، الذي درب الفصائل العراقية على تحصين شبكة اتصالات المقاومة». وخلصت تلك النقاشات إلى أن «المعركة باتت الآن صعبة وقاسية جداً».

عناصر من حركة «النجباء» خلال تجمع في بغداد لمساندة «حماس» (أ.ف.ب)

ماذا بعد عراقياً؟

لا تملك المؤسسات المخابراتية والأمنية، ولا حتى بيئة الفصائل الموالية لطهران تصورات حاسمة عما سيحدث تالياً، بعد ضربة «البيجر».

كما أن مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، إسماعيل قاآني سلم الفصائل العراقية تعليمات عن وضع ما قبل تفجيرات «البيجر» في لبنان، ولم تعد صالحة للعمل بعد أن غادر بغداد.

لكن هنالك سيناريوهات على الطاولة، وجميعها حرجة ولا تبدو حاسمة حتى من الذين يتبنونها.

تقول المصادر إن «صناع القرار الميداني في الفصائل المسلحة لا يفضلون الذهاب إلى حرب شاملة، بمعنى معركة اجتياح يبادر إليها أحد الطرفين، إسرائيل أو (حزب الله) اللبناني».

والحال، أن الغالبية الساحقة من الفصائل الشيعية لا تفضل «رمي الثقل كله في جهنم مفتوحة»، دون أن يعني هذا بالنسبة إليهم التخلي عن «حزب الله»، حتى لو صدرت الأوامر من «الحرس الثوري» الإيراني.

ما تبقى من السيناريوهات على الطاولة في بغداد ينحصر بحرب أقوى وأوسع وبسقوف معلومة، تشبه إلى حد ما يجري الآن من عمليات استهداف خارجية، لا ترسم خط تماس واحداً في لبنان، كما تصف المصادر العراقية.

في هذه الحالة، سيكون الباب مفتوحاً أمام الفصائل العراقية للمشاركة مع «حزب الله» اللبناني، سواء من المتحمسين لحسن نصر الله، أو من الذين لا يترددون بتنفيذ أوامر «الحرس الثوري» الإيراني.


مقالات ذات صلة

بغداد: المنطقة تحت النار وهناك تهديدات واضحة من إسرائيل لنا

المشرق العربي وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين (الخارجية العراقية)

بغداد: المنطقة تحت النار وهناك تهديدات واضحة من إسرائيل لنا

قال وزير خارجية العراق فؤاد حسين، الجمعة، إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وجّه القوات المسلحة باتخاذ إجراءات بحق كل من يشن هجمات باستخدام الأراضي العراقية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد متحدثاً أمام «منتدى السلام» في دهوك (شبكة روداو)

وزير الخارجية العراقي: تلقينا تهديدات إسرائيلية «واضحة»

قدّم مسؤولون عراقيون تصورات متشائمة عن مصير الحرب في منطقة الشرق الأوسط، لكنهم أكدوا أن الحكومة في بغداد لا تزال تشدّد على دعمها لإحلال الأمن والسلم.

«الشرق الأوسط» (أربيل)
المشرق العربي «تشاتام هاوس» البريطاني نظّم جلسات حول مصير العراق في ظل الحرب (الشرق الأوسط)

العراق بين حافتَي ترمب «المنتصر» و«إطار قوي»

في معهد «تشاتام هاوس» البريطاني، طُرحت أسئلة عن مصير العراق بعد العودة الدرامية لدونالد ترمب، في لحظة حرب متعددة الجبهات في الشرق الأوسط.

علي السراي (لندن)
المشرق العربي السوداني خلال اجتماع مجلس الأمن الوطني الطارئ (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق: 12 خطوة لمواجهة التهديدات والشكوى الإسرائيلية لمجلس الأمن

أثارت الشكوى الإسرائيلية الموجهة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الهجمات التي تشنها الفصائل المسلحة العراقية عليها غضب حكومة محمد شياع السوداني.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي السوداني يزور مقر وزارة التخطيط المشرفة على التعداد صباح الأربعاء (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق: انطلاق عمليات التعداد السكاني بعد سنوات من التأجيل

بدت معظم شوارع المدن والمحافظات العراقية، الأربعاء، خالية من السكان الذين فُرض عليهم حظر للتجول بهدف إنجاز التعداد السكاني الذي تأخر لأكثر من 10 سنوات.

