العراق لحماية «كنتاكي» من هجمات «العصي»

«مخربون» تعرضوا لمعمل ألبان محلي... وشكوك حول «صراع مصالح» بين الفصائل

القوات الأمنية فرضت حراسة مشددة على مطاعم الوجبات السريعة في بغداد (أ.ف.ب)
القوات الأمنية فرضت حراسة مشددة على مطاعم الوجبات السريعة في بغداد (أ.ف.ب)
TT

العراق لحماية «كنتاكي» من هجمات «العصي»

القوات الأمنية فرضت حراسة مشددة على مطاعم الوجبات السريعة في بغداد (أ.ف.ب)
القوات الأمنية فرضت حراسة مشددة على مطاعم الوجبات السريعة في بغداد (أ.ف.ب)

تحاول السلطات العراقية كبح الجماعات الخارجة عن القانون التي تهاجم سلسلة مطاعم أميركية، واتسع هجومها أخيراً إلى معامل واستثمارات غذائية محلية.

ورغم أن الشرطة اعتقلت مجموعة متورطين بهجمات شهدتها بغداد خلال الأيام الماضية، فإن جماعات عاودت؛ أبرزها فصيل يطلق على نفسه «ربع الله»، مهاجمة مطاعم في بغداد والبصرة بالعصي والهراوات.

وأعلنت السلطات العراقية اعتقال منفذي هجمات ضد سلسلتي مطاعم «كي إف سي» و«تسيلي هاوس ليز» وغيرهما، وقالت إن بعض المهاجمين عناصر أمن.

دوريات الجيش طوَّقت المطاعم في ظل مخاوف من تكرار الهجمات (أ.ف.ب)

موجة هجمات جديدة

ويوم الأربعاء، قالت الداخلية إنها اعتقلت مجموعة من المتهمين من منفذي أعمال التخريب بالمطاعم والوكالات الأجنبية في مناطق العاصمة، خلال الأيام الماضية.

وباشرت الجهات المختصة في وزارة الداخلية الإجراءات القانونية اللازمة بحق المقبوض عليهم لإكمال أوراقهم التحقيقية، حيث قرر قاضي التحقيق توقيفهم وفق أحكام «المادة 4» من قانون مكافحة الإرهاب، وفقاً لبيان الوزارة.

وأوضحت «الداخلية» أن العمل مستمر في «ملاحقة بقية العناصر التي أقدمت على هذا العمل غير القانوني؛ لإلقاء القبض عليهم وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم العادل».

ورفعت القوات الأمنية درجة التأهب قرب المطاعم والمعامل الأميركية في مدن رئيسية، بالتزامن مع مخاوف كبيرة لدى الشارع من الإضرار ببيئة الاستثمار الأجنبي في البلاد.

موقعة العصيّ

استخدم المسلحون في موجة الهجمات الأولى نهاية الشهر الماضي عبوات ناسفة وصوتية لضرب المطاعم، لكنهم لاحقاً لجأوا إلى استخدام العصيّ والهراوات لتحطيم وتهشيم محتويات المطاعم.

وحاولت السلطات التعامل بحزم شديد مع هذه الهجمات حتى إنها استخدمت مادة قانونية تتعلق بجرائم الإرهاب لإصدار مذكرات القبض، ويبدو أن المتهمين سيحاكَمون على أنهم «إرهابيون».

وأظهرت مقاطع فيديو مجموعة مسلحين ملثمين بالكمامات يهاجمون مطاعم، فيما كان أناس يتناولون وجباتهم، قبل أن يشرعوا في تحطيم الزجاج وتكسير معدات المطبخ، فيما حاصر رجال غاضبون مطاعم أخرى ومنعوا الناس من دخولها وهم يحملون لافتات مناوئة لأميركا.

معمل ألبان عراقي

لكن اللافت في هذه الهجمات أنها شملت استثمارات محلية معروفة لا صلة لها بأي جهة أجنبية. وأعلنت قيادة عمليات بغداد، اعتقال عدد من الخارجين عن القانون، في أثناء محاولتهم الاعتداء على «شركة ألبان كانون» العائدة إلى القطاع الخاص وتخريب محتوياتها في منطقة عويريج جنوب بغداد.

