مؤتمر «حل الدولتين» يدعو إسرائيل لاغتنام فرصة السلام

طالَب الدول بالإسراع في تنفيذ «إعلان نيويورك» عبر خطوات لا رجعة فيها

الرئيس إيمانويل ماكرون مصافحاً الأمير فيصل بن فرحان قبيل انطلاق المؤتمر (الخارجية السعودية)
الرئيس إيمانويل ماكرون مصافحاً الأمير فيصل بن فرحان قبيل انطلاق المؤتمر (الخارجية السعودية)
TT

مؤتمر «حل الدولتين» يدعو إسرائيل لاغتنام فرصة السلام

الرئيس إيمانويل ماكرون مصافحاً الأمير فيصل بن فرحان قبيل انطلاق المؤتمر (الخارجية السعودية)
الرئيس إيمانويل ماكرون مصافحاً الأمير فيصل بن فرحان قبيل انطلاق المؤتمر (الخارجية السعودية)

دعا مؤتمر «حل الدولتين»، إسرائيل إلى اغتنام فرصة السلام، وإعلان التزام واضح بالحل، وإنهاء أعمال العنف والتحريض ضد الفلسطينيين، ووقف الاستيطان ومصادرة الأراضي وأعمال الضم في الأراضي المحتلة، ووضع حد لعنف المستوطنين.

وحثَّ «المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين»، الذي ترأسته السعودية وفرنسا، إسرائيل على سحب «مشروع E1»، والتخلي علناً عن أي مشروع للضم، مُشدِّداً على أن «أي شكل من أشكال الضم خط أحمر للمجتمع الدولي، يترتب عليه عواقب جسيمة، ويُشكِّل تهديداً مباشراً للاتفاقات القائمة والمستقبلية للسلام».

وثمَّن بيان مشترك لرئاسة المؤتمر جهود الدول التي اجتمعت، الاثنين، بمقر الأمم المتحدة «في لحظة تاريخية حاسمة للسلام والأمن والاستقرار بالشرق الأوسط»، وقال: «في الوقت الذي نجتمع فيه، تتفاقم المأساة الإنسانية في غزة مع تصاعد الهجوم البري الإسرائيلي على مدينة غزة، فيما يدفع المدنيون والمحتجزون ثمناً لا يمكن تبريره لهذه الحرب المستمرة».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته في افتتاح أعمال مؤتمر «حل الدولتين» الاثنين (الخارجية السعودية)

وأوضح البيان أن المؤتمر أسفر عن اعتماد «إعلان نيويورك»، الذي حظي بتأييد استثنائي من الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 142 صوتاً، و«يؤكد الالتزام الدولي الثابت بحل الدولتين، ويرسم مساراً لا رجعة فيه لبناء مستقبل أفضل للفلسطينيين والإسرائيليين ولشعوب المنطقة كافة»، مشيراً إلى أنه «يُقدِّم بديلاً مبدئياً وواقعياً لدائرة العنف والحروب المتكرّرة».

وشدَّد على أنه «حان الوقت لينتقل المجتمع الدولي من الأقوال إلى الأفعال»، مُثمِّناً الجهود المهمة التي بذلها الرؤساء السبعة عشر لفرق العمل المنبثقة عن المؤتمر «لرسم طريق التنفيذ السريع لحل الدولتين».

ودعت السعودية وفرنسا جميع الدول إلى الإسراع في تنفيذ «إعلان نيويورك» من خلال خطوات عملية وملموسة ولا رجعة فيها، مُرحِّبتَيْن بالتعهدات والإجراءات التي بادر إليها الأعضاء في الأمم المتحدة.

الأمير فيصل بن فرحان يتحدث خلال افتتاح أعمال المؤتمر (الخارجية السعودية)

ورحّب البيان باعتراف كلٍّ من أستراليا وبلجيكا وكندا ولوكسمبورغ ومالطا والبرتغال وبريطانيا والدنمارك وأندورا وموناكو وسان مارينو، إلى جانب فرنسا، بدولة فلسطين، داعياً الدول التي لم تتخذ هذه الخطوة بعد للانضمام لهذا المسار.

ونوَّه بأن «إنهاء الحرب في غزة، وضمان الإفراج عن جميع الرهائن، يظلان أولويتنا القصوى»، داعياً لوقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وتبادل الأسرى، وضمان وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق إلى جميع أنحاء غزة، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من القطاع.

