الجزائر تقدم مشروعاً لـ«وقف النار فوراً» في غزة

اعتراض أميركي وسط تحذيرات من خطورة وقف تمويل «الأونروا»

مندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع متحدثاً في مجلس الأمن (الأمم المتحدة)
مندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع متحدثاً في مجلس الأمن (الأمم المتحدة)
TT

الجزائر تقدم مشروعاً لـ«وقف النار فوراً» في غزة

مندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع متحدثاً في مجلس الأمن (الأمم المتحدة)
مندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع متحدثاً في مجلس الأمن (الأمم المتحدة)

قدمت الجزائر مشروع قرار في مجلس الأمن يطالب إسرائيل بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، والتزام القوانين الدولية غداة القرار التمهيدي الذي أعلنته محكمة العدل الدولية لمنع وقوع عملية إبادة في القطاع، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى أكثر من مليونين من المدنيين هناك، وسط مخاوف من توقف عمليات وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم في الشرق الأدنى «الأونروا» بعد تعليق تمويلها من 16 دولة مانحة، أبرزها الولايات المتحدة.

وبطلب من الجزائر، عقد مجلس الأمن اجتماعاً حول الوضع في الشرق الأوسط، لا سيما المعاناة الإنسانية في غزة، والتركيز على الأوامر التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بشأن الامتثال لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.

واستمع أعضاء المجلس إلى إحاطة من وكيل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة، مارتن غريفيث، الذي أكد على ضرورة ألا تتعرض للخطر خدمات «الأونروا» المنقذة للحياة لأكثر من ثلاثة أرباع سكان غزة، بسبب ادعاءات حول تصرفات عدد من الموظفين لديها، ادعت إسرائيل أنهم ضالعون في هجمات «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ضد إسرائيل.

يحمل مساعدات يتم توزيعها في مدرسة تديرها وكالة «الأونروا» في رفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

وإذ دعا إلى «إلغاء قرارات حجب الأموال عن الأونروا»، أكد أنها «تلعب دوراً لا غنى عنه فيما يتعلق بالتوزيع والتخزين والخدمات اللوجيستية والموارد البشرية، مع وجود ثلاثة آلاف موظف يستجيبون للأزمة الحالية». وأكد أن «الأونروا ظلت في صميم ما تمكنا من القيام به»، وقد «وفرت المأوى وقدمت الغذاء والماء والمساعدة الطبية»، رغم ما يتعرض له موظفوها من «قتل وإصابة وتشريد». وقال: «بعبارة صريحة وبسيطة: تعتمد استجابتنا الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة على حصول الأونروا على التمويل الكافي وتشغيلها».

75 في المائة مشردون

ونبه المسؤول الأممي إلى أن القتال العنيف حول خان يونس يدفع آلاف الأشخاص إلى رفح، التي تستضيف بالفعل أكثر من نصف سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، وهو «أمر مثير للقلق».

صبي فلسطيني نازح يسير وسط خيام غمرتها الأمطار الغزيرة في رفح جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وأضاف: «تشير تقديراتنا الآن إلى أن نحو 75 في المائة من مجموع السكان أصبحوا مشردين. وهم يعيشون ظروفاً معيشية مزرية تزداد سوءاً يوماً تلو الآخر. وتغمر الأمطار الغزيرة مخيمات الخيام المؤقتة، ما يجبر الأطفال والآباء وكبار السن على النوم في الوحل. ويستمر انعدام الأمن الغذائي في التصاعد. ويكاد يكون من الصعب الوصول إلى المياه النظيفة. ومع قلة الدعم المتاح في مجال الصحة العامة، تتفشى الأمراض التي لا يمكن الوقاية منها، وستستمر في الانتشار».

ودعا المندوب الجزائري الدائم لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع مجلس الأمن إلى أن «يتخذ فوراً جميع التدابير اللازمة من أجل إعلاء صوت العدالة وضمان تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية»، مضيفاً أنه «على كل من يؤمن بنظام عالمي يقوم على القانون أن يعمل على تنفيذ التدابير التي أقرتها المحكمة»، التي قضت بأنه «يجب على إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، أن تضمن وبشكل فوري عدم قيام قواتها بارتكاب أي أعمال قتل في حق الفلسطينيين. ويجب عليها اتخاذ إجراءات فورية وفعالة لضمان توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها الفلسطينيون في قطاع غزة». وأكد أن تلك الأمور تتطلب وقفاً فورياً لإطلاق النار. وشدد على وقف «حمام الدم والإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون» في غزة.