وقال بيان من «العمليات» إن المهاجمين كانوا يستقلون عجلة حكومية، وإنهم الآن قيد التحقيق قبل إحالتهم إلى القضاء.

وأوضح قائد عمليات بغداد، الفريق الركن وليد التميمي، أن محاولة الاعتداء على معمل الألبان في بغداد نفَّذها «خارجون عن القانون»، فيما أكد إصدار أوامر بردع كل من يحاول الاعتداء على المطاعم والبنى التحتية والأماكن.

الهجمات على المطاعم انتقلت من العبوات الناسفة إلى العصيّ والهراوات (رويترز)

لماذا الهجوم على «كنتاكي»؟

هل كان الهجوم على المطاعم مخططاً له من جهات سياسية؟ أجاب سبهان ملا جياد، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، أنها «حركة غير عفوية»، وفق تصريح أدلى به لوسائل إعلام محلية.

وأوضح ملا جياد أن فلسطين لم تطلب من بغداد ولا من غيرها إغلاق المصالح الأميركية في العراق، بينما الحكومة التي يقودها محمد شياع السوداني، تشترك في حراك دبلوماسي دولي لإيقاف العدوان في غزة.

وأثارت الهجمات الأخيرة تكهنات حول الدوافع والأسباب، وقال المقدم الشهير للبرامج السياسية أحمد ملا طلال، إن «ما يحصل هو أن فصيلاً مسلحاً كان يريد الحصول على فرصة استثمارية مميزة في بغداد، فرفض السوداني منحه تلك الفرصة لأسباب تخص مستقبله السياسي، ومنحَها إلى طرفٍ آخر».

وتابع طلال في تدوينة ساخرة على منصة «إكس»، أن «الفصيل ردَّ على السوداني: سنربك الوضع الأمني في بغداد عن طريق مقاومة الدجاج المقلي».

وتزامنت الهجمات الأخيرة للجماعات المسلحة مع بيان للمسؤول في كتائب «حزب الله»، المعروف باسم «أبو علي العسكري»، دعا فيه إلى مهاجمة ما وصفها بـ«توابع الاحتلال»، داعياً الأجهزة الأمنية إلى مساعدة المجاميع.

وأفادت تسريبات بأن الهجوم الأخير، وبيان العسكري، كانا يهدفان للضغط على الحكومة من أجل إطلاق سراح المعتقلين المتورطين بالهجوم الأول.

كانت السفيرة الأميركية إلينا رومانسكي، قد أدانت تلك الهجمات، داعيةً «الحكومة العراقية إلى إجراء تحقيق شامل، وتقديم المسؤولين عن الهجمات إلى العدالة، ومنع أي هجمات مستقبلية».

وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قد طالب مجدداً بإغلاق السفارة الأميركية في بغداد بـ«الطرق الدبلوماسية المعمول بها دون إراقة دم»، على حد قوله.

هوية المهاجمين وانتماؤهم

وقال النائب عن حركة «امتداد»، كاظم الفياض، إن الحكومة العراقية لا تستطيع الكشف عن الجهات المتورطة باستهداف المطاعم والشركات في بغداد بحجة مقاطعة المنتجات الأميركية.

واكد الفياض، في تصريحات للصحافة المحلية، أن استمرار استهداف المطاعم يدل على الانفلات الأمني، و«بالتأكيد هناك أطراف خارجية وداخلية تريد زعزعة الأمن والاستقرار في بغداد».

ورغم المخاوف الشعبية من الإضرار ببيئة الاستثمار، برر علي السعبري، وهو نائب عن الإطار التنسيقي، وعضو في لجنة الاستثمار، الهجمات على المطاعم بأنها تعود إلى «الغيرة العراقية بسبب أحداث غزة»، لذلك «ما بيد حيلة» رغم أن رأس المال الأجنبي يمر بفترة جيدة في العراق.

كان وزير الداخلية قد وجه، في وقت سابق، بإصلاح الأضرار في المطاعم التي تعرضت للاعتداءات في بغداد، وأكد أن تحقيقات موسّعة تجري مع المتهمين المعتقلين للكشف عن الملابسات.