ولضمان اليوم التالي للفلسطينيين والإسرائيليين، أكدت السعودية وفرنسا التزامهما بـ«دعم نشر بعثة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار، بناءً على دعوة من السلطة الفلسطينية وتفويض من مجلس الأمن، انسجاماً مع (إعلان نيويورك)»، كذلك «تعزيز دعمنا لتدريب وتجهيز قوات الشرطة والأمن الفلسطينية، بالاستفادة من البرامج القائمة»؛ مثل: بعثات «منسق الأمن الأميركي، والشرطة الأوروبية، والاتحاد الأوروبي لمعبر رفح».

جانب من مؤتمر «حل الدولتين» بمقر الأمم المتحدة في نيويورك الاثنين (الخارجية السعودية)

وشدَّد البيان على أهمية توحيد قطاع غزة والضفة الغربية تحت مظلة السلطة الفلسطينية، مُرحِّباً بسياسة «دولة واحدة، حكومة واحدة، قانون واحد، وسلاح واحد» التي أعلنتها السلطة، ومتعهداً بمواصلة دعم تنفيذها.

وفي سياق إنهاء الحرب في غزة، أعاد البيان التأكيد على وجوب إنهاء حكم حركة «حماس» في القطاع، ونزع سلاحها، وتسليم أسلحتها إلى السلطة الفلسطينية، بدعم ومشاركة دوليين، انسجاماً مع هدف إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.

وأوضحت السعودية وفرنسا أن «هذا المؤتمر والاعتراف المتزايد بدولة فلسطين يهدفان إلى تجسيد دولة فلسطينية مستقلة ديمقراطية وقابلة للحياة اقتصادياً، تعيش جنباً إلى جنب في سلام وأمن مع إسرائيل».

الوفد السعودي يتفاعل مع إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين (الخارجية السعودية)

وثمَّنت الرياض وباريس «التعهدات التاريخية التي أعلنها الرئيس محمود عباس، بما في ذلك الالتزام بالتسوية السلمية، والرفض المستمر للعنف والإرهاب، وتصريحه بأن الدولة الفلسطينية لا تنوي أن تكون دولة مسلّحة، واستعدادها للعمل على ترتيبات أمنية تخدم جميع الأطراف مع الاحترام الكامل لسيادتها»، مؤكدتين دعمه «في المضي قدماً نحو المزيد من الإصلاحات في هيكل الحوكمة لدى السلطة».

ورحّب البيان بـ«الإصلاحات التي بدأت السلطة الفلسطينية بتنفيذها، بما في ذلك إلغاء نظام دفع مخصّصات الأسرى الذي أصبح ساري المفعول، وإصلاح المناهج الدراسية تحت إشراف الاتحاد الأوروبي وبدعم سعودي، والالتزام بإجراء انتخابات عامة ورئاسية ديمقراطية وشفافة في غضون عام بعد وقف إطلاق النار، بما يتيح التنافس الديمقراطي بين القوى الفلسطينية الملتزمة بميثاق ومنطلقات منظمة التحرير الفلسطينية».

كما رحّب البيان بإطلاق التحالف الطارئ لدعم فلسطين لتعبئة التمويل العاجل لموازنة السلطة الفلسطينية، داعياً جميع الدول والمنظمات الدولية للانضمام إلى هذا الجهد.

الأمير فيصل بن فرحان يلقي كلمة المملكة في افتتاح مؤتمر «حل الدولتين» الاثنين (الخارجية السعودية)

وجدَّد مطالبة إسرائيل بالإفراج الفوري عن أموال المقاصة الفلسطينية المحتجزة، مؤكداً الالتزام بالعمل على مراجعة بروتوكول باريس الاقتصادي، ووضع إطار جديد لتحويل تلك الأموال.

ورحّب أيضاً بـ«الإجراءات الملموسة التي اتخذتها الدول الأعضاء رداً على التدابير الأحادية المناقضة لحل الدولتين، ولانتهاكات القانون الدولي، إلى أن تضع إسرائيل حداً لممارساتها المهددة لحل الدولتين، وذلك بما يتفق والقانون الدولي».

وأكدت السعودية وفرنسا أن «إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتحقيق سلام عادل ودائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، استناداً إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، هما السبيل الوحيد لتحقيق الاندماج الإقليمي الكامل، كما نصت عليه المبادرة العربية للسلام».

