مظاهرات في إدلب تطالب بإسقاط الجولاني وانتخابات لإدارة المنطقة

احتجاجات على مقتل «موقوف التعذيب» لدى عناصر «هيئة تحرير الشام»

TT

مظاهرات في إدلب تطالب بإسقاط الجولاني وانتخابات لإدارة المنطقة

مظاهرات في إدلب تطالب بإسقاط الجولاني وانتخابات لإدارة المنطقة

تشهد إدلب، شمال غربي سوريا، منذ أيام خروج ناشطين بمظاهرات شعبية ضد زعيم «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني، في «ساحة الساعة» وسط مدينة إدلب. ويطالب المتظاهرون برحيل الجولاني، وبالكشف عن مصير المعتقلين والمختفين قسراً، في سجون «الهيئة».

ورفع المتظاهرون لافتات كتبت عليها عبارات: «نريد قضاء مستقلاً نزيهاً يحاكم القوي قبل الضعيف والقائد قبل الجندي»، و«صدق الجولاني حين قال إنه لا يوجد لديه سجون، فالحقيقة لديه مسالخ بشرية وليست سجوناً».

ظهر يوم الأحد وسط دوار سرمدا المزدحم، بريف إدلب الشمالي، وقف عدد من الشبان والشيوخ حاملين لافتات كتبت عليها شعارات جريئة تنتقد التعامل الأمني لفصيل «الهيئة» المسيطر على المنطقة، وإلى جانبهم وقف عناصر أمنيون ملثمون يحملون الأسلحة ويفتشون المارة.

أعداد المشاركين في ذلك اليوم، لم تتجاوز العشرات، لكنها كانت كثيرة في نظر المتابعين للحال الأمنية في منطقة إدلب، وحدثاً نادر الحدوث خلال ساعات النهار وفي مكان عام يعدّ عقدة مرور يمر به الآلاف كل يوم... «لست خائفاً من الاعتقال»؛ قال عبد الرحمن المشارك في التظاهر لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن بعض من أتوا للمشاركة خافوا من الوجود الأمني ولم يرفعوا شعاراتهم.

عناصر «هيئة تحرير الشام» في مواجهة متظاهرين عند «باب الهوى» الحدودي مع تركيا خلال ديسمبر 2019 احتجوا على الغارات المستمرة على مناطقهم (أ.ب)

استخدمت «الهيئة» خلال الأعوام السابقة الرصاص والاعتقال في تفريقها الاحتجاجات الشعبية التي انتقدت هيمنتها على منطقة إدلب، لكن عبد الرحمن شعر أن تغطية الإعلام للحدث «تعطيه الحماية» للتعبير عن «غضبه».

«سبب التظاهر الغضب من تراكم سلوكيات الهيئة»؛ قال الناشط الشاب، وتابع: «انفجرنا بعد أن شهدنا وفاة شخص تحت التعذيب. هذا الفصيل يتولى إدارة المحرر (المنطقة الخارجة عن سيطرة السلطات السورية)، ونحن لا نعلم ماذا يفعل تماماً لهذا الدور، لذلك نزلنا نعبر عن غضبنا ونطالب بانتخابات لإدارة المنطقة».

تكررت المظاهرة مساءً في مدينة إدلب، وزادت أعداد المشاركين في مظاهرة أخرى في اليوم التالي، كما تصاعدت نبرة المطالب التي صدحت بـ«إسقاط الجولاني (زعيم الهيئة)، وحل جهاز الأمن العام، وتبييض السجون من المعتقلين».

«هيئة تحرير الشام» التي تمكنت من انتزاع المنطقة من سيطرة النظام السوري عام 2015، متعاونة مع عدد من الفصائل المعارضة ضمن «جيش الفتح»، فرضت هيمنتها على إدلب وأريافها وريف حلب الغربي بعد اقتتال مع حلفائها السابقين وطردها بعضهم وتحجيم آخرين.

وفي عام 2017 أنشأت «الهيئة» ذراعاً مدنية تحت اسم «حكومة الإنقاذ»، استولت على إدارة المنطقة من «الحكومة المؤقتة» التابعة لـ«الائتلاف السوري المعارض»، لتتولى جميع القطاعات السياسية والأمنية والاقتصادية، عن طريق إرضاء السكان تارة وإسكاتهم تارة أخرى بالرصاص والاعتقال.

