ضمن استعداداتها لموسم حج هذا العام، نفّذت السعودية حزمةً من التحديثات والمشاريع التطويرية في منشأة الجمرات، تمثلت في إحلال وتحديث محطات الكهرباء الخاصة بالمنشأة، لضمان كفاءة الإمداد الكهربائي، وإنشاء وتأهيل دورات المياه في البدروم الأرضي، بما يضمن جاهزيتها لاستقبال ضيوف الرحمن، وإحلال الشاشات التوعوية والإرشادية في مداخل المسارات والأنفاق الرابطة بين مشعر منى ومنشأة الجمرات، لرفع مستوى الوعي لدى الحجاج وربط المسارات بالمخيمات ضمن مشروع نحو منى الإرشادي لتسهيل تنقلات الحجاج بين المنشأة والمخيمات، إضافةً إلى تركيب مراوح رذاذ في الساحات الشرقية لمنشأة الجمرات بهدف تلطيف المناخ، وتقليل الحرارة في المناطق المكشوفة.
وتُعد منشأة الجمرات واحدةً من أضخم المنشآت في العالم المخصصة لإدارة الحشود، وتتميّز بتصميم هندسي متدرج يتيح توسعتها مستقبلاً وفقاً للنمو المتوقع في أعداد الحجاج، وتتكوّن المنشأة من خمسة طوابق بارتفاع 12 متراً للطابق الواحد، مع أساسات هندسية قادرة على تحمّل حتى 12 طابقاً مستقبلاً، وتمتد المنشأة على طول 950 متراً، وبعرض 80 متراً، وتزيد مساحتها الإجمالية عن 200 ألف متر مربع، فيما تستوعب في أقصى طاقتها التشغيلية نحو 300 ألف حاج في الساعة الواحدة، ما يُعد إنجازاً في إدارة الحشود البشرية بهذا الحجم.
وتضم المنشأة 11 مدخلاً رئيسياً و12 مخرجاً موزعة على الاتجاهات الأربعة، ما يسهم في توزيع الكثافة البشرية وتفادي نقاط التقاء مزدحمة.
وأكدت شركة «كدانة للتنمية والتطوير»، بصفتها المطور الرئيسي للمشاعر المقدسة، أن منشأة الجمرات تخضع سنوياً لمجموعة من أعمال التحديث والصيانة والتحسينات التقنية، التي تهدف إلى الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، وضمان أدائهم لهذا النسك المهم في بيئة آمنة ومنظمة.
وأوضحت الشركة لـ«الشرق الأوسط»، أن دورها في منشأة الجمرات ينطلق من رؤية تكاملية تشمل ثلاثة محاور رئيسية؛ تجويد الخدمات المقدمة للحجاج، من خلال تسهيل الأداء، وتقليل الزحام، وتحسين بيئة التنقل، وتحسين وتحديث البنية التحتية، عبر تدخلات إنشائية وتكنولوجية تواكب المتطلبات الفعلية خلال تشغيلها، إضافة إلى صيانة وتشغيل الأنظمة والمرافق المرتبطة بالمنشأة على مدار الساعة، بما يشمل الكهرباء، الأنفاق، السلالم، وشبكات المراقبة وأنظمة التهوية والتبريد.
أنظمة تشغيل ذكية
إلى جانب تصميمها العمراني، تعتمد منشأة الجمرات على أنظمة تشغيل ذكية تضمن مراقبة الأداء والتحكم في جميع الوحدات الخدمية والملاحية في الوقت الحقيقي، وتشمل هذه الأنظمة نظام إدارة المباني (BMS)، الذي يتحكم بالإضاءة والتهوية والمصاعد والسلالم، ونظام «SCADA» لمراقبة وتحكّم العمليات التشغيلية في مختلف المرافق والمنشآت.
كما زوّدت الجمرات بأكثر من 900 كاميرا مراقبة تعمل ضمن نظام عدّ إلكتروني، يتيح تقدير أعداد الحجاج في الموقع، وضمان التنظيم الدقيق للتفويج، وتفعيل خطط الطوارئ عند الحاجة. وتعمل هذه المنظومة بالتكامل مع أنظمة نداء وإنذار وحماية متقدمة تدار مركزياً.
شبكة الأنفاق والخدمات المساندة
ترتبط منشأة الجمرات بشبكة من البنية التحتية الداعمة، التي تضمن تدفق الحشود وسرعة الاستجابة، وتضم أربعة أنفاق مخصصة للسيارات والحافلات، تربط المنشأة مباشرةً بمكة المكرمة، وستة مبانٍ للخدمات، يتكوّن كل منها من 12 طابقاً لخدمة الحجاج والكوادر التشغيلية، وثلاث محطات كهربائية خاصة بالمنشأة، تدعمها مولدات احتياطية لتفادي أي انقطاع في التيار، وأيضاً 11 مبنى مخصصاً للسلالم الكهربائية، تحتوي مجتمعة على 328 سلّماً كهربائياً، ما يوفّر حركة عمودية مرنة وسريعة في كل الأوقات.
آلية متطورة لجمع الحصى بعد الرمي
ويجمع الحصى بعد إتمام الرمي تلقائياً في أحواض سفلية تحت الجمرات الثلاث، ومنها تُنقل عبر سيور آلية مخصصة، وبعد ذلك يتم إعادتها لمشعر مزدلفة، وتؤدي «كدانة» دوراً مباشراً في التنسيق والمراقبة والتأكد من سلاسة العملية، بما يحافظ على البيئة ونظافة الموقع.
من مشقة الماضي إلى أمن الحاضر
ويعد رمي أحد أكثر المناسك مشقةً بسبب الزحام والتدافع، بيد أنه تحوّل اليوم إلى نموذج يُحتذى به في إدارة الحشود البشرية، بفضل التخطيط الهندسي، والتشغيل الذكي، والتنمية المتواصلة التي تقودها المملكة.
وباتت اليوم علامةً فارقةً في تجربة الحج المعاصرة، تجمع بين عراقة الشعيرة، واحترافية التنظيم، والتزام المملكة بتيسير المناسك ورعاية الحجاج على أكمل وجه.