عدّ أحمد الصالح، المستشار في الرئاسة اليمنية، استهداف الحوثيين سفن الشحن الدولية تهرباً من عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، وكانت قاب قوسين من توقيع مذكراتها الأولية.
وعدّ الصالح في حوار مع «الشرق الأوسط» إدراج واشنطن الجماعة ضمن قوائم الجماعات الإرهابية العالمية خطوةً مرحباً بها، إلا أنه يعتقد بأنها لا تكفي. وقال: «نحن بحاجة لأكثر من هذه الخطوة، ما نراه اليوم أن ردة الفعل الأميركية أقل من مستوى التهديدات الحوثية والمخاطر التي تمثلها على الملاحة الدولية»، عادّاً «التعاون الرسمي بين الحكومتين اليمنية والأميركية لا يرتقي إلى مستوى التهديد والتحديات التي تواجه الملاحة، وحركة التجارة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن».
ويستبعد المستشار اليمني ارتباط الهجمات الحوثية بحرب غزة، مبيناً أن الجماعة نفذت أكثر من 18 عملية قرصنة بحرية في البحر الأحمر قبل أحداث غزة، إلى جانب زرع عديد من الألغام البحرية.
وحذّر المستشار بالرئاسة اليمنية من أنه «إذا لم يتم القضاء على الحوثي وإسقاط مشروعه في اليمن، فلن يتوقف ضرره في البحر الأحمر وخليج عدن، بل سيتوسع إلى مناطق أبعد من ذلك، وحينها ستكون تكلفة القضاء عليه أكبر مما هي عليه اليوم».
وتحدث أحمد الصالح كذلك عن تداعيات الهجمات الحوثية في البحر الأحمر على الوضع المعيشي للشعب اليمني، وتاريخ الجماعة، وعديد من الملفات المهمة.
تصنيف واشنطن
وصف أحمد الصالح، المستشار في الرئاسة اليمنية، قرار الولايات المتحدة إدراج جماعة الحوثي في قائمة الجماعات الإرهابية العالمية بأنه قرار «مرحب به من قبل الدولة اليمنية». وأضاف: «لكننا نرى المسألة أكبر من إضافة جماعة الحوثي على قوائم الإرهاب فقط، نحن بحاجة لأكثر من هذه الخطوة، ما نراه اليوم أن ردة الفعل الأميركية أقل من مستوى التهديدات الحوثية والمخاطر التي تمثلها سواء على الملاحة الدولية أو حتى على المصالح اليمنية».
يعتقد الصالح بأن قرار تصنيف الحوثيين في قائمة الإرهاب ستكون له إيجابيات كبيرة جداً، إذا ما تبعته خطوات، بحسب وصفه: «القرار في حد ذاته بهذا الشكل لن تكون له قيمة حقيقية ملموسة في التأثير في هذه الجماعة المتطرفة والإرهابية، لكن إذا ما تبعته خطوات، وهذا ما نأمله في الأيام والمستقبل القريب، سيكون له أثر كبير جداً في سلوكيات الحوثيين».
ولفت الصالح إلى أن لدى الشرعية اليمنية «قوات عسكرية في الميدان وعلى الأرض، وإذا ما دُعمت بشكل مباشر، حيث لديها رغبة وقضية وتمثل دولة معترفاً بها من المجتمع الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، أظن سيكون هناك أثر كبير جداً إذا حصل تعاون وتنسيق».
وانتقد المستشار حال التعاون ودرجته بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ونظيرتها الأميركية، ويقول: «حتى هذه اللحظة نرى أن التعاون الرسمي بين الحكومتين اليمنية والأميركية لا يرتقي إلى مستوى التهديد والتحديات التي تواجه الملاحة، وحركة التجارة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، ونأمل في المستقبل أن يكون هناك نوع من التنسيق الكبير والدعم والمساندة، هناك مصالح مشتركة، هناك قضية يمنية معترف بها من المجتمع الدولي، وهناك قرارات دولية، كل ما نريده فقط هو دعم الدولة ومؤسساتها حتى تستطيع إيقاف هذا التهديد العالمي، الذي بالدرجة الأولى يؤثر بشكل سلبي في حياة المواطن اليمني اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وفي النواحي كافة».