حضور كبير لمؤتمر «حل الدولتين» برئاسة الرياض وباريس في نيويورك الاثنين (الخارجية السعودية)

ورحَّبت الرياض وباريس بـ«الالتزام باستكشاف فرص إنشاء منظومة أمنية إقليمية تضمن الأمن للجميع، بالاستفادة من تجارب رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بما يمهّد لشرق أوسط أكثر استقراراً».

وجدَّد البيان دعم «الجهود الرامية إلى إحياء المسارين السوري – الإسرائيلي، واللبناني – الإسرائيلي، بهدف التوصل لسلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط، وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة».

كما جدّدت السعودية وفرنسا دعوة جميع الدول لـ«الانضمام إلى هذا الزخم الدولي من أجل ضمان السلام والأمن لجميع شعوب الشرق الأوسط، وتحقيق الاعتراف المتبادل والاندماج الإقليمي الكامل».


مقالات ذات صلة

دفعة مساعدات سعودية جديدة تعبر منفذ رفح لإغاثة أهالي غزة

الخليج تعد هذه المساعدات امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة (واس)

دفعة مساعدات سعودية جديدة تعبر منفذ رفح لإغاثة أهالي غزة

عبَرت دفعةٌ جديدةٌ من المساعدات الإنسانيّة السعوديّة، الأربعاء، منفذ رفح الحدودي متجهة إلى منفذ كرم أبو سالم جنوب شرقي قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (منفذ رفح الحدودي)
الاقتصاد مقر شركة «أكوا باور» السعودية في العاصمة الرياض (الشرق الأوسط)

«أكوا باور» ترفع ملكيتها في «الشعيبة للمياه والكهرباء» إلى 62 %

وقّعت «أكوا باور» اتفاقية للاستحواذ على كامل حصة «بديل» في شركة الشعيبة للمياه والكهرباء.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق في قلب العلا تمثل «مدرسة الديرة» نافذة جديدة على الفنون (واس)

«الديرة»... من أول مدرسة للبنات إلى مركز للفنون والتصميم

من أول «مدرسة للبنات في العلا» إلى «أول مركز للفنون والتصميم»، تُجسّد مدرسة الديرة رحلة تراث وإبداع مستمرة عمادها حرفيات مبدعات يحولن القطع الجامدة تحفاً فريدة.

عمر البدوي (الرياض)
الاقتصاد مقر «لاب 7» ذراع «أرامكو» لبناء الشركات التقنية الناشئة (الشرق الأوسط)

استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة

أعلنت «هالايد إنرجي» إتمام الإغلاق الأول لجولة استثمارية بقيادة «بي إس في فنتشرز» وبمشاركة «لاب 7» لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة على مستوى الشبكات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الأديب محمد بن عبد الله الحمدان

رحيل محمد الحمدان الباحث عن صبا نجد على وقع السامري والهجيني

ودّعت السعودية، أمس، الأديب محمد بن عبد الله الحمدان، بعد حياة حافلة بالعطاء الأدبي والثقافي، والكفاح طيلة ثمانية عقود، وعاش حياة اليتم في سن مبكرة.

بدر الخريف (الرياض)

السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»
TT

السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

أعربت وزارة الخارجية السعودية، في بيان، عن قلق المملكة إزاء التحركات العسكرية التي شهدتها محافظتا حضرموت والمهرة مؤخرًا، «التي قام بها مؤخرًا المجلس الانتقالي الجنوبي نُفذت بشكل أحادي دون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع قيادة التحالف»، معتبرةً ذلك «تصعيدًا غير مبرر أضرّ بمصالح الشعب اليمني بمختلف فئاته وبالقضية الجنوبية، كما قوّض جهود التحالف».

وأكدت المملكة أنها «ركزت خلال الفترة الماضية على وحدة الصف وبذلت جهودًا مكثفة للوصول إلى حلول سلمية لمعالجة الأوضاع في المحافظتين، ضمن مساعٍ متواصلة لإعادة الاستقرار».

وأوضحت أن هذه الجهود جاءت «بالتنسيق مع دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة اليمنية، لاحتواء الموقف، حيث تم إرسال فريق عسكري مشترك سعودي–إماراتي لوضع الترتيبات اللازمة مع المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، بما يضمن عودة قواته إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات (درع الوطن) والسلطة المحلية وفق إجراءات منظمة وتحت إشراف قوات التحالف».