مجلس الأمن في نيويورك (إ.ب.أ)

مشروع جزائري

وتحقيقاً لهذا الهدف، وزعت الجزائر مشروع قرار ينص أولاً على المطالبة بـ«وقف إنساني فوري لإطلاق النار»، بالإضافة إلى مطالبة الأطراف بـ«التزام واجباتها تحت القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتحديداً لجهة حماية المدنيين والمنشآت المدنية». ويرفض المشروع «التهجير القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين، بمن في ذلك الأطفال، في انتهاك للقانون الدولي». ويدعو إلى «وقف كل هذه الانتهاكات». كذلك يطالب بـ«وصول إنساني كامل وسريع وآمن وبلا عراقيل إلى كل أنحاء قطاع غزة، من أجل التوصيل الكافي والمستدام والملح للمساعدة الإنسانية للسكان المدنيين الفلسطينيين، طبقاً للقانون الإنساني الدولي وقراري مجلس الأمن 2712 و2720».

التفسير الأميركي

المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد (أ.ف.ب)

في المقابل، أفادت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، بأن قرار محكمة العدل الدولية «يتسق مع وجهة نظر» الولايات المتحدة بأنّ «لإسرائيل الحق في أن تتخذ إجراء - وفقاً للقانون الدولي الإنساني - لضمان عدم تكرار الهجمات الإرهابية التي وقعت في 7 أكتوبر (تشرين الأول)». وأضافت أنه «بينما نتفق جميعاً على أنه يجب بذل المزيد من الجهود، وكذلك هالنا جميعاً حجم الخسائر في صفوف المدنيين، ولكن دعونا نوضح ما لم تأمر به المحكمة. على وجه التحديد، لم تأمر المحكمة بوقف النار، بل هي في المرحة الأولية من النظر، ولم تشر إلى أن إسرائيل ارتكبت الإبادة الجماعية أو انتهكت أحكام اتفاقية الإبادة الجماعية».


مقالات ذات صلة

السعودية: غياب «المساءلة والعقاب» يشجع إسرائيل على التصعيد

الخليج السعودية: غياب «المساءلة والعقاب» يشجع إسرائيل على التصعيد

السعودية: غياب «المساءلة والعقاب» يشجع إسرائيل على التصعيد

جددت السعودية رفضها وإدانتها لجميع الجرائم الإسرائيلية الشنيعة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.

المشرق العربي عناصر من الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية 11 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

إسرائيل تعزّز قواتها في الضفة لأغراض «تشغيلية ودفاعية»

دفع الجيش الإسرائيلي 3 كتائب احتياط إلى الضفة الغربية استعداداً لتصعيد إقليمي محتمل، بغرض تعزيز الوجود الأمني في الضفة عشية الأعياد اليهودية الشهر المقبل.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
شؤون إقليمية طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

مصر تشدد على وقف إطلاق النار في غزة ولبنان لتفادي «الحرب المفتوحة»

ندد وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي بـ«إمعان إسرائيل في توسيع رقعة الصراع»، مجدداً مطالبة تل أبيب بالانسحاب من معبر رفح و«محور فيلادلفيا».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
تحليل إخباري صور لنصر الله وقاسم سليماني بالعاصمة اليمنية صنعاء في 28 سبتمبر (إ.ب.أ)

تحليل إخباري مشروع إيران مهدد بعد «نكسة» نصر الله وتفكيك «وحدة الساحات»

وجّهت إسرائيل بقتل أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله ضربة قوية إلى جوهرة التاج في المشروع الإيراني الإقليميّ. فكيف سيكون رد طهران؟

المحلل العسكري
المشرق العربي تجمع الناس ورجال الإنقاذ بالقرب من الأنقاض المشتعلة لمبنى دمر في غارة جوية إسرائيلية على مقر قيادة حزب الله (أ.ف.ب)