ونفذت «الهيئة» خلال العام الماضي أكبر حملة اعتقالات شملت المئات من قاداتها والعناصر التابعين لها، فيما عرف بـ«ملف العمالة»؛ إذ اتهمت المعتقلين بعمالتهم للنظام السوري وحلفائه وبدأت تحقيقها، الذي اختتم الشهر الماضي بالبدء بإطلاق سراحهم تباعاً وسط مظاهر احتفالية لم تتمكن من إخفاء آثار التعذيب التي حملتها أجسادهم.

أبو محمد الجولاني زعيم الهيئة (الثاني يميناً) يناقش تفاصيل مع قادة ميدانيين في ريف حلب (أ.ب)

أصدرت «الهيئة» عبر معرفاتها على «تلغرام» بياناً في 26 يناير (كانون الثاني) الماضي أعلنت فيه عن الإفراج الفوري عن الموقوفين ممن لم تثبت إدانتهم، مع «إيقاف من يثبت بحقه تجاوز الإجراءات المسلكية ضد الموقوفين»، في إشارة إلى استخدام التعذيب لانتزاع الاعترافات.

استخدام التعذيب والاعتقال التعسفي من قبل الفصيل المسيطر في المنطقة التي عانت من آثار 13 عاماً من الحرب نتيجة معارضة النظام السوري وهيمنته على كل مفاصل الحياة العامة واستخدامه القمع الأمني المفرط، أثار انتقادات متصاعدة من قبل السكان خلال الأشهر الماضية، لكن المظاهرة التي تكررت لاحقاً خلال ساعات الليل في مدينة إدلب، كانت على خلفية الكشف عن مقتل أحد المعتقلين تحت التعذيب في سجون «الهيئة» ودفنه منذ أشهر دون الإفصاح عن مصيره.

اعتقلت «الهيئة» عبد القادر الحكيم، المعروف باسم «أبو عبيدة تل حديا» والذي كان أحد عناصر فصيل «جيش الأحرار»، قبل 10 أشهر، وفي حين علم أقرباؤه بمقتله قبل 5 أشهر، فإنهم لم يتأكدوا من ذلك قبل 24 فبراير (شباط) الحالي، حينما تبين بعد مطالبتهم بالكشف عن مصيره أنه قد قتل تحت التعذيب ودُفن سراً.

عناصر من «هيئة تحرير الشام» في إحدى مناطق شمال غربي سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

الباحث في مركز «جسور للدراسات»، وائل علوان، قال لـ«الشرق الأوسط» إن قضية «العمالة» أوضحت المشكلات الداخلية التي تعانيها «الهيئة» ونزاع قاداتها وتراجع تماسكها الأمني، وهو ما أتاح الفرصة لمعارضيها لتصعيد الضغط لتغيير سلوكها الأمني ولإتاحة تقدم فصائل أخرى تريد المشاركة في الوجود العسكري والحوكمة بالمنطقة.

لا يتوقع علوان أن تقوم «الهيئة» بتصعيد التعامل الأمني مع المتظاهرين، بل أشار إلى أنها قد تتجه لتقديم بعض التنازلات على المستويين الإداري والأمني، متيحة تقدم مكونات مجتمعية أكثر من كونها فصائلية، مستبعداً قدرة واستعداد الفصائل الأخرى في المنطقة على استثمار الفرصة للعودة وتولي أي من الملفات الأمنية أو الإدارية أو العسكرية، ورجح أن الهيئة «لن تضعف إلى الحد الذي يجعلها تتراجع عن كونها الفاعل الرئيسي في إدلب».

مكتب العلاقات العامة التابع لوزارة الإعلام في «حكومة الإنقاذ» وصف الأحداث الأخيرة المتعلقة بالتعذيب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بـ«الخلل الكبير» الذي بدأ التحقيق فيه لمحاسبة المسؤولين عنه، وعدّ التظاهر «رد فعل طبيعياً للناس» وداعماً للاستمرار في الثورة ومبادئها.

على الرغم من تلك التصريحات والسماح بالتظاهر والتغطية الإعلامية للاحتجاجات دون تهديد أو اعتقال للمشاركين، فإن حالة الخوف والترقب ما زالت مهيمنة على السكان في المنطقة، الذين يتابعون التطورات الأخيرة في خشية من تصاعد عسكري وأمني يكون فيه المدنيون من أكبر الضحايا.


