الصحافيون في غزة شهود على الحرب وضحايا لها

الصحافي وائل الدحدوح في غزة (أ.ف.ب)
الصحافي وائل الدحدوح في غزة (أ.ف.ب)
TT

الصحافيون في غزة شهود على الحرب وضحايا لها

الصحافي وائل الدحدوح في غزة (أ.ف.ب)
الصحافي وائل الدحدوح في غزة (أ.ف.ب)

يدفع الصحافيون ثمناً باهظاً لتغطية الحرب بين إسرائيل و«حماس» في قطاع غزة، والتي سقط خلالها عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوفهم.

لكن الناجين منهم يواجهون خطر الموت في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل للقطاع، فضلاً عن الصعوبات في الاتصالات والقلق على أسرهم، ونقص المستلزمات الأساسية للبقاء من غذاء وماء.

وقالت الصحافية الغزية هند الخضري لوكالة الصحافة الفرنسية: «عملنا هو توثيق الحرب لنطلع العالم على ما يحدث».

لكنهم يعرفون أن لذلك تكلفة باهظة؛ فيوم الجمعة، سقط مصور الجزيرة سامر أبو دقة قتيلًا أثناء تغطيته القصف في جنوب قطاع غزة.

زملاء وأسرة مصور شبكة الجزيرة سامر أبو دقة خلال وداعه بعد مقتله في قصف إسرائيلي في خان يونس بقطاع غزة (أ.ف.ب)

وقالت منظمة «مراسلون بلا حدود» إن عدد الصحافيين الذين قُتلوا في حرب غزة خلال هذه الفترة القصيرة يفوق عدد القتلى في أي نزاع شهده العالم منذ 30 عاماً على الأقل.

وتفيد لجنة حماية الصحافيين، بأن ما لا يقل عن 64 من العاملين في وسائل الإعلام، بمن فيهم صحافيون ومصورون ومصورو فيديو وفنيون وسائقون، ومعظمهم في غزة، قُتلوا منذ هجوم «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول).

وقال المصور الصحافي الفلسطيني معتز عزايزة، إن كل يوم هو «مسألة حياة أو موت بالنسبة لنا».

الصحافي معتز عزايزة في الأيام الأولى للحرب (حسابه الشخصي إنستغرام)

فقد قُتل البعض منهم في القصف وهم في منازلهم مع عائلاتهم، وقُتل آخرون أثناء أداء عملهم.

وقُتل 3 صحافيين في القصف في لبنان، حيث يحدث تبادل يومي للقصف بين إسرائيل و«حزب الله»، كما قُتل 4 صحافيين إسرائيليين خلال هجوم «حماس» على كيبوتس يعيشون فيه.

رجل يحمل سترة الصحافة الخاصة بمراسل شبكة الجزيرة وائل الدحدوح بعد إصابته في قصف إسرائيلي على خان يونس الجمعة الماضي (رويترز)

ووفق حصيلة أعدتها وكالة الصحافة الفرنسية استناداً إلى أحدث الأرقام الإسرائيلية الرسمية، قُتل نحو 1140 شخصاً في جنوب إسرائيل في هجوم حركة «حماس» غالبيتهم في اليوم الأول منه. وقد احتُجز نحو 250 رهينة، واقتيدوا إلى غزة.

تعهدت إسرائيل بالقضاء على «حماس»، وشنت حملة قصف مدمر على القطاع أسفرت عن مقتل 19453 شخصاً، وفقاً لوزارة الصحة في غزة.

البقاء ليس خياراً

قالت الخضري: «تركت قطعة من قلبي»، بعدما أرغمت مثل نحو 1.9 مليون من سكان غزة على الفرار إلى جنوب القطاع.

توجهت في البداية إلى مستشفى «الشفاء» التي لجأ إليها آلاف آخرون، ومن ثم إلى رفح عند الحدود الجنوبية المغلقة مع مصر. لكنها لم تتوقف قط عن توثيق «أهوال» الحرب.

الصحافية هند الخضري في غزة (إنستغرام)

وقال جوناثان داغر، مدير منظمة «مراسلون بلا حدود» في الشرق الأوسط، إن ما يحدث في غزة هو «خنق للصحافة».

وحتى قبل اندلاع الحرب، واجه الصحافيون فترات عصيبة في غزة في ظل حكم حركة «حماس» التي سيطرت على القطاع في عام 2007.

وقال عادل الزعنون مراسل وكالة الصحافة الفرنسية منذ نحو 30 عاماً: «في ظل (حماس)، تغير العمل الصحافي بشكل كبير عما كان عليه الوضع في ظل السلطة الفلسطينية». وأضاف: «لا تعترض (حماس) عادة على تغطية العمليات العسكرية الإسرائيلية، لكنها منعت تماماً أي تغطية لأنشطتها العسكرية، بما في ذلك المواقع العسكرية والأسلحة والأنفاق».