بعد مقتل نصر الله... مَن أبرز قادة «حزب الله» و«حماس» الذين اغتالتهم إسرائيل؟

مني «حزب الله» في لبنان وحركة «حماس» في غزة منذ اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بضربات قاسية استهدفت أبرز قياداتهما.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«حزب الله» أمام مفترق طرق: رد حازم أو الهزيمة الكاملة

عناصر من «حزب الله» يستقلون دراجة داخل إحدى القواعد بينما تظهر صور حسن نصر الله وقاسم سليماني على الجدار خلفهم (لقطة من فيديو لـ«حزب الله»)
عناصر من «حزب الله» يستقلون دراجة داخل إحدى القواعد بينما تظهر صور حسن نصر الله وقاسم سليماني على الجدار خلفهم (لقطة من فيديو لـ«حزب الله»)
TT

«حزب الله» أمام مفترق طرق: رد حازم أو الهزيمة الكاملة

عناصر من «حزب الله» يستقلون دراجة داخل إحدى القواعد بينما تظهر صور حسن نصر الله وقاسم سليماني على الجدار خلفهم (لقطة من فيديو لـ«حزب الله»)
عناصر من «حزب الله» يستقلون دراجة داخل إحدى القواعد بينما تظهر صور حسن نصر الله وقاسم سليماني على الجدار خلفهم (لقطة من فيديو لـ«حزب الله»)

بعد مقتل أمينه العام حسن نصر الله، يبدو «حزب الله» أمام مفترق طرق، فإما أن يردّ بشكل غير مسبوق على إسرائيل، أو أن يكرّس صورة العاجز عن مقارعتها وحماية نفسه وقاعدته الشعبية، وفق ما يقول محللون.

ولطالما شكل نصر الله، الذي يعدّ حزبه القوة العسكرية والسياسية الأبرز في لبنان، العدو اللدود لإسرائيل. ومنذ توليه منصبه عام 1992، اكتسب هالة بوصفه قاد حزباً خاض منازلات عدة مع إسرائيل، وخرج منها بمظهر المنتصر.

بعد نحو عام من فتح حزبه جبهة «إسناد» لحليفته حركة «حماس» من جنوب لبنان ضد إسرائيل، جاء مقتل نصر الله بغارة إسرائيلية في معقله بضاحية بيروت الجنوبية، الجمعة، بعد خسائر غير مسبوقة تلقاها تباعاً في الأسبوعين الأخيرين.

ويقول مدير ملف سوريا والعراق ولبنان في مجموعة الأزمات الدولية هايكو فيمن، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «إذا لم يرد (حزب الله) في هذه المرحلة بضربة استراتيجية، مستخدماً ترسانته من الصواريخ الدقيقة بعيدة المدى، فيمكن عندها افتراض أنه ببساطة غير قادر على فعل ذلك». ويضيف: «إما أن نرى رد فعل غير مسبوق من (حزب الله) أو ستكون الهزيمة الكاملة».

عنصر من «حزب الله» يشغلون راجمة صواريخ مختفية تحت الأرض داخل إحدى القواعد (لقطة من فيديو لـ«حزب الله»)

و«حزب الله» هو التشكيل الوحيد في لبنان الذي احتفظ بسلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975 - 1990) بحجة «مقاومة إسرائيل» التي احتلت مناطق واسعة في جنوب البلاد بين عامي 1978 و2000. وله ترسانة أضخم من أسلحة الجيش اللبناني، بحسب خبراء.

لكن بعد نحو عام من بدء تبادله القصف مع إسرائيل، بوتيرة ارتفعت حيناً وتراجعت حيناً آخر، حوّلت إسرائيل تباعاً ثقل عمليتها العسكرية من غزة إلى لبنان، حيث أسفرت غارات كثيفة تشنها منذ الاثنين، عن مقتل المئات وتشريد نحو 120 ألف شخص من منازلهم.

«معادلة الردع»

أعقبت الغارات الكثيفة التي استهدفت بشكل رئيسي مناطق في جنوب لبنان وشرقه، تفجير الآلاف من أجهزة اتصال يستخدمها «حزب الله» الذي اتهم إسرائيل بالوقوف خلفها، ما أسفر عن مقتل 39 شخصاً وإصابة نحو 3 آلاف آخرين بجروح.

