«قسد» النشأة والنفوذ والتحالفات... والحرب مع تركيا

مقاتلون من «قسد» على طريق في دير الزور في 4 سبتمبر الحالي (أ.ف.ب)
مقاتلون من «قسد» على طريق في دير الزور في 4 سبتمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

«قسد» النشأة والنفوذ والتحالفات... والحرب مع تركيا

مقاتلون من «قسد» على طريق في دير الزور في 4 سبتمبر الحالي (أ.ف.ب)
مقاتلون من «قسد» على طريق في دير الزور في 4 سبتمبر الحالي (أ.ف.ب)

تصر تركيا على مواصلة هجماتها على «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي تبسط سيطرتها على شمال شرقي سوريا، وذلك منذ التفجير الانتحاري الذي استهدف وزارة الداخلية في أنقرة مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، إذ قالت إن المنفذين من «حزب العمال الكردستاني»، وأحدهما جاء من مناطق «قسد».

وعلى الرغم من نفي مسؤولي «قسد» هذا الأمر، فإن الهجمات التركية متواصلة، إذ أسفرت حتى الآن عن 47 قتيلاً، بينهم 35 عنصراً من قوى الأمن (الأسايش)، وأكثر من 60 جريحاً، عبر استهداف 170 موقعاً، هي نقاط عسكرية ومرافق حيوية وبنى تحتية ومنشآت للطاقة ومحطات لتغذية التيار الكهربائي والمياه.

مقاتلون من «قسد» على طريق في دير الزور في 4 سبتمبر الحالي (أ.ف.ب)

وهنا تقرير يسلط الضوء على «قسد» التي تصنفها أنقرة، مع أبرز مكوناتها «وحدات حماية الشعب» الكردية، على أنها من المنظمات الإرهابية، لارتباطها الوثيق بـ«حزب العمال الكردستاني» التركي.

النشأة والتحالفات

ظهرت قوات «قسد» في 10 من أكتوبر 2015 بصفتها قوة عسكرية منضبطة بعد مرور سنوات من الحرب الدائرة بسوريا، وهي عبارة عن تحالف بين فصائل كردية وعربية ومسيحية، أبرزها «وحدات حماية الشعب» الكردية، و«قوات الصناديد» التابعة لقبيلة شمر العربية، و«المجلس السرياني العسكري» من المكون المسيحي. أما سياسياً فيمثلها «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«مجلس سوريا الديمقراطية». ومنذ 8 سنوات، أوجدت لنفسها موطئ قدم في الشمال السوري، بعد انسحاب القوات النظامية الموالية للرئيس السوري، بشار الأسد، لإخماد الانتفاضة الشعبية المناوئة لنظام الحكم في مناطق أخرى.

مقاتل من «قسد» إلى جانب مركبة مدرعة أميركية في بلدة الصبحة بريف دير الزور الشرقي (أ.ب)

وتركزت سيطرة هذه القوات، بدايةً، على 3 مناطق ذات أغلبية كردية، وهي «الجزيرة» بالحسكة، ومدينة عين العرب «كوباني» بريف حلب الشرقي، ومدينة عفرين شمالي حلب، يعيش فيها قرابة مليوني كردي، وأنشأت هيئات حكم مدنية، ومجالس محلية مستقلة عن حكومة دمشق، إلا أنها خسرت عفرين لصالح تركيا وفصائل سورية موالية في عملية «غصن الزيتون»، بداية 2018.

توسع النفوذ

وتوسع نفوذ «قسد» مع انضمامها للتحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، المناهض لتنظيم «داعش» الإرهابي نهاية 2014، ولعبت دوراً رئيسياً في هزيمة المتطرفين في مدينتي «كوباني» و«منبج» بريف محافظة حلب، ثم تحرير مدينة الرقة وريف دير الزور الشرقي، وقضت على سيطرة «داعش» العسكرية والجغرافية شرقي سوريا في معركة الباغوز بشهر مارس (آذار) 2019.