فاضل النشمي (بغداد)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لم يشهد سكان غزة، اليوم الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال اللذان أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، فيما قال مسعفون إن 21 شخصاً على الأقل قُتلوا في غارات إسرائيلية جديدة، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال مسعفون إن ثمانية أشخاص قُتلوا في غارة استهدفت منزلاً في حي الشجاعية بمدينة غزة في شمال القطاع. كما قُتل ثلاثة آخرون في غارة بالقرب من مخبز، وقُتل صياد في أثناء توجهه إلى البحر. وقُتل تسعة أشخاص في ثلاث غارات جوية شنتها إسرائيل في وسط وجنوب القطاع.

منطقة عازلة

في الوقت نفسه، توغلت القوات الإسرائيلية أكثر في الشمال، وكثفت القصف في هجوم رئيسي تشنه منذ أوائل الشهر الماضي.

ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يهدف إلى منع مقاتلي حركة «حماس» الفلسطينية من شن هجمات وإعادة تنظيم صفوفهم. ويعبّر سكان عن مخاوفهم من أن يكون الهدف هو إخلاء جزء من القطاع بشكل دائم ليكون منطقة عازلة، وهو ما تنفيه إسرائيل.

قال سكان في البلدات الثلاث المحاصرة في الشمال، وهي جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، إن القوات الإسرائيلية فجرت عشرات المنازل.

وذكرت وزارة الصحة بغزة في بيان أن غارة إسرائيلية استهدفت مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، وهو إحدى المنشآت الطبية الثلاث التي تعمل بالكاد في المنطقة، مما أسفر عن إصابة ستة من العاملين في المجال الطبي، بعضهم في حالة خطيرة.

وأضافت: «أدى الاستهداف أيضاً إلى تدمير المولد الكهربائي الرئيسي بالمستشفى، وثقب خزانات المياه لتصبح المستشفى من غير أكسجين ولا مياه، الأمر الذي ينذر بالخطر الشديد على حياة المرضى والطواقم العاملة داخل المستشفى، حيث يوجد فيه 80 مريضاً و8 حالات بالعناية المركزة».

أميركا والفيتو

وعدّ سكان في غزة قرار المحكمة الجنائية الدولية بالسعي إلى اعتقال اثنين من الزعماء الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب بمثابة اعتراف دولي بمحنة القطاع. لكن الواقفين في طابور للحصول على خبز من أحد المخابز في مدينة خان يونس بجنوب القطاع يشكون في أن يكون لهذا القرار أي تأثير.

وقال صابر أبو غالي وهو ينتظر دوره بين الناس: «القرار لا ولن يُنفذ؛ لأن إسرائيل تحميها أميركا، ولها حق الفيتو في كل حاجة، أما إسرائيل فلا ولن تُحاسب».

وقال سعيد أبو يوسف (75 عاماً) إنه حتى لو تحققت العدالة فسيكون ذلك بعد تأخير عقود، «المحكمة الجنائية الدولية اتأخرت كتير، إلنا فوق الستة وسبعين عام بنسمع قرارات اللجنة هذه ولا تنفذ ولا تطبق ولا تعمل إلنا أي شيء».

وشنت إسرائيل حملة عسكرية على غزة رداً على هجوم «حماس» عليها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والذي تشير إحصاءات إسرائيلية إلى أنه أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة.

وقال مسؤولو الصحة الفلسطينيون إن 44 ألف فلسطيني تقريباً قُتلوا في غزة منذ ذلك الحين، وتحول جزء كبير من القطاع إلى ركام.

تعثر جهود الوساطة

وقال ممثلو الادعاء في المحكمة إن هناك أسباباً كافية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت مسؤولان جنائياً عن ممارسات تشمل القتل والاضطهاد واستخدام التجويع سلاحاً في الحرب، في إطار «هجوم واسع وممنهج ضد السكان المدنيين في غزة».

كما أصدرت المحكمة أمر اعتقال لمحمد الضيف، القائد العسكري في «حماس»، الذي تقول إسرائيل إنها قتلته في غارة جوية في يوليو (تموز)، إلا أن «حماس» لم تؤكد أو تنف مقتله.

وتقول إسرائيل إن «حماس» هي المسؤولة عن كل ما يلحق بالمدنيين من أذى في غزة؛ لأن مقاتليها مندسّون بينهم، وهو ما تنفيه الحركة.

وندد سياسيون إسرائيليون من مختلف الأطياف السياسية بأمري الاعتقال، ورأوا أنهما صدرا بناء على تحيز، واستناداً إلى أدلة كاذبة. وتقول إسرائيل إن المحكمة ليست مختصة بنظر قضايا الحرب. وأشادت «حماس» بأمري الاعتقال بوصفهما خطوة مبدئية صوب تحقيق العدالة.

وتعثّرت جهود الوسيطين، مصر وقطر، بدعم من الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وتريد «حماس» التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، في حين تعهد نتنياهو بأن الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على «حماس».