مقالات ذات صلة

مصادر: فصائل عراقية بانتظار تعليمات طهران لدعم «حزب الله»

المشرق العربي عناصر من كتائب «حزب الله» في جرف الصخر (أ.ف.ب)

مصادر: فصائل عراقية بانتظار تعليمات طهران لدعم «حزب الله»

تفيد مؤشرات في بغداد بأن الفصائل العراقية تنتظر تعليمات من طهران لدعم «حزب الله» اللبناني بعد تأكيد اغتيال أمينه العام حسن نصر الله.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني مع الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن (أرشيفية - أ.ف.ب)

مهمة «التحالف الدولي» انتهت في العراق... ومستمرة في سوريا

بعد نحو 9 أشهر من المفاوضات، أعلنت كل من واشنطن وبغداد رسمياً عن انتهاء مهمة التحالف الدولي في العراق خلال 12 شهراً.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني خلال لقائه أنطونيو غوتيريش في نيويورك (إعلام حكومي)

مصادر عراقية: إيران لا تريد إحراج السوداني في حرب لبنان

رغم أن الحكومة العراقية انخرطت في الجهود الدولية الهادفة إلى وقف النار في لبنان، فإنها تجاهلت إعلان الفصائل المسلحة الموالية لإيران استعدادها للمشاركة في الحرب.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي الرئيس العراقي السابق برهم صالح (الشرق الأوسط)

برهم صالح لـ«الشرق الأوسط»: العراق أفضل شاهد على العنف... والمنطقة قريبة من الهاوية

دشّنت «الشرق الأوسط» سلسلة جلسات حوارية مع صنّاع القرار حول العالم، بدأت مع الرئيس العراقي السابق برهم صالح، الذي قدّم تصوراته عن مستقبل التصعيد في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد الاجتماع بين نائب وزير الخزانة الأميركي والي أدييمو ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (وكالة الأنباء العراقية)

العراق يتعاقد مع شركات عالمية لإعادة هيكلة المصارف الحكومية

تسعى الحكومة العراقية والاتجاهات المالية والمصرفية القريبة منها إلى تسويق فكرة «الإصلاح المالي» وتجاوز العقبات التي تواجهها البلاد جرّاء تخلف نظامها المصرفي.

فاضل النشمي (بغداد)

اغتيال نصر الله: ما الذي قد يفعله «حزب الله» وإسرائيل وإيران تالياً؟

مؤيد لـ«حزب الله» يحمل صورة حسن نصر الله خلال احتجاج على مقتله في العاصمة العراقية بغداد (إ.ب.أ)
مؤيد لـ«حزب الله» يحمل صورة حسن نصر الله خلال احتجاج على مقتله في العاصمة العراقية بغداد (إ.ب.أ)
TT

اغتيال نصر الله: ما الذي قد يفعله «حزب الله» وإسرائيل وإيران تالياً؟

مؤيد لـ«حزب الله» يحمل صورة حسن نصر الله خلال احتجاج على مقتله في العاصمة العراقية بغداد (إ.ب.أ)
مؤيد لـ«حزب الله» يحمل صورة حسن نصر الله خلال احتجاج على مقتله في العاصمة العراقية بغداد (إ.ب.أ)

يعد اغتيال إسرائيل لحسن نصر الله، زعيم «حزب الله» منذ أكثر من 30 عاماً، تصعيداً كبيراً في حرب الدولة العبرية مع الجماعة اللبنانية. ومن المحتمل أن يكون ذلك قد جعل المنطقة أقرب خطوة إلى صراع أوسع نطاقاً وأكثر ضرراً، يجذب كلاً من إيران والولايات المتحدة.

فإلى أين قد يتجه الأمر بعد هذا الاغتيال؟ يعتمد الأمر على حد كبير على الإجابة عن 3 أسئلة أساسية.

ماذا سيفعل «حزب الله»؟

تعاني الجماعة اللبنانية من «ضربة تلو الأخرى»، وفق ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). وقد تم تفكيك هيكلها القيادي، مع اغتيال أكثر من 12 من كبار قادتها، كما تم تخريب سلسلة اتصالاتها من خلال تفجيرات أجهزة «البيجر» وأجهزة الاتصال اللاسلكية الخاصة بها، كما تم تدمير كثير من أسلحتها في الغارات الجوية الإسرائيلية.

