عرض جيبوتي بمنح ميناء لإثيوبيا... هل يُقلق مصر؟

بعد رفض القاهرة اتفاق أديس أبابا مع «أرض الصومال»

أحد الموانئ في جيبوتي (أ.ف.ب)
أحد الموانئ في جيبوتي (أ.ف.ب)
TT

عرض جيبوتي بمنح ميناء لإثيوبيا... هل يُقلق مصر؟

أحد الموانئ في جيبوتي (أ.ف.ب)
أحد الموانئ في جيبوتي (أ.ف.ب)

مقترح جديد من جيبوتي بداعي «تخفيف حدة التوترات» في منطقة القرن الأفريقي في ظل أزمة تتصاعد عقب اتفاق إثيوبيا مع «أرض الصومال» لتأمين الوصول إلى البحر الأحمر من خلال منفذ ساحلي، وهو ما قوبل برفض مقديشو والجامعة العربية، تلاه إرسال القاهرة قوات ومعدات إلى الصومال، بطلب من مقديشو، اعتبرته أديس أبابا دون أن تسميه مباشرة «مزعزعاً للاستقرار» بالمنطقة.

عرض جيبوتي بـ«ميناء تجاري» لإثيوبيا، أثار تساؤلات حول إمكانية قبول إثيوبيا الأمر والتراجع عن الاتفاق مع «أرض الصومال»، وأيضاً انعكاس الأمر على القاهرة، التي اختارت «مساراً تصعيدياً» موازياً ضد أديس أبابا، عبر تقديم خطاب لمجلس الأمن بشأن الخلافات حول ملف «سد النهضة» الإثيوبي.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن ذلك العرض يجب أن ترد عليه إثيوبيا أولاً، وخاصة أنها هي المعنية بالأمر، في حين «سترد القاهرة حال وجود تهديد على أمنها القومي، شأنها شأن أي دولة متضررة من أي اتفاق».

وكشفت حكومة جيبوتي عن تقديم عرض الوصول الحصري لإثيوبيا إلى ميناء جديد لنزع فتيل التوترات، وفق ما أفاد وزير الخارجية الجيبوتي محمد علي يوسف، في مقابلة مع إذاعة «بي بي سي» الجمعة.

وأثارت إثيوبيا خلافاً دبلوماسياً مع مقديشو في يناير (كانون الثاني) عندما كشفت عن عرض للاعتراف بـ«أرض الصومال» التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، دون اعتراف دولي، مقابل الوصول إلى ميناء على خليج عدن، وعارض الصومال، الذي يعتبر «أرض الصومال» جزءاً من أراضيه، الخطة وتدهورت العلاقات بين البلدين منذ ذلك الحين.

يشمل المقترح الجيبوتي «إدارة بنسبة 100 في المائة لميناء في الشمال، وهو ممر جديد تم بناؤه بالفعل» في تاجورة على ساحل الدولة الواقعة في القرن الأفريقي، وفق يوسف، موضحاً أن رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيلة طرح الاقتراح لـ«إيجاد طريقة للحوار» لوقف تصعيد التوترات في المنطقة، وسيناقشه في منتدى التعاون الصيني - الأفريقي الذي يُعقد في بكين هذا الأسبوع.

وتعقيباً على العرض، قال رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير محمد العرابي لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر لا تضع قيوداً على تصرفات أو تحركات أي دولة»، غير أنه أكد أن «الأوضاع في القرن الأفريقي لا تتحمل هيمنة أحد، ومصر تفصل تماماً ما بين الأوضاع في القرن الأفريقي والسد الإثيوبي». في حين يرى السفير صلاح حليمة، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن العرض الجيبوتي يتعلق بنشاط تجاري وليس عسكرياً كما هو الحال في «أرض الصومال»، مشيراً إلى أن جيبوتي لديها العديد من الاتفاقيات مع دول ومنظمات أخرى وتقبل بمثل هذه الأمور.

ويعتقد أن مصر شأنها شأن أي دولة ستعلق بعد التعرف على تفاصيل هذا العرض عند قبوله والتوافق عليه بين الجانبين ارتباطاً بمضمونه وطبيعة النشاط، وبالتالي فإن واقع الأمر أن ما صدر من جانب جيبوتي مجرد تصريح بعرض.

عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، اللواء مجدي القاضي، يرى أن مصر لو عُرض عليها هذا المقترح الجيبوتي ستدرسه، وأي شيء يهدد أمنها القومي سترفضه، داعياً إثيوبيا التي وصفها بأنها «ذات نيات سيئة تجاه القاهرة» إلى أن تعلن موقفها أولاً من العرض.

