لبنان: السلطة السياسية مكبّلة في ملف حاكم المركزي

سلامة سيخضع للاستجواب في لبنان بموجب مذكرة الإنتربول الدولية

اجتماع تشاوري وزاري برئاسة ميقاتي (دالاتي ونهرا)
اجتماع تشاوري وزاري برئاسة ميقاتي (دالاتي ونهرا)
TT

لبنان: السلطة السياسية مكبّلة في ملف حاكم المركزي

اجتماع تشاوري وزاري برئاسة ميقاتي (دالاتي ونهرا)
اجتماع تشاوري وزاري برئاسة ميقاتي (دالاتي ونهرا)

لا يزال ملف الادعاء الفرنسي على حاكم مصرف لبنان وطلب توقيفه من جانب الإنتربول، حاضراً في المداولات والنقاشات السياسية التي تدور في البلاد، بعد أن وجدت السلطة السياسية نفسها في مأزق يتمثل بعدم قدرتها على إقالة سلامة أو تعيين بديل له، ما دام أنه لم يُدَن بحكم قضائي مبرم.

وقالت مصادر رسمية لبنانية لـ«الشرق الأوسط»، إن القانون يعطي سلامة حصانة من الملاحقة السياسية، وبالتالي لا يمكن للحكومة إقالته، مشيرة إلى وجود توافق سياسي على ترك الحاكم يكمل ولايته التي تنتهي مع نهاية شهر يوليو (تموز) المقبل.

وفيما كان موضوع الادعاء الفرنسي على الحاكم حاضراً في اجتماع وزاري تشاوري وغير رسمي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزراء حكومته، استدعى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، حاكم مصرف لبنان إلى جلسة تحقيق يعقدها الأربعاء المقبل، لتنفيذ النشرة الحمراء الصادرة عن الإنتربول الدولي استجابة لمذكرة التوقيف الغيابية التي أصدرتها بحقه القاضية الفرنسية أود بوريزي. وقال مصدر قضائي مطلع لـ«الشرق الأوسط»، إن رئيس قسم المباحث الجنائية المركزية في لبنان؛ العقيد نقولا سعد «انتقل صباح الاثنين على رأس قوة أمنية إلى مصرف لبنان وأبلغ سلامة شخصياً قرار استدعائه، وتعهّد الأخير بالمثول أمام النيابة العامة التمييزية والإدلاء بإفادته»، مؤكداً أن القضاء اللبناني «ملزم تنفيذ النشرة الحمراء، وأنه على أثر الاستماع إلى حاكم المركزي سيتخذ عويدات القرار المناسب، ويرجّح تركه رهن التحقيق ومنعه من السفر ومصادرة جوازات سفره»، لافتاً إلى أن النائب العام التمييزي «سيراسل القضاء الفرنسي ويبلغه بتنفيذ النشرة الحمراء، وسيطلب منه تسليمه ملف الاسترداد، أي الملفّ القضائي الذي يحاكم سلامة بموجبه في فرنسا، وعند تسلم هذا الملفّ سيخضع للدرس، وبعدها يضع عويدات مطالعة قانونية يرفعها إلى وزير العدل، الذي عليه أن يقرر قبول طلب التسليم أو رفضه».

ولا يسمح القانون اللبناني بتسليم مواطنيه إلى بلد آخر، لأن صلاحية المحاكمة تعود للقضاء الوطني، حتى لو ارتكب الجرم في البلد الطالب استرداده يعود اختصاص الملاحقة للقضاء اللبناني. وشدد المصدر القضائي على أن «شروط تسليم مواطن لبناني لدولة أجنبية معقدة جداً، وتخضع لشروط ضيقة وللمعاهدات الدولية ومبدأ المعاملة بالمثل»، مذكراً بأن «قرار التسليم سياسي بالدرجة الأولى، وملف رياض سلامة شبيه إلى حدّ التطابق بملفّ كارلوس غصن (الرئيس التنفيذي لشركة نيسان ـ رينو العملاقة، الذي طالبت فرنسا باسترداده لمحاكمته) وزياد تقي الدين (رجل أعمال لبناني ـ فرنسي، متهم بتمويل حملة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي من أموال الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي)، اللذين رفض لبنان تسليمهما إلى فرنسا قبل سنتين».