أهمية التنسيق مع الولايات المتحدة
من خلال تجارب سابقة، يرى المستشار في الرئاسة اليمنية أن الضربات الجوية سواء بالطيران أو الصواريخ عبر البوارج الأميركية لن تنجز الحرب. وقال موضحاً: «نحن نعرف سلوك الحوثي العسكري، ولدينا تجربة معه في حرب استمرت 9 سنوات، وبالتالي نعرف كيف يسير، وما توجهاته، وما التكتيك الذي يسير عليه، وما الإمكانات التي يمتلكها، من هذا المنطلق نرى أن الضربات الجوية ستحقق نسبة بسيطة جداً، لكن إذا ما أرادوا إنجازاً حقيقياً في قطع هذه الميليشيات وهذا أمر وارد، تستمر هذه الضربات، لكن يجب أن يكون هناك تنسيق حقيقي وفاعل وغرفة عمليات مشتركة بين الأميركان والقوى الشريكة في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وبين الحكومة اليمنية ودول التحالف العربي، وإذا وجدنا المصداقية والشفافية بين هذه الدول ستكون هناك ردة فعل قوية جداً».
وتابع المستشار بالقول: «الحوثي خنق العالم في مضيق باب المندب الذي يمثل أكثر من 20 في المائة من حركة التجارة العالمية، وهذا الممر مهم جداً سيؤثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة في دول مهمة جداً. عندما نتحدث عن السردية التي رويت في فترات سابقة ويحاول أن يسوق لها بعض السذج اليوم بأن المسألة مرتبطة فقط بما يحدث في غزة بفلسطين فهذا الأمر غير صحيح إطلاقاً؛ لأن الحوثي بدأ بالقرصنة في البحر ونفذ أكثر من 18 عملية قرصنة بحرية قبل أحداث غزة، وزرع ألغاماً بحرية وغيرها، بالإضافة إلى تهريب الأسلحة الإيرانية للحوثيين (...) وهو ما يؤكد أن الحوثيين أداة إيرانية يتسلمون كل معداتهم وما يحتاجونه من أسلحة من النظام الإيراني، والتحكم الرئيسي في قراراتهم من طهران وليس من صنعاء».
تحرير الحديدة
أوضح أحمد الصالح المستشار في الرئاسة اليمنية أن لدى الحكومة خطة لتحرير الحديدة، وحاولت مراراً لولا ما حصل من تدخل في فترة سابقة أفضى إلى اتفاق استوكهولم، الذي أعاد القوات التي كانت على مشارف مدينة وميناء الحديدة.
وأضاف: «لدينا رغبة حقيقية في تحرير الحديدة وما بعد الحديدة، لكن الحديدة ذات أهمية قصوى وأولوية لما تمثله من رقم مهم جداً في المعادلة العسكرية، وهي تمثل خطوط الإمداد الأولية للحوثيين وتحركاتهم اقتصادياً أيضاً. لدينا خطة في هذا المجال لكن هذه الخطة بحاجة إلى دعم ومؤازرة ومساندة، من أشقائنا في التحالف العربي، وأيضاً تنسيق حقيقي ودعم لوجيستي من قبل الأصدقاء، وعلى رأسهم الأميركان، ومعلوم أن إيران موجودة في هذه المنطقة التي تشكّل جزءاً من عامل يشعل فتيل هذه المعركة ويطيل استمرار وجود الحوثيين وقرصنتهم في البحر، وأعمالهم الإرهابية».
تاريخ الحوثيين
أشار الصالح إلى أن كثيراً من الناس يعتقدون بأن سلوكيات جماعة الحوثي الإرهابية هي سلوكيات حديثة، وهذا الأمر غير صحيح، على حد تعبيره، وفسّر ذلك بقوله: «هذه الحركة أُنشئت في أواخر السبعينات وطُوّرت وأصبحت تنظيماً رئيسياً في بداية الثمانينات، لكن أول عمل إرهابي مثبت ومقيد لدى الأجهزة الأمنية اليمنية كان عام 1983، عندما كان يرأسها بدر الدين الحوثي والد عبد الملك الحوثي عبر مهاجمة مراكز دور السينما في صنعاء، وعلى رأسها (سينما بلقيس)، وفي العام نفسه أصدرت فتاوى تجاه المرأة، والطالبات في الجامعات، حيث تمت مهاجمة كثير من الفتيات بمادة الأسيد الحارقة التي أفضت إلى تشوه وحرق، وأحياناً قتل كثير من الفتيات في تلك الفترة».
