واشنطن تدعو اللبنانيين للذهاب إلى الخيار الرئاسي الثالث

طمأنت المعارضة بأن «لا مقايضة بين انتخاب الرئيس والقرار 1701»

وفد نواب المعارضة اللبنانية أثناء أحد اجتماعاته في واشنطن (من حساب النائب وضاح الصادق على منصة إكس)
وفد نواب المعارضة اللبنانية أثناء أحد اجتماعاته في واشنطن (من حساب النائب وضاح الصادق على منصة إكس)
TT

واشنطن تدعو اللبنانيين للذهاب إلى الخيار الرئاسي الثالث

وفد نواب المعارضة اللبنانية أثناء أحد اجتماعاته في واشنطن (من حساب النائب وضاح الصادق على منصة إكس)
وفد نواب المعارضة اللبنانية أثناء أحد اجتماعاته في واشنطن (من حساب النائب وضاح الصادق على منصة إكس)

يكمن التلازم بين لقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي شارك في جزء منه قائد الجيش جوزف عون، وبين الاجتماعات التي عقدها الوفد النيابي لقوى المعارضة في البرلمان في زيارته غير المسبوقة إلى واشنطن، في أن الجانبين توافقا على طرح مجموعة من العناوين التي تحاصر لبنان، وتبقي عليه في أزمة مفتوحة بغياب الحلول.

وأبرز هذه العناوين إخراج انتخاب رئيس الجمهورية من الحلقة المفرغة التي يدور فيها، وقطع الطريق على إسرائيل لمنعها من توسعة الحرب لتشمل جنوب لبنان بتطبيق القرار 1701، وإيجاد حل للنزوح السوري إلى أراضيه والأعباء المترتبة عليه، والتي تفوق قدرة الحكومة على استيعابها والتعايش معها.

ومع أن النتائج المرجوة من لقاء ميقاتي - ماكرون متروكة للميدان، فإن وفد المعارضة، الذي يضم النواب ميشال معوض، وجورج عقيص، ومارك ضو، ووضاح الصادق ونديم الجميل، أجرى مروحة واسعة من اللقاءات، شملت المستشار الرئاسي الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكستين، ونواباً في الكونغرس، ومسؤولين في الإدارة الأميركية والبيت الأبيض والخارجية وصندوق النقد والبنك الدوليين.

لا منافسة بين واشنطن وباريس

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر في المعارضة أن الوفد النيابي تطرّق في اجتماعه بهوكستين إلى لقاء الأخير بالموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، وتبين أنه يأتي في إطار التنسيق بين واشنطن وباريس حيال أبرز العناوين التي تتصدّر الأزمة اللبنانية، من منطلق خفض منسوب النفور بينهما على خلفية أن لا صحة لما يقال عن التنافس بينهما في مقاربتهما للملف الرئاسي في لبنان.

ولفتت المصادر في المعارضة، انطلاقاً مما سمعته على لسان هوكستين، إلى أن المنافسة ليست موجودة، وأن مهمته محصورة بخلق المناخ المؤاتي لتطبيق القرار 1701، لمنع إسرائيل من توسعة الحرب نحو جنوب لبنان، خصوصاً أن المخاوف ما زالت قائمة، و«نحن نعمل لاستيعاب الضغوط لتجنيب لبنان الانجرار إلى توسعتها، ونأخذ بعين الاعتبار توفير الدعم للجيش اللبناني لزيادة إمكاناته، لتمكينه بالتعاون مع قوات (يونيفيل) من تهيئة الأرضية لتعزيز انتشاره في الجنوب».

الإسراع بانتخاب الرئيس

وأكدت المصادر نفسها أن واشنطن ليست في وارد الربط بين تطبيق القرار 1701 وانتخاب رئيس للجمهورية، وأن لا مجال للمقايضة، وهذا ما سمعته المعارضة من معظم المسؤولين الأميركيين الذين كانوا في عداد المشمولين باللقاءات التي عقدها وفدها النيابي، وقالت إن انتخاب الرئيس متروك للجنة «الخماسية» التي تشكل مجموعة دعم ومساندة للكتل النيابية لتسهيل انتخابه. وجرى عقد اجتماع مطول تناول العلاقات اللبنانية الفرنسية والأوضاع الراهنة في الأسماء.