مقالات ذات صلة

دول الجوار ترفع التأهب مع تطورات سوريا

المشرق العربي سيارة إسعاف تتقدم باتجاه موقع استهدفته غارة جوية للنظم السوري حي بمنطقة إدلب أمس (أف.ب) play-circle 01:42

دول الجوار ترفع التأهب مع تطورات سوريا

بينما رفعت بعض دول الجوار حالة التأهب مع التطورات الميدانية في شمال سوريا، ارتفعت حصيلة الهجوم الخاطف الذي تشنّه فصائل معارضة منذ الأربعاء هناك إلى 412 قتيلاً.

المشرق العربي مظاهرة في مدينة طفس مؤيدة لهجوم فصائل المعارضة شمال سوريا (درعا 24)

تحركات في درعا تستلهم هجوم «تحرير الشام» في الشمال

يشهد ريف محافظة درعا تحركات ضد حواجز ومقرات تابعة للجيش السوري، تستلهم الهجوم المباغت الذي تشنّه «هيئة تحرير الشام» وفصائل معارضة في الشمال

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عناصر من الدفاع المدني «الخوذ البيضاء» يعملون في موقع ضربة جوية بإدلب (رويترز)

الرئيس السوري يتعهد باستخدام القوة للقضاء على «الإرهاب»

تعهَّد الرئيس السوري بشار الأسد بـ«استخدام القوة للقضاء على الإرهاب»، خلال اتصال مع القائم بصلاحيات الرئيس في أبخازيا.

المشرق العربي الطيران الروسي كثف من هجماته في إدلب مع تقدم المعارضة (رويترز)

سوريو تركيا يترقبون الأوضاع للعودة إلى بلدهم

شهدت الساعات الأخيرة اتصالات مكثفة من جانب تركيا بشأن التطورات في سوريا وتقدم قوات «هيئة تحرير الشام» والفصائل الداعمة لها وبينها فصائل موالية لأنقرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي أحد مقاتلي الفصائل المسلحة يتجه إلى حلب بينما الدخان يتصاعد من قلب المدينة (أ.ف.ب) play-circle 01:57

تركيا تحدد أولوياتها في «معركة حلب»: منع النزوح... والتصدي لـ«قسد»

بعد صمت رسمي، حددت تركيا أولوياتها في «معركة حلب»، وتركزت على «منع أي موجة جديدة من النزوح إلى أراضيها»، وكذلك التصدى لـ«قوات سوريا الديمقراطية (قسد)».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

المعارضة اللبنانية تباشر بحث خياراتها الرئاسية

جانب من الجلسة البرلمانية الأخيرة التي مُدّد فيها لقائد الجيش والقادة الأمنيين والتي أعلن رئيس البرلمان نبيه بري في مستهلها تحديد موعد لانتخاب رئيس للجمهورية (الوكالة الوطنية للإعلام)
جانب من الجلسة البرلمانية الأخيرة التي مُدّد فيها لقائد الجيش والقادة الأمنيين والتي أعلن رئيس البرلمان نبيه بري في مستهلها تحديد موعد لانتخاب رئيس للجمهورية (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

المعارضة اللبنانية تباشر بحث خياراتها الرئاسية

جانب من الجلسة البرلمانية الأخيرة التي مُدّد فيها لقائد الجيش والقادة الأمنيين والتي أعلن رئيس البرلمان نبيه بري في مستهلها تحديد موعد لانتخاب رئيس للجمهورية (الوكالة الوطنية للإعلام)
جانب من الجلسة البرلمانية الأخيرة التي مُدّد فيها لقائد الجيش والقادة الأمنيين والتي أعلن رئيس البرلمان نبيه بري في مستهلها تحديد موعد لانتخاب رئيس للجمهورية (الوكالة الوطنية للإعلام)

باشرت الكتل النيابية المعارضة اتصالاتها ولقاءاتها؛ للبحث والتشاور حول اسم مرشح لرئاسة الجمهورية، تكون قادرة على تسويقه مع الفريق الآخر، خصوصاً الذي كان له الدور الأساسي في تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ نحو 25 شهراً.

وأقرّ عضو كتلة حزب «القوات اللبنانية»، النائب غياث يزبك، بأن «هناك مراجعة فيما خصّ ترشيح المعارضة الوزير السابق جهاد أزعور؛ بحيث يتم البحث عن طروحات وأشخاص لا يشكلون تحدياً للآخرين، وهو ما يفترض أن يقوم به فريق الممانعة».