«حماس» التي تعدها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل منظمة «إرهابية»، «حظرت أيضاً أي تغطية لأي مظهر من مظاهر الفساد في حكومتها»، كما أن «قواتها الأمنية لا تتغاضى عن أي انتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي».

منذ بدء القتال، قام رامي أبو جاموس، الصحافي والمنسق لدى كثير من وسائل الإعلام الفرنسية، بتوثيق الحياة في غزة في ما يسميه بأنه أمر «واجب». وبين فيديوهات الجثث ومناشدات الجرحى، ينشر لقطات يلعب فيها مع ابنته ليخطف منها ابتسامة.

فقدان الأهل والأحبة

مع أكثر من 17 مليون متابع، يلتقط المصور الصحافي عزايزة أيضاً في صوره محنة النازحين، فضلاً عن شعوره هو نفسه «باليأس»؛ فهو من خلال دوره بصفته شاهداً ومشاركاً، قام بسحب جثث من تحت الأنقاض أو نقل أطفال الجرحى إلى المستشفى.

وجميع الصحافيين الذين أجرت معهم وكالة الصحافة الفرنسية مقابلات، بمن فيهم اثنان يعملان لديها، دفنوا أحد أحبتهم أو قريباً لهم أو صديقاً منذ بداية الحرب. وفي بعض الأحيان تقع المأساة في أثناء أدائهم عملهم. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح علم أثناء بث مباشر أمام الكاميرا بمقتل زوجته وطفليه في غارة إسرائيلية.

وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: «خوفي الأكبر لم يكن أن أؤدي وظيفتي أبداً، بل أن أفقد أسرتي... أسرتي التي استُشهدت لم أرها حتى يوم الاستشهاد، منذ اندلعت الحرب على قطاع غزة. ودعتهم قبل أن أذهب إلى الحرب، ثم ودعتهم عندما واريتهم الثرى».

وائل الدحدوح خلال تلقيه الرعاية الطبية في مستشفى ناصر في خان يونس إثر إصابته خلال قصف إسرائيلي (أ.ف.ب)

وأضاف الدحدوح الذي أصيب، الجمعة، أيضاً في ذراعه خلال الغارة التي قتلت المصور أبو دقة، أن الصحافي الفلسطيني «وجد نفسه في أتون المعركة مرغماً لا راغباً، وبات يدفع ثمناً باهظاً، ومثل أي مواطن فلسطيني عادي بات يخشى على نفسه، على حياته، على عمله وعلى أسرته وأحبابه وأقاربه»، وهو عاش مثلهم «حياة النزوح والتشرد والتهجير القسري».

«افتحوا الأبواب»

منذ بداية الحرب، شجبت منظمة «مراسلون بلا حدود» عجز إسرائيل عن حماية الصحافيين العاملين على الأرض، الذين ليس لديهم ملاذ آمن.

وبينما يعاني الجميع في غزة من نقص الوقود والغذاء والماء، فإن الصحافيين في حاجة ماسة إلى الكهرباء لشحن الهواتف والكاميرات وأجهزة الكمبيوتر. وهم يعانون من انقطاع الكهرباء المستمر والانقطاع المتكرر للاتصالات.

وقال داغر من منظمة «مراسلون بلا حدود» إن «من خلال قطع الإنترنت، تمنع السلطات الإسرائيلية الصحافيين من العمل. إنه انتهاك للحق في الحصول على المعلومات».

الصحافي وائل الدحدوح يحمل جثمان ابنته في أكتوبر الماضي (صحيفة إيفيننغ ستاندرد)

واضطُر الصحافيون إلى اللجوء إلى أساليب مبتكرة لمواصلة العمل، مثل الصعود إلى أسطح المنازل لالتقاط إشارة لإرسال موادهم مع تكرار الانقطاع.

وحثت منظمة «مراسلون بلا حدود» السلطات على «فتح أبواب» معبر رفح الحدودي مع مصر، حتى «يتمكن الصحافيون أخيراً من الدخول والخروج على جانبي الحدود».

وبعد 73 يوماً من الحرب، يبدو مراسل وكالة الصحافة الفرنسية عادل الزعنون منهكًا، ويقول إن أمنيته الوحيدة هي «إيصال أسرتي إلى بر الأمان».


مقالات ذات صلة

ترحيب إسلامي بقرار أممي يؤكد حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم

المشرق العربي مندوب فلسطين رياض منصور يتحدث خلال اجتماع لمجلس الأمن في مقر الأمم المتحدة (أ.ب)

ترحيب إسلامي بقرار أممي يؤكد حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم

رحّبت منظمتان إسلاميتان باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يؤكد حقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ورفض احتلال إسرائيل غير الشرعي لأراضيه.