وكشفت هذه المصادر أن المسؤولين الأميركيين شددوا على ضرورة الإسراع بانتخاب الرئيس، لأنه من غير الجائز التمديد للشغور الرئاسي، خصوصاً في حال الانصراف لإيجاد تسوية للنزاعات في الشرق الأوسط بغياب الرئيس، ما يُفقد لبنان فرصة الجلوس إلى طاولة المفاوضات للتمسك بحقوقه ومنع التفريط بها، وقالت إنهم يشجعون الكتل النيابية على التواصل والتلاقي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي اليوم قبل الغد.

أسئلة حول الخيار الرئاسي الثالث

وأكدت مصادر المعارضة أن أعضاء الوفد النيابي أصروا في لقاءاتهم على التحدث بلغة سياسية واحدة في عرضهم مواقفهم والدفاع عنها، وأنهم سُئلوا أكثر من مرة عن رأيهم في الذهاب إلى خيار رئاسي جديد بالتوافق بين الكتل النيابية، وهذا يستدعي البحث في صيغة تفاهم مع ما قد وصل إليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لأن هناك صعوبة في التوصل إليها من خارج التوافق معه.

ورد الوفد النيابي، وفق مصادره، بأن السباق كان في الحفاظ على المسار الدستوري لانتخاب الرئيس، وأيضاً بالدعوة إلى التلاقي للتوافق على رئيس يتمتع بالمواصفات التي حددتها اللجنة «الخماسية»، ولديه القدرة على التواصل مع الجميع، ويُنتخب من خارج الاصطفافات والانقسامات النيابية، ويكون على مسافة واحدة من الجميع، ولمصلحة الانتقال بلبنان من التأزم إلى التعافي.

وأكد الوفد، كما تقول مصادره، أن عدم تلبيته دعوة الرئيس بري للحوار لم تكن العائق الذي يعطل انتخاب الرئيس، ونقلت عنه قوله في اللقاءات إنه بادر إلى ترشيح النائب معوض لرئاسة الجمهورية، واصطدم بموقف رافض من «الممانعة»، التي تذرعت بأن ترشيحه يشكل تحدياً لها، واقترع نوابها بورقة بيضاء في دورة الانتخاب الأولى، ليبادروا إلى تعطيل النصاب في دورته الثانية، رغم أن بري كان قد بادر إلى ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، وهذا ما انسحب لاحقاً على أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله بإعلانه تبنيه ترشيح فرنجية.

ومع أن الوفد النيابي قدّم عرضاً تفصيلياً للمشهد السياسي الذي انتهت إليه جلسات الانتخاب ليتوقف أمام ترشيح المعارضة للوزير السابق جهاد أزعور، بعد أن تقاطعت على ترشيحه مع «التيار الوطني الحر»، في مقابل ترشيح محور الممانعة لفرنجية وبدعم أساسي من الثنائي الشيعي، فإن جلسة الانتخاب اقتصرت على دورة أولى، بعد أن عطّل الفريق الآخر انعقاد دورة الانتخاب الحكومية.

خارج الاصطفافات

ولفت الوفد النيابي إلى أن المعارضة رشّحت أزعور كونه يصنّف في خانة المرشحين الوسطيين، في مقابل تمسك محور الممانعة بترشيح فرنجية، وقال، وفق مصادره، إن المشكلة ليست في عدم الاستجابة لدعوة بري للحوار، وإنما في عدم جدواه ما دام الفريق الآخر باقياً على موقفه، ويغلق الأبواب أمام التفاهم على مرشح توافقي.

وأكد الوفد أنه لا مشكلة لديه في التوافق على رئيس من خارج الاصطفافات السياسية، وإنما تقع المسؤولية على عاتق محور «الممانعة» بإصراره على ترشيح فرنجية، وسأل عما إذا كان محور «الممانعة»، وعلى رأسه «حزب الله»، على أتم الجاهزية لانتخاب الرئيس، وسأل أيضاً أثناء استقباله وفداً يمثل كتلة «الاعتدال»، للوقوف على رأيه حيال مبادرتها، عما إذا كان الوقت يسمح بانتخابه في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، بدءاً بالحرب الإسرائيلية على غزة.