وبرأي مصادر متابعة للملفّ، فإن «الجرائم التي يلاحق فيها سلامة بلبنان، مطابقة للجرائم التي يلاحق فيها بفرنسا، ولدى دول أوروبية أخرى، خصوصاً أن الملفّ اللبناني تأسس على المساعدات الأوروبية، بدءاً من الاستنابات السويسرية». وتؤكد المصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن «ملف الاسترداد هو الذي يثبت مدى قوّة الأدلة التي استندت إليها بوريزي لاتخاذ قرار توقيف سلامة». وتضيف: «صحيح أننا لا نستطيع أن نوحد معايير الملاحقة بين لبنان وأوروبا، لكن نستطيع توحيد الإجراءات عندما يصل الملفّ الفرنسي إلى لبنان». وترجّح في الوقت نفسه أن «يصار إلى ضمّ الملف الفرنسي إلى الملفّ اللبناني، إذا سلمته فرنسا للبنان، لأن النيابة العامة في بيروت، ادعت على سلامة وشقيقه ومساعدته، بالجرائم نفسها التي يلاحقون بموجبها أمام القضاء الفرنسي».

الملاحقة القضائية ضدّ سلامة شكلت إحراجاً لحكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، وفرضت عليها اتخاذ إجراءات منها البحث الجدي في إمكان إقالته من منصبه قبل شهرين من انتهاء ولايته، لكن مرجعاً قانونياً، شدد على أن «قانون النقد والتسليف يضع قيوداً صعبة على الحكومة تحدد كيفية تعيين حاكم المصرف المركزي وكيفية إقالته». وقال المرجع إن «إقالة حاكم المركزي تفرض موافقته مسبقاً».

ولم يعرف ما إذا كان سلامة طعن بمذكرة التوقيف الفرنسية، أم لا، لكن المصدر القاضي أوضح أن «مذكرة توقيفه التي صدرت من فرنسا قانونية ولا يشوبها أي خلل». وذكّر بأن «القانون الفرنسي يعطي قاضي التحقيق حق تحويل المشتبه به إلى مدعى عليه، ويمنحه حق إصدار مذكرة توقيف إذا رفض المثول أمامه، ولذلك سارعت بوريزي إلى هذا الخيار».

إلى ذلك، باشر قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، إجراءات تبليغ رجا سلامة شقيق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومساعدة الأخير ماريان الحويك، مذكرات استدعائهما إلى باريس للمثول أمام القاضية بوريزي، وأكد المصدر القضائي أن القاضية الفرنسية «حددت 31 مايو (أيار) الحالي موعداً لاستجواب رجا، و13 يونيو (حزيران) المقبل، موعداً لاستجواب مريان، بالملفّ نفسه الذي يلاحق فيه حاكم مصرف لبنان».


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يحذّر من عدم انسحاب إسرائيل من الجنوب

المشرق العربي مدخل بلدة بنت جبيل في جنوب لبنان بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منها وبدء عودة الأهالي إليها (إ.ب.أ)

«حزب الله» يحذّر من عدم انسحاب إسرائيل من الجنوب

جدّد «حزب الله» تحذيره من عدم انسحاب الجيش الإسرائيلي من القرى التي لا يزال يحتلها عند انتهاء مهلة الـ60 يوماً.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس عون متوسطاً بطريرك السريان الكاثوليك مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان والوفد المرافق (رئاسة الجمهورية)

الرئيس عون: إعادة بناء لبنان ليست صعبة إذا صفت النوايا

أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون أنه «علينا أن نكون يداً واحدة لإعادة بناء البلد التي هي ليست بصعبة إذا ما صفت النوايا».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تحليل إخباري رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بعد تسمية نواف سلام لتأليف الحكومة (رويترز)

تحليل إخباري جبران باسيل من الحرب على عون إلى دعم عهده

يبدو واضحاً سرعة تبدّل وتأقلم رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل مع التطورات الداخلية وأبرزها انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية.

بولا أسطيح (بيروت)
تحليل إخباري الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة المكلف نواف سلام في القصر الجمهوري (رويترز)

تحليل إخباري تشكيل الحكومة الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان... فأحسنوا الاختيار

ينصح مصدر دبلوماسي القوى السياسية بتسهيل مهمة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نواف سلام، مؤكداً «أن هناك ضرورة لتوفير الأجواء لولادتها اليوم قبل الغد».