يقول محمد الباشا، المحلل الأمني ​​لشؤون الشرق الأوسط المقيم في الولايات المتحدة، إن «خسارة نصر الله ستكون لها تداعيات كبيرة، ومن المحتمل أن تؤدي إلى زعزعة استقرار الجماعة وتغيير استراتيجياتها السياسية والعسكرية على المدى القصير».

لكن أي توقع بأن الجماعة سوف تستسلم فجأة وتسعى للسلام بشروط إسرائيل، من المرجح أن يكون في غير محله. وقد تعهد «حزب الله» بالفعل بمواصلة القتال. ولا يزال لديه آلاف المقاتلين وهم يطالبون بالانتقام. كما لا تزال لديه ترسانة كبيرة من الصواريخ، كثير منها عبارة عن أسلحة بعيدة المدى ودقيقة التوجيه يمكنها الوصول إلى تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى. وسيكون هناك ضغط داخل صفوف الحزب لاستخدامها قريباً، قبل أن يتم تدميرها أيضاً.

لكن إذا فعلوا ذلك، في هجوم جماعي يتغلب على الدفاعات الجوية الإسرائيلية ويقتل مدنيين، فمن المرجح أن يكون رد إسرائيل مدمراً، ويلحق الدمار بالبنية التحتية في لبنان، أو حتى يمتد إلى إيران.

ماذا ستفعل إيران؟

يشكل هذا الاغتيال ضربة لطهران بقدر ما يمثل ضربة لـ«حزب الله». ولقد تم الإعلان بالفعل عن الحداد لمدة 5 أيام في إيران. كما تم اتخاذ احتياطات طارئة، حيث تم نقل الزعيم علي خامنئي إلى منطقة آمنة.

ولم تنتقم إيران بعد لـ«الاغتيال المهين» لرئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» الفلسطينية إسماعيل هنية، في دار ضيافة بطهران في يوليو (تموز). ومن المرجح أن اغتيال نصر الله سوف يدفع المتشددين في صفوف النظام إلى التفكير في نوع من الرد.

وتدعم إيران عدة ميليشيات وحركات مسلحة في المنطقة. فإلى جانب «حزب الله»، هناك الحوثيون في اليمن، وكثير من الجماعات في سوريا والعراق. ويمكن لإيران أن تطلب من هذه الجماعات تكثيف هجماتها على إسرائيل والقواعد الأميركية في المنطقة.

لكن أياً كان الرد الذي ستختاره إيران، فمن المرجح أن تكون حذرة فيه، بحيث لا يؤدي إلى إشعال حرب لا يمكنها أن تأمل في الفوز بها.

ماذا ستفعل إسرائيل؟

إذا كان هناك أي شك في نوايا إسرائيل قبل هذا الاغتيال، فلن يكون كذلك الآن. ومن الواضح أن إسرائيل ليس لديها أي نية لوقف حملتها العسكرية ضد لبنان، ولا حتى لوقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً الذي اقترحته 12 دولة، بما في ذلك أقرب حليف لها، الولايات المتحدة.

ويعتقد الجيش الإسرائيلي أن «حزب الله» أصبح في موقف دفاعي الآن، لذا فهو يريد الاستمرار في هجومه، حتى تتم إزالة التهديد الذي تشكله صواريخ الحزب.

ومن دون استسلام «حزب الله»، وهو أمر غير مرجح، فمن الصعب أن نعرف كيف تستطيع إسرائيل تحقيق هدفها الحربي المتمثل في إزالة التهديد الذي تشكله هجمات الحزب دون تدخل بري في لبنان. ونشر الجيش الإسرائيلي لقطات لتدريبات المشاة بالقرب من الحدود لهذا الغرض بالذات، وفق «بي بي سي».

لكن «حزب الله» أمضى أيضاً السنوات الـ18 الأخيرة، منذ نهاية الحرب الأخيرة مع إسرائيل، في التدريب لخوض الحرب التالية. وفي خطابه العلني الأخير قبل وفاته، أخبر نصر الله أتباعه بأن التوغل الإسرائيلي في جنوب لبنان سيكون، على حد تعبيره، «فرصة تاريخية». وبالنسبة للجيش الإسرائيلي، سيكون الدخول إلى لبنان سهلاً نسبياً، لكن الخروج قد يستغرق شهوراً، كما يحدث في قطاع غزة.