واشنطن لتسهيل عودة النازحين

وبالنسبة إلى النزوح السوري، أكدت مصادر المعارضة أن واشنطن تعهدت بالتواصل مع دول الاتحاد الأوروبي لحثها على تسهيل العودة الطوعية للنازحين إلى سوريا، آخذة بعين الاعتبار الأعباء الملقاة على عاتق لبنان، والمخاوف من تفلُّت الوضع الأمني فيه، على خلفية أن النزوح ما هو إلا مجموعة من القنابل الموقوتة، بالمفهوم السياسي للكلمة، يمكن أن تنفجر في أي لحظة وتهدد الاستقرار، خصوصاً أن الألوف من النازحين عبروا من سوريا إلى الأراضي اللبنانية عبر المعابر غير الشرعية.

ويبقى السؤال: كيف ستتصرف «الخماسية» مع معاودة اجتماعها ببري وبكتلة «الاعتدال» التي كانت تقدمت بمبادرة للخروج من المأزق الرئاسي؟


مقالات ذات صلة

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

المشرق العربي من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

يتبين من خلال التدقيق الأولي في توزّع النواب على المرشحين لرئاسة الجمهورية، أن اسم قائد الجيش العماد جوزف عون لا يزال يتقدم على منافسيه.

محمد شقير
المشرق العربي برّي مُصرّ على عدم تأجيل موعد الانتخابات (الوكالة الوطنية للإعلام)

بري لـ«الشرق الأوسط»: انتخابات الرئاسة في موعدها... ولا نشترط تفاهمات مسبقة حول الحكومة

أكد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري أن المساعي مستمرة لإنجاح الجلسة النيابية المقررة في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية.

ثائر عباس (بيروت)
خاص ناشطون يحملون أعلاماً لبنانية وسورية وصور الصحافي سمير قصير الذي اغتاله النظام السوري السابق لمعارضته له في تحرك ببيروت تحت شعار «مِن بيروت الحرية» احتفالاً بسقوط نظام بشار الأسد (إ.ب.أ)

خاص مصادر لـ«الشرق الأوسط»: ميقاتي أعطى تعليمات للمؤسسات اللبنانية للتعاون مع «هيئة تحرير الشام»

فُتِحَت قنوات التواصل بين لبنان والحكومة السورية المؤقتة، ونَقَل دبلوماسيون رسالة من قائد «هيئة تحرير الشام» إلى لبنان بأنه لا مشكلة مع الدولة اللبنانية

يوسف دياب
المشرق العربي رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط والحالي نجله رئيس كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط (الوكالة الوطنية للإعلام)

«الاشتراكي» يتبنى ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية اللبنانية

أعلنت كتلة «اللقاء الديمقراطي» تأييدها لقائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية في خطوة لافتة ومتقدمة عن كل الأفرقاء السياسيين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مستقبلاً رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي (إ.ب.أ)

تركيا ولبنان يتفقان على «العمل معاً» في سوريا

أكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الأربعاء، أن أنقرة وبيروت «اتفقتا على العمل معاً في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

مدنيون سوريون يتطوعون لتنظيم ازدحام السير في دمشق بعد سقوط النظام

متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)
متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)
TT

مدنيون سوريون يتطوعون لتنظيم ازدحام السير في دمشق بعد سقوط النظام

متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)
متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)

عند تقاطع مروري في منطقة أبو رمانة بدمشق، يبذل متطوعون شباب بلباس مدني كلّ ما في وسعهم؛ لتنظيم السير في مدينتهم التي تختنق بازدحام السيارات والفوضى المرورية منذ إسقاط بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول).

