تركيا تحدد أولوياتها في «معركة حلب»: منع النزوح... والتصدي لـ«قسد»

اعتبرت تحركات الفصائل المسلحة نتيجة لـ«الاستهداف الروسي - السوري»

TT

تركيا تحدد أولوياتها في «معركة حلب»: منع النزوح... والتصدي لـ«قسد»

أحد مقاتلي الفصائل المسلحة يتجه إلى حلب بينما الدخان يتصاعد من قلب المدينة (أ.ف.ب)
أحد مقاتلي الفصائل المسلحة يتجه إلى حلب بينما الدخان يتصاعد من قلب المدينة (أ.ف.ب)

بعد أيام من الصمت الرسمي، حدّدت تركيا أولوياتها في «معركة حلب» التي أشعلتها تحركات لفصائل سورية مسلحة، وتركزت على «منع أي موجة جديدة من النزوح إلى أراضيها»، وكذلك التصدي لـ«قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» التي يشكل قوامها «وحدات حماية الشعب الكردي» المناوئة لأنقرة من الوجود على حدودها.

وأطلقت فصائل مسلحة أبرزها «هيئة تحرير الشام» ومجموعات أخرى بعضها موالٍ لأنقرة، قبل أيام، معركة سميت «ردع العدوان» لانتزاع السيطرة على ثانية كبرى المدن السورية من الجيش السوري، وتوسيع مناطق سيطرتها شمال غربي سوريا.

كما حدّدت تركيا ضمن أولوياتها في خضم التطورات الراهنة، الحفاظ على وضع إدلب واستقرارها وأمن الحدود التركية، ومنع أي موجة جديدة من النزوح إلى أراضيها.

واعتبر مسؤولون أتراك أن تحركات الفصائل المسلحة باتجاه حلب، نتيجة لـ«تصعيد الهجمات والاستهدافات من جانب القوات الروسية والسورية على مواقع الفصائل في إدلب»، خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التي عدتها «إضراراً بروح وعمل اتفاقيات مسار أستانة للحل السياسي في سوريا» الذي أدى عملياً إلى توقف الحرب وحافظ على الهدوء في سوريا طوال 4 سنوات تقريباً.

ورقة منبج

وكان لافتاً، أيضاً، عودة تركيا إلى إبراز ورقة منبج وتل رفعت الخاضعتين لسيطرة قوات «قسد»، والحديث عن ازدياد الهجمات الإرهابية فيها، وحديث الرئيس رجب طيب إردوغان، خلال الأسابيع الأخيرة، عن عملية عسكرية تركية محتملة ضد «قسد» في شمال سوريا.

وفيما يتعلق بعملية «ردع العدوان»، نفى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، انخراط بلاده في الصراعات الدائرة في حلب، مؤكداً في الوقت ذاته أنها «تتخذ احتياطاتها»، وستتجنب أي إجراء قد يؤدي إلى «موجة هجرة جديدة».

وأكد فيدان، خلال كلمة في منتدى إعلامي في إسطنبول، السبت، أن تركيا لن تسمح أبداً لـ«البنية الإرهابية في سوريا أن تتحول إلى دولة»، وهي إشارة صريحة إلى موقف تركيا من وجود «قسد» على حدودها.

وكرر فيدان الانتقادات التركية للدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية، قائلاً: «شريان حياة التنظيمات الإرهابية في المنطقة في أيدي الولايات المتحدة، ولا يمكن أن تستمر هذه التنظيمات حتى لثلاثة أيام من دون الدعم الأميركي».

تحريك الفصائل

وتواكب مع الإفادات التركية، إعلان الفصائل المسلحة الموالية لها في شمال غربي سوريا، السبت، أنها دشَّنت عملية عسكرية جديدة ضد «تنظيمات مسلحة كردية» والجيش السوري.

وجاء في بيان عن تلك الفصائل أنها أطلقت عملية «فجر الحرية»؛ بهدف ما قالت إنه «تحرير المناطق المغتصبة» من قبل الجيش السوري، ومسلحي «حزب العمال الكردستاني».