«الشرق الأوسط» (مكة المكرمة)
خاص غزيون يقيمون الثلاثاء صلاة الميت على عدد من ضحايا غارة إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

خاص الغزيون متلهفون لهدنة على قاعدة «وقف الموت مكسب»

يتابع الغزيون باهتمام بالغ، الأخبار التي يتم تناقلها عبر وسائل الإعلام عن قرب التوصل إلى اتفاق هدنة محتمل في القطاع بين إسرائيل وحركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي امرأة فلسطينية تنتظر في طابور للحصول على طعام في مركز بغزة (أ.ب)

تركيا: التطورات السورية يجب ألا تصرف الانتباه عن حرب غزة

قالت تركيا إن التطورات في سوريا يجب ألا تصرف الانتباه عما وصفته بـ«الإبادة الجماعية» التي ترتكبها إسرائيل في غزة.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
المشرق العربي شابان يحملان جثتي طفلين قتلا بقصف إسرائيلي بمدينة غزة الثلاثاء (د.ب.أ)

​إسرائيل تستبق هدنة محتملة بتكثيف هجماتها بغزة

لوحظ أن الاستهدافات الإسرائيلية تركز بشكل أساسي على مراكز الإيواء خصوصاً المدارس التي تم استهداف ما لا يقل عن 9 منها خلال 5 أيام.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي عناصر من الجيش الإسرائيلي قرب مبنى مدمر في خان يونس (أ.ب)

الطيران الإسرائيلي يقتل 14 فلسطينياً بينهم أطفال في غزة

قال مسعفون إن الغارات الإسرائيلية في قطاع غزة قتلت ما لا يقل عن 14 فلسطينياً منهم 10 على الأقل في منزل واحد بمدينة غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة )

سوريا: مسؤول في الأمم المتحدة يدعو لزيادة الدعم الدولي «على نطاق واسع»

مسؤول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر (أ.ف.ب)
مسؤول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر (أ.ف.ب)
TT

سوريا: مسؤول في الأمم المتحدة يدعو لزيادة الدعم الدولي «على نطاق واسع»

مسؤول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر (أ.ف.ب)
مسؤول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر (أ.ف.ب)

شدّد مسؤول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر، اليوم (الأربعاء)، على ضرورة زيادة الدعم المخصص لسوريا «على نطاق واسع»، داعياً المجتمع الدولي إلى الاستجابة لـ«لحظة الأمل» التي يعيشها السوريون، بعد إطاحة بشار الأسد.

وفي مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية» على هامش زيارته سوريا، قال فليتشر: «أريد زيادة الدعم الدولي على نطاق واسع، لكن ذلك يعتمد الآن على الجهات المانحة»، وسط نقص حاد «تاريخي» في التمويل المخصص لسوريا.

وأضاف: «في جميع أنحاء البلاد، الاحتياجات هائلة، وسبعة من كل عشرة أشخاص يحتاجون إلى الدعم الآن».

ورأى أن «الشعب السوري يحاول العودة إلى وطنه، حين يكون ذلك آمناً، من أجل إعادة بناء بلدهم، وإعادة بناء مجتمعاتهم وحياتهم»، معتبراً أن «الفرصة سانحة الآن... وعلينا أن نقف إلى جانبه ونستجيب لهذه اللحظة المفعمة بالأمل».

وتابع: «أخشى أن تُغلق هذه النافذة، إن لم نفعل ذلك بسرعة».

وخلال نحو 14 عاماً من نزاع دام، اضطر نصف عدد سكان سوريا إلى ترك منازلهم والنزوح إلى مناطق أخرى أو اللجوء إلى الخارج.

ومع طول أمد الأزمة السورية بغياب تسوية سياسية للنزاع، تراجع الدعم الدولي المخصص لسوريا. وخلال العام الحالي، أطلقت الأمم المتحدة نداء تمويل بقيمة أربعة مليار دولار من أجل الاستجابة للأزمة السورية، جرى توفير ثلثها فقط.

وعلى هامش زيارته سوريا، التقى فليتشر ممثلين عن السلطة الجديدة التي تقود البلاد، بينهم قائد «هيئة تحرير الشام» أحمد الشرع.

وقال فليتشر إن ضمان إيصال المساعدات من دون قيود وتعقيدات بيروقراطية إلى جميع المناطق في سوريا شكّل «نقطة بحث أساسية» خلال نقاشاته في دمشق، لافتاً إلى حصوله على «تطمينات قوية» بهذا الصدد.

وأوضح: «نحتاج إلى الوصول دون عوائق أو قيود إلى الأشخاص الذين نعمل لخدمتهم. نحتاج إلى فتح المعابر حتى نتمكن من إيصال كميات هائلة من المساعدات... نحتاج إلى ضمان أن يتمكن العاملون في المجال الإنساني من الوصول إلى حيث يحتاجون دون قيود وبأمان».

وتابع: «تلقيت أشد التطمينات الممكنة من أعلى الهرم في حكومة تصريف الأعمال لناحية منحنا الدعم الذي نحتاجه. وسيكون ذلك محل اختبار في الفترة المقبلة».

ولطالما فرضت دمشق قيوداً على حركة المنظمات الإنسانية وتوزيع المساعدات في المناطق التي كانت خارجة عن سيطرتها، حيث تركّز العدد الأكبر من النازحين جراء الحرب.