بعد ليلة عاصفة عاشتها بغداد شلت فيها الحركة حتى ساعات متأخرة من ليل الاثنين، أعلنت وزارة الداخلية، الثلاثاء، القبض على متهمين بمهاجمة مطاعم أميركية في العاصمة.
وقالت الوزارة في بيان صحافي: «خلال الأيام 26 و27 و30 من شهر مايو (أيار) حصلت حوادث تخريب ورمي عبوات محلية الصنع في بغداد طالت مطعم «كي إف سي» و«تشيلي هاوس ليز» ومعهد كامبرج ضمن منطقة شارع فلسطين، وشركة «كتربلر» في منطقة الكرادة في الجادرية، من قبل أشخاص يستقلون 7 عجلات ودراجة نارية».
وأكدت الداخلية أنها شكلت «على الفور» فرق عمل استخبارية وفنية لمتابعة الموضوع، والتوصل إلى الجناة من الخارجين على القانون.
ووفقاً لبيان الداخلية، فإنه «بعد جمع المعلومات الدقيقة تم التوصل إلى أسماء المنفذين ومحلات عملهم وسكناهم، حيث تم عرض الموضوع أمام أنظار قاضي التحقيق الذي أصدر أمر القبض بحق المنفذين وفق أحكام المادة 4 إرهاب».
وألقت الشرطة القبض على عدد من المتهمين الذين اعترفوا خلال التحقيق بقيامهم بالاشتراك مع مجموعة من المتهمين الهاربين بأعمال التخريب، وأشارت الداخلية إلى «مذكرات قبض قضائية صدرت بحق متهمين آخرين، وستتم متابعة باقي المطلوبين من قبل أجهزة وزارة الداخلية وباقي الأجهزة الأمنية الأخرى».
متهمون من الشرطة
وقالت الداخلية إن بعض المعتقلين «ينتمون للأسف إلى أحد الأجهزة الأمنية، وقاموا بأعمال التخريب بحجة الإضرار بالمصالح الأميركية، حيث تم توقيفهم أصولياً بغية إحالتهم إلى المحاكم المختصة».
مواجهات واختناقات
وبعد أيام من قيام مجاميع مسلحة برمي عبوات ناسفة وصوتية أمام مجموعة من مطاعم وشركات أميركية تم على إثرها اعتقال مجموعة من المنفذين، هاجم نحو 30 شخصاً مطعمَي «كي إف سي» و«تشيلي هاوس»، ليل الاثنين - الثلاثاء في شارع فلسطين، وأطلقت القوى الأمنية النار في الهواء لتفريقهم، فيما تم اعتقال شخصَين على الأقلّ، وانتشرت القوات الأمنية في مناطق تضم مؤسسات أميركية في بغداد لتفادي تكرار ما حدث، لكن هذا الانتشار أغلق الطرق إلى معظم مناطق جانب الرصافة شرقي بغداد.
وتزامن الهجوم الأخير للجماعات المسلحة مع بيان للمسؤول في كتائب «حزب الله»، المعروف باسم «أبو علي العسكري»، دعا فيه إلى مهاجمة ما وصفه بـ«توابع الاحتلال»، داعياً الأجهزة الأمنية إلى مساعدة المجاميع.
موقف «حزب الله»
وأفادت تسريبات بأن الهجوم الأخير، وبيان العسكري، كانا يهدفان للضغط على الحكومة من أجل إطلاق سراح المعتقلين المتورطين بالهجوم الأول.
وكانت السفيرة الأميركية إلينا رومانسكي أدانت تلك الهجمات، داعية «الحكومة العراقية إلى إجراء تحقيق شامل، وتقديم المسؤولين عن الهجمات إلى العدالة، ومنع أي هجمات مستقبلية».
وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر طالب مجدداً بغلق السفارة الأميركية في بغداد «بالطرق الدبلوماسية المعمول بها دون إراقة دم»، على حد قوله.
وفي هذا السياق، قال الخبير الأمني مخلد حازم لـ«الشرق الأوسط» إنه «لم نعد نستغرب حين نسمع أن بعضاً ممن أُلقي القبض عليهم ينتمون إلى بعض الأجهزة الأمنية؛ لأن أساس بناء هذا الجهاز الأمني كان وفق استراتيجية وخطط غير مسبوقة».
وأضاف حازم أن «هناك واقعاً مؤسفاً في العراق يتمثل بتدخل كتل وأحزاب سياسية في عملية بناء الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية، خصوصاً بعد 2005، لذلك كانت الرؤية أن يتم زج أفراد ينتمون لهذه الأحزاب في مثل هذه المؤسسات التي ينبغي أن تكون محايدة ومستقلة؛ حتى لا يكون الولاء للحزب بل للمؤسسة».
وبشأن ما جرى في بغداد من مواجهات بين مجاميع مسلحة والداخلية قبل عملية إلقاء القبض على تلك العناصر، قال حازم إن «الأزمة الحالية تمثل تحدياً للدولة وأجهزتها، حيث تُعد نوعاً آخر من الإرهاب الداخلي، الأمر الذي يعطي رسالة سلبية للمواطن تجعله يفقد الثقة بالجهاز الأمني».
ومع ذلك، فإن «وزارة الداخلية تسعى إلى أن تثبت وجودها في ظل هذا التصادم؛ إذ بدأت تلاحق عصابات الجريمة المنظمة وجماعات الاتجار بالبشر والمخدرات، لكنها بحاجة إلى أن تقف بقوة أمام مجموعات تخريبية»، على ما يقول الخبير الأمني.
فوضى وانقسام سياسي
من جهته، كتب الباحث حيدر الموسوي تدوينة على موقع «إكس»، قال فيها إن «أغلب حالات الفوضى تحدث في الجغرافيا الشيعية نتيجة الاختلاف والانقسام السياسي وعدم وجود قرار مركزي حاكم».
وأضاف الموسوي أن «هذه الفوضى تدفع الجهات المعنية إلى مواجهتها بالقوة؛ لأنها ليست حرية تعبير بل أعمال فوضوية وتخريب».
أما النائب السابق في البرلمان حيدر الملا فقد دعا إلى المقاطعة بدل القيام بأعمال تخريبية، وقال في تدوينة على منصة «إكس»، إنه «سابقاً والآن وفي المستقبل سيبقى خيارنا هو الدولة والتي بفقدانها سيخسر الجميع». وأضاف أن «غزة بحاجة إلى التنظيم لا الفوضى، المقاطعة على المستوى الشعبي هي الحل».