وشددت الخارجية على أن الجهود «لا تزال متواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، معربة عن أمل المملكة في «تغليب المصلحة العامة، ومبادرة المجلس الانتقالي بإنهاء التصعيد وخروج قواته بشكل عاجل وسلمي من المحافظتين».

كما أكدت المملكة «أهمية التعاون بين جميع القوى والمكونات اليمنية، وضبط النفس، وتجنب ما من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار، لما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية، مجددةً التأكيد على ضرورة تكاتف الجهود لإعادة السلم والأمن المجتمعي».

وجددت المملكة موقفها بأن «القضية الجنوبية قضية عادلة ذات أبعاد تاريخية واجتماعية، ولن تُحل إلا عبر حوار يجمع كافة الأطراف اليمنية على طاولة واحدة، ضمن مسار سياسي شامل يضمن الحل الشامل في اليمن».

واختتمت الخارجية بيانها بالتأكيد على «دعم المملكة لرئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية، بما يحقق الأمن والاستقرار والتنمية والسلام في الجمهورية اليمنية الشقيقة».


دفعة مساعدات سعودية جديدة تعبر منفذ رفح لإغاثة أهالي غزة

تعد هذه المساعدات امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة (واس)
تعد هذه المساعدات امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة (واس)
TT

دفعة مساعدات سعودية جديدة تعبر منفذ رفح لإغاثة أهالي غزة

تعد هذه المساعدات امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة (واس)
تعد هذه المساعدات امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة (واس)

عبَرت دفعةٌ جديدةٌ من المساعدات الإنسانيّة السعوديّة، الأربعاء، منفذ رفح الحدودي متجهة إلى منفذ كرم أبو سالم جنوب شرقي قطاع غزة، تمهيداً لدخولها إلى القطاع بالتنسيق مع الهلال الأحمر المصري.

تضمنت المساعدات كمية كبيرة من السلال الغذائية مقدمة من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية ضمن الحملة الشعبية السعودية لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وتأتي هذه المساعدات بالتزامن مع إقامة مخيمات سعودية بمنطقة القرارة جنوب قطاع غزة ومنطقة المواصي بخان يونس لإيواء النازحين، وتقديم المساعدات الإنسانية لهم مع دخول فصل الشتاء.

وتعد امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية عبر مركز الملك سلمان للإغاثة؛ للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة الذي يواجه ظروفاً إنسانية تهدد الأطفال والنساء في ظل البرد، وصعوبة الظروف المعيشية.


48 ساعة من المباحثات المكثفة والتعاون السياسي والدفاعي بين السعودية وعمان

سلطان عمان مستقبلاً وزير الخارجية السعودي (الخارجية السعودية)
سلطان عمان مستقبلاً وزير الخارجية السعودي (الخارجية السعودية)
TT

48 ساعة من المباحثات المكثفة والتعاون السياسي والدفاعي بين السعودية وعمان

سلطان عمان مستقبلاً وزير الخارجية السعودي (الخارجية السعودية)
سلطان عمان مستقبلاً وزير الخارجية السعودي (الخارجية السعودية)

سجلت الساعات الماضية تصاعداً في مستوى التنسيق والتشاور الثنائي بين السعودية وعمان على الصعيدَين السياسي والدفاعي، بالإضافة إلى الشراكة الاقتصادية، وذلك وسط انعقاد الاجتماع الثالث لمجلس التنسيق السعودي - العُماني، في مسقط، وما صدر عنه من نتائج بيّنت التقدم الذي تشهده العلاقات الثنائية.

في التفاصيل، وصل، الاثنين، الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، إلى العاصمة العُمانية مسقط، واستقبله نظيره العماني بدر البوسعيدي، وعقد الوزيران لقاء استعرضا خلاله «العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، وسبل تعزيزها وتطويرها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات الإقليمية والدولية والجهود المبذولة بشأنها»، قبل أن يترأسا الاجتماع الثالث لمجلس التنسيق (السعودي - العُماني)، وبمشاركة رؤساء اللجان المنبثقة ورئيسي فريق الأمانة العامة للمجلس، وحضره من الجانب السعودي عدد من كبار المسؤولين من وزارات «الخارجية، والداخلية، والاستثمار، والاقتصاد والتخطيط، والثقافة».