وأضاف البيان أنها شاركت في عملية «تحرير» مدينة حلب، مشيراً إلى أنها «خطوة نحو تحقيق الهدف الأسمى، وهو تحرير كامل الأراضي السورية».

وأكد البيان التزام الفصائل الموالية لتركيا «بوحدة واستقلال الأراضي السورية، ورفض كل أشكال الاحتلال والتقسيم».

وقبيل تلك التحركات العسكرية، قال المتحدث باسم الخارجية التركية، أونجو كيتشالي، إن «الحفاظ على السلام في إدلب والمنطقة المجاورة الواقعة عند نقطة الصفر من الحدود التركية، هو قضية ذات أولوية بالنسبة لتركيا».

وفي تحميل للمسؤولية عن التحرك الأخير لـ«تحرير الشام» والفصائل المسلحة باتجاه حلب لكل من دمشق وموسكو، قال كيتشالي، في بيان عبر حسابه الرسمي في «إكس» مساء الجمعة: «منذ عام 2017، تم التوصل إلى بعض الاتفاقيات بشأن منطقة خفض التصعيد في إدلب (اتفاق منطقة خفض التصعيد بين تركيا وروسيا المعروف باسم (بوتين - إردوغان)، وتفي تركيا (بدقة) بمتطلبات هذه الاتفاقيات، التي هي طرف فيها».

أحد مقاتلي الفصائل المسلحة يتجه إلى حلب بينما الدخان يتصاعد من قلب المدينة (أ.ف.ب)

وفيما يعد تبريراً لتحرك الفصائل، قال المتحدث: «وجهنا التحذيرات اللازمة على مختلف المنابر الدولية بأن الهجمات الأخيرة على إدلب (الغارات الجوية الروسية والهجمات السورية في أكتوبر)، قد وصلت إلى مستوى من شأنه أن يضر بروح وعمل اتفاقيات أستانة، ويتسبب في خسائر فادحة في صفوف المدنيين، وأشرنا إلى أنه يجب وقف هذه الهجمات... وفي واقع الأمر، فإن الصراعات التي وقعت في الأيام الأخيرة تسببت في زيادة غير مرغوب فيها في التوتر في المنطقة».

ووقعت تركيا تفاهمين مع كل من أميركا وروسيا تضمن إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن حدودها الجنوبية مسافة 30 كيلومتراً، وبموجبهما أوقفت تركيا عملية «نبع السلام» العسكرية، التي كانت قد أطلقتها ضد مواقع «قسد» في شرق الفرات في شمال شرقي سوريا في أكتوبر 2019، وتتهم أنقرة كلاً من واشنطن وموسكو بعدم الوفاء بالتزاماتهما الواردة في التفاهمين.

مساعٍ من أجل إدلب

وعقد عسكريون روس وأتراك عدداً من الاجتماعات في إدلب الشهر الماضي، ركزت على العودة للتهدئة وفتح طرق التجارة وطريق حلب - اللاذقية الدولي (إم 4)، وحلب - دمشق الدولي (إم 5)، وذلك قبل انعقاد الاجتماع 22 لمسار أستانة في 11 و12 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

وتعتبر تركيا الحفاظ على الهدوء في إدلب أولوية لعدم رغبتها في موجة نزوح واسعة جديدة من اللاجئين إلى حدودها فراراً من التصعيد العسكري.

وفي إشارة لافتة إلى التوتر في مناطق سيطرة «قسد» في شمال سوريا، قال المتحدث التركي: «من ناحية أخرى نراقب بعناية ازدياد الهجمات التي تستهدف المدنيين، وضد تركيا، من قبل التنظيمات الإرهابية (يقصد وحدات حماية الشعب الكردية أكبر مكونات «قسد») في مدينتي تل رفعت ومنبج، التي تحاول الاستفادة من بيئة عدم الاستقرار الحالية».