ويرى البرلماني المصري أن إثيوبيا هي من تسعى لـ«تعكير صفو العلاقات»، وتظن أنها قادرة على أن تسيطر على ميناء مطل على البحر الأحمر لتؤثر على مصالح مصر، مؤكداً أن القيادة السياسية وجميع الأجهزة بمصر قادرة على تقييم الأمور بشكل موضوعي وحفظ الأمن القومي بشكل جاد وحاسم.

وجاءت تصريحات العرض الجيبوتي بعد أيام من إعلان سفير الصومال لدى مصر، علي عبدي أواري، «بدء وصول المعدات والوفود العسكرية المصرية إلى العاصمة الصومالية مقديشو في إطار مشاركة مصر بقوات حفظ السلام»، موضحاً حينها أن «مصر بذلك ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية».

الحضور المصري بمقديشو الجارة لإثيوبيا رفضته أديس أبابا، وتحدثت وسائل إعلام إثيوبية بأن «أديس أبابا ستنقل قوات عسكرية إلى حدودها مع الصومال رداً على وصول تعزيزات عسكرية مصرية».

وقبل أن تعين أديس أبابا، الخميس، سفيراً لدى «أرض الصومال»، غير المعترف بها دولياً، صدر بيان من الأخيرة، أعربت خلاله عن «الاعتراض بشدة على الانتشار الأخير للقوات العسكرية المصرية في مقديشو»، وحذر وزير الخارجية الإثيوبي، تاي أصقي سيلاسي، في مؤتمر صحافي، الجمعة، من «تحركات حكومة الصومال مع جهات (لم يسمها) لا تريد الاستقرار للمنطقة».

ووفق السفير حليمة، فإن إثيوبيا تحركت في الاتجاه غير الصحيح منذ البداية بالسعي لعقد اتفاق باطل قانوناً مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي الذي لا يتمتع بأهلية قانونية تتيح له إبرام اتفاقيات أو مذكرات تفاهم على هذا المستوى، والتي تعد تدخلاً من جانب إثيوبيا في شؤون الصومال، وهو دولة ذات سيادة، وأيضاً تهديداً لوحدته وسلامته الإقليمية، بما ينعكس على تهديد الأمن والاستقرار في منطقة البحر الأحمر التي تعد أحد أهم محاور الأمن القومي المصري والعربي والأفريقي.

ويتفق معه اللواء القاضي بأن إثيوبيا «ناورت كثيراً في ملف (سد النهضة)، فكيف يمكن أن نطمئن لها في أي وجود آخر يهدد أمن مصر؟!»، مؤكداً أن من حق مصر أن تتخذ أي موقف يحفظ أمنها القومي سواء في ملف السد أو غيره، وعلى إثيوبيا أن تثبت نيات حسنة بدلاً من إدخال المنطقة في «دوامة توترات».

والأحد، أفادت الخارجية المصرية بتقديم خطاب لمجلس الأمن بشأن اعتراضات أبدتها على ملء «سد النهضة»، مؤكدة أنها «تمثل استمراراً للنهج الإثيوبي المثير للقلاقل مع جيرانها والمهدد لاستقرار الإقليم الذي تطمح أغلب دوله لتعزيز التعاون والتكامل فيما بينها، بدلاً من زرع بذور الفتن والاختلافات».


مقالات ذات صلة

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

شمال افريقيا بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم العربي رئيس «أرض الصومال» المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

رئيس جديد لـ«أرض الصومال»... هل يُغيّر مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا؟

بفوز رئيس جديد محسوب على المعارضة، لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تتجه الأنظار نحو مصير مذكرة التفاهم الموقعة مع إثيوبيا والتي تعارضها الصومال.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)

مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

سلسلة إجراءات اتخذتها مقديشو تجاه رفض أي تدخل بشأن سيادتها على إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وصلت إلى محطة استدعاء السفير الدنماركي ستين أندرسن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو (رويترز)

تلميح إثيوبيا لـ«عدم خروج قواتها من الصومال» يعمق التوتر في القرن الأفريقي

تلميح إثيوبي باحتمال عدم خروج قواتها المشاركة بـ«حفظ السلام» في مقديشو بعد قرار صومالي باستبعادها رسمياً بنهاية العام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا التصويت في انتخابات الرئاسية بإقليم «أرض الصومال» (وكالة الأنباء الصومالية)

كيف تنعكس انتخابات «أرض الصومال» على توترات «القرن الأفريقي»؟

أجرى إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، الأربعاء، انتخابات رئاسية مرتقبة، في ظل تساؤلات حول تأثير نتائجها على توترات منطقة القرن الأفريقي.