مجلس التنسيق واستقبال السلطان

الاجتماع شهد تأكيد وزير الخارجية السعودي أنه يأتي امتداداً للاجتماع الثاني لمجلس التنسيق بين البلدين الشقيقين الذي عُقِد في مدينة العلا الشهر نفسه من العام الماضي، و«نتائجه الإيجابية المثمرة في إطار ما تم اعتماده من توصيات ومبادرات»، بينما أشاد الوزير العماني، بـ«التقدم النوعي في العلاقات بين البلدين الشقيقين وما شهدته من تطور ملحوظ في العديد من القطاعات».

الاجتماع الثالث لمجلس التنسيق السعودي العماني (واس)

واستمر الزخم عبر استقبال سلطان عمان السلطان هيثم بن طارق، الثلاثاء، وزير الخارجية السعودي في قصر البركة، وجرى استعراض آفاق التّعاون بين البلدين وجهود تعزيز متانة العلاقات الثّنائية وترسيخ المصالح المُشتركة، والتّطورات الجارية على السّاحتين الإقليميّة والدوليّة ومرئيّات السعودية تجاهها، ورؤية سلطان عمان في هذا الشأن، وفقاً لوكالة الأنباء العمانية.

تعاون في تبادل الأسرى اليمنيين

في موازاة ذلك، كان التعاون بين البلدين يتواصل، وتوصّلت الاجتماعات الجارية في عُمان، بشأن تبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، إلى توقيع الاتفاق الثلاثاء، لتبادل «الكل مقابل الكل»، وثمّنت السعودية «الجهود الصادقة والمساعي الكريمة التي بذلتها سلطنة عمان في استضافة ورعاية المباحثات ودعم الجهود التفاوضية خلال الفترة من 9 إلى 23 ديسمبر (كانون الأول)».

وعلى الصعيد الدفاعي والعسكري، استقبل اللواء الركن طيار خميس الغافري، قائد سلاح الجو السلطاني العُماني، الفريق الركن الأمير تركي بن بندر بن عبد العزيز، قائد القوات الجوية الملكية السعودية، والوفد العسكري المرافق له، وتبادل الجانبان وجهات النظر حول عدد من الموضوعات في المجالات العسكرية ذات الاهتمام المشترك، وفقاً لوكالة الأنباء العمانية، قبل أن يستقبل الفريق أول سلطان بن محمد النعماني وزير المكتب السلطاني في عمان، الأربعاء، قائد القوات الجوية الملكية السعودية، وجرى بحث عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، إلى جانب استعراض مجالات التعاون العسكري القائمة بين البلدين، وسبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة، كما أعرب الجانبان عن اعتزازهما بعمق العلاقات التاريخية التي تجمع سلطنة عُمان بالمملكة العربية السعودية، وتطلعهما إلى مزيد من التعاون والتنسيق في مختلف المجالات.

«وسام عُمان» لقائد القوات الجوية الملكية السعودية

والأربعاء، منح سلطان عمان، السلطان هيثم بن طارق، «وسام عُمان العسكري من الدرجة الثانية» للفريق الركن الأمير تركي بن بندر بن عبد العزيز قائد القوات الجوية الملكية السعودية، تقديراً لجهوده وإسهاماته في توثيق أواصر التعاون العسكري القائم بين البلدين، وسلّم الوسام نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع في عُمان.

منح «وسام عُمان العسكري من الدرجة الثانية» للفريق الركن الأمير تركي بن بندر بن عبد العزيز قائد القوات الجوية الملكية السعودية (وكالة أنباء عُمان)

بالتزامن.. شراكة اقتصادية

وفي جانب الشراكة الاقتصادية، احتفلت الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة في عُمان، الأربعاء، بافتتاح مشروعين جديدين في شبكة الطرق بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وخلال الاحتفال جرى الكشف عن أن المشروع تم تمويله من قِبَل «الصندوق السعودي للتنمية»، ونُفّذ من قِبَل ائتلاف عُماني - سعودي يضم شركة «ستراباك عُمان» وشركة «الروسان للمقاولات».