وقال إن «حقيقة أن الاتفاقات التي تم التوصل إليها سابقاً مع أصحاب المصلحة والجهات المعنية (أميركا وروسيا)، لإنهاء الوجود الإرهابي في هذه المناطق لم يتم الوفاء بها، تزيد من مخاوفنا».

وأضاف: «نتابع التطورات من كثب، في إطار الأهمية التي نعلقها على وحدة سوريا وسلامة أراضيها، والأولوية التي نعطيها لمكافحة الإرهاب».

لماذا منبج وتل رفعت؟

والعودة إلى قضية منبج وتل رفعت، أثارها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أكثر من مرة في الأسابيع الأخيرة، وهدّد بشن عملية عسكرية في شمال سوريا تستهدف مواقع «قسد»، وتستهدف إكمال «الحزام الأمني» بطول الحدود مع سوريا بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، لـ«منع أي تهديد لحدود تركيا وأمن شعبها».

وأعقب ذلك، لفت الانتباه إلى منبج وتل رفعت في خضم توغل الفصائل في حلب، لتعيد تركيا بذلك طرح مطالبها بإخراج وحدات حماية الشعب الكردية من المدينتين، وهو ما يعد استغلالاً لتغيير الوضع في ظل تقدم الفصائل.

قوات تركية تدخل شمال حلب أثناء عملية «درع الفرات» في 2016 (أرشيفية)

وتسيطر «قسد» على تل رفعت ومنبج التي يتحكم فيها مجلس منبج العسكري التابع لها، واشترطت تركيا في تفاهم سابق حول منبج مع الولايات المتحدة عندما أرادت شن عملية عسكرية للسيطرة على المدينة في 2018، إخراج «قسد» منها، وإبعادها 30 كيلومتراً عن حدودها الجنوبية، وتكرر الأمر بالنسبة لـ«تل رفعت»، التي سيطرت عليها «قسد»، مستغلة القصف الروسي على مواقع المسلحين السوريين في 2016، ولم تنجح تركيا في فرض السيطرة عليها رغم سيطرتها على عفرين (شرق حلب)، في عملية «غصن الزيتون» التي نفذتها في 2018، بضوء أخضر من روسيا.

وظلت «تل رفعت» جيباً مؤرقاً لتركيا، بعدما أخلت روسيا عفرين من جنودها الذين كانوا منتشرين فيها قبل العملية التركية وجمعتهم في تل رفعت، ما جعلها ملاذاً لمقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية.

وبعد أيام على انطلاق عملية «نبع السلام» في شمال شرقي سوريا في 9 أكتوبر 2019، وسيطرة القوات التركية على تل أبيض ورأس العين عادت التحذيرات الأميركية والروسية، ما دفع تركيا للانخراط في مفاوضات مع واشنطن وموسكو، كل على حدة، أسفرت عن تفاهمين تضمنا تعهدات أميركية وروسية بإخلاء المنطقة الحدودية بعمق 30 كيلومتراً من مقاتلي «قسد»، وكذلك الحال بالنسبة لمنطقتي منبج وتل رفعت، وانتشار قوات من الجيش السوري في محيط منبج، لكن تركيا تقول إن التفاهمين لم يتحققا حتى الآن وأن واشنطن وموسكو لم تلتزما بما تم الاتفاق عليه.


مقالات ذات صلة

دول الجوار ترفع التأهب مع تطورات سوريا

المشرق العربي سيارة إسعاف تتقدم باتجاه موقع استهدفته غارة جوية للنظم السوري حي بمنطقة إدلب أمس (أف.ب) play-circle 01:42

دول الجوار ترفع التأهب مع تطورات سوريا

بينما رفعت بعض دول الجوار حالة التأهب مع التطورات الميدانية في شمال سوريا، ارتفعت حصيلة الهجوم الخاطف الذي تشنّه فصائل معارضة منذ الأربعاء هناك إلى 412 قتيلاً.