وتابع: «نشأت الجماعة من فكر إرهابي متطرف لا يؤمن بالمواطنة ولا بالمساواة ولا يؤمن بالدولة ومؤسساتها، وبالتالي نحن عندما نتحدث عن أن القرار مرتبط بسلوكياتهم في البحر الأحمر، وإذا انتهت تلك السلوكيات سيعودون مواطنين صالحين فهذه أكذوبة كبيرة جداً يجب على العالم أن يستوعبها».
تأثير هجمات البحر الأحمر في اليمن
يرى المستشار في الرئاسة اليمنية أن أكبر المتضررين بالدرجة الأولى من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر هو الشعب اليمني. وقال: «نحن نعاني من مأساة وتبعات حرب أشعلها الحوثي في عام 2015 إلى اليوم، وبالتالي لدينا إشكالية اقتصادية قائمة قبل أن تحدث هذه الإشكالية في البحر الأحمر، هذا الأمر انعكس سلباً على الواردات، نحن دولة نستورد معظم احتياجاتنا من الخارج، وارتفعت أجور الشحن قرابة 200 في المائة، كما ارتفعت نسبة التأمين 400 في المائة قابلة للزيادة في الأيام المقبلة إذا ما استمرّت هذه العمليات، وهذا أمر متوقع».
وأكد الصالح أن «ما فعله الحوثي من استهداف للملاحة الدولية في البحر الأحمر بشكل مباشر هو تهرب واضح من عملية السلام التي كنّا قاب قوسين أو أدنى من توقيع بعض مذكراتها الأولية».
وأضاف: «الحقيقة أن الدولة هي مَن قدمت التنازلات من أجل بناء جسور الثقة للوصول إلى سلام، ومن طبيعة الحوثي والاستراتيجية التكتيكية الإيرانية في إدارة المعارك والأزمات أنهم يستثمرون في مثل هذه الظروف الموجودة اليوم، ومن مصلحتهم دائماً أن يخلقوا أزمات ويهربوا للأمام من خلال الفوضى التي يخلقونها، وأن يتهربوا من الاستحقاقات والالتزامات. الدولة حريصة، ولا زالت، على مسألة السلام، ولكن السلام العادل المستدام وليس السلام الذي يبحث عنه الحوثي والإيرانيون من بعده».
وتابع الصالح بقوله: «ما حصل أخيراً في البحر الأحمر أكبر دليل على أن الحوثي لا يبحث عن السلام ولا يرغب فيه، وسيحاول أن يبرر هروبه من الاستحقاقات التي وقّع عليها والتفاهمات الأولية، بأن هناك مدخلاً جديداً وهو قضية فلسطين، وهذا الأمر غير صحيح وأكذوبة كبيرة يحاول أن يسوّقها الحوثي شعبوياً وهي غير مجدية إطلاقاً، لكن بعد التصنيف أعتقد بأننا ابتعدنا قليلاً عن مواصلة المسار السابق في عملية السلام، لكننا في كل الأحوال جاهزون للسلام».
الحوثي أداة إيرانية
بحسب أحمد الصالح فإن «السردية السابقة للأميركيين بأن الحوثيين جماعة يمنية وليس لها طموح ولن يكون لهم تأثير خارج حدودهم، في مقابل رواية الدولة اليمنية بأن هذه جماعة تمثل أجندة إيرانية ستؤذي العالم والمنطقة والملاحة الدولية، أكدتها السلوكيات الجديدة (للجماعة) وأنهم ليسوا جماعة محلية بل جماعة متطرفة إرهابية مضرة بالاقتصاد والأمن العالميَّين، وخطوط الملاحة».
وأضاف: «ما حصل في الفترة السابقة لم يكن خطأ، لكن الخطأ أن نكرر استيعابنا لخطورة وسلوكيات إيران والحوثيين في المنطقة، ومن هنا علينا أن نعيد تركيب ردة فعلنا بناء على ما حصل وما نراه ملموساً».
وحذّر الصالح من أنه «إذا لم يتم القضاء على الحوثي وإسقاط مشروعه في اليمن فلن يكون ضرره في البحر الأحمر وخليج عدن فقط، بل سيتوسع إلى مناطق أبعد من ذلك، وحينها ستكون تكلفة القضاء عليه أكبر مما هي عليه اليوم».