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي الجيش اللبناني يدخل مدينة بنت جبيل (المركزية)

الجيش اللبناني يدخل مدينة بنت جبيل

دخل الجيش اللبناني مدينة بنت جبيل قبل أسبوع من انتهاء مهلة الـ60 يوماً للانسحاب الإسرائيلي من القرى التي احتلتها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

خبير اقتصادي: لا يمكن تصنيف رجال أعمال سوريين إلى «مع وضد»

اجتماع أحمد الشرع مع رجال أعمال سوريين في دمشق هذا الشهر (سانا)
اجتماع أحمد الشرع مع رجال أعمال سوريين في دمشق هذا الشهر (سانا)
TT

خبير اقتصادي: لا يمكن تصنيف رجال أعمال سوريين إلى «مع وضد»

اجتماع أحمد الشرع مع رجال أعمال سوريين في دمشق هذا الشهر (سانا)
اجتماع أحمد الشرع مع رجال أعمال سوريين في دمشق هذا الشهر (سانا)

جاء الإعلان عن انخراط رئيس مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، في عمل استشاري مع الإدارة الجديدة في دمشق، مؤشراً على تأني الإدارة في التعامل مع ملف رجال الأعمال المحسوبين على النظام السابق.

المرصد الذي يرأسه الباحث كرم شعّار، عمل في السنوات الماضية على تعقب شبكات الاقتصاد السورية المرتبطة بالنظام، وتوثيق ارتباطات كبار رجال الأعمال بالجهات السياسية ووضع خرائط لعلاقات الفساد والانتهاكات التي ارتكبت، وتجهيز ملفات يمكن تقديمها للقضاء في حال الطلب.

وسيعمل مدير المرصد مع الإدارة الحالية بصفة «استشاري مستقل»، في بعض القضايا المتعلقة بالسياسات الاقتصادية والعلاقات مع الأمم المتحدة والدول المانحة، وفق ما جاء في منشور له على حسابه الشخصي في «فيسبوك». ويحمل كرم شعّار دكتوراه في الاقتصاد، وهو باحث وخبير غير مقيم في معهد نيولاينز.

أشخاص يبحثون عن جثث في خندق يُعتقد أنه استخدم مقبرة جماعية على مشارف دمشق ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)

حول ملف عودة رجال الأعمال المحسوبين على النظام السابق إلى الساحة الاقتصادية في دمشق، يقول شعّار لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يمكن تصنيف هؤلاء الأشخاص بين «مع وضد»، فمنهم من ارتكب انتهاكات قانونية، مجبراً، مثل التهرب الضريبي، ومنهم من ارتكب انتهاكات تحت ضغط أو ابتزاز المكتب المالي والاقتصادي، وفرع الخطيب (الأمني)، رغم وجود هامش للمناورة، أي لم يكونوا مجبرين تماماً، وهؤلاء يختلفون من حيث نوع الانتهاكات عن رجال أعمال اكتسبوا ثرواتهم من الانتهاكات وكانوا جزءاً من منظومة الفساد واستخدام العنف، مشدداً على أن «هذه الفئة لا يمكن التساهل معها، ولكن علينا النظر في موازنة الصالح العام والمصلحة الخاصة».

ورأى أن التعامل الأمثل مع هؤلاء الأفراد، هو «السماح للجميع بالعودة، دون تسوية مع الإدارة الجديدة أو تقديم حماية مسبقة من الملاحقة، إنما تترك قضية محاسبتهم للقضاء».

وكان وزير الاقتصاد في حكومة دمشق المؤقتة، باسل عبد الحنان، قد نفى الأنباء التي جرى تداولها عن «إجراء تسوية» لرجال أعمال مرتبطين بالنظام السابق، وعادوا إلى سوريا.

وزير الاقتصاد باسل عبد الحنان ومحافظ اللاذقية يجريان جولة على عدة منشآت صناعية نسيجية يوم الاثنين (سانا)

وقال في تصريحات إعلامية، إنه لن تتم مصادرة أموال رجال أعمال محسوبين على النظام السابق، وما سيتم العمل عليه هو فصل الشركات ذات العلاقة مع النظام السابق عن ملاكها، لأن هناك عدداً كبيراً من الشركات ذات شراكات مشبوهة معه. وأن ما يهم الحكومة «هو عودة عمل الشركات ذات الصلة مع النظام السابق والعمال بشكل كامل».