رجعت أيام «بابور الكاز» في شمال شرقي سوريا

بغياب الكهرباء وغلاء الغاز العائلات تعود إلى قديمها

علاء حسو صاحب محل لبيع المستلزمات المنزلية بالدرباسية التابعة للحسكة يبيع أنواعاً متعددة من البوابير بسبب الطلب الزائد عليها مؤخراً (الشرق الأوسط)
علاء حسو صاحب محل لبيع المستلزمات المنزلية بالدرباسية التابعة للحسكة يبيع أنواعاً متعددة من البوابير بسبب الطلب الزائد عليها مؤخراً (الشرق الأوسط)
TT

رجعت أيام «بابور الكاز» في شمال شرقي سوريا

علاء حسو صاحب محل لبيع المستلزمات المنزلية بالدرباسية التابعة للحسكة يبيع أنواعاً متعددة من البوابير بسبب الطلب الزائد عليها مؤخراً (الشرق الأوسط)
علاء حسو صاحب محل لبيع المستلزمات المنزلية بالدرباسية التابعة للحسكة يبيع أنواعاً متعددة من البوابير بسبب الطلب الزائد عليها مؤخراً (الشرق الأوسط)

عادَ كثيرون من أهالي مناطق شمال شرقي سوريا إلى «بابور» (موقد) الكاز لطهي الطعام وتسخين المياه إلى جانب غلي الشاي، بعد فقدان جرة الغاز المنزلي والانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي وشح الوقود في هذه المنطقة التي تعاني من الحصار. ودفعت الحاجة أصحاب المحال التجارية وورش الإصلاح إلى صناعة هذا الموقد محلياً، وهو أمر ليس بجديد على السوريين الذين اعتادوا التكيف مع ظروف الحرب التي مضى عليها 13 عاماً.

وتأتي أزمة الغاز المنزلي في مناطق شمال شرقي سوريا، بعد هجمات تركية في يناير (كانون الثاني) الماضي استهدفت محطة غاز السويدية التابعة لمحافظة الحسكة؛ ما أسفر عن خروجها عن الخدمة نهائياً، فارتفع سعر جرة الغاز بالمنطقة بعد الهجمات التركية لأكثر من 165 ألف ليرة سورية (وتعادل 11 دولاراً أميركياً)، وانخفضت اليوم لتباع بـ115 ألفاً (8 دولارات).

مواقد كاز للبيع في السوق (الشرق الأوسط)

كما يجد الكثير من السوريين «البابور» أفضل من موقد الحطب أو مدفئة المازوت في الطهي، نظراً لأن حرارة «البابور» أعلى وأسرع من الحطب والكهرباء.

15 % من الراتب لشراء جرة غاز

تروي عائشة حسين (60 عاماً) المتحدرة من بلدة الدرباسية، الواقعة أقصى شمال محافظة الحسكة، كيف عادت لاستعمال «بابور الكاز» الذي كانت تحتفظ به لسنوات حولته لقطعة تراثية في منزلها، لكنها اليوم تطهو الطعام عليه. وتقول هذه السيدة الكردية التي كانت ترتدي غطاء رأس فلكلورياً بألوان زاهية وفستاناً شعبياً: «عمر بابور الكاز بعمر أولادي الذين تجاوز أكبرهم 40 سنة، لم أعلم أني سأحتاج إليه من جديد لطهو الطعام وغلي الشاي».

وتتفقد عائشة «بابور الكاز» يومياً قبل إشعاله، وتضع الوقود في خزانه الصغير ثم تقوم بتنظيف فالة الرأس، وتتفحص محيطها حتى يكون بعيداً عن المواد القابلة للاشتعال، وأشارت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أنها تتخذ «خطوات الأمان نظراً للمخاطر من استخدام هذه المواقد القديمة، وألفه بقطعة قماش مبللة تفادياً لتعرضه للانفجار بسبب سخونته».