وفي الأسبوع الأخير، أسفرت الضربات الإسرائيلية على بيروت عن مقتل عدد من قادة «حزب الله» البارزين، واحداً تلو الآخر.

ويقول الباحث في مؤسسة «سنتشري» سام هيلر، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن امتناع «حزب الله» عن ردع إسرائيل بعد قتلها زعيمه، قد يشجعها على المضي بشكل أكبر في هجماتها ضده.

وخلال نحو عام من التصعيد عبر الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، يرى هيلر أن «حزب الله» لم يستنفد بعد القدرات العسكرية التي لطالما لوّح بامتلاكها «وافترض معظمنا أنه يحتفظ بها»، حتى عندما كثّف خصمه الغارات ضده ونفذ عمليات متقدّمة. ولا يستبعد أن تكون قدرات «حزب الله» «مبالغاً فيها»، أو أنه جرى تدميرها بالكامل من إسرائيل.

ومنذ حرب صيف 2006 التي خاضها «حزب الله» والدولة العبرية، و«هزم فيها الإسرائيليين»، كرّس «حزب الله»، وفق هيلر، «معادلة الردع الطويلة الأمد» مع إسرائيل، لكن «يبدو واضحاً اليوم أنه لا يستطيع حماية نفسه».

عناصر من «حزب الله» يوجهون راجمة صواريخ داخل إحدى القواعد (لقطة من فيديو لـ«حزب الله»)

«رفع معنويات»

مع خسارة قائدهم والرجل الأكثر نفوذاً في لبنان، فإن أنصار زعيم «حزب الله» الذين شرّدتهم الغارات الإسرائيلية وحرمتهم أفراداً من عائلاتهم، سيتوقعون أكثر من رد رمزي، وفق محللين.

وترى الأستاذة المحاضرة في جامعة كارديف البريطانية والخبيرة في شؤون «حزب الله» أمل سعد، أن الحزب، الذي بات من دون قائد بعد الضربة الهائلة، سيحتاج إلى تحقيق توازن دقيق في اختيار رده.

وتتوقع أن يسعى الحزب من جهة إلى تفادي دفع إسرائيل لشنّ «حملة قصف شامل ضد بيروت أو أنحاء لبنان»، بينما يتعيّن عليه في الوقت ذاته «رفع معنويات» أنصاره ومقاتليه.

وسيتعيّن على «حزب الله» أيضاً أن يُظهر أنه قادر على حماية شعبه، والانتقام من إسرائيل، مع الحفاظ على السلام بين مختلف المكونات الطائفية في لبنان، المنقسمة حول قضايا رئيسية بينها تحكّم «حزب الله» بقرار السلم والحرب.

وتدفّق عشرات الآلاف من مناصري الحزب المدعوم من طهران، من جنوب لبنان وشرقه وضاحية بيروت الجنوبية إلى مناطق أخرى ذات مكونات طائفية مختلفة، بحثاً عن مأوى من الغارات الإسرائيلية.

ويرى الباحث في معهد «كارنيغي» للشرق الأوسط مهند حاج علي، أن خسائر «حزب الله» الأخيرة أصابته بـ«شلل»، محذراً في الوقت عينه من استبعاد الحزب عن المشهد تماماً.

ويقول: «يتطلب الأمر قيادة جديدة، ونظام اتصالات، واستعادة سرديته والتواصل مع قاعدته الشعبية»، لكن سيكون من «الصعب جداً تخيل زوال التنظيم بهذه السرعة».

ولطالما كرّر كبار قادة «حزب الله» الإشارة إلى أن القضاء على قياديين من صفوفهم لا يؤثر على بنية الحزب العسكرية وقدراته الميدانية.

وتشرح أمل سعد في هذا السياق أن بنية «حزب الله» بوصفه مجموعة مسلحة، «مصمّمة لاستيعاب صدمات مماثلة»، مشيرة على سبيل المثال، إلى مقتل القائد العسكري البارز في الحزب عماد مغنية بتفجير سيارته في دمشق عام 2008، والذي نُسب إلى إسرائيل.

وتضيف: «عندما ينقشع الغبار، فإن أداء (حزب الله) لا يعتمد على شخص واحد»، مضيفة أن نصر الله في نهاية المطاف «ليس شخصية أسطورية؛ بل إنسان عادي».