افتتاح مشروع اقتصادي في عُمان بتمويل من الصندوق السعودي للتنمية (وكالة أنباء عمان)

حول هذه التحرّكات اللافتة خلال 48 ساعة، قال لـ«الشرق الأوسط» الدكتور محمد العريمي، الكاتب والباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية والمتخصص أيضاً في الدراسات الخليجية، إنه في محصّلة ما يجري بين مسقط والرياض اليوم «لا يمكن قراءته بوصفه تنسيقاً ظرفياً فحسب، بل إعادة تموضع هادئة تهدف إلى بناء استقرار طويل الأمد، يكون فيه الحوار والتكامل الأمني ركيزتين أساسيتين لصياغة مستقبل المنطقة»، أما فيما يتعلق بتوقيت كثافة المباحثات هذه خلال فترة قصيرة جداً، فيعتبر العريمي أنه يعكس إدراكاً مشتركاً لدى القيادتين بأن منطقة الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج خصوصاً، تمر بلحظة مفصلية تتطلب أعلى درجات التنسيق السياسي والأمني خصوصاً بين عُمان والسعودية.

«التوقيت ليس عابراً»

العريمي يرى أن التوقيت «ليس عابراً، بل يأتي في ظل تصاعد التهديدات الإقليمية، وتبدل خرائط النفوذ، وعودة منسوب القلق المرتبط بأمن الملاحة والطاقة، إضافةً إلى استمرار الأزمات المفتوحة وفي مقدمتها أزمة اليمن بالنسبة للجانبين»، وأردف في هذا السياق: «تبدو مسقط والرياض كأنهما تنتقلان من مرحلة إدارة التباينات الإقليمية إلى مرحلة الشراكة الاستباقية في إدارة المخاطر، خصوصاً في الملف اليمني»، ورأى أن الاجتماعات السياسية، واللقاءات على أعلى مستوى قيادي، والتنسيق العسكري الجوي، والإعلان عن اتفاق إنساني كبير في اليمن من مسقط، كلها حلقات في رسالة واحدة مفادها بأن البلدين يتحركان ضمن رؤية متقاربة ترى أن الاستقرار لا يُدار بردود الفعل، بل ببناء تفاهمات عميقة ومتراكمة. على حد وصفه.

تابع العريمي أن عُمان بدورها التقليدي بوصفها وسيطاً موثوقاً، والسعودية بثقلها السياسي والأمني، تقدمان نموذجاً لتكامل الأدوار في المنطقة، مرجّحاً أن تنعكس نتائج هذه المشاورات على مسار الأزمة اليمنية بصورة أوضح، سواء عبر تثبيت قنوات التفاوض، أو عبر ضمانات أمنية إقليمية تقلل من احتمالات الانفجار العسكري في هذا البلد، إلى جانب أن يمتد هذا التنسيق إلى أمن الخليج والبحر العربي، وحماية خطوط الملاحة والطاقة، في ظل تصاعد التحديات العابرة للحدود، أما بصورة أوسع فيعتقد العريمي أن هذا التقارب قد يسهم في توحيد المقاربات تجاه الملفات الإقليمية الكبرى، بما فيها العلاقة مع القوى الدولية، وإدارة التوازن مع إيران، وتعزيز العمل الخليجي المشترك بصيغة أكثر مرونة وواقعية.

جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

المحلل السياسي منيف الحربي، يتفق إلى حد كبير مع العريمي، ويزيد أنه منذ وصول السلطان هيثم بن طارق إلى مقاليد الحكم في سلطنة عمان، وقيامه بأول زيارة خارجية لجلالته إلى السعودية، تشكّلت حقبة جديدة من العلاقة الاستراتيجية بين الرياض ومسقط بأطرها المتعددة؛ السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستثمارية والطاقة والثقافة والرياضة والسياحة.

الملف اليمني والأمن المشترك

الملف اليمني يبرز بوصفه ملفاً مهماً جداً للطرفين نظراً لأن السعودية متاخمة حدودياً لليمن، وينسحب ذلك على عمان، وبالنسبة للحربي فإن استقرار اليمن وخروجه من أزمته الحالية «يتماسّ بشكل مباشر مع الأمن الوطني للبلدين»، لكن رغم أن هذا الملف يأخذ الكثير من الوقت والجهد من جهود البلدين الدبلوماسية، فإن هذا أيضاً ينسحب على التوافق بين الرياض ومسقط في ملف غزة، ومسار حل الدولتين، والسودان، وأزمة حرية الملاحة في البحر الأحمر، وبحر العرب، وأهمية الحفاظ على الأمن القومي الخليجي والأمن القومي العربي.