عائشة حسين المتحدرة من الدرباسية بالحسكة تطهو الطعام على «بابور كاز» بعد غلاء جرة الغاز وفقدانها (الشرق الأوسط)

وفي ظل النقص الحاد في مصادر الطاقة وشح الغاز المنزلي يبحث سكان هذه المناطق عن مختلف الوسائل لطهي وتسخين وجبات الطعام، وذكرت الأربعينية فهيمة أن نكهة الطعام مذاقها أطيب، لكنها تفضل الغاز المنزلي لسرعة تشغيله والراحة والأمان، وتقول: «مجبورون على استخدام البابور لأن الكاز متوافر وطريقة عمله لا تستغرق وقتاً طويلاً كالحطب والمازوت».

محمد أمين (55 عاماً) الذي يعمل موظفاً لدى الإدارة الذاتية، نوّه بأن سعر جرة الغاز تعادل ما قيمته 15 في المائة من مرتبه الشهري؛ إذ يقبض مليوناً و50 ألف ليرة (تعادل 70 دولاراً أميركياً) ويقول: «رواتبنا تبقى ثابتة نتقاضاها بالليرة، أمّا جرة الغاز فتباع بالدولار فيرتفع سعرها كلما انخفضت قيمة الليرة، فكيف حال موظف النظام الذي يتقاضى دون 500 ألف».

انتعاش ورش الإصلاح

عاد موقد الكاز لمكانته، وبات يباع في المحال التجارية مع توفر قطع التبديل نظراً للأقبال الكثيف عليه.

عامل في محل يرتب مواقد كاز للبيع في السوق (الشرق الأوسط)

ويقول عبد الباسط شيخكي، صاحب أقدم «عصروينة» (محل تجاري يجمع بين بيع الأدوات المنزلية والبهارات) في سوق العراصة ببلدة عامودا المجاورة للدرباسية، إنه بعد توفر الغاز المنزلي في التسعينات قل الطلب على «البابور» كثيراً ليزدهر في الأيام الحالية بسبب الظروف المعيشية. ويضيف أن أكثر الأنواع مبيعاً بهذه المناطق هو «بابور الزاوي»، أما المستورد من محافظة حلب سيما النحاس منه، فيصل سعره إلى نصف مليون ليرة، «ومنذ 7 أشهر زاد الطلب عليه ونبيع أحياناً 5 بوابير يومياً».

ومع ازدياد الطلب على «بابور الكاز» انتعشت ورش إصلاح البوابير التي اندثرت لسنوات، وداخل ورشة صغيرة في بلدة الدرباسية ينكب الشاب رضوان حسو (26 سنة) على إصلاح مواقد قديمة، يمسك بالكماشة ثم يضع فالة جديدة قبل أن يقوم بتعبئته واختباره ما إذا كان صالحاً للعمل.

وأشار رضوان إلى أن عائلته تمتلك محلاً لبيع المستلزمات المنزلية، وبسبب الإقبال الكثيف على هذه المواقد «افتتحت هذه الورشة الصغيرة وهي تدر علي دخلاً مقبولاً»، وأوضح أن إقبال الأهالي على تصليح البوابير القديمة زاد بنسبة 80 في المائة عن الأعوام السابقة، لافتاً إلى أن أغلب الأعطال بسبب استخدام خليط غير نظيف من المازوت والبنزين بدلاً من الكاز لتشغيله.

يذكر أن الطواقم الطبية في مدينة الحسكة تسجل 50 إصابة شهرياً بحروق متفاوتة جراء الاستخدام الخاطئ لهذه المواقد، وتوفيت هذا العام سيدتان؛ واحدة من القامشلي، وثانية من ريف دير الزور حرقاً، نتيجة الحروق التي أصيبتا بها جراء انفجار «بابور الكاز» أثناء طهي الطعام.