وفرّ أفراد شرطة السير وتنظيم المرور جميعهم من نقاط تمركزهم في المدينة قبيل ساعات من إعلان سقوط النظام. ونزع بعضهم ملابسه الرسمية ورماها في الشارع، وترك البعض الآخر دراجاتهم النارية المخصّصة لشرطة السير.

وتسبّب ذلك في اختناقات مرورية، لا سيما عند النقاط التي تعطّلت فيها إشارات السير، أو الساحات التي تحوَّلت إلى أماكن لتجمّع المتظاهرين المحتفلين بإسقاط النظام.

متطوعان سوريان يساعدان الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)

وبعد أيام على تلك الفوضى، انتشر أكثر من 50 متطوعاً يرتدون سترات برتقالية مصنوعة محلياً، وكُتبت عليها كلمة «الشرطة»، عند الساحات العامة ومفارق الطرق الرئيسية بتنظيم من مؤسسة تطوعية محلية.

ويقول براء كردزلي (24 عاماً): »لدينا محبة لبلدنا، ورغبنا في التطوع لتنظيم السير. لقد أصبح البلد لنا جميعاً بعد أن كان لشخص واحد».

وخضع براء مع زملائه المتطوعين لدورة مكثفة في إدارة المرور بإشراف «هيئة تحرير الشام»، التي تقود السلطة الجديدة في دمشق. وزوّدتهم الهيئة بمعدّات بسيطة مثل صافرة، وعصا صغيرة؛ للتلويح للسيارات.

الطريق المؤدي إلى مدخل دوما بريف دمشق الشرقي من الأوتوستراد الدولي (الشرق الأوسط)

ويُضيف الشاب: «الناس لُطفاء للغاية، ويلتزمون معنا بالتعليمات بكل لطف، وليس لدينا أساساً أيّ سلطة سوى أن نبتسم للسائقين، ونطلب منهم الوقوف أو التحرك».

وفتحت مؤسسة «سند للشباب» التنموية باب التطوع للشباب، ونظَّمتهم في مجموعات متخصصة بين المساعدة الطبية للمشافي، والمساعدة التنظيمية للبلدية، ومساعدة شرطة السير.

ويقول عمر مرعي، المسؤول في المؤسسة: «ينتشر متطوعونا من التاسعة صباحاً وحتى السادسة مساءً، كل حسب وقته، واستطعنا خلال يومين حلّ أكثر من 50 في المائة من مشكلة السير في دمشق».

وفي محيط ساحة السبع بحرات وسط العاصمة، افترش عدد من الأطفال زاوية، ووضعوا عبوات بنزين ومازوت للبيع بشكل مباشر للسائقين، في حين ظهر أطفال آخرون باعةً للعلم السوري الجديد وساروا بين السيارات.

وقرب حديقة السبكي بدمشق، توقفت إشارة المرور عن العمل منذ أسبوع بعد انقطاع الكهرباء عنها. ويشير محمّد موفق العوا إلى أحد السائقين طالباً منه التريث قبل العبور، ويستجيب السائق مباشرة.

متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)

وبعد غياب لسنوات، شاهد سكان دمشق سيارات تحمل لوحات من إدلب وحلب ومناطق أخرى بقيت خارج سيطرة قوات النظام، وانقطعت حركة العبور منها وإليها.

وصار مألوفاً أن تشاهَد في دمشق سيارات جديدة، مقارنة مع السيارات المهترئة التي تنتشر في مناطق سيطرة النظام الذي كان يفرض ضرائب عالية للغاية على استيراد السيارات.

ويقول العوا (25 عاماً): «لم يحدث معنا أي موقف غير متوقع، وغالبية الناس تساعدنا بالاستجابة».

متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)

ولم يكن هذا الشاب، خريج كلية إدارة الأعمال، يتخيل يوماً أن يعمل في تنظيم السير، ومع ذلك فهو لا يخفي فرحته بهذا العمل التطوعي.

ويقول: «سعادتي اليوم لا توصف بأنني أسهم ولو بجزء صغير في مساعدة هذا البلد على النهوض مجدداً. علينا أن نتكاتف جميعاً مهما كان حجم العمل كبيراً أو صغيراً، وعلينا أن نقف مرة أخرى».