المشرق العربي مظاهرة في مدينة طفس مؤيدة لهجوم فصائل المعارضة شمال سوريا (درعا 24)

تحركات في درعا تستلهم هجوم «تحرير الشام» في الشمال

يشهد ريف محافظة درعا تحركات ضد حواجز ومقرات تابعة للجيش السوري، تستلهم الهجوم المباغت الذي تشنّه «هيئة تحرير الشام» وفصائل معارضة في الشمال

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عناصر من الدفاع المدني «الخوذ البيضاء» يعملون في موقع ضربة جوية بإدلب (رويترز)

الرئيس السوري يتعهد باستخدام القوة للقضاء على «الإرهاب»

تعهَّد الرئيس السوري بشار الأسد بـ«استخدام القوة للقضاء على الإرهاب»، خلال اتصال مع القائم بصلاحيات الرئيس في أبخازيا.

المشرق العربي الطيران الروسي كثف من هجماته في إدلب مع تقدم المعارضة (رويترز)

سوريو تركيا يترقبون الأوضاع للعودة إلى بلدهم

شهدت الساعات الأخيرة اتصالات مكثفة من جانب تركيا بشأن التطورات في سوريا وتقدم قوات «هيئة تحرير الشام» والفصائل الداعمة لها وبينها فصائل موالية لأنقرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
تحليل إخباري مقاتلون من «تحرير الشام» على جبهة حلب (إكس) play-circle 00:20

تحليل إخباري «ردع العدوان»... لماذا الآن؟ ولماذا تصمت تركيا؟

أثارت عملية «ردع العدوان» التي أطلقتها «هيئة تحرير الشام» بدعم من فصائل «غرفة عمليات الفتح المبين» ضد الجيش السوري في حلب، تساؤلات حول توقيتها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

برّي يتهم إسرائيل بـ«خرق فاضح» لاتفاق وقف إطلاق النار

نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني أثناء انعقاد مجلس النواب في بيروت، 31 مايو 2022 (رويترز)
نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني أثناء انعقاد مجلس النواب في بيروت، 31 مايو 2022 (رويترز)
TT

برّي يتهم إسرائيل بـ«خرق فاضح» لاتفاق وقف إطلاق النار

نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني أثناء انعقاد مجلس النواب في بيروت، 31 مايو 2022 (رويترز)
نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني أثناء انعقاد مجلس النواب في بيروت، 31 مايو 2022 (رويترز)

اتهم رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، الاثنين، إسرائيل بـ«خرق فاضح» لاتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه الأسبوع الماضي وأنهى التصعيد مع «حزب الله».

وقال بري، ممثل الحزب في مفاوضات الهدنة التي جرت بوساطة أميركية، في بيان، إن «ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي من أعمال عدوانية» في القرى الحدودية، مع «استمرار الطلعات الجوية وتنفيذ غارات استهدفت أكثر من مرة عمق المناطق اللبنانية... تمثل خرقا فاضحا لبنود اتفاق وقف إطلاق النار»، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

من جهتها، قالت الخارجية الفرنسية إن فرنسا أبلغت إسرائيل بوجوب التزام كل الأطراف باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان.

جنود إسرائيليون يجرون بدورية في مستوطنة أفيفيم الزراعية، بجوار الحدود اللبنانية في الجليل الأعلى، إسرائيل، 2 ديسمبر 2024 (أ.ب)

واستهدفت مسيّرة إسرائيلية، في وقت سابق اليوم، جرافة للجيش اللبناني أثناء تنفيذها أعمال تحصين داخل مركز العبّارة العسكري في منطقة حوش السيد علي بالهرمل في شرق لبنان؛ مما أدى إلى إصابة أحد العسكريين بجروح متوسطة.

كما أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، مقتل شخص في غارة جوية إسرائيلية على مرجعيون قرب الحدود مع إسرائيل.

ويسري، منذ فجر الأربعاء، وقف لإطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، تم التوصل إليه بوساطة أميركية، أنهى نزاعاً بدأ في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بعد بعد يوم من اندلاع الحرب في قطاع غزة بين الدولة العبرية وحركة «حماس» الفلسطينية، إثر فتح «حزب الله» ما أسماه «جبهة إسناد» لغزة من جنوب لبنان.