مقالات ذات صلة

دويّ انفجارات قوية في محيط مدينة سرمدا شمال إدلب

المشرق العربي رسالة تحذيرية مرسومة على جدار مبنى مدمَّر تقول «خطر: ذخائر غير منفجرة» في بلدة تل مناس بريف إدلب الجنوبي (إ.ب.أ)

دويّ انفجارات قوية في محيط مدينة سرمدا شمال إدلب

قالت وسائل إعلام سورية، اليوم الأربعاء، إن دويّ انفجارات قوية سُمع في محيط مدينة سرمدا بشمال إدلب.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الخليج الطائرة الـ11 تحمل على متنها المواد الغذائية والإيوائية والطبية (واس)

وصول الطائرة الإغاثية السعودية الـ11 إلى دمشق

وصلت، إلى مطار دمشق الدولي، الأربعاء، الطائرة الإغاثية الحادية عشرة، ضمن الجسر الجوي السعودي الذي يُسيّره «مركز الملك سلمان للإغاثة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)

لافروف يحمّل الأسد مسؤولية الانهيار

حمّل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس (الثلاثاء)، بشار الأسد، المسؤولية عن تدهور الوضع وانهيار نظامه السابق في سوريا. وقال لافروف خلال مؤتمر صحافي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم العربي قوات الأمن السورية (رويترز)

مسؤول بإدارة العمليات الأمنية في سوريا: سنعمل على إعادة الاستقرار الكامل للساحل

قال مسؤول بإدارة العمليات الأمنية في سوريا، اليوم (الثلاثاء)، إن قوات الأمن تمكنت من ضبط الأمن في محافظة اللاذقية المطلة على البحر المتوسط.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
أوروبا عنصر سوري يحرس مدخل قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية الساحلية السورية (رويترز)

لافروف: موسكو على تواصل مع دمشق

حمَّل الوزير الروسي خلال مؤتمر صحافي في موسكو، الثلاثاء، النظام السوري السابق المسؤولية عن تدهور الوضع في البلاد.

رائد جبر (موسكو)

رئيس الوزراء الفلسطيني: لا يمكن القبول بالفصل بين غزة والضفة ولا ترك القطاع لـ«حالة الفراغ»

محمد مصطفى رئيس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني (صفحة رئيس الوزراء عبر «فيسبوك»)
محمد مصطفى رئيس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني (صفحة رئيس الوزراء عبر «فيسبوك»)
TT

رئيس الوزراء الفلسطيني: لا يمكن القبول بالفصل بين غزة والضفة ولا ترك القطاع لـ«حالة الفراغ»

محمد مصطفى رئيس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني (صفحة رئيس الوزراء عبر «فيسبوك»)
محمد مصطفى رئيس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني (صفحة رئيس الوزراء عبر «فيسبوك»)

قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، اليوم الأربعاء، إنه لا يمكن القبول بعملية الفصل بين غزة والضفة الغربية، مشدداً أيضاً على أنه لا يمكن ترك القطاع لـ«حالة الفراغ».

تفقّد الناس دماراً خلفته الغارة الإسرائيلية على مدرسة الفارابي وسط مدينة غزة تؤوي عدداً من النازحين (أ.ف.ب)

وأضاف رئيس الوزراء، في كلمة ألقاها خلال اجتماع التحالف الدولي لدعم حل الدولتين بالعاصمة النرويجية أوسلو، وبثَّها التلفزيون الفلسطيني، أن حكومته مستعدة لتولي المسؤولية في قطاع غزة، بعد وقف إطلاق النار.

أطفال وأهالٍ فلسطينيون يكافحون من أجل الحصول على الغذاء بمركز توزيع في خان يونس بقطاع غزة (أ.ب)

تأتي تصريحات مصطفى وسط ترقب للإعلان عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، في ظل مفاوضات جارية حول التفاصيل النهائية. وقالت شبكة «سي بي إس» الأميركية، أمس، إن إسرائيل و«حماس» وافقتا مبدئياً، في المحادثات الجارية بالدوحة، على مسوَّدة اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل المحتجَزين.