أحمد إمبابي (القاهرة)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لم يشهد سكان غزة، اليوم الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال اللذان أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، فيما قال مسعفون إن 21 شخصاً على الأقل قُتلوا في غارات إسرائيلية جديدة، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال مسعفون إن ثمانية أشخاص قُتلوا في غارة استهدفت منزلاً في حي الشجاعية بمدينة غزة في شمال القطاع. كما قُتل ثلاثة آخرون في غارة بالقرب من مخبز، وقُتل صياد في أثناء توجهه إلى البحر. وقُتل تسعة أشخاص في ثلاث غارات جوية شنتها إسرائيل في وسط وجنوب القطاع.

منطقة عازلة

في الوقت نفسه، توغلت القوات الإسرائيلية أكثر في الشمال، وكثفت القصف في هجوم رئيسي تشنه منذ أوائل الشهر الماضي.

ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يهدف إلى منع مقاتلي حركة «حماس» الفلسطينية من شن هجمات وإعادة تنظيم صفوفهم. ويعبّر سكان عن مخاوفهم من أن يكون الهدف هو إخلاء جزء من القطاع بشكل دائم ليكون منطقة عازلة، وهو ما تنفيه إسرائيل.

قال سكان في البلدات الثلاث المحاصرة في الشمال، وهي جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، إن القوات الإسرائيلية فجرت عشرات المنازل.

وذكرت وزارة الصحة بغزة في بيان أن غارة إسرائيلية استهدفت مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، وهو إحدى المنشآت الطبية الثلاث التي تعمل بالكاد في المنطقة، مما أسفر عن إصابة ستة من العاملين في المجال الطبي، بعضهم في حالة خطيرة.

وأضافت: «أدى الاستهداف أيضاً إلى تدمير المولد الكهربائي الرئيسي بالمستشفى، وثقب خزانات المياه لتصبح المستشفى من غير أكسجين ولا مياه، الأمر الذي ينذر بالخطر الشديد على حياة المرضى والطواقم العاملة داخل المستشفى، حيث يوجد فيه 80 مريضاً و8 حالات بالعناية المركزة».

أميركا والفيتو

وعدّ سكان في غزة قرار المحكمة الجنائية الدولية بالسعي إلى اعتقال اثنين من الزعماء الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب بمثابة اعتراف دولي بمحنة القطاع. لكن الواقفين في طابور للحصول على خبز من أحد المخابز في مدينة خان يونس بجنوب القطاع يشكون في أن يكون لهذا القرار أي تأثير.

وقال صابر أبو غالي وهو ينتظر دوره بين الناس: «القرار لا ولن يُنفذ؛ لأن إسرائيل تحميها أميركا، ولها حق الفيتو في كل حاجة، أما إسرائيل فلا ولن تُحاسب».

وقال سعيد أبو يوسف (75 عاماً) إنه حتى لو تحققت العدالة فسيكون ذلك بعد تأخير عقود، «المحكمة الجنائية الدولية اتأخرت كتير، إلنا فوق الستة وسبعين عام بنسمع قرارات اللجنة هذه ولا تنفذ ولا تطبق ولا تعمل إلنا أي شيء».

وشنت إسرائيل حملة عسكرية على غزة رداً على هجوم «حماس» عليها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والذي تشير إحصاءات إسرائيلية إلى أنه أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة.

وقال مسؤولو الصحة الفلسطينيون إن 44 ألف فلسطيني تقريباً قُتلوا في غزة منذ ذلك الحين، وتحول جزء كبير من القطاع إلى ركام.

تعثر جهود الوساطة

وقال ممثلو الادعاء في المحكمة إن هناك أسباباً كافية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت مسؤولان جنائياً عن ممارسات تشمل القتل والاضطهاد واستخدام التجويع سلاحاً في الحرب، في إطار «هجوم واسع وممنهج ضد السكان المدنيين في غزة».

كما أصدرت المحكمة أمر اعتقال لمحمد الضيف، القائد العسكري في «حماس»، الذي تقول إسرائيل إنها قتلته في غارة جوية في يوليو (تموز)، إلا أن «حماس» لم تؤكد أو تنف مقتله.

وتقول إسرائيل إن «حماس» هي المسؤولة عن كل ما يلحق بالمدنيين من أذى في غزة؛ لأن مقاتليها مندسّون بينهم، وهو ما تنفيه الحركة.

وندد سياسيون إسرائيليون من مختلف الأطياف السياسية بأمري الاعتقال، ورأوا أنهما صدرا بناء على تحيز، واستناداً إلى أدلة كاذبة. وتقول إسرائيل إن المحكمة ليست مختصة بنظر قضايا الحرب. وأشادت «حماس» بأمري الاعتقال بوصفهما خطوة مبدئية صوب تحقيق العدالة.

وتعثّرت جهود الوسيطين، مصر وقطر، بدعم من الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وتريد «حماس» التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، في حين تعهد نتنياهو بأن الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على «حماس».