وتتلقى أسلحة ثقيلة من التحالف، من بينها ناقلات جنود، ومدافع هاون، ورشاشات ثقيلة، وأسلحة متوسطة وخفيفة، إلى جانب الذخيرة، على الرغم من المعارضة الشديدة من قبل تركيا. وتتوزع المناطق الجغرافية الخاضعة لنفوذها على 4 محافظات، وهي حلب، والرقة، وريف دير الزور، والحسكة، تمثل الآن نحو ربع مساحة البلاد، وتسيطر على أبرز حقول النفط والطاقة والغاز المنتشرة بشكل رئيسي بريف دير الزور والحسكة. وإضافة إلى خسارة مدينة عفرين، انتزعت تركيا وفصائل موالية مدينتي تل أبيض بالرقة، ورأس العين بالحسكة، في عملية «نبع السلام» أكتوبر 2019.

حقائق

100 ألف عنصر

عدد «قسد» بينهم 30 ألفاً من «الأسايش»

وتقول «قسد» إنها قوات وطنية، تعمل على الدفاع عن حدود الوطن والمجتمع ضد أيّ اعتداء خارجي، وتتعاون مع قوات التحالف والقوّات الصديقة والحليفة في مكافحة الإرهاب في سوريا. وتتشكل هيكليتها العسكرية من 20 مجلساً وقيادة عامة، يترأسها مظلوم عبدي، ويقدر قوامها بنحو 100 ألف مقاتل، بينهم 30 ألف عنصر من قوات الأمن الداخلي (الأسايش).

صورة نشرها موقع وحدات الحماية الكردية لعملية أمنية ضد «داعش» ببلدة الهول في الحسكة

وتضم في صفوفها «مجلس جرابلس العسكري»، وهذه البلدة تقع في ريف حلب الشرقي، وتخضع لنفوذ فصائل مسلحة موالية لتركيا ضمن منطقة تسمى عملية «درع الفرات»، كما تضم «مجلس إدلب العسكري»، وهذه المدينة تقع شمال غربي سوريا، وتخضع لسيطرة «هيئة تحرير الشام» أو «جبهة النصرة» سابقاً، غير أن مقاتلين من تلك المناطق منضمون في صفوف «قسد» منذ سنوات.

وهذه القوات تعد اليوم ثاني قوة عسكرية مسيطرة على الأرض بعد الجيش السوري، خضعت لدورات الجيوش النظامية، وتلقت تدريبات من خبراء ومختصين من الجيش الأميركي ودول غربية وعربية، ولديها قيادة هرمية تتوزع على وحدات وأفواج وقطع عسكرية، وتمتلك مقار ونقاطاً عسكرية ووحدات سكنية، شيدت بدعم من قوات التحالف المناهض لتنظيم «داعش».

«قسد» والنظام السوري

وتنتشر القوات الحكومية الموالية للأسد، جنباً إلى جنب، مع قوات «قسد» في مناطق سيطرة الأخيرة، واحتفظت دمشق بموطئ قدم، بما في ذلك السيطرة على مطار القامشلي وقطع عسكرية، ولم تدخل «قسد» وقوات دمشق في صدامات عسكرية؛ حيث تجمعهما غرف عمليات مشتركة واتفاقات ثنائية برعاية القوات الروسية. وتطورت هذه العلاقة العسكرية بعد انتزاع الجيش التركي وفصائل سورية مسلحة موالية من سيطرتها مدن عفرين وتل أبيض ورأس العين.

وتفصلها ضفة نهر الفرات بريف دير الزور الشرقي الشمالي عن نقاط التماس مع القوات الحكومية والميليشيات الإيرانية الأجنبية الموالية لها بالضفة الثانية، واتهمت قوات «قسد» الحكومة السورية بافتعال اضطرابات ريف دير الزور، وتحريض مسلحي العشائر شرقي سوريا، بداية سبتمبر (أيلول) الماضي، والتي أسفرت عن مقتل 25 من عناصرها، و29 مسلحاً من أبناء العشائر و9 مدنيين.

وهي على عداء مع الفصائل السورية الموالية لتركيا و«الجيش الوطني السوري» التابع لحكومة «الائتلاف السوري المعارض» المؤقتة، المنتشرة في مناطق العمليات التركية، وتتصل مناطق التماس الخاضعة لهذه الجهات مع مناطق «قسد» بريف مدينة عفرين بحلب، وريف بلدة تل أبيض بالرقة ورأس العين بالحسكة، وتقع هذه المناطق شمالي البلاد. فيما تعد «هيئة تحرير الشام» وتنظيم «داعش» وجهين لتنظيم متطرف متشدد، لكن لا توجد أراضٍ جغرافية على تماس بينهما.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي مسلحون من الفصائل المحلية في مدينة جاسم يستنفرون ضد القوات الحكومية (موقع شبكة كناكرالسوري)

تجدد التصعيد في جنوب سوريا وتفاقم الانفلات الأمني

تجدد التصعيد في درعا، جنوب سوريا، مع قيام مجموعات محلية مسلحة بقطع الطرق الرئيسية ومحاصرة نقاط التفتيش التابعة للقوات الحكومية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
خاص إيثان غولدريتش خلال المقابلة مع «الشرق الأوسط» (الشرق الأوسط) play-circle 00:45

خاص غولدريتش لـ «الشرق الأوسط»: لا انسحاب للقوات الأميركية من سوريا

أكد إيثان غولدريتش، مساعد نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى والمسؤول عن الملف السوري في الخارجية، أن القوات الأميركية لن تنسحب من سوريا.

رنا أبتر (واشنطن)
المشرق العربي حصيلة المخفيين قسراً لدى أطراف النزاع في سوريا منذ بداية الحرب (الشبكة السورية لحقوق الإنسان)

منظمة حقوقية: «لا أفق لإنهاء الاختفاء القسري في سوريا»

حذرت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» من أنه «لا أفق لإنهاء جريمة الاختفاء القسري في سوريا».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي علاء حسو صاحب محل لبيع المستلزمات المنزلية بالدرباسية التابعة للحسكة يبيع أنواعاً متعددة من البوابير بسبب الطلب الزائد عليها مؤخراً (الشرق الأوسط)

رجعت أيام «بابور الكاز» في شمال شرقي سوريا

عادَ كثيرون من أهالي مناطق شمال شرقي سوريا إلى «بابور» (موقد) الكاز لطهي الطعام وتسخين المياه بعد فقدان جرة الغاز المنزلي والانقطاعات المتكررة للكهرباء.

كمال شيخو (القامشلي)

وزير الدفاع السوري لنظيره الإيراني: نحن في القارب نفسه

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
TT

وزير الدفاع السوري لنظيره الإيراني: نحن في القارب نفسه

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)

قال وزير الدفاع السوري، العماد علي محمود عباس، إن سوريا ودول محور المقاومة في «القارب نفسه» وعلى «الجبهة نفسها» يقاتلون إسرائيل، وإن «التعاون المشترك» سيجعلهم أقوى في مواجهة «المحور المتغطرس»، وفق ما أفادت به وسائل إعلام إيرانية قالت إن وزير الدفاع السوري هنأ، في اتصال هاتفي اليوم الأحد، نظيره الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، بتعيينه وزيراً للدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية.

وفي حين لم تشر وسائل الإعلام السورية الرسمية إلى خبر الاتصال بين الوزيرين حتى إعداد هذا التقرير، فقد أفادت وكالة «مهر» الإيرانية بأن الوزير الإيراني أكد دعم بلاده «إرساء الأمن واحترام وحدة الأراضي السورية»، مشيراً إلى القواسم المشتركة بين البلدين، لا سيما دعم سوريا محور المقاومة، لافتاً إلى أنه «يجب تنفيذ الاتفاقيات بين البلدين؛ بما في ذلك نتائج زيارتكم إلى طهران».

اللجنة الاقتصادية المشتركة السورية - الإيرانية في دمشق خلال أبريل الماضي (سانا)

يُذكر أن وزير الدفاع السوري، العماد علي محمود عباس، زار طهران في مارس (آذار) الماضي في ظل ازدياد احتمالات توسع الحرب مع إسرائيل وتصعيد الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية التي تستهدف القوات الموالية لـ«الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله».

وعلق الوزير الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، على نتائج الزيارة الماضية من وزير الدفاع السوري إلى طهران، بالقول: «سوف يتوسع التعاون بسرعة أكبر».

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)

كما عبر الوزير الإيراني عن أسفه لعدم رؤية بلاده «أي رد فعل مناسب من المجتمع الدولي تجاه جرائم الكيان الصهيوني»، مشدداً على أنه يجب أن يستمر التعاون بين إيران وسوريا، وأن هذا «التعاون سيؤدي حتماً إلى هزيمة الكيان الصهيوني».

ونقلت «مهر» عن وزير الدفاع السوري تطلعه إلى استمرارية العلاقات بإيران، وبذل القوات المسلحة في البلدين «مزيداً من الجهود بما يتماشى مع أهداف البلدين». وقال: «نحن معكم، وعلى الجبهة نفسها. إن أمن البلدين واحد»، وإن «محور المقاومة في القارب نفسه، ويقاتلون كيان الاحتلال الذي ارتكب كثيراً من الجرائم ضد الإنسانية في غزة وسوريا واليمن». وشدد على أن التعاون المشترك «سيجعلنا أقوى في مواجهة هذا المحور المتغطرس» متمنياً تطوير هذا التعاون والاتفاقيات، والاستمرار على «هذا المنوال في مواجهة قوى الشر» وفق «مهر».

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

الاتصال الهاتفي بين وزيرَي الدفاع الإيراني والسوري، جاء بعد ساعات من تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن «موسكو مهتمة بتطبيع العلاقات بين النظام السوري وتركيا»، مؤكّداً أنّ «اجتماعاً جديداً سيُعقد في المستقبل القريب».

ورأت مصادر متابعة في دمشق أن «طهران، ومع كل تطور إيجابي تحققه موسكو فيما يخص ملف التقارب السوري ـ التركي، تبعث برسائل تؤكد نفوذها في سوريا، وتذكّر الجانب السوري بـ(وجوب تنفيذ الاتفاقيات المشتركة وتسديد الديون المستحقة عليه)، في نوع من الضغوط على دمشق حتى لا تمضي في ملف التقارب بعيداً عن المصالح الإيرانية».

منطقة البوكمال نقطة استراتيجية للمسلّحين المُوالين لإيران شرق سوريا (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن ضغوطاً قوية تمارَس على دمشق من الحليفين: الروسي؛ للدفع باتجاه التقارب مع تركيا، والإيراني؛ للتريث واستثمار هذا الملف في إعادة صياغة التوازنات في المنطقة؛ لا سيما مع الجانب الأميركي.

ورجحت المصادر تصدير دمشق موقفين لحليفيها: الأول إظهار التجاوب مع مساعي موسكو وبث رسائل إيجابية تجاه التقارب مع تركيا، والموقف الثاني يهادن الضغوط الإيرانية ويظهر التمسك بثبات الموقف من «محور المقاومة» والالتزام بسياساته، وإظهار التريث تجاه التقارب مع تركيا.

ولفتت المصادر إلى ما سبق أن تناولته وسائل إعلام عربية عن «زيارة سرية من رئيس الأركان السوري، العماد عبد الكريم محمود إبراهيم، إلى إيران دون إبلاغ الرئيس بشار الأسد، وذلك في الأسبوع الأول من أغسطس (آب) الماضي. ورغم خطورة تلك المعلومات، فإنه لم يصدر رد فعل من دمشق؛ بل جرى تجاهلها تماماً. وهذا يضعنا أمام احتمالين: إما وجود انقسام داخل القيادة في سوريا، وإما هي (عملية توزيع أدوار، وتصدير مواقف عدة للتحايل على ضغوط الحليفين)».

اقرأ أيضاً